الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصر والسعودية.. شراكة اقتصادية وتعاون مشترك

ترتبـــط  مصروالمملكة  العربية  الســـعودية، بعلاقات قوية فى جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، وهى علاقات تمتد جذورها فى أعماق التاريخ، وعبر الزمن، وقد أثبتت التطورات الاقتصادية والإقليمية والعالمية أن هذه العلاقات تلعب دورًا قويًا فى تحصين اقتصاد مصر واقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجى ضد الأزمات الاقتصادية والسياسية وغيرها من الصدمات الخارجية ولذلك فإن تعزيز هذه العلاقات محل اهتمام من الطرفين.



تاريخ طويل من التعاون والإخاء

وإذا رجعنا إلى الوراء لنتحدث عن هذا التاريخ الطويل من التعاون والإخاء، فالمواقف المتعددة عبر محطات تاريخية، لا ينكرها إلا المغرضون، فالعلاقات التى تجمع مصر والسعودية، هى علاقات متجذرة تاريخية، فعقب توحد المملكة، كان البلد الأول الذى يزوره الملك عبدالعزيز، هو مصر، فكان عام 1926 عامًا مهمًا فى العلاقات بين مصر والسعودية، حيث تم توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، وكانت السعودية مؤيدة لمطالب مصر الوطنية فى جلاء القوات البريطانية عن الأراضى المصرية، ووقفت إلى جانبها فى جامعة الدول العربية وجميع المحافل الدولية.

فالعلاقات بين القاهرة والرياض، ممتدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية وشارك الجيش السعودى فى جميع الحروب التى خاضتها مصر، ففى عام 1955، وقّعت مصر والسعودية اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد ترأس وفد السعودية فى توقيعها الملك فيصل بن عبدالعزيز، وأيّدت السعودية فى العام نفسه مطالب مصر الوطنية فى جلاء القوات البريطانية عن الأراضى المصرية، ووقفت إلى جانبها فى الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية.

العدوان الثلاثى

ولا يمكن أن نغفل الدور السعودى عام 1956، أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وقفت السعودية بكل ثقلها إلى جانب مصر فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد قدمت الرياض للقاهرة 100 مليون دولار، كما أعلنت السعودية إعادة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثى على مصر، وقامت باستضافة الطائرات المصرية فى شمال غربى السعودية، وتمكينها من النجاة من الغارات الجوية المكثفة التى تعرضت لها الطائرات المصرية.

وقامت السعودية بوضع مقاتلات نفاثة من طراز «فامبير» تابعة للقوات الجوية الملكية السعودية تحت تصرف القيادة المصرية، وقد شارك هذا السرب فى الحرب ونفذ ما طلبته القيادة المصرية، ودمرت بالقصف 20 طائرة سعودية من نوع «فامبير»، وشارك فى الحرب الملك فهد، والملك سلمان، مع عدد من أشقائهما.

وكان الدعم السعودى لمصر متكاملًا، وكان على رأسه قرار العاهل السعودى الملك فيصل بن عبدالعزيز الذى أمر بقطع البترول العربى عن الغرب، حيث كان القرار بمثابة ضربة قوية فتحت الطريق للنصر العظيم.

السلاح الاقتصادى

انطلقت كلمات الملك فيصل من العاصمة السودانية الخرطوم حيث قالها فى مؤتمر عقد لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلى على مصر والدول العربية الأخرى، حيث طلب مقابلة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون؛ لبحث موقف بلاده من إسرائيل، وكانت واشنطن حينها قد أعلنت عن مساعدات عسكرية تؤمن للعدو الصهيونى الدعم على الأراضى التى اغتصبها فى سيناء والقدس والأردن وسوريا. 

وفى 17 أكتوبر 1973 بعد الانتصار العسكرى الذى حققته القوات المصرية على الجبهة فى سيناء والقوات العربية بالأراضى المحتلة الأخرى، قرر العاهل السعودى الملك فيصل استخدام سلاح بديل عن البارود فدعا لاجتماع عاجل لوزراء النفط العرب فى الكويت، وأسفر عن قرار عربى موحد بخفض الإنتاج الكلى العربى للنفط 5%، وخفض 5% من الإنتاج كل شهر؛ حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.

وأعلنت المملكة إعلان وقف بيع البترول للغرب لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة.

كما أعلن الملك فيصل عن تبرعه بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصرى، ولم يكن ذلك فحسب هو ما قدمته المملكة ورجالها الأبطال، فقد دشن العاهل السعودى الحالى الملك سلمان بن عبدالعزيز، إبان حرب أكتوبر المجيدة لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصرى دعما للمعارك والمجهود الحربى فى مصر. 

السلاح الدبلوماسى

سارعت الولايات المتحدة عقب أمر الملك فيصل بإرسال وزير خارجيتها هنرى كيسنجر فى زيارة عاجلة إلى الرياض فى 8 نوفمبر 1973، فى محاولة لإثناء السعودية عن موقفها الداعم لمصر وسوريا.

لم تجد مراوغات كسينجر مسلكًا بين يدى الملك فيصل الذى أعلن بقوة عن أن «استئناف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة».

السلاح العسكرى

أمر الملك فيصل آنذاك بمشاركة القوات السعودية فى الحرب ضد إسرائيل على الجبهة فى سوريا، فى الجولان وتل مرعى.

وخاض الجيش السعودى معارك طاحنة فى مواجهة جيش العدو الصهيونى.

كما أمر العاهل السعودى بإنشاء جسر لسلاح الجو الملكى لإرسال الجنود السعوديين إلى الجبهة فى سوريا، كما أمر أيضًا بإرسال قوات من لواء الملك عبد العزيز، وفوج مدفعية وفوج مظلات وسرية بندقية وسرية إشارة وسرية هاون، وفصيلة صيانة مدرعات، وسرية صيانة للجبهة السورية.

وأثناء اندلاع الحرب، أمر الملك فيصل أمراء ووزراء سعوديين للتوجه بزيارات لتفقد القوات المصرية على جبهة القتال وتقديم الدعم والمساندة للقادة والشعب المصرى.

فالدور العربى عامة والسعودى خاصة كان مؤثرًا خلال سنوات الحرب، فلولا معركة «النفط» التى قادها الملك فيصل بن عبدالعزيز ما استطاعت الحرب أن تحدث دويًا عالميًا بهذا الشكل ويصل تأثيرها لأقصى ضرر ممكن على اقتصاديات الغرب الداعم لإسرائيل.

تطور العلاقات «المصرية- السعودية»

تطورت العلاقات «المصرية - السعودية»  بشكل كبير، فهناك العديد من المقومات التى تعزز متانة هذه العلاقات وفى مقدمتها الأهمية الاقتصادية المتبادلة بين البلدين، فالمملكة تتمتع بالعديد من السمات التى تجعلها مهمة لمصر من الناحية الاقتصادية حيث يتميز الاقتصاد السعودى بالعديد من المزايا التى تجعله شريكًا اقتصاديًا فى غاية الأهمية لمصر، وتعكس أهمية المملكة اقتصاديًا بالنسبة لمصر العديد من العناصر، حيث تعد المملكة وجهة مهمة للصادرات المصرية الزراعية والصناعية والخدمية، كما يعد الاقتصاد السعودى مستوعبًا مهمًا للعمالة المصرية، ومن ثم فالمملكة مصدر مهم لمصر فى جانب التحويلات من العملات الأجنبية، وتعد المملكة سوقًا رئيسية للحركة السياحية إلى مصر كما تعد المملكة شريكًا استثماريًا مهمًا جدًا لمصر، ويعكس التعاون التجارى والاقتصادى القوى بين مصر والسعودية، قوة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين تاريخيًا، ويعزز تلك العلاقات الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين فى كلا البلدين.

السعودية أكبر شريك تجارى

تُعد السعودية أكبر شريك تجارى لمصر فى الشرق الأوسط، حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والسعودية خلال العام الماضى 4.3 مليار دولار، مقابل 3.2 مليار دولار خـلال عام 2020، بنسـبة ارتفـاع بلغت 34 %.

وشهدت الصادرات المصرية إلى السوق السعودية ارتفاعًا بنسبة 17 % خلال العام الماضى، حيث بلغت 1.99 مليار دولار مقابل 1.69 مليار دولار خلال عام 2020، وجاءت مواد البناء، والسلع الهندسية والإلكترونيات، والصناعات الغذائية، والحاصلات الزراعية، والصناعات الطبية، والملابس الجاهزة، والأثاث أبرز المنتجات المصرية المصدرة للسوق السعودية.

وفى الوقت نفسه، تشير بيانات وزارة التخطيط إلى تجاوز حجم التبادل التجارى فى السلع غير البترولية بين مصر والسعودية 4.4 مليار دولار فى عام 2020، فيما تتصدر السعودية الدول العربية المستثمرة فى مصر، موضحة أن الصادرات المصرية إلى السوق السعودية تواصل نموها.

الاستثمارات السعودية فى مصر

وتتوزع الاستثمارات السعودية فى مصر بشكل أساسى فى قطاعات الصناعة والتشييد والسياحة والمالية والخدمات والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات، فيما تتركز الاستثمارات المصرية فى المملكة بقطاعات الصناعة والتشييد والاتصالات وتقنية المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات التقنية والعلمية والمهنية.

وتمثل المملكة أهمية اقتصادية بالنسبة لمصر كونها تعتبر سوقًا للكثير من الصادرات المصرية الزراعية والصناعية والخدمية، ومستوعبًا للعمالة المصرية، ومصدرًا رئيسًا للحركة السياحية، حيث تلعب الاستثمارات السعودية دورًا مهمًا فى تنويع ودعم الاقتصاد المصرى، كما يمكن أن تمثل بوابة دخول للمنتجات المصرية للأسواق الخليجية، وأرضًا خصبة للاستثمارات المصرية فى كثير من القطاعات، فيما تمثل مصر أهمية اقتصادية خاصة للمملكة، نظرًا إلى أنها عمق للأسواق السعودية والخليجية وسوق عالية الاستهلاك، كما يمكن أن تمثل بوابة مهمة للمنتجات السعودية للوصول إلى دول القارة الإفريقية، وتعد موردًا للعديد من المنتجات الزراعية والصناعية، ومصدرًا رئيسًا للعمالة والخبرات العلمية والفنية والمهنية.

قد بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والمملكة العربية السعودية خلال السنوات الست الماضية (2016 - 2021م) 179 مليار ريال (47.7 مليار دولار)، وارتفع حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى مصر بنسبة 6.9 % خلال العام 2021م مسجلًا 7.2 مليارات ريال (1.9 مليار دولار)، فيما شهدت الصادرات المصرية إلى السوق السعودية ارتفاعًا بنسبة 17 % خلال العام الماضى حيث بلغت مليارًا و995 مليون دولار مقابل مليار و699 مليون دولار خلال عام 2020.

القطاع الخاص السعودى والمصرى

ينظر القطاع الخاص السعودى إلى السوق المصرية بوصفها سوقًا مهمة للغاية بالنسبة للصادرات والاستثمارات السعودية، حيث تُعد المملكة إحدى أكبر الدول المستثمرة فى مصر إذْ توجد 6285 شركةً سعوديةً فى مصر بإجمالى استثمارات تفوق 112 مليار ريال، فى حين تعمل أكثر من 2000 شركة مصرية فى المملكة برؤوس أموال تتجاوز 5 مليارات ريال، وبأصول تُقدر بحوالى 8 مليارات ريال فى قطاعات مختلفة، كما تبوأت مصر المرتبة الثانية فى قائمة أكبر الدول التى تم إصدار تراخيص استثمارية لها بالمملكة عام 2020 بإجمالى 160 رخصة استثمارية.

الصندوق السعودى للتنمية

وتسهم المملكة فى تعزيز جهود مصر التنموية من خلال الدعم الذى تقدمه عبر الصندوق السعودى للتنمية، حيث بلغت قيمة مساهمات الصندوق 8846.61 مليون ريال لـ 32 مشروعًا فى قطاعات حيوية لتطويرها وتمويلها، شملت إنشاء طرق،  وتوسعة محطات الكهرباء، وتحلية ومعالجة المياه، وإنشاء مستشفيات وتجمعات سكنية، ومن جانبه أسهم صندوق التنمية الصناعية السعودى فى دعم وتمويل 17 مشروعًا مشتركًا مع مصر، بقيمة تزيد على 393 مليون ريال.

دعم مصرى للمملكة

لم يقف التبادل التجارى بين البلدين الشقيقين، بل واصلت مصر توجيه دفتها وصادراتها نحو المملكة، حيث قامت بتصدير ملابس جاهزة بقيمة 36.19 مليون دولار، إضافة إلى 31.93 مليون دولار (غزل ومنسوجات)، 15.68 مليون دولار من المفروشات، 69.74 مليون دولار (أثاث)، 63.78 مليون دولار صناعات طبية، 9.75 مليون دولار صناعات يدوية، وأخيرا وليس آخرا 1.15 مليون دولار كتب ومصنفات).

فالتنامى فى العلاقات التجارية بين مصر والسعودية، ارتفع تدريجيًا فى ظل القيادة المصرية الحكيمة،  للرئيس عبد الفتاح السيسى، والملك السعودى سلمان بن عبد العزيز.

ومن هذا المنطلق، عملت المملكة على المشاركة بفعالية أكثر فى السوق المصرية، حيث قامت بضخ استثمارات بنحو 6.1 مليار دولار فى مصر، وهى تمثل نحو 11 % من إجمالى الاستثمارات الأجنبية، و27 % من إجمالى استثمارات الدول العربية.

التواجد السعودى الكبير فى مصر، جاء من منطلق حرص الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، على استمرار تكامل العلاقات السعودية- المصرية، تحت قيادة الرئيس السيسى، وهو ما دفع العاهل السعودى إلى زيارة مصر لتأكيد أواصر التعاون بين البلدين.

وقام الملك سلمان بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع مصر بلغت قيمتها نحو 25 مليار دولار، بواقع 2 مليار دولار، لتنمية سيناء مع الصندوق السعودى للتنمية، بينها منحة لا ترد قيمتها 200 مليون دولار، و120 مليون دولار لتطوير مستشفى قصر العينى، واتفاقية تمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بـ100 مليون دولار.

كما تم الاتفاق على إنشاء صندوق مصرى - سعودى للاستثمار بقيمة 60 مليار ريال، إضافة لعدد من مذكرات التفاهم فى مجالات الإسكان والبترول والتعليم، وتأسيس شركة «جسور المحبة» لتنمية منطقة قناة السويس بقيمة 3 مليارات جنيه، وشركة لتطوير 6 كيلو مترات مربعة من المنطقة الصناعية بمنطقة قناة السويس بقيمة 3.3 مليار دولار.

الربط الكهربائى

وحرصًا من مصر على تأكيد الترابط مع السعودية، طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى مخططًا للربط الكهربائى مع المملكة العربية السعودية.

ويسعى الرئيس السيسى من خلال هذا المشروع إلى الإسهام فى تلبية احتياجات الطاقة الكهربائية بين البلدين وتحسين أداء واستقرار الشبكة.