السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و  1/2.. (حسب الله)  ينتقد  (جارة القمر)

كلمة و 1/2.. (حسب الله) ينتقد (جارة القمر)

فى حوار قديم يعود لنهاية الخمسينيات أو مطلع الستينيات على أكثر تقدير، تابعتُ جلسة خاصة تم نشرُها، أرسلها لى أحد الأصدقاء مؤخرًا، كان من ضيوفها الشاعر كامل بك الشناوى والموسيقار محمد عبدالوهاب ويوسف بك وهبى وأنيس منصور، وآخرون  ورُغْمَ أنه قد ألغيت (البكوية)،  بعد قيام ثورة 23 يوليو؛  فإنهم كأصدقاء تبادلوها، وكان المُحرِّر أمينًا فنقلها، وكان رئيس التحرير مَرنًا فنشرها، وكانت الدولة أيضًا متسامحة فلم تعتبرها خطيئة، كان السؤال: هل يجوز أن ينتقد الفنانُ مَن هو أقل منه دراية أو دراسة؟! اعترض يوسف وهبى وقال لا يجوز، بينما  وجد عبدالوهاب وكامل الشناوى وأنيس منصور أن الفن قائم على حاسة التذوق، والمتلقى من الممكن أن تكتشف أنه أقل دراية علمية من صانع العمل الفنى، إلا أنه من حقه أن يقول رأيه؛  لأنه يمتلك حاسة التذوق؛ خصوصًا أنه يدفع ثمَن التذكرة فى السينما والمسرح وهذا يُعَد على نحو ما نوعًا من التعبير عن الرأى!



طرحت «الميديا» الكثيرَ من الآراء  التى لم يكن من المتصور حدوثها، قبل تلك الحالة من الانتشار الفضائى، بين الحين والآخر تبث لقاءات نادرة، وفى العادة يتم التقاط رأى ساخن، تلك «القفشات» تحظى عادة بنهَم الناس وتندّرهم، وكأننا نقرأها تحت باب شهير فى الصحافة عنوانه «صَدِّق أو لا تُصَدِّق».

المطرب محرم فؤاد الذى انطلق عام 58 بعد 5 سنوات من نجومية عبدالحليم محققًا شهرة عريضة، ولكن ظل اسم «حليم» هو المسيطر، حتى رحيله عام 77، عاش بعده محرم نحو ربع قرن، أجرَى الحوار الإعلامى عمرو أديب، أكد «محرم» أن على الحجار لا يصلح كصوت منفرد، فهو لا يمكن أن يتجاوز مكانته كأحد أفراد «الكورال»، بينما يصف هانى شاكر بأن عليه أن يغنى فقط للأطفال ويبتعد عن الغناء العاطفى.

الزمن طبعًا أكد أن «الحجار» صوت له مَذاق ورصيد ضخم من النجاح، بينما هانى شاكر لا يزال حتى الآن فى الساحة متجاوزًا أربعين عامًا مطربًا عاطفيًا، ولا أتذكر له أغنية واحدة قدّمها للأطفال!

من الممكن مثلًا التفسير بأن «محرم» غضب من كلمة ما رددها عنه كل من هانى أو الحجار، وأراد أن يردها لهم بأسوأ منها، ومن الممكن أيضًا اعتبار أن هذا هو رأى محرم كفنان كبير له دراية بعلم الأصوات، فهو لم يكن فقط مطربًا شهيرًا؛ بل كان يمارس أيضًا التلحين.

لا يحتل هذا التسجيل المكانة الأولى على «النت»؛ حيث يسبقه لقاء نادر للفنان الكوميدى الكبير عبدالسلام النابلسى، ملحوظة أتحمل مسئوليتها، نصف ضحكات سينما «الأبيض والأسود» كان مصدرها النابلسى؛ خصوصًا تلك التى شارك فيها بأداء دور صديق البطل مع فريد الأطرش أو عبدالحليم حافظ، أو تلك الثنائية الناجحة التى جمعت بينه وإسماعيل يس، أو زينات صدقى، ورصيده يصل إلى نحو أكثر من 150 فيلمًا، أشهرها دوره الذى لا ينسى «حسب الله السادس عشر» قائد الفرقة الموسيقية النحاسية مع حليم وصباح وزينات فى (شارع الحب).

«النابلسى» كان يمتلك  حسًا أدبيًا، وله فى مصر محاولات فى الكتابة الصحافية، ويقرض الشعر، فى التليفزيون اللبنانى استضافته الإعلامية الكبيرة ليلى رستم، نهاية الستينيات؛ حيث إن «ليلى» متعها الله بالعافية قضت ولا تزال جزءًا كبيرًا من حياتها الشخصية والمهنية فى بيروت.

رحل «النابلسى» عام 68 وأظن البرنامج سُجل قبل رحيله بأشهُر قليلة، كان النابلسى قد فرّ من القاهرة إلى لبنان بسبب ملاحقات مصلحة الضرائب، بدأ النابلسى فى إلقاء قصيدة عن فيروز تحمل إشادة لـ(جارة القمر)، يقول مطلعها: «تراتيل قديسة وأصداء كنيسة» وينهيها بهذا البيت: «هى فى جبين لبنان غُرة / وعلى صدره دُرة»، ولكنه يضيف أيضًا بَعدها: «آه لو أطلقت لصوتها عنانه/ ودعمت بالطرب الشرقى كيانه»، تناول النابلسى الصوت الذى به لمحة الصنعة، والصنعة حتى لا يذهب خيالكم بعيدًا غير التصنع، الصنعة تحمل فى عمقها معنى القدرة والتمكن ولا تتنافى مع الصدق.

وهو الصوت الذى تؤدى به فيروز أغانيها، وأكد أنه قال ذلك لعاصى ومنصور الرحبانى، وأيضًا لفيروز شخصيًا، بينما دافعت عنها بكل قوة ليلى رستم، وقالت الناس تحب فيروز كما هى.

عبدالسلام النابلسى لم يتمسك كثيرًا برأيه أمام اعتراض المذيعة، وفيروز لا تزال ليس فى لبنان فقط؛ ولكن فى عالمنا العربى كله غُرة، وعلى صُدورنا جميعًا دُرة، والنابلسى الشهير بـ «حسب الله السادس عشر» لا يزال هو إكسير السعادة الذى ينعش قلوبنا بأصدَق الضحكات، وهذا طبعًا لا ينفى أن من حقه إعلان رأيه حتى لو اختلف مع كل العالم!