الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. أمسك.. (علمانى)!

كلمة و 1 / 2.. أمسك.. (علمانى)!

فى نهاية الأربعينيات أراد إسماعيل يس السخرية من تعبير كان ولا يزال شائعًا (أغنياء الحرب)، فى كل الدنيا هناك مَن يستثمر مصائب الناس لتكوين ثروة طائلة، وتحديدًا عندما يُصبح مصابًا جماعيًا مثل الحروب وتوابعها من دمار وتشريد؛ حيث كنا نعيش فى مصر ظلال الحرب العالمية الثانية، بين (المحور والحلفاء)، مثلما نرى حاليًا، كيف أن هناك مَن يستغل ارتفاع سعر (الدولار) بسبب الحرب «الروسية- الأوكرانية» لتحقيق مكاسب غير شرعية بتخزين السلع الحيوية، ثم طرحها بعد ذلك فى الأسواق بأسعار مضاعَفة بعد أن تم ( تعطيش) السوق.



وهكذا غنَّى (سُمعة) للشعب الذي يدفع الثمَن (عينى علينا يا فقرا الحرب يا عينى علينا /عدّى الحرب ولسّه الكرب بيلعب بينا)، كان من الممكن التعامل مع تلك الكلمات ببساطة وبلا ظلال أخرى؛ إلا أنه مع نهايات الحرب بزغ التوجه الشيوعى والذي كان يتزعمه (الاتحاد السوفيتى) سابقًا، قبل أن يُسمّى (روسيا) بعد تحلله إلى عدة دول عام 91، كان الخوف القائم لدى المعسكر الغربى وعلى رأسه أمريكا هو الفكر الشيوعى الذي سيطر على المشهد العالمى؛ مواكبًا للحرب الباردة بين الكتلتين، وأصبح هناك ما يُعرف بـ(المكارثية)، نسبة إلى عضو مجلس نواب أمريكى اسمه جوزيف مكارثى، كان يحاسب الناس على ما يعتقد أنها ميولهم الدفينة، وهكذا- مَثلاً- لاحق الاتهام بالشيوعية أيقونة الكوميديا فى العالم ولا يزال شارلى شابلن، والغريب أن الوشاة كانوا أيضًا فنانين، وبعضهم لا يمكن إنكار موهبتهم مثل المُخرج إيليا كازان، الذي اعترف بعد إسقاط (المكارثية)، أنه كان مضطرًا تحت ضغوط الأجهزة لأداء هذا الدور، ولكن الناس لم تنسَ، ولهذا فى مطلع الألفية الثالثة، عندما قررت أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية منحه (أوسكار) تذكارية عن مشواره، تعالت هتافات الرفض ضده من القاعة، رُغْمَ أنه كان قد تجاوز التسعين.

مثل هذه الاتهامات لاحقت الكثيرين فى مصر، ولكنى تصورت أن آخر ما يمكن أن توجَّه له هو إسماعيل يس، من الواضح أن إدارة الرقابة والتي كانت تابعة وقتها لوزارة الداخلية، اعتبرته يدعو للشيوعية؛ لأنه يناصر الفقراء ضد الأغنياء، ملحوظة الرقابة توجست خيفة، قبل ثلاثة أعوام، من عرض فيلم (رأس السنة)، بحجة أنه يثير أيضًا حفيظة الطبقات الفقيرة ضد الأغنياء؛ لأنه يتناول عالم سكان (الكومباوند)، ولهذا جاء القرار بتجميد الوضع، فلن تجد ورقة تؤكد الرفض، وعلى المقابل لن تجد ورقة تبيح العرض، هذا هو سلاح الرقابة حاليًا، ارفض شفهيًا، فلن تؤخذ عليك، ثم وافقت بعد مجادلات على عرضه، واكتشفنا جميعًا أن الرقابة كانت كعادتها (تنفخ فى الزبادى)، فلا يوجد ما يثير الغضب أو التوجس، وهو ما سوف نكتشفه عندما يسمح قريبًا بعرض فيلم (القاهرة مكة)؛ بسبب تفشى ظاهرة (اليد المرتعشة)، على طريقة «أخذًا بالأحوط»، الموافقة تعنى احتمال المساءلة بينما الرفض، شعار الكسالى، يريح ويستريح.

دعونا نضع نقطة ومن أول السطر، ونعود إلى إسماعيل يس، ونفكر معًا كيف يُتهَم (سُمعة) بالشيوعية، رُغْمَ أنه لا يمكن أن يعرف الفارق أساسًا بين الشيعى والشيوعى، هذه هى شريعة الأجهزة عندما تأخذ بظاهر الأمور، يُغَنى من أجل الفقراء فهو إذن يكره الأثرياء ويدعو للثورة، ماذا فعل (سُمعة)، أعاد بعد سنوات قليلة تقديم المونولوج بكلمات أخرى (عينى علينا يا أهل الفن يا عينى علينا) بدلاً من (عينى علينا يا فقرا الحرب يا عينى علينا).

الآن تغيّرَ الاتهامُ بالشيوعية إلى الاتهام بـ(العلمانية) رُغْمَ أن مدلول الكلمة لا ينال أبدًا من الأديان، إلا أن ظلال الكلمة فى المفهوم الشعبى تعنى ذلك.. وهكذا يرددون كلما أرادوا انتهاك عرض أحد (أمسك علمانى)!