الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

91 عاما على ميلاده جمال حمدان.. عبقرى المكان والزمان

شخصية متفردة.. ليس فقط صاحب عبقرية المكان هو أيضا عبقرى زمانه والأزمان التى جاءت بعده.. هو الدكتور جمال حمدان فيلسوف وعالم الجغرافيا الشهير الذى يحمل شهر فبراير ذكرى ميلاده.. ولأنه شخصية مصرية وعالمية غير عادية فالكتابة عنه واجبة دوما.



وُلد الدكتور جمال حمدان فى 4 فبراير عام 1928 فى قرية «ناى» بمحافظة القليوبية بمصر، وحفظ القرآن الكريم على يد أبيه، وكان والده أزهريًّا، ويعمل مدرسًا للغة العربية، وتم فصله من مؤسسة الأزهر التعليمية بتهمة المشاركة فى مظاهرات الثورة المصرية عام 1919 م، وذلك قبل ميلاد الدكتور جمال بحوالى 9 أعوام، والتحق جمال حمدان بالمدرسة الابتدائية فى عمر الثامنة، وتابع مسيرته التعليمية حتى التحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية المرموقة، والتى كانت وقتئذ إحدى المدارس الرفيعة، فقد كانت لها شهرة وطنية على مستوى التعليم العالى والمرافق الرياضية فى مصر، وفى هذه المدرسة اكتشف شغفه وحبه وموهبته الفطرية للجغرافيا.

 تعليم جمال حمدان

أكمل جمال حمدان تعليمه فى المدرسة الثانوية فى عام 1944 م بدرجة امتياز، وأثبت تفوقه وجدارته، حيث احتل المرتبة السادسة فى قائمة الخريجين فى جميع أنحاء البلاد، واختار أن يكمل تعليمه بما يخص شغفه، فالتحق بقسم الجغرافيا فى كلية الآداب- جامعة القاهرة، وحصل على البكالوريوس بدرجة امتياز فى سن العشرين، وتم تعيينه عضو هيئة تدريس فى كلية الآداب، وحصل على منحة دراسية فى المملكة المتحدة للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه فى الجغرافيا، وقدم رسالة بعنوان «سكان وسط الدلتا قديمًا وحديثًا» لرسالة الماجستير، ولكن كان يعتقد أنها تصلح لأن تقدم كرسالة دكتوراه، ونظرًا لتقدير أستاذه البروفيسور أوستن ميلر له، تمت الموافقة على تقديم الرسالة للحصول على درجة الدكتوراه.

 العودة لمصر

عاد حمدان إلى مصر فى عام 1951م لجمع البيانات العلمية المتعلقة بالرسالة، وفى عام 1953 م، حصل دكتور جمال حمدان على درجة الدكتوراه بعمر لم يتجاوز 25 عامًا وعاد إلى مصر، وعُين مدرسًا فى قسم الجغرافيا، فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، سرعان ما أدرك دكتور جمال التغيرات التى طرأت على مصر بعد ثورة 1952 م، لذلك فضّلَ أن ينسحب من الحياة العامة، فترك وظيفته الأكاديمية، وفرض على نفسه عزلة متجاهلًا فوضى الحياة حوله، ووفر لنفسه الأجواء المناسبة للتأمل والبحث والابتكار دون انقطاع، فكان له أن أخرج أعظم نتاج فكرى وعلمى ليس فقط فى الجغرافيا، بل وفى العلوم الاجتماعية الأخرى، لقد فكر فى الجغرافيا كعلم وفن وفلسفة وأبدع فيها، وأنتج أعمالًا فريدة فى دقتها غير مسبوقة فى محتواها العلمى.

 جغرافيا الحياة

لم يكن منظور حمدان للجغرافيا على أنها دراسة للتضاريس أو الحدود، ولكنه كان يطلق عليها جغرافيا الحياة، فمن وجهة نظره أنه، إذا تم تعريفها بشكلٍ كافٍ صحيح، سيتم تحديد نمط وطبيعة وشروط وقوانين الحياة فى ذلك المكان بدقة، فعلم الجغرافيا واسع، وله أيدٍ خفية فى الحياة وفى العلوم الأخرى، وربما كان لموهبة حمدان فى الرسم والخط فضل لتميزه فى الجغرافيا، فقد شكلت إنجازاته الفكرية والجغرافية الفريدة أهم إنجاز بل وأعظم إنجاز للمدرسة الجغرافية المصرية، وتؤكد إنجازاته وأعماله على تفرد مصر من حيث الزمان والمكان والجغرافيا والتاريخ، وهذا طابع كتاباته والذى يضم عدة تخصصات لخدمة محتوى عظيم فى ذاته، فقد جمع فى كتاباته بين الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والثقافة، وكان الناتج أقوى محتوى عربى غير مسبوق.

تنبأ جمال حمدان بعدة أحداث، وكانت متوافقة مع حقائق الجغرافيا، وأهم هذه التنبؤات هو تفكك الاتحاد السوفيتى، وقد كان ذلك، ومن أبرز ما كشفه حمدان هو إثباته بالعلم أن اليهود الحاليين لا ينتمون إلى بنى إسرائيل، وقد أشار إلى ذلك فى كتابه «اليهود أنثروبولوجيا»، وترك جمال حمدان العديد من الكتابات باللغتين: العربية والإنجليزية، منها سبعة عشر كتابًا باللغة العربية وثمانية كتب باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى العديد من المقالات باللغة العربية والمنشورة فى الصحف والمجلات.

موسوعة شخصية مصر

ومن أهم إنجازاته الفكرية موسوعة «شخصية مصر» والذى كان نتاجًا لعشر سنوات من الجهود المتفانية، ولم يلجأ لمراجع هيّنة، بل إنه قد استخدم خلالها 245 كتابًا عربيًا و691 كتابًا أجنبيًا بعدة لغات كمراجع، فكان الناتج موسوعة مرموقة غير مسبوقة، شرحت بدقة وعمق العوامل المكونة للشخصية المصرية منذ الأيام الأولى للفراعنة، وتفوقت موسوعته على موسوعة «وصف مصر» والتى شرحت مصر أثناء الحملة الفرنسية. رأى حمدان أنّ مصر بمثابة ظاهرة جغرافية غير متكررة فريدة من نوعها، فأبدع فى الكتابة والبحث فيها، وأخرج تحفة علمية غير مسبوقة.

حصل الدكتور جمال حمدان عن استحقاق كاسح على عدة جوائز، منها.. جائزة الدولة التشجيعية فى الفنون والآداب عام 1959، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 1986، وجائزة التقدم العلمى عام 1986 من الكويت، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى للعلوم والفنون عام 1988.

مقولات شهيرة لحمدان

وكانت له العديد من المقولات الشهيرة والتى تعتبر دستورا للعاملين فى السياسة والحغرافية ومنها:

إذا كان اليهود يقولون: «لا معنى لإسرائيل بدون القدس»، فنحن نقول لهم: «لا معنى للعرب بدون فلسطين»... وقال أيضا : «لقد خرج العرب من الصحراء ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام، وما كان لهم هذا ولا ذاك بدون الإسلام.. لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب مجرد رسالة من السماء فقط، ولكنه أيضًا نجدة من السماء».

 ومن أقواله كذلك: « إن ما تحتاجه مصر أساسًا إنما هو ثورة نفسية، بمعنى ثورة على نفسها أولًا وعلى نفسيتها ثانيًا أى تغيير جذرى فى العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أى تغيير حقيقى فى حياتها وكيانها ومصيرها. ثورة فى الشخصية المصرية وعلى الشخصية المصرية ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر.

وقال: «لعل من أبرز ملامح الشخصية المصرية، المركزية الصارخة طبيعيا وإداريا وهى صفة متوطنة لأنها قديمة قدم الأهرامات، مزمنة حتى اليوم وأن الجغرافيا تاريخ متحرك والتاريخ جغرافيا ساكنة».

لغز وفاته

وفاة العالم جمال حمدان كانت جريمة قتل هزت العالم العربى فى تمام الرابعة بعد ظهر السبت 17 إبريل 1993، ومازال فاعلها مبنيًا للمجهول فى الأوراق الرسمية، ولكن الجميع يعلم من صاحب المصلحة الوحيد فى إنهاء حياة صاحب شخصية مصر، وسرقة آخر ثلاثة كتب قبل نشرها، كان جمال حمدان يسكن فى شقة صغيرة بالدور الأرضى بحى الدقى، وقبل شهرين ونصف من وفاته سكن فى شقة بالدور العلوى رجل وامرأة من أصول أجنبية، ويوم وفاته اختفى الاثنان، وبالبحث عن هويتهما عُرف أنهما من أصول إسرائيلية.

3 كتب عن اليهود

بعد ظهر السبت 17 إبريل 1993، دخل جمال حمدان مطبخه ليحضر كوب شاى، وفاجأه رجل آخر وضربه على رأسه بعصا فسقط مغشيًا عليه، ثم قطع القاتل «خرطوم الغاز» وأشعل النيران فى المطبخ، وسرق آخر ثلاثة كتب كتبها جمال حمدان قبل تسليمها للناشر وهى «اليهود والصهيونية، الإسلام المعاصر، والعلم والجغرافيا»، ولاحظ حراس المبانى المجاورة النيران، فأسرعوا بكسر باب الشقة، ودخلوا للمطبخ، فوجدوا عبقرى الجغرافيا جمال حمدان جثة هامدة، واحترق نصف جسده السفلى.

اعتقد الجميع أن جمال حمدان مات متأثرا بالحروق، لكن تقرير مفتش الصحة بالجيزة وقتها الدكتور يوسف الجندى، أفاد بأن الفقيد لم يمت مختنقا بالغاز، وأن الحروق ليست سببا فى وفاته، أثار جدلاً حول وفاته، تبعه عدة تصريحات من أسرة حمدان وبعض المقربين منه تؤكد اختفاء مسودات بعض الكتب التى كان بصدد الانتهاء من تأليفها وتسليمها للنشر؛ وذلك لأن نشوب النار في شقته لم يطل مكتبته.