صندوق للتكافل الاجتماعى بجامعة الأزهر خاص بالطلاب والطالبات ذوى القدرات الفائقة الأزهر والكنيسة إيد واحدة لدعم ذوى الهمم

صبحى مجاهد
حالة من الاهتمام المشترك بين الأزهر الشريف والكنيسة المصرية فى تنفيذ خطة الدولة المصرية فى دعم ذوى القدرات الخاصة، وهو ما عكسته ندوة الأزهر الشهرية لمجلة الأزهر، التى عُقدت مؤخرًا بمركز الأزهر للمؤتمرات، تحت عنوان: «دَعْمُ ذوى القدرات والهِمَم واجبٌ دينيٌّ ورسالةٌ إنسانيةٌ.. قراءة فى وثيقة الأخوَّة الإنسانية»، الإمام الأكبر أ.د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
اهتمام الأزهر والكنيسة انطلق من أسُس دينية مشتركة دافعة لدعم ذوى الهمم وتمكينهم اجتماعيًا؛ حيث أكد د.محمد الضوينى، وكيل الأزهر، أن الإسلام اهتم بذوى الهمم من خلال جملة من المبادئ الأخلاقية والقيم الحضارية التى تعصم النفوس، وتحفظ الأرواح، وتضبط حركة الحياة والأحياء، وأن العناية بذوى الهمم ليست تفضلاً ولا مِنّة؛ وإنما هو واجبٌ دينىٌ يفرضه إسلامُ السماحة، وواجبٌ مؤسّسىٌ تمليه عقيدة الأزهر؛ انطلاقًا من هذه المفاهيم الراقية التى قرأها الأزهر فى مقاصد الإسلام، وعلى رأسها: «المواطنة» و«الأخوّة الإنسانية»، فلقد ورث الأزهر الشريف من النبوة أنوارَها، واستنبت من هذه الأنوار وثائق هادية تؤصّل لمعانٍ راقية تشتد حاجة المجتمعات المعاصرة إليها، فى ظل ما تلقاه من كراهية وحروب.
وأشار الدكتور الضوينى، إلى أن ديننا الإسلامى ضرب أروع الأمثلة فى توفير الرعاية الكاملة لذوى الهمم، والعمل على قضاء حوائجهم، وجعل لهم الأولوية فى التمتع بجميع الحقوق التى يحصل عليها غيرهم دون تمييز، فقد عاتب الله سيدنا محمد ﷺ فى سورة عبس بشأن عبدالله بن أمّ مكتوم، وهو (كريم العينين)، فى انصرافه عنه وانشغاله بدعوة وجهاء قريش، ورُغْمَ أن عبدالله بن أمّ مكتوم لم يَرَ انصرافه عنه؛ فإن الله عاتب النبى بآيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وهو النموذج الفريد فى الرحمة والتعاطف والإنسانية، مع أن النبى لم ينشغل عنه لهوًى فى نفسه؛ وإنما شغلته دعوة رجال من قريش فى إسلامهم مصلحة كثير من المسلمين! لكن كأنه إعلان ربّانى أن ذوى الهمم لا يقلون عن غيرهم، وأن رعايتهم والعناية بهم وتقديم الخدمات لهم مبدأ إسلامى مهم من مبادئ وقيم الإسلام العظيمة الخالدة، ويذكر هنا أن النبى كان بعد هذه الحادثة يبسط رداءه لابن أمّ مكتوم ويقول مداعبًا: أهلاً بمَن عاتبنى فيه ربّى.
وأوضح الدكتور الضوينى، أن اهتمام الأزهر الشريف بأبنائه الطلاب من ذوى الهمم فى جميع مراحل التعليم الجامعية وقبل الجامعية واجب يقوم به عن إيمان ورضى. مضيفًا: إن ذوى الهمم فى الأزهر الشريف يتجاوز عددهم 4135 طالبًا وطالبة، منهم ألفا طالب كريمو البصر، للأزهر بهم عناية خاصة. مستعرضًا جهود الأزهر فى خدمة ودعم ذوى القدرات الخاصة، مبينًا أن الأزهر قام بخطوات كبيرة من أجل تعليم أبنائه من ذوى الهمم، منها على سبيل المثال: إنشاء مركز «إبصار» بالجامعة بفروع مدينة نصر، وأسيوط، وطنطا، بالإضافة إلى المركز الموجود بفرع الدَّرَّاسة بكلية أصول الدين، وقد زودت هذه المراكز بأحدث أجهزة الكمبيوتر اللازمة، ويتم تدريبهم على أيدى أساتذة فى مثل حالاتهم «متحدى إعاقة بصرية» لكنهم أصحاب خبرات جيدة فى هذا المجال.
وأضاف: إن الأزهر لم يكتفِ بذلك؛ بل أنشأ صندوقًا للتكافل الاجتماعى بالجامعة، خاصًا بالطلاب والطالبات ذوى القدرات الفائقة، يوفر لهم كل ما يحتاجونه من أجهزة تعويضية أو درّاجات مجهزة، أو أى أدوات تيسر لهم تحدى الإعاقة، كما عقد العديد من الدورات لتأهيل الطلاب وتعليمهم القراءة والكتابة بطريقة «برايل» فى المرحلة قبل الجامعية، والتى كان آخرها بالتعاون مع مؤسّسة أخبار اليوم، كما عقد شراكة مع وزارة التضامن لتوفير بطاقة الرعاية الشاملة التى تعطيهم الكثير من الميزات، فضلاً عن توفير الأجهزة التعويضية للمحتاجين وصرف إعانة شهرية لهم من بيت الزكاة والصدقات المصرى الذى يشرف عليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
وأكد وكيل الأزهر، أن دفع الظلم عن ذوى الهمم من الواجبات الدينية، وقال: «إننا نرى بوضوح أن تقدير ذوى الهمم واحترامهم توجه إسلامى وقيمة دينية كبرَى، حظى فى ظلالها ذوو الهمم بكل مساندة ودعم وتقدير، حتى وصل بعضهم إلى درجات كبيرة من العلم والمَجد والنبوغ.
وبين الدكتور الضوينى، أن الرضا بقضاء الله وقدره علامة على صدق الإيمان وسبب قوى لتحصيل الراحة والطمأنينة فى الحياة، وبهذا يعيش ذوو الهمم فى راحة تجعل الأصحاء المعافين يتخذونهم قدوة لهم فى الصبر والتسليم، وقد يكون المبتلى أعظم قدرًا عند الله أو أكبر فضلاً على الناس: علمًا وجهادًا وتقوى وعفة وأدبًا.
وشدّد، أن ما يقدمه الأزهر لذوى الهمم ولا يزال يقدمه يتوافق مع حزمة الإجراءات التى أعلنها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية «قادرون باختلاف»؛ التى تستهدف إبراز قدرات ذوى الهمم وإبداعاتهم. موضحًا، أن الأزهر الشريف حريصٌ على إتاحة جميع سُبل الدعم والمساعدة للطلاب؛ وبخاصة من ذوى الهمم لإتاحة فرص التعلم لهم فى سهولة ويُسر.
وأوضح الدكتور الضوينى، أن الأزهر أطلق مشروع «الكتاب المسموع» على منصات الأزهر التعليمية، لطلاب المعاهد الأزهرية من ذوى البصائر؛ تيسيرًا عليهم، وتخفيفًا للعبء الكبير عن أسر الطلاب من ذوى البصائر فى البحث عن سُبل وأدوات تسهل على أبنائهم عملية تحصيل العلم والمذاكرة، وتماشيًا مع «رؤية مصر 2030»، التى تنادى بضرورة الفهم الحقيقى لقضايا الإعاقة وإتاحة فرص تعليم مناسبة تلائم احتياجاتهم وتمكنهم من الاستفادة الكاملة من جميع الفرص المتاحة لهم، وبدأت المرحلة الأولى من مشروع «الكتاب المسموع» بمادة التجويد للمرحلة الإعدادية، تحت إشراف قطاع المعاهد الأزهرية، وذلك ضمن استراتيچية كاملة ينتهجها الأزهر لإتاحة خدمة «الكتاب المسموع» فى جميع المواد المقررة على مراحل التعليم الأزهرى للتعليم قبل الجامعى للطلاب من ذوى البصائر؛ للتغلب على المعوقات التى تواجههم.
توافق كنَسى
موقف الكنيسة لم يختلف فى دعم ذوى الهمم عن موقف الأزهر؛ بل كان مكملاً له؛ حيث أوضح الأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، ضرورة رعاية ذوى القدرات الخاصة؛ ليكونوا عنصرًا فعالاً فى المجتمع، وأن ذوى القدرات الخاصة ليسوا معاقبين من الله بإعاقاتهم؛ ولكن قدرات الله فى خَلقه؛ ليتكامل المجتمع فى رعاية بعضه بعضًا. مضيفًا: إن ذوى الهمم يجب أن ينالوا مَحبة كبيرة من الأسر ومن المجتمع، فهذا حقهم وواجبهم علينا، وقد كان لهم نصيب من أنبياء الله ورعايتهم، فهذا تأكيد على ضرورة الاهتمام بهم فى كل زمان ومكان.
جهود رسمية
الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، اعتبرت أن هذا التضامن «الأزهرى- الكنَسى» فى دعم ذوى الهمم مهم فى إطار اهتمام الدولة المصرية فى هذا الاتجاه بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أطلق الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان فى 2021.
ودعت وزيرة التضامن الاجتماعى، إلى ضرورة توفير الجَوّ الملائم الذى لا ينظر إلى ذوى الإعاقة باعتبارهم أضعف أو أقل من غيرهم فهذا يؤثر نفسيًا عليهم وعلى أسرهم، وهناك تأثيرات اقتصادية أيضًا بسبب عدم الاستفادة من قدرات هؤلاء، فهم فى هذه الحالة يتحولون إلى قوة عاطلة وغير مستغَلة ويصبحون مستهلكين فقط؛ لكن بدمجهم ومعاملتهم معاملة صحيحة سنجعلهم أداة فاعلة فى المجتمع.
رؤية علمية
وحول الرؤية العلمية لأهمية التوجُّه المجتمعى والمؤسّسى لرعاية ذوى الهمم يقول الدكتور إيهاب الببلاوى، عميد كلية علوم ذوى الإعاقة والتأهيل بجامعة الزقازيق، إنَّ دمج وتمكين ذوى الإعاقة والقدرات الخاصة فى المجتمع هو الخطوة الأولى وكذلك المنتهى لما نسعى إليه لأنهم جزءٌ أساسىٌ من النسيج الوطنى، وأن هذا الهدف يحتاج إلى تكاتف المؤسّسات صاحب المسئولية فى هذا الشأن، وأولها الأسرة ومعها وزارة التضامن الاجتماعى والمؤسّسات الصحية ودُور العبادة والمؤسّسات التعليمية والدينية والشبابية ووسائل الإعلام والمجتمع بأكمله. مشيرًا إلى أهمية ما قدمته الدولة المصرية من جهود فى تغيير النظرة تجاه ذوى الهمم لتكون نظرة احترام وتقدير لدَور هذه الشريحة المجتمعية فى الأسرة والمجتمع.