الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عام من الأزمة وآخر يشوبه الغموض الدمار الشامل أَمْ السلام؟!

365 يومًا مرّت على أزمة لم تكن فى الحسبان، أزمة ألقت بظلالها على العالم كله، فقد مَرَّ عام ٌكامل على العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، التى تحدت كل توقعات الخبراء والمحللين السياسيين، واستغرقت من وقتهم وأقلامهم وقتًا وجهدًا كبيرًا. . ومع دخول العام الثانى للأزمة لم يتوقف خبراء السياسية والباحثون الدوليون عن تحليل كل التحركات الروسية والأوكرانية، فى محاولة لاكتشاف ما يخبئه المستقبل القريب. 



 

مجموعة من خبراء ومحللى مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية الأمريكية (CSIS)، ومركز أبحاث «المجلس الأطلسى»، حاولوا رصد حصاد العام الأول للأزمة، التنبؤ بالمستقبل القريب، والإجابة عن بعض أهم الأسئلة والنقاط التى تشغل الرأى العام العالمى، ومنها: تقييم المسارات المحتملة للأزمة، ومدى استمرار المساعدة الخارجية لأوكرانيا، فى ظل مواجهة «أوروبا» واقعًا چيوسياسيًا جديدًا؛ واضطرار «الاتحاد الأوروبى» إلى إعادة النظر فى استراتيچياته، بداية من وضعه العسكرى وعلاقاته مع «أوكرانيا»، وصولًا إلى تحديات التكنولوچيا، والتجارة، والحفاظ على مؤسّساته الخاصة؛ إلى جانب التطرُّق للسئوالين الأكثر أهمية، وهما النووى الذى يلوح فى الأفق. وأخيرًا، كيف يمكن أن تنتهى الأزمة؟

 استمرار الأزمة يتوقف على الدعم الغربى

رأت نائب مدير برنامج الأمن الدولى، التابع لمركز الدراسات الاستراتيچية والدولية الأمريكية (CSIS) «إميلى هاردينج»، أن نجاح أو فشل جهود «كييف» الحربية يعتمد على حقيقة مؤسفة واحدة، وهى أن «أوكرانيا» لا تملك القدرة المحلية على تسليح نفسها لهذه المعركة، إذ يعرف الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى»؛ بل كرّس وقتًا وطاقة لدعم العلاقات وخطوط الإمداد الغربية.

وأوضحت «هاردينج» أنه رُغْمَ استجابة الغرب البطيئة والمترددة فى البداية تحسبًا للتصعيد، كثف أعضاء حلف شمال الأطلسى (ناتو) تقديمهم أنظمة أسلحة وقوية، ومتطورة، وعالية الدقة للأراضى الأوكرانية.

ومع ذلك؛ أشار استطلاع حديث أجراه «المركز الأوروبى للتمييز فى مواجهة التهديدات الهجينة»، إلى أن قطاعات كبيرة من شعوب الدول الأوروبية، صارت تتساءل عن سبب إرسال «أوروبا» الكثير من المساعدات إلى «أوكرانيا»، فى الوقت الذى يشعر فيه- أيضًا- حلفاء (الناتو) بمخاوف هيكلية تتجاوز استطلاعات الرأى، ومنها تلك التى نوّه إليها الباحث «سيث چونز» فى تقريره المعنون: (صناديق فارغة فى بيئة الحرب)، بأن الدعم المقدم لأوكرانيا أدى لخفض مخزون «الولايات المتحدة» من أنظمة الأسلحة الحيوية بشكل أسرع مما يمكن تجديده. 

وأفاد التقرير بأن وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) وضعت على العقد جزءًا بسيطًا من الأسلحة التى أرسلتها إلى «أوكرانيا». مضيفًا: إن العديد من حلفاء وشركاء «واشنطن» فى «أوروبا» لديهم- أيضًا- قواعد صناعية دفاعية غير مستعدة لحرب كبرى، كما أنها تعتمد بشدة على «الولايات المتحدة»، وتعانى من نقص مزمن فى التمويل.. وعليه؛ رجحت «هاردينج» أنه فى مرحلة ما، سيبدأ صناع القرار العسكريون الأمريكيون، والأوروبيون فى الشعور بالضيق، والتساؤل عن الأسلحة التى يجب إرسالها للأراضى الأوكرانية، وما يجب الاحتفاظ به احتياطيًا لمعركة مستقبلية محتملة، إذا تصاعدت هذه الأزمة بشكل كبير، أو فى حالة انتهاز «الصين» فرصة للتحرك فى المحيط الهادئ.

ضرورة استمرار الدعم الغربى لكييف

اتفق كبير باحثى مركز أبحاث المجلس الأطلسى «دانيال فرايد» مع رأى «هاردينج»، مشددًا على ضرورة الحفاظ على الزخم بشأن المساعدات الغربية لأوكرانيا، واستمرار العقوبات على «روسيا» فى المقابل؛ خصوصًا مع إحراز انتهاج هذه السياسة الغربية لتقدم فى تهدئة وطأة الانتصار الروسى، من وجهة نظره.. ومع ذلك؛ أكد «فرايد» أن «موسكو» مصممة على الانتصار فى عمليتها العسكرية. مضيفًا إن ذلك ستختبر العزم الأوروبى والأمريكى على حد سواء.

وعليه؛ دعا «فرايد» أن تكون مهمة «أوروبا، والولايات المتحدة» فى عام 2023، هى المساعدة فى إنهاء العملية العسكرية الروسية بشروط «أوكرانيا»، مما يعنى تكثيف تدفق المساعدات العسكرية، والاقتصادية، إلى الأراضى الأوكرانية، وتكثيف الضغط الاقتصادى على «روسيا». 

كما فنّد الباحث قائمة طويلة من الخطوات والإجراءات، التى يمكن أن تتخذها الدول الغربية فى هذه القضية، ومنها: تفعيل سقف أسعار النفط، إيجاد صادرات روسية أخرى لتقييدها، فرض وتوسيع ضوابط التصدير على «روسيا»، وإنفاذ العقوبات القائمة، وملاحقة منتهكى العقوبات أينما كانوا، وإيجاد طرق لإعادة توظيف احتياطيات النقد الروسى المعطلة لصالح «أوكرانيا»!! 

فى السياق ذاته؛ أكدت الباحثة فى مركز أوروبا، التابع لمركز أبحاث المجلس الأطلسى «مارى جوردان»، التى علمت- سابقًا- بالمديرية العامة للعلاقات الدولية والاستراتيچية بوزارة الدفاع الفرنسية، أنه على مدار العام الماضى، خصص «الاتحاد الأوروبى» مستوى غير مسبوق من الموارد، والطاقة لأوكرانيا؛ حيث أتاح نحو 30 مليار يورو من الدعم المالى، والاقتصادى، والإنسانى لكييف؛ بالإضافة إلى 12 مليار يورو من المساعدات العسكرية، بما فى ذلك 3.6 مليار يورو من الدعم من خلال مرفق السلام الأوروبى.. وأوضحت أن الاحتياجات الأوكرانية فى مجهودها الحربى تتطلب أن يحافظ «الاتحاد الأوروبى»، والدول الأعضاء على هذه التعبئة هذا العام.. محذرة- فى الوقت ذاته- أنه فى الوقت الذى سيستمر التكتل فى إعطاء الأولوية لأوكرانيا، هناك خطر يكمن فى تخلى «الاتحاد الأوروبى» عن شراكات أخرى ويخل بالتوازن، بينها: المصداقية والجاذبية كشريك على المَحك.. مشددة على ضرورة ألا يتجاهل «الاتحاد» الشراكات المهمة، وعدم التوقف عن محاولته النهوض كفاعل چيوسياسى على امتداد عالمى.

اللجوء للنووى ما بَعد التصعيد

من جانبه؛ ألقى مديرة مشروع القضايا النووية «هيذر ويليامز»، نظرة إلى ما بعد التصعيد، قائلًا، إنه: «سواء استمرت العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» لأشهُر أو سنوات؛ فسوف تستمر الأسلحة النووية فى الظهور فى الخلفية».. واعتبر «ويليامز» أن «موسكو» أصبحت تعتمد على الأسلحة النووية للإكراه.. مشيرًا إلى تصريحات الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، التى أكد فيها على مواصلة الحفاظ على الاستعداد القتالى للثالوث النووى وتحسينه. ومن ثم؛ أدرج العديد من المركبات النووية الروسية، التى تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وأوضح «ويليامز» أن (الكرملين) اعتمد على التهديدات النووية لسببين رئيسيين؛ الأول: ردع (الناتو) عن التدخل المباشر فى «أوكرانيا».. مضيفًا إن جهود «موسكو» قد حققت بعض النجاح فى منع التدخل العسكرى الغربى المباشر؛ أمّا السبب الثانى؛ فيكمن فى حالة مواجهة «روسيا» للهزيمة؛ فإنها قد تلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية فى منطقة استراتيچية رئيسية، مثل مدينة «خيرسون».

وعليه؛ أكد «ويليامز» أن ردع (الكرملين) عن استخدام الأسلحة النووية سيتطلب جهودًا دولية متضافرة.. مقترحًا ضغط المجتمع الدولى على شركاء «موسكو» الاستراتيچيين الرئيسيين فى «بكين»، و«نيودلهى»؛ بأن يوضحوا للقيادة الروسية أن أى استخدام نووى فى الأراضى الأوكرانية، من شأنه أن يحول «روسيا» إلى دولة منبوذة.

الحل التقليدى عبر المفاوضات

لم تكن نظرة كبير المحللين الاستراتيچيين «إليوت كوهين» تشاؤمية بشأن الأزمة المستمر.. مؤيدًا الحكمة التقليدية التى تقول (مفاوضات)، عبر جلوس مجموعة من الرجال على طاولة يختتمون فيها الحروب.. موضحًا أن تلك المفاوضات يمكن أن تكون مفاوضات استسلام، أو ترتيبًا لوقف إطلاق النار، أو مهرجان سلام كبيرًا.

ومع ذلك، توقع «كوهين»- فى الوقت ذاته- أن ما لن يحدث، هو التفاوض الذى يهدف للخروج بحل وسط حقيقى يحقق السلام.. مرجحًا انهيار أحد الجانبين بسبب الإرهاق. وعليه تصبح النتيجة، هى وقف إطلاق النار، الذى يعد- أيضًا- أساس صراع آخر.. متوقعًا أنه إذا استمر الغرب فى التباطؤ فى تسليح «أوكرانيا»؛ فقد تكون «كييف» هى التى تزحف إلى الطاولة. 

 2023.. عام غامض على «أوروبا»

رجّح مدير مكتب «وارسو»، التابع لمركز أوروبا «آرون كوريوا»، أن يشهد العام الجارى تطورات كبيرة فى علاقات بعض الدول الأوروبية، والتى تتوتر بسبب العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا.. مستشهدًا بأنه فى عشية الأزمة، كان 60 % من البولنديين- على سبيل المَثل- ينظرون إلى «ألمانيا» على أنها حليفة. ولكن، فى أكتوبر الماضى، انخفض هذا الرقم إلى 20 %، بسبب الأزمة «الروسية- الأوكرانية».. وأضاف إن الأصوات الرئيسية فى الحكومة البولندية انخرطت- علنًا- فى خطاب حاد مناهض لألمانيا، مع تباطؤ «برلين» فى توفير شحنات الأسلحة اللازمة لكييف.. متسائلين عما إذا كانت شريكتهم فى حلف (الناتو)، سوف تساندهم حال تعرضت «بولندا» نفسها لأى هجوم. 

وعلّق « كوريوا»: إن العلاقة البناءة وذات الصلة من الناحية العملية بين «بولندا»، و«ألمانيا»، هى مفتاح لمستقبل (العلاقات عبر الأطلسى).. موضحًا أنه بالنسبة لألمانيا، تعتبر «بولندا»- الآن- دولة على خط المواجهة، كما كانت خلال فترة (الحرب الباردة، وبالنسبة لوارسو، فتعتبر «برلين» بمثابة العمق الاستراتيچى، وخط الإمداد للمساعدات العسكرية الأمريكية؛ أمّا بالنسبة للاتحاد الأوروبى، فتتمثل السياسة الذكية فى تطوير «منطقة شنجن العسكرية»، التى من شأنها تسهيل نقل القوات المتحالفة عبر الحدود، وتحفيز التعاون الدفاعى «الألمانى- البولندى» المهم استراتيچيًا. 

من جانبه؛ رجّح كبير باحثى مركز أوروبا، التابع لمركز أبحاث المجلس الأطلس، «ديف كيتنج» أن يشهد عام 2023 قيام الكتلة الأوروبية بتنفيذ تغييرات مؤسّسية لإضفاء الطابع الرسمى على هذا التحول إلى هياكل «الاتحاد الأوروبى». 

بصورة أوضح، قال «كيتنج» إن: «فكرة إنشاء اتحاد دفاعى أوروبى، التى كانت مجرد حلم بعيد المنال، أصبحت الآن حقيقة واقعة، وهى توجه أول تمويل للاتحاد الأوروبى على الإطلاق لمعدات لنزاع أجنبى. كما أدت سياسة حافة الهاوية فى الغاز الروسى إلى اتخاذ قرارات غير مسبوقة بشأن مصادر الطاقة، وهو مجال آخر، مثل الدفاع».. وأكد أنه حتى الآن، تم اتخاذ هذه التحركات غير المسبوقة، من خلال استخدام المؤسّسات الأوروبية القائمة، ومعاهدات «الاتحاد الأوروبى» الحالية.. مضيفًا إنه فى العام الماضى، دعا المواطنين فى مؤتمر (مستقبل أوروبا) إلى مراجعة المعاهدات، لتمكين «الاتحاد الأوروبى» من التصرف بسرعة أكبر وتوحيد الهدف. 

وأشار «كيتنج» إلى أن ذلك سيتطلب أولًا الدعوة إلى اتفاقية دستورية، مثل تلك التى عُقدت فى عام 1999 لصياغة ما أصبح فى النهاية معاهدة لشبونة لعام 2009.. مشددًا على أن «الاتحاد الأوروبى» يحتاج- هذه المرة- أن يتحرك فى تنفيذ الأمور بشكل أسرع، بالنظر إلى التحديات الجارية، ومنها فكرة تبنى إصلاح المعاهدة بدرجات متفاوتة من الحماس، من قبل بعض الدول الأعضاء فى غرب وجنوب «أوروبا».