السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية قضايا المرأة: الإلحاد.. بين القرآن والتفسير! "49"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

جاء مصطلح النسوية التأويلية، تعبيرًا عن إعادة قراءة القرآن الكريم وتفسيره بطريقة نسوية جديدة، تختلف عن تفسيرات القرآن، التى جاءت نتيجة القراءات الفقهية الذكورية المتراكمة على امتداد التاريخ الإسلامى.

فقد وجدت بعض الباحثات أن اقتصار تفسير القرآن على الرجال يؤدى إلى حرمان المجتمع من وجهة النظر النسائية فى التفسير، والتفسير الذكورى للقرآن يؤدى إلى الاعتقاد أن الإسلام يهدف إلى ابتعاد المرأة عن الحياة العامة، وحرمانها من التعليم والعمل. والحديث عن ظلم المرأة يعتبر مهماً لمن يقومون بالدعوة إلى الإلحاد، واستهداف المرأة والشباب بالخطاب من خلال قضايا المرأة. وعند الحديث عن الإلحاد، فإن دعاته يركزون على حرية المرأة وضرورة التخلص من التسلط الذكورى وربط ذلك بالإسلام، لإثبات إهانة الإسلام للمرأة وظلمها والتحيز للرجل، من خلال الشبهات المتعلقة بالمرأة من القوامة وأحكام الإرث والشهادة وغيرها.

 التشخيص والتناقض:

ولذلك قامت بعض المفسرات بالبحث فى موضوع الإلحاد، وتعريف الإلحاد هو إنكار وجود الخالق، وأن الإنسان أوجدته الطبيعة من خلال التفاعل بين عناصرها، ولذلك يجب أن يتصف الإنسان بصفات الطبيعة، وللطبيعة صفتان أساسيتان، التشخيص والتناقض. والتشخيص يعنى أن الطبيعة تقوم على الماديات الملموسة وليس فيها غيبيات، كما أنها تقوم على التناقض مثل الظلام والنور، الحر والبرد، الغابات والصحارى، الجبال والسهول، الأليف والمفترس.

والإنسان لا يعتمد فى حياته لا على التشخيص ولا على التناقض، فالإنسان يعتمد تفكيره على التجريد فى البحث والنقد والتحليل، ويعتمد على الخيال والأحلام والطموح، وكلها ضد التشخيص، كما أن الإنسان يعتمد تفكيره على المقارنة بين الاحتمالات المختلفة واختيار واحد منها لتنفيذه، وهذا ضد التناقض، ولا يمكن للإنسان أن يتخذ قرارين متضادين فى موضوع واحد فى نفس الوقت. والإنسان خلقه الله تعالى، وعلمه التجريد: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) البقرة 31، (عرضهم) هى للدلالة على أن السمات للمشخصات والمسميات لا للأسماء.

ولو كان يقصد الأسماء، لقال: «ثم عرضها»، لكنه يقصد عرض المسميات، يعنى أنه عندما بدأ بتعليم اللغة لآدم بدأ بالمشخص، وعندما قال (ثم عرضهم)، فقد عرض المسميات وهى كل الموجودات حول آدم.

الإسلام والإجرام:

وفى القرآن المصطلح المضاد للإسلام هو الإجرام، ويقابله وصف (المجرمين) مضادًا لوصف (المسلمين): (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون) القلم 35-36، وتسمية السارق والقاتل بالمجرم، يرجع لمعنى المجرم لغويًا وهو الذى يقطع صلته بالمجتمع دون مراعاة لقوانين أو قيم إنسانية.

وقد تكرر مصطلح جرم 67 مرة فى القرآن، ومعناه القطع، ومنه سميت الأجرام السماوية لأنها مقطوعة بعضها عن بعض، ومنه قوله تعالى: (لا جرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون) النحل 109، بمعنى خسارتهم فى الآخرة محسومة.

والملحد قد لا يكون مؤمنًا بالله لكنه قد يحترم القيم الإنسانية، على عكس المجرم الذى بالإضافة إلى عدم إيمانه بالله فإنه لا يحترم القيم الإنسانية ولا يطبقها.

 الإلحاد فى القرآن:

وفى القرآن جاء الإلحاد: (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف 180، يلحدون فى أسمائه أى يميلون عنها إلى أمر آخر فى مسالة الدعاء،

(إن الذين يلحدون فى آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئئم إنه بما تعملون بصير) فصلت 40، يلحدون فى آياتنا أى يميلون عنها إلى أمر آخر.

(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لشان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين) النحل 103، والإلحاد هنا هو الميل عن الاستقامة، بمعنى أن اللسان الذى مالوا إليه أعجمى وتركوا فى المقابل اللسان العربى الذى يمثل اللسان المستقيم. 

أما الإجرام فهو القطيعة مع أمر ما، فالمجرم فهو الذى يقطع صلته بشىء ما: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) الروم 12، (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) القصص 78، (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والأقدام) الرحمن 41، (هذه جهتم التى يكذب بها المجرمون) الرحمن 43، (كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين) المرسلات 18-19. 

الآيات تصف حالة المجرمين يوم القيامة، فيرون ما كانوا يكذبون بوجوده، بحيث لا يحتاجون إلى سؤال وجواب، فهم يؤخذون بدلالة ما ارتسم على وجوههم، لأنهم بقطعهم الصلة بالله وقطع كل صلة بالقيم الإنسانية، لا يملكون أى حساب عند الله. 

والإجرام هو قطع الصلة بالله تعالى: (إلا أصحاب اليمين. فى جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم فى سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين. حتى أتانا اليقين) المدثر 39-47. 

 الصلة والصلاة:

إن قطع الصلة بالله وبالقيم الإنسانية هو الذى يجعل أحدهم يوصف بـ«المجرم»، ولا علاقة للموضوع بالصلاة كفريضة: (أرأيت الذى يكذب بالدين. فذلك الذى يدع اليم. ولا يحض على طعام المسكين. فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون) الماعون 1-5.  والمقصود بـ«المصلين»، هو الصلة بالله وليس صلاة الفريضة، وهناك فرق بين معنى الصلاة المكتوبة بالألف، ومعنى الصلوة المكتوبة بالواو: (ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) النور 41، هنا الصلاة بالألف والحديث فيها عن الطيور، وتعنى الصلة بالله. 

وفى قوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) النور 37، هنا الصلاة بعد فعل الإقامة، وتعنى صلاة الفريضة. 

ولذلك يصبح المسلم هو الذى يربط صلته بالله بالإيمان به وباليوم الآخر ويعمل صالحًا، أما المجرم فهو الذى يقطع صلته بالله فيكفر به وباليوم الآخر ولا يعمل صالحًا. 

والإسلام الذى جاء به الأنبياء والرسل، يرتكز على الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح الذى يمثل القيم الإنسانية أو الضمير الإنسانى، وهى قيم ذاتية فطرية، فالصدق والأمانة فضيلة، والغش والكذب رذيلة. 

ومصطلح الإلحاد جاء فى القرآن بمعنى الميل عن أمر إلى أمر آخر: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) النحل 103، والملحد قد لا يكون مؤمنًا بالله، لكنه لم يقطع صلته بالقيم الإنسانية، فلا يسرق ولا يقتل ولا يقرب الفواحش، أى ليس مجرمًا، والمصطلح المضاد للإسلام هو الإجرام: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم 35 - 36.

والمجرم هو من يقطع صلته بالله، ويقطع علاقته بالمجتمع فلا يعترف بالأخلاق، مما يستدعى تدخل المجتمع إذا أساء له، لكن الملحد أمره بيد الله وحده، يحاسبه أو يغفر له، ولا يحق لأحد محاسبته.

 الحرية والاختلاف:

وسنة الله فى خلقه الاختلاف: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يونس 19، والقيم الإنسانية هى العامل مشترك بين الناس، وتجعل الفصل بينهم بيد الله تعالى وحده: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيمْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج 17.

وكلمة الحرية لم تأتِ فى القرآن، وانما يتم فهمها بالربط بين القضاء والقدر، فكلما زادت معرفة الإنسان بالمقدرات وهى القوانين، زاد قضاؤه فيها بالاختيار بين الاحتمالات، وبالتالى تزيد حريته.

وفى قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة 256، فالمؤمن بالله يكفر بالطاغوت، ليحقق الغاية التى خلقه الله من أجلها، وهى ممارسة حريته بما يتفق مع القيم الإنسانية، ولن يكون الناس على سلوك واحد إلا بالإكراه: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ.

إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هود 118 – 119، والحرية أساس الاختلاف، وأساس الثواب والعقاب فى الآخرة.

وتبقى ممارسة الحرية مقيدة بالأخلاق والقيم الإنسانية، وتطبيق (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) يجب أن يضمن حرية أى معتقد، والله تعالى يعلمنا كيفية التعامل مع الناس: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) التوبة 6، وقوله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) يونس 99، هو تأكيد على حرية كل إنسان: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29.