الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

1.6 تريليون دولار خسائر عالمية حالة الاقتصاد العالمى بين التذبذب والتعتيم

فى 24 فبراير 2022 خرج العالم من أزمة محاربة جائحة كورونا ليدخل مرحلة مظلمة مع بداية الإعلان عن «العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا» وفق ما أعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين فى بداية الأمر. وقد ألقت هذه العملية العسكرية بظلالها المظلمة على الاقتصاد العالمى الذى كان مرتبكًا بعض فترة إغلاق جائحة كوفيد- 19، فثمة تغيرات حدثت وستحدث، فقد انكمش الاقتصاد الأوكرانى، كما أن روسيا تترنح تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، وانقطعت فعليًا عن النظام المالى العالمى.



 

وقد تكلف الاقتصاد العالمى أكثر من 1.6 تريليون دولار العام الماضى بسبب تداعيات هذه الحرب، وفق دراسة أجراها المعهد الاقتصادى الألمانى «آى دبليو»، كما تراجع الناتج الاقتصادى العالمى فى عام 2022 بمقدار يزيد بكثير عن 1600 مليار دولار، مقارنة بما كان يمكن أن يكون بدون الحرب الروسية الأوكرانية.

حرب التضخم العالمى

وفق تقرير لمجلة «فورين بولسى» أوضح أن الاتحاد الأوروبى يضطر أيضًا إلى التعامل مع حالة كبيرة من عدم اليقين فيما يتعلق بكل من إمدادات الطاقة وأسعارها، حيث تذبذبت أسعار الغاز فى الآونة الأخيرة بنسبة تصل إلى %70 فى يوم واحد.

وعلى الصعيد نفسه، أوضحت دراسة للمعهد الاقتصادى الألمانى «آى دبليو»، أن الحرب الروسية الأوكرانية كلفت الاقتصاد العالمى أكثر من 1.6 تريليون دولار العام الماضى، كما هو متوقع أن تصل خسائر الإنتاج العالمى إلى نحو تريليون دولار أخرى خلال العام الجارى 2023، وقد أدت الاضطرابات فى الإمدادات والإنتاج على مستوى العالم كذلك ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير إلى ارتفاع معدل التضخم بشكل حاد فى كل الدول، وأدت إلى خفض القوة الشرائية.

كما أوضح تقرير لمجلة «ذى بارون» تأثير الحرب الروسية فى أوكرانيا على الاقتصاد العالمى، موضحًا أن المخاطر لم تنته بعد، حيث أدت الحرب إلى خفض وتيرة النمو العالمى، وأحدثت تقلبات غير مسبوقة فى أسواق الطاقة، التى نجم عنها ارتفاع المخاطر الجيوسياسية وما سيأتى بعد ذلك قد لا يكون تحسنًا بكل المقاييس.

ومع دخول الحرب عامها الثانى قدرت دانا بيترسون، كبيرة الاقتصاديين فى «كونفرنس بورد» (منظمة غير ربحية مختصة باقتصاد الدول والشركات العالمية)، أن الصراع فى أوكرانيا أدى إلى انكماش إجمالى الناتج العالمى بمقدار نقطة مئوية. 

كما حذر مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى من أن حالة عدم اليقين بشأن الحرب تعقد التوقعات الاقتصادية، وقد أثارت الحرب كذلك الاضطرابات فى سلسلة التوريد، وخاصة فى سوق الطاقة، ما شجع على تحرك أوسع فى الولايات المتحدة وأوروبا إلى التحول للإدارة السياسية للاقتصاد.

ووفق تحذيرات المجلس، فإن المستثمرين قد يرون أن الأفضل تجاهل الحرب باعتبارها مأساة بعيدة ومن غير المرجح أن تدمر الأسواق، ولكن هذا الإغراء قد تلاشى تمامًا مع تدفق أسلحة عالية التقنية إلى أوكرانيا من الغرب، وقيام بوتين بإرسال مئات الآلاف من القوات الجديدة، ليدخل الصراع مرحلة حرجة. 

وكحد أدنى، ستؤدى هذه التداعيات إلى مزيد من الكساد الاقتصادى، ومن المؤكد أنه سيؤدى إلى قرارات فى الأعمال والسياسة إلى قرارات أكثر تطرفًا للحد من تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد العالمى.

ووفق تقرير صندوق النقد الدولى، الصادر فى أكتوبر الماضى، والذى حمل التوقعات الاقتصادية لعام 2023، أكد أن الاقتصاد العالمى قد يشهد نموًا بطيئًا فى جميع أنحاء العالم فى عام 2023، وركز بشكل خاص على ثلاث قضايا، وهى ارتفاع التضخم وتشديد البنك المركزى، والحرب الروسية الأوكرانية، والتأثيرات المستمرة لكوفيد- 19 خاصة فى الصين. 

وعلى الرغم من أن الخبراء يتفقون على أن هناك فرصة لتخفيف التضخم، فإن هناك مخاطر كبيرة وسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً قبل أن ينخفض ​​التضخم إلى المستويات المستهدفة للبنوك المركزية،  ومن المنتظر أن تستمر آثار الحرب الأوكرانية على أسعار العملات والذهب، وتردى فى حركة الأسواق.

جائحة التضخم

وفق تقرير مجلة InsuranceNewsNet الاقتصادية، أوضحت أن التوقعات للأزمة الاقتصادية العالمية خلال عام 2023، صعبة للغاية، ففى الوقت الذى تبدأ الرياح المعاكسة الاقتصادية فى الانحسار بعد جائحة COVID-19، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من بؤر التوتر الجيوسياسية ليكون لها تأثير طويل الأمد على زيادة التضخم، ومن المتوقع حدوث بعض التحسينات فى سلسلة التوريد، والتى من شأنها أن تساعد فى توافر السلع، لكن مع ذلك، قد يبدأ الطلب فى الضعف، مما قد يكون له تأثير معتدل على التضخم، ولكن بنسب قليلة.

ووفقًا للتقرير، فإنه على الرغم من أن التضخم قد يتجه إلى الاتخفاض بنسب، فإنه من المرجح أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة، مما قد يعيق بعض مجالات الاقتصاد، وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم التضخم فى عام 2022 مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتعتبر أسعار الطاقة ورقة أساسية ويمكن أن تستمر فى التقلب، وعلى الرغم من أن الاتجاه يفضل انخفاض التضخم، إلا أن الخدمات والطاقة يمكن أن تكون مفسدة، فالصدمات التى تتعرض لها إمدادات النفط ليست غير واردة نظرًا لتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والتحديات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا.

وتتوقع السوق الآن أن يبدأ الاحتياطى الفيدرالى فى تخفيف أسعار الفائدة فى وقت لاحق من عام 2023، لكن إذا بدأ معدل البطالة فى الارتفاع بشكل حاد أو انكمش الاقتصاد، فقد يختار الاحتياطى الفيدرالى خفض أسعار الفائدة أو تثبيتها حتى استقرار الأسواق، ويمكن أن تحدد شدة هذين العاملين (البطالة والانكماش الاقتصادي) مستوى التخفيضات، وهو ما يكون له أثر فى خفض أسعار العمليات فى الدول النامية.

ضائقة سيادية 

وفقًا لخبراء، فمن الممكن أن يؤدى ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ الاقتصاد العالمى إلى ضائقة سيادية لدى الدول فى بعض الأسواق، حيث ستجد البلدان صعوبة متزايدة فى الوصول إلى السيولة، بينما قد يواجه البعض الآخر مخاطر تجديد ديونها الحالية، ومع إعادة ضبط معدلات الاقتراض فى السوق ذات الأسعار المرتفعة، فمن المرجح أن ترتفع تكلفة خدمة الدين، وقد ارتفعت مستويات الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الإنفاق التحفيزى الحكومى المرتبط بكوفيد- 19، ثم تفاقم هذا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

واستخدمت بعض البلدان الإنفاق المالى لتعويض ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود لمواطنيها، ونتيجة لذلك، قد تبدأ بعض الأسواق فى مواجهة تحديات السيولة خلال العام الجارى، وإحدى هذه الحالات هى باكستان، التى شهدت نقصًا فى الدولارات المتاحة فى البنك المركزى بسبب عجز الحساب الجارى ومحدودية تدفقات رأس المال، مما يجعل من الصعب على السلطات تمويل ديونها الخارجية وكذلك تمويل استيراد السلع بما فى ذلك الغذاء، وهذا حال الكثير من دول العالم الثالث.

وعن سوق العمل، وبعد الموجة الأخيرة من تسريح العمال طوال عام 2022، فيبدوا أن سوق العمل من المحتم أن تضعف، وكذلك هناك احتمال بانخفاض الاستهلاك، حيث يواجه المستهلكون أسعارًا أعلى وأسعار فائدة أعلى وتراجعًا لمعدلات الادخار والمزيد من الاقتراض ومستويات ثروة أقل.

صيف «حار» اقتصاديًا

تعتبر أزمة الغاز والوقود من أكثر الأزمات العالمية التى تأثرت بالحرب الروسية - الأوكرانية، حيث أدت هذه الحرب لخلق أزمة طاقة عالمية كانت أوروبا من أكثر المناطق تأثرًا بها، وقد دفعت هذه الأزمة بعض الاقتصاديات الأوروبية إلى  الركود، وهذا له آثار كبيرة ليس فقط على تلك الاقتصادات، ولكن أيضًا على شركائها التجاريين. 

ولم تكن الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا عاملاً رئيسياً لتذبذب الاقتصاد العالمى فى عام 2023 ما لم تكن هناك متغيرات جديدة خطيرة للغاية.

ووفق تقرير صندوق النقد الدولى فمن المحتمل أن يبلغ ذروة التأثير الاقتصادى للحرب الروسية - الأوكرانية على باقى دول العالم خلال فترة الصيف، إن لم يكن قبل ذلك، فالضرر الذى حدث هو فى الغالب مخبأ للجميع خارج روسيا وأوكرانيا، ومع ذلك، هناك مجال لكل من المفاجآت الإيجابية (تسوية سلمية عادلة) أوالمفاجآت السلبية (تصعيد كبير للحرب). 

أزمات منتظرة

وبالنظر إلى المخاطر التى ذكرها تقرير صندوق النقد الدولى عن اقتصاد 2023 فيبدو أن الصندوق أغفل كوارث اقتصادية من الوارد أن تحدث، مثل هشاشة الأسواق الناشئة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة باعتبارها مخاطرة لا تحظى بالتقدير الكافى، وهناك احتمال أن الشركات التى تسعى للحصول على تمويل خارجى (سواء كانت شركات مدعومة أو عالية النمو أو شركات غير مربحة) التى ستكافح مع خيارات التمويل وتؤدى إلى ضائقة مالية وإفلاس بمعدل مرتفع، وكذلك سيكون هناك تسارع فى النزعات الحمائية والاكتفاء الذاتى التى ستشعل العالم.   

ويقول كارين دينان الأستاذ بجامعة هارفيد الأمريكية، أنه من المحتمل أن تكون المستويات المرتفعة للديون الحكومية الناتجة عن الوباء كارثة كبيرة، فقد عانت معظم الدول من عجز كبير فى الميزانية فى عامى 2020 و 2021 بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية وارتفاع مستويات الإنفاق الحكومى، ومع ارتفاع أسعار الفائدة على الصعيد العالمى، من المرجح أن تواجه العديد من البلدان - لا سيما البلدان ذات الدخل المنخفض - ضغوطًا فى سداد ديونها، والمؤسف أن موجة التخلف عن السداد فى الديون السيادية لن تكون صعبة فقط على البلدان المتخلفة عن السداد ولكن من المحتمل أن تكون مدمرة للغاية للأسواق المالية العالمية.