الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى ذكرى وفاة الكاتب الكبير «صبرى موسى»: خمس سنوات على رحيل أيقونة القصة القصيرة وعبقرى أدب الرحلات

تَمُرُّ الذكرَى الخامسة لرحيل أحد أعظم الأدباء فى مصر فى يوم الثامن عشر من هذا الشهر. كان محترفًا للصمت، متواريًا عن ضجيج الأضواء. ترك أعمالًا سينمائية خرجت عن المألوف، ومؤلفاته وضعت فى الصفوف الأولى، ووصلت إلى العالمية.. إنه الكاتب العملاق «صبرى موسى».



فى حوار خاص لـ«روزاليوسف» مع أرملته الكاتبة الصحفية «أنس الوجود رضوان»؛ نستعرض لمَحات من حياة كاتبنا الرائع من بداية مشواره الأدبى حتى وفاته.. إليكم تفاصيل الحوار:

 من يقرأ كتابات «صبرى موسى» يسهُل عليه أن يستشعر أنه كان متفردًا بكل المقاييس.. فما سر تفرُّد الكاتب الكبير؟

- أرى أن هذا يرجع فى المقام الأول إلى مَدرسة روزاليوسف، التى تُعَد مَدرسة صحفية وأدبية متفردة. كل كاتب فيها يُعَد مَدرسة صحفية مستقلة بذاتها، وجميعهم دخلوا عالم الصحافة فأبدعوا. والحس الأدبى كان يداعبهم؛ فبالتالى برعوا فى كتابة القصص والروايات، وحققوا شهرة واسعة فى عالمَىْ الصحافة والأدب. وأحد أبرز هؤلاء كان كاتبنا «صبرى موسى».

وتضيف: هو أصلاً وُلد برأس البر، ووالده كان تاجرًا من دمياط. وطبعًا التقاء النيل بالبحر ساعده على الإبداع والتأمل.. وكان يكتب القصة فى سن صغيرة، حتى إن الناقد الأدبى الكبير «شعبان يوسف» كتب عن مجموعته القصصية التى كتبها وهو لم يتجاوز خمسة عشر عامًا.

ومن ضمن أسباب تفرده أيضًا أنه أول كاتب يذهب إلى الصحراء، وإلى مناطق مطمورة عن عالمنا ويصعب الوصول إليها، ويقدم لنا عالمًا آخر عبر رحلاته الصحفية.. وكانت هناك ميزة فى مجلة «صباح الخير» ومؤسّسة روزاليوسف الصحفية بشكل عام، وهى أن الكاتب كان يصطحب معه رسامًا؛ فكان يرافقه الفنان القدير «هبة عنايت»، ورجع لينقل رحلاته على صفحاتها، واحتوت أعمالاً له على تنبؤات مستقبلية.

وتذكر أن جميع أعماله كان لها تأثيرٌ وانعكاسٌ إيجابىٌّ على المجتمع، فزيارته للصحراء والبحيرات غيرت فيهما الكثير بَعدها. فكان يحث على الزراعة فى أرض الواحات (الداخلة والخارجة) كى تعطينا اكتفاءً ذاتيًّا. والآن نرى زراعة أفدنة القمح بالوادى الجديد لأنها أرض خصبة، والصحراء الآن فيها تعمير وطرُق وغير ذلك. كما أن البحيرات أصبح فيها إنتاج للثروة السمكية بشكل كبير.

 كاتبنا الروائى المصرى الكبير يُعَد واحدًا من أبرز كتّاب القصة غير إسهاماته فى الرواية وكتابة السيناريو.. حدّثينا عن بداية مشواره فى كتابة القصة بالصحافة.

- هو التحق بجريدة «الجمهورية» ومنها انتقل إلى مؤسّسة «روزاليوسف» وكان أحد مؤسّسى مجلة «صباح الخير» عام 1956، وبدأ كتابة القصة القصيرة بمجلات عديدة قبل أن تصدر مجموعته الأولى «القميص» عام 1958.

وتجدر الإشارة إلى أنه كان أصغر سكرتير تحرير مع الكاتب «يوسف السباعى».. وتعد مَدرسة روزاليوسف هى مَدرسته الخاصة، وعاش فيها أنضج سنوات عمره، وكان مدير مكتبها فى العراق والخليج العربى. وكانت رحلاته من خلالها من أجل اكتشاف الذات، فقد كان يضع خلف مكتبه فى مجلة «صباح الخير» خريطة لمصر، ينظر إليها طوال الوقت، يختار منها ما ينوى الذهاب إليه، ثم يكتب عنه، ويتحدث عمّا يعرفه، وكانت له واقعيته المتفردة.

ومن أبرز رحلات «صبرى موسى»، كانت زياراته إلى منطقة البحيرات، حتى إنه كان سببًا فى أن الدولة غيّرت توجهها من منطقة البحيرات فى شمال مصر، فكان التوجه لتجفيف هذه البحيرات، لكن ما كتبه جعل الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» يعيد النظر فى هذه القضية.

 على غرار ذِكْر الصحافة وكونك صحفية كبيرة.. من وجهة نظرك إلى أى مدى ساعدت الصحافة فى تطويع أسلوب كاتبنا؟ وهل الصحافة تُمَكن الروائى من امتلاك أدوات جديدة وفهم العلاقات المتشابكة؟

- بالتأكيد، فجيل «صبرى موسى» نفعته الصحافة بصورة مطردة، وكانت كل الظروف المحيطة بهم تساعدهم. ومَثلًا مؤسّسة «روزاليوسف» العريقة كانت تشجع هؤلاء الشباب الذين كانت أعمارهم متقاربة، وكان لديهم جميعًا حلمُ أن يصبحوا أصحاب أسماء كبيرة، واستطاعوا تشكيل صحافة من نوع خاص فشكلوا «صحافة الحكاية»؛ أى كأنك تكتب قصة أو أدبًا على صفحات المجلات والصحف.

وتثرى حديثها: إن ما أفادهم أيضًا كثرة التجوال والرحلات؛ حيث تجوّل «موسى» فى أنحاء مصر كلها من أولها لآخرها، وعاش فى أماكن كثيرة جدًا، واكتشف العديد من الأماكن. ومن الأسماء العظيمة «عبدالله الطوخى» و«صالح مرسى» وغيرهم الكثير من مدارس صحفية كوّنوا أنفسهم بمساعدة مَدرسة روزاليوسف الصحفية.

 لماذا فكّر كاتبنا فى تحويل أعمال «يحيى حقى» لأعمال سينمائية؟

- كان وقتها كل كُتّاب السيناريو يرفضون إعادتها لصعوبة تحويلها للشاشة، فيما تحدى «موسى»، ومن صور اتقانه لكتابة السيناريو؛ أنه قبل الشروع فى كتابة (البوسطجى) على سبيل المثال، استضاف أصدقاء من الصعيد له، وتعايش فى أماكن مختلفة بالصعيد، وتابع لهجاتهم واتفعالاتهم وطرُق معيشتهم وتفاعلهم فى المجتمع.. وفى عام 2019، قام طلبة فى جامعة السوربون الفرنسية بتقديم مشروع دراسة لهم عن فيلم (البوسطجى)، ووجهوا دعوة للكاتب الكبير؛ حيث لم يكونوا يعلمون أنه رحل قبلها بعام واحد.

وقبل البدء فى كتابة (قنديل أم هاشم) بحث وذاكر كثيرًا، وذهب إلى المَقامات وكان يرى أصحاب الخرافات ويتابعهم ويسجل كل ما يلاحظه؛ حيث إن القصة التى قدمت سواء فى الرواية أو الفيلم، تدور فى فلك المعركة بين العلم والجهل.

 حدّثينا عن حكاياته مع معظم أعماله السينمائية.

- مَثلًا فى رواية «حادث النصف متر» الصادرة فى ثمانينيات القرن الماضى، والتى تحولت إلى عمل سينمائى من إخراج أشرف فهمى وبطولة محمود ياسين ونيللى. أحدث هذا الفيلم فى وقت صدوره جدلًا واسعًا لما أثاره من قضايا حساسة تتعلق بالحرية الجنسية للمرأة والعلاقات العاطفية.. وبالنسبة لفيلم (الشيماء)، فكان من منطلق أنه نفسه يعمل سلسلة من الأفلام الدينية التنويرية، وهذا الفيلم حقق شهرة عربية كبيرة جدًا لدرجة أن أصحابه مثلًا منهم من سمَّى ابنته «شيماء» بعد الفيلم مباشرةً.

وفى فيلم (قاهر الظلام) عن عميد الأدب العربى «طه حسين» والذى جسّده الفنان محمود ياسين، تبرأ منه كاتبنا لتغيير جزء كبير من المحتوى الرئيسى والمضمون الذى أراده، وكان هذا نتاجًا لخوف المخرج عاطف سالم من الرقابة. ومن الأفلام المهمة أيضًا (أين تخبئون الشمس) الذى أنتج فى 1980، وأعد «صبرى موسى» السيناريو والحوار، وهو فيلم عن مجموعة من الشباب تتمرد على المجتمع وتعيش حياة الهبيز فيسببون مشاكل كثيرة أينما ذهبوا، زعمًا أن المجتمع والحكومات يسببان التعاسة للأفراد.

وفيلم (رغبات ممنوعة) الذى يدور حول رجل مهووس بالتملك، ويفرض رقابة صارمة على أسرته، فى خضم شخصية الإنسان الفاضل الذى لا يُخطئ أبدًا فى نظرهم. وتهرب أخته للزواج من حبيبها الذى يرفضه الأخ، لكن حينما تذهب لمقابلته يُقتل أمام عينيها. ولم يسلم الفيلم من التعنتات الرقابية والمنع وقتها. 

 ليس هناك تراجُع للنقد الأدبى إذن؟

- لا، بالتأكيد هناك تراجُع وهذا طبيعى.. كان لدينا العديد من العمالقة كالناقد «سامى السلامونى»، لكن الآن لدينا أيضًا أسماء كبيرة لكنهم قليلون، وأذكر منهم على سبيل المثال «طارق الشناوى» و«خيرية البشلاوى».. الشباب الصاعد فى النقد الأدبى يُبشر بالخير بالنسبة لهذا التوقيت؛ لأن زمان كانوا مرحلة مختلفة وكانوا يقرأون كثيرًا، أمّا الآن فى عصر السوشيال ميديا فالأمور اختلفت تمامًا.. أى حد عاوز ينشر شىء بينشره عنده وبيجد تفاعل عليه.

وتنوّه على أن الساحة الثقافية الآن مختلفة، فلدينا الآن السوشيال ميديا بكل عناصرها. وكان عندنا صفحات ثقافية ثابتة فى كل الجرائد، التى تأثرت وتقلصت أعدادها نظرًا لارتفاع أسعار الورق والطباعة.. فطبعًا هناك صفحات لم تعد موجودة، وهذا لظروف اقتصادية عالمية. وترى أن من الأمور الإيجابية أن المواقع الإلكترونية بدأت تلجأ أن يكون لديها أقسام ثقافية، وخصصت بعض هذه الأقسام للنقد الأدبى، فضلًا عن دور وزارة الثقافة والتنوع لديها مثل: المجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وصندوق التنمية الثقافية.. كل هذا فيه احتواء كبير للمادة الثقافية، ومفيد للمجتمع بشكل عام؛ خصوصًا الأقاليم والنجوع.

 على ذِكْر رواية «فساد الأمكنة» وهى واحدة ضمن أفضل 100 رواية عربية وفقًا لتصنيف اتحاد الكتاب العرب.. ما النهج الذى كان يتبعه فى الكتابة بشكل عام وكتابة الروايات بشكل خاص حتى نستفيد نحن الأجيال الصاعدة؟ 

- حين تزوجت من «صبرى موسى» كان كاتبًا مشهورًا، وكتب معظم أعماله.. لكن ممكن أقول طقوسه فى الكتابة كانت إيه، فهو له غرفة خاصة يغلقها ويجلس فيها لساعات طويلة، ربما أغلب اليوم للقراءة؛ حيث كانت القراءة هى حياته، والكتابة عشقه.. وكان ممنوع حد يزعجه وقتها أو يحرك ورقة من مكانها.. وكان ذا طابع وشخصيةً هادئة ورقيقة ومنظمة بشكل كبير، وكان رجلًُا راقيًا محترمًا حالمًا ورومانسيًا. ورُقيّه هذا فى التعامل انعكس على كتاباته «هو كل الشخصيات اللى بيكتبها فى أعماله».

وتستكمل: كان كائنًا ليليًا يسهر طوال الليل وينام فى الصباح بعد رؤيته شروق الشمس تحديدًا، فهو كان له طقوس خاصة جدًا. وكان يحب الإتقان فى كتاباته، فكان لا يهتم بفكرة متى سيفرغ من الكتابة بقدر إتقانه فيها، وإنهائها بصورة رائعة تعود على قارئها بفائدة؛ لذا فأعماله قائمة بعد وفاته وستعيش لسنوات وسنوات.. وآخر ما كتب كانت مجموعة قصصية اسمها «السيدة التى.. والرجل الذى لم» وفيها رؤية سينمائية، يشعر من خلالها القارئ أنه يرى الأشخاص تتحرك أمامه. 

 مَن الذين كان يحب أن يقرأ لهم من الكتّاب؟ وما أقرب أعماله إليه؟

- كان يقرأ للجميع، حتى فى مرضه كان يحب أن يقرأ للشباب ولكل الكتّاب.. كان يوميًّا لازم تجيله الجرائد ومنها «الأهرام» و«أخبار اليوم» وإصدارات مؤسّسة «روزاليوسف»، وكان يقرأ الروايات الحديثة للشباب وكبار الكتّاب.. فكان يحب التنويع فى قراءاته ويحب أن يرى إنتاج الشباب، وفكرهم الجديد. وتعتبر كل أعماله محببة إليه، لا يفضّل أحدها على الآخر؛ لأن كل أعماله تعب عليها وبذل مجهودًا كبيرًا فى كتابتها.

 المثقفون أطلقوا على كاتبنا لقب «أيوب الثقافة المصرية» نظرًا لتحمله فترة مرض صعبة امتدت لخمسة عشر عامًا.. حدّثينا عن تلك الفترة.

- هى بالفعل فترة صعبة على أى حد، وتحَمَّل تلك السنوات بكل صبر، وجدير بالذكْر أن الصحراء علمته هذا الصبر؛ لأن فى الصحراء كان لا يوجد طعام أو مياه مثل حالنا فى المدن، فعلمته كيف يتحمل.. كان يعيش يومًا كاملاً لا يأكل أو يشرب وأشياء من هذا القبيل.. فالصحراء أعطته نوعًا من التصوف والتشبع الوجدانى، وتأقلم مع مرضه، ولم يشتكِ، أو يتمرد عليه، بالعكس عاش وتعايش معه. وكان يمارس نفس طقوس القراءة والكتابة خلال فترة مرضه، كما كان يراقب شروق الشمس بصحبة العصافير، ويودّ أصدقاءه باستمرار، وكان مُحبًا للحياة.

 فى الفترة الحالية.. هل هناك أعمال بصدد دراستها لكاتبنا العملاق وستظهر إلى النور قريبا؟

- مؤخرًا صدر كتاب «الصخر والبحر»، وهذا الكتاب أعيد نشره، ويضم رحلات «صبرى موسى» فى الصحراء والبحيرات.. وهناك كتابات لا أستطيع التصرف بشأنها؛ نظرًا لحقوق المِلْكية الفكرية، لكن إن شاء الله سأتواصل مع «محمد» نجل كاتبنا والقاطن حاليًا فى أمريكا؛ بشأن ظهور أعمال جديدة للنور.. وجدير بالذكر مَحبة الكاتب وعشقه الخاص لابنه، والذى أتى إليه باثنين من الأحفاد.

 هل تجدين تقصيرًا من الإعلام المصرى نحو الثقافة والتعرف بالكتّاب وأعمالهم الإبداعية؟ وهل تم تقدير كاتبنا من الدولة على أكمل وجه من وجهة نظرك؟

- نحن فى لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة ناقشنا أنه لا بُدّ أن يصبح المنتج الثقافى على الشاشات.. ولا بُدّ من وجود برامج ثقافية؛ لأننا فى مرحلة جديدة من عمر الوطن، ومقبلين على التنمية المستدامة 2030 فمحتاجين الوعى جدًا؛ خصوصًا الوعى الثقاف.. ولا ننكر وجود برامج متميزة، ولكن نريد المزيد من البرامج الثقافية. 

أمّا بالنسبة لتقدير الدولة؛ فترى أنه تم تقدير «الراحل» على أكمل وجه؛ حيث حصل على وسامين رفيعين من الدرجة الأولى من أوسمة الدولة، وجائزة الدولة التشجيعية، وجائزة الدولة للتفوُّق، وغير ذلك.. «يُعتبر أكثر كاتب تم تكريمه.. وكان يغضب عندما  يقول له أحد إن الدولة «مش مكرماه»؛ لأنه اتكرّم فى عهد جميع الرؤساء وعلى مدار حياته، وآخر جائزة حصل عليها هى جائزة الدولة التقديرية، فالدولة لم تهمل كاتبنا رغم ابتعاده عن الإعلام؛ لأنه كان يحب أن تتحدث كتاباته عنه أفضل من الظهور فى الإعلام».