الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. حضارة مصر بناها المصريون فقط (2) المصريون من صنعوا التاريخ واخترعوا التقويم وحساب الأيام

حواديت.. حضارة مصر بناها المصريون فقط (2) المصريون من صنعوا التاريخ واخترعوا التقويم وحساب الأيام

قد يعتقد البعض أننا نبالغ حين نقول أن مصر هى من  صعنت التاريخ والتقويم وحساب الأيام؛ ولكنها الحقيقة التى لا ينكرها إلا جاحد أو حاقد، فقد اخترع أجدادنا الكتابة التى ساعدتهم على تدوين تاريخهم على جدران المقابر وكانوا أول من اخترع التقويم الشمسى لحاجتهم إليه فى زراعة الوادى. 



 

فجر الحضارة 

لم يحل عام 3400 قبل الميلاد إلا وكانت الحضارة المصرية  قد  وصلت إلى درجة متقدمة إلى حد ما، (كما أوضحنا فى الحلقة السابقة) وقد ثبت  تاريخيا أن الدلتا فى ذلك الوقت البعيد كانت أكثر تقدمًا من الصعيد وتم تكوين إقليمين من الشمال والجنوب وأصبح لكلٍ منهم ملك وله تاجه الخاص به وكذلك آلهتهم الخاصة؛ حيث كان مركز عبادة الإله حورس (الصقر) فى أول الأمر فى غربى الدلتا، وكان هناك إله آخر فى شرقى الدلتا وهو الإله «عنچتى»، ولكن لم يلبث حورس حتى تغلب عليه وأصبح إلهًا للدلتا كلها عند توحيدها. أما فى الصعيد فكان الإله، ست، هو الإله الذى يتغلب نفوذه على ما عداه من الآلهة، وكان مركز عبادته فى مدينة - نويت، فى محافظة قنا عند بلدة طوخ الحالية شمالى نقادة. 

اختراع التقويم والتاريخ 

كان بحث علماء الآثار المصرية والمؤرخين المختصين فى علم الفلك والتاريخ شاقًا للوصول إلى تحديد العصر الذى بدأ فيه المصرى التاريخ بالسنة الشمسية ولذلك لجأوا لعملية حسابية غاية فى الذكاء فابتدأوا بسنة 139م، ونحن نعرف بالضبط أول يوم فى السنة الشمسية وهو اليوم الذى ظهر فيه نجم الشعرى اليمانية «سوتيس»، وأيضًا اليوم الذى بدأ فيه فيضان النيل، وقد اتخذوا هذا التاريخ نقطة ثابتة، ورجعوا إلى الوراء به مدة ثلاث مرات يتفق فيها ظهور الشمس والشعرى اليمانية «سبد» بالمصرية فى ساعة واحدة، ويحدث هذا مرة واحدة كل 1460 سنة بحساب فلكى ثابت، وبذلك ظنوا أنه يمكنهم أن يحددوا سنة 4241 ق.م بالسنة التى ابتدأ فيها المصريون يحسبون بحساب السنة.

المصرية الشمسية، (أى قبل عصر قيام الأسرات المصرية) وقد قال بعض المؤرخين إن هذا التاريخ هو أقدم عهد فى تاريخ العالم.

وقد استنتج هؤلاء المؤرخون من هذا التاريخ السحيق فى القدم نتائج مهمة، فمنه عرفوا مقدار تقدم المصريين فى الحضارة فى هذا العصر العتيق؛ إذ كان فى مقدور المصرى أن يلاحظ ظهور النجوم، ويتمكن من تحديد مدة السنة الشمسية، ومن جهة أخرى استنتجوا الأنظمة التى كانت عليها البلاد فى ذلك العصر، وقد لجأ المصريون إلى اختراع التقويم الشمسى نظرا لأن السنة القمرية بشهورها المختلفة فى الطول بين 29 و30 يومًا لم تكن بالشيء الدقيق للمصريين الذين خلقوا بطبيعتهم زراعًا للأرض. هذا على خلاف السنة الشمسية التى تبتدئ فى وقت حادثة معينة للفلاح المصرى،  وهو فيضان النيل المنظم العظيم لحياة الفلاح المصرى.  

اختراع المصريين للكتابة

قد يفاجأ الكثيرون بأن للمصريين طوال تاريخهم نوعين من الكتابة (الهيروغليفية) وتسمى الكتابة المقدسة وهى التى استخدمها الكهنة فى المعابد، والثانية (الديموطيقية) أى لغة عامة الناس كما ذكر «هيرودوت» و«دیودور».

وقد بقى تفسير هذه الكتابات سرًا غامضًا إلى أن ساق القدر ضابط مدفعية فرنسى اسمه بوشاز أثناء الحملة الفرنسية على مصر إلى اكتشاف حجر رشيد عام 1799، واستطاع العالم الفرنسى شامبليون سنة 1822 كشف أسرار اللغة المصرية القديمة بحل رموز هذا الحجر، ولم تمح اللغة الهيروغليفية من البلاد بل بقيت فى شكل آخر هو اللغة القبطية، وذلك أن الهيروغليفية منذ فتح الإسكندر الأكبر لمصر أخذت تكتب علاوة على كتابتها بالإشارات المصرية بحروف إغريقية بعد إضافة سبعة حروف ديموطيقية، لم يكن لها مثيل فى اللغة اليونانية، ومنذ ذلك العهد صار يطلق على اللغة المصرية القديمة اللغة القبطية أى المصرية، وقد كانت الكتابات المتداولة فى البلاد على ثلاثة أشكال مختلفة إلى أواخر عهد الرومان فى مصر، وهى الكتابة الهيروغليفية؛ أى الكتابة التقليدية للبلاد، ثم الكتابة الإغريقية، ثم الكتابة القبطية، وقد اختفت الكتابة الهيروغليفية فى أواخر القرن الرابع الميلاد باختفاء الوثنية من البلاد، ولم تعد كتابة القوم، أما اللغة الإغريقية فقضى على تداولها عمرو ابن العاص بعد ضمه مصر إلى الدولة الإسلامية بينما بقيت الكتابة القبطية لغة القوم بعيدا عن أعين العرب. 

رموز الكتابة المصرية القديمة 

كشفت الدراسات أن اللغة المصرية القديمة لم تكن إشارات رمزية فحسب، كما كان يعتقد الناس من قبل، بل إنها فى الواقع كانت تحتوى على:

(1) إشارات رمزية أو تصويرية مثل «رع» و«تحوت».

(2) وإشارات صوتية قد تكون أحيانا مركبة من مقطع مثل «مس»، وأحيانا من حروف أبجدية مثل حروف «س»  والحقيقة (كما يطرحها دكتور سليم حسن فى موسوعته تاريخ مصر مصر القديمة الجزء الأول) أن الخطأ الذى وقع فيه أسلاف «شامبليون» والذى كان هو نفسه يشاركهم فيه إلى يوم وصوله إلى هذه الحقيقة، هو الاعتقاد بأن الكتابة الهيروغليفية أحيانا تصويرية بأجمعها أو صوتية بأجمعها، ولكن الواقع أن نظام هذه الكتابة هو نظام مركب؛ إذ إنها كتابة تصويرية ورمزية وصوتية. 

توحيد البلاد 

كانت هناك محاولتان لتوحيد إقليميى مصر الشمالى والجنوبى ولكنه تم توحيدها للمرة الثالثة والأخيرة حوالى عام 3200 على يد الملك «مينا» مؤسس الأسرة الأولى وهو عظيم من عظماء أهالى «طيبة» بالقرب من «العرابة» المدفونة مركز البلينا ( جنوب مصر ) وعُرف بلقب موحد القطرين قبل الميلاد تقريبا وقام ببناء عاصمة جديدة على مقربة من عين شمس العاصمة القديمة، وقد سماها «من-نفر» (الميناء الجميلة) وهى التى أطلق عليها اليونان اسم «منفيس» (البدرشين وميت رهينة)، ولما تولى «أتوثيس» ابن «مینا» الحكم حصن هذه الحاضرة، فأقام قلعة ضخمة سماها الجدران البيضاء، وهذه الحاضرة الجديدة، بقيت نحو عشرة قرون نامية زاهرة خلال حكم الأسرات الثمانية الأولى، أما الإله الرسمى الجديد فلم يكن أحد آلهة الدولة السابقين مثل «أوزير» و«حور» و«رع» ولكنه كان الإله المحلى للعاصمة الجديدة واسمه الإله «بتاح». 

والظاهر أن ملوك الأسرتين الأولى والثانية لم يتخذوا «منف» عاصمة لملكهم، ولم يفكروا فى نقل مقر ملكهم إليها، وإذن يحتمل أن منف لم تكن يوما من الأيام عاصمة المملكة المتحدة، والظاهر أن الدور الذى لعبته فى تاريخ البلاد كان أقل من ذلك أهمية، فلم تتعد كونها معقلا للبلاد فى الجهة الشمالية؛ أى إنها كانت قلعة حصينة، أما الملوك فإنهم استمروا فى إقامتهم فى الجنوب الأقصى متخذين بلدة «نخن» مقرا لهم، ولذلك كانت أهمية منف الإشراف على بلاد الدلتا التى فتحت حديثا وضمت إلى ملك الصعيد، وقد كان لقرب منف من هذه البلاد التى ضمت حديثا أهمية أخرى؛ إذ جعلتها مركزا سهلا لإدارتها. 

تمسك المصريين بحضارتهم 

كانت الأجيال القليلة السابقة على بدء الأسرة الأولى، وتلك القرون الأربعة التى حكم أثناءها ملوك الأسرتين الأولى والثانية هى الفترة التى تفاعلت فيها جميع عناصر الحضارة فى مصر، كانت هى فترة التجارب والمحاولات التى قضاها شعب طموح فى مستهل أيام حضارته حتى استقر أخيرًا على أوضاع خاصة ارتضاها لنفسه ووجد أنها تعبر تماما عما يريده، سواء فى الدين أو فى الفن أو فى الحياة بوجه عام، فاستمسك بها وحافظ عليها نظرًا لقوة أساسها.  فلما تقدمت به مـدنـيـتـه استطاع أن يرتفع بالبناء فـوق ذلك الأساس فلم يخب ظنه فيه، وعندما اتصل بغيره من الحضارات فيما بعد لم يجد من بينها ما يلائم حياته أو ذوقه خيرًا مما كان لديه فزاده ذلك استمساكًا به.

المصادر :

1 -موسوعة مصر القديمة للأثرى الدكتور سليم حسن (الجزء الاول). 

2 -كتاب مصر الفرعونية للأثرى الدكتور أحمد فخرى.