الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عادل إمام ونور الشريف.. وبينهما أحمد زكى "الحلقة العاشرة"

كعادتها دائمًا كانت «روزاليوسف»- ولاتزال- تستضيف على صفحاتها تاريخ الفنانين وحكاياتهم.. نستكشف  من مسيرة العمر ومشواره قصص الكفاح والحب والأمل والصعود.. لأننا نؤمن أن تاريخ البلد ووجدان الشعب ما هو إلا محصلة أيام ويوميات وحكايات رموزه.



يصحبنا فى هذه السطور الكاتب الصحفى الكبير محمد توفيق فى رحلة ممتعة مع فتى الشاشة الأسمر عبر كتابه «أحمد زكى86».. ونتيح لحضراتكم فصلًا من حياته وأحد أهم أعوامه زخمًا وفنًا وتأثيرًا.

ونحن بنشر الكتاب على فصول نؤكد أن حكاية فنان بحجم أحمد زكى هى ملك لكل محبيه وجمهوره.. بحلوها ومرها.. بما حققه من إنجازات وبطولات.. وبكل ما قابله من خذلان.. لأنه رمز كبير وهذا قدر الكبار.

1

مكث أحمد فى الفراش أربعين يومًا كانت كفيلة بأن يستعيد فيها أربعين عامًا مضت، مرَّت أمامه كشريط سينمائى، وهو وحده مَن يقوم بإدارة القرص، ويتوقف عند المشاهد التى يرغب فى رؤيتها أو يريد استعادتها، لكن أحيانًا كانت تداهمه لقطات كان يتمنى لو يستطيع الأطباء إزالتها مع المرارة.

وأخيرًا جاء اليوم الذى انتظره أحمد، وحضر إليه الطبيب مبتسمًا، وأبلغه أنه يمكن أن يغادر المستشفى الآن، لكنه حين يعود إلى القاهرة سيبقى لمدة عشرة أيام على الأقل فى بيته قبل أن يعود إلى التصوير مرة أخرى.

وأعدَّت الممرضة له حقائب السفر، وارتدى ملابسه، وودَّع نافذة الغرفة التى كانت بمثابة الشاشة التى يشاهد منها العالم حوله، ووضع نظارته السوداء فوق عينيه بعد أن تركها أيامًا طويلة، واتجه مباشرةً إلى المطار، وصعد إلى الطائرة المتجهة إلى القاهرة. وبعد أن جلس على مقعده إلى جوار النافذة، وأقلعت الطائرة، طلب من المضيفة الصحف وكوبًا من القهوة، وأحضرت له ما أراد، وأخذ رشفة من القهوة ثم نظر خارج الطائرة إلى السماء المفتوحة، ومد يده للصحف التى أمامه، وأمسك بصحيفة «الأهرام»، وتصفحها، ووجد فيها خبرًا عن فيلم جديد يجمعه مع نور الشريف اسمه «سكة سفر».

وصاحب فكرة الفيلم هو السيناريست بشير الديك الذى ذهب إلى أحمد زكى قبل أسابيع حاملًا سيناريو فيلم جديد قرر أن يقوم بإخراجه بعد أن قام بتأليفه.

وقصَّ بشير على أحمد فكرة الفيلم باختصار، والدور الذى سيؤديه، وأبلغه أن الفيلم سيكون بطولة مشتركة بينه وبين نور الشريف، ورحَّب أحمد بالفكرة. وبعد أن انصرف بشير الديك قرأ أحمد السيناريو وأعجبه، لكنه شعر أن الفيلم له بطل واحد هو نور الشريف، فقرر الاعتذار عن العمل، وذهب الدور إلى ممثل آخر هو أحمد بدير.

وبعد شهور ذهب السيناريست مصطفى محرم إلى نور الشريف بقصة فيلم جديد، وبعد أن قرأ نور السيناريو شعر للوهلة الأولى أن قصة الفيلم تشبه «أحلام الفتى الطائر»؛ فاعتذر عن الفيلم، وقال: «الفيلم ده مكتوب لعادل إمام».

فذهب محرم بالفيلم إلى عادل إمام وأبدى إعجابه به لكنه اعتذر عنه لأنه يعانى آلامًا فى ظهره والدور يحتاج إلى حركات عنيفة، وظل الفيلم شهورًا طويلة حائرًا، حتى قرر المخرج عاطف الطيب أن يذهب بالفيلم إلى أحمد زكى الذى وافق على الدور بعد أن طلب بعض التعديلات فى السيناريو.

وبعد سنوات من كتابة السيناريو خرج الفيلم إلى النور وحقق نجاحًا كبيرًا وصار واحدًا من أهم الأفلام فى مسيرة أحمد زكى، إنه فيلم «الهروب».

بالطبع لا أحد يتصور لفيلم «الهروب» بطلًا آخَر غير أحمد زكى حتى لو كان عادل إمام نفسه، لكن الطريف أنه بعد أن تم عرضه التقى السيناريست مصطفى محرم مع عادل إمام، وسأله: «لماذا رفضت فيلم (الهروب)؟» فأجابه: «ماحدّش فيكم ضغط عليّا عشان يقنعنى بالدور»!

 

2

لعبت الصدفة دورًا مؤثرًا فى تاريخ السينما المصرية، فعدد كبير من أدوار البطولة انتقلت من فنان إلى آخر، فالمرشح الأول للفيلم غالبًا ما يعتذر عن الدور المعروض عليه، وينتقل الدور إما إلى المرشح الثانى أو الثالث، ولكن بعد أن يتم عرض الفيلم وينجح لا يمكن أن يتصور أحد للفيلم بطلًا آخر غير البطل الذى شاهدوه على شاشة السينما.

ولعل أكبر مثال على ذلك فيلم «البيه البواب» الذى نشرت الصحف أن عادل إمام سيقوم ببطولته، ولكن قبل أيام من تصويره اعتذر إمام، وذهب الفيلم إلى أحمد زكى بنفس السيناريو وبنفس مجموعة الممثلين، ولكن الآن يصعب تصور أداء عادل إمام فى هذا الدور.

بالطبع لم تكن الأدوار تذهب فقط من عادل إلى أحمد، لكنّ هناك أدوارًا حدث فيها العكس، فقبل عدة سنوات كان أحمد زكى المرشح الأول لبطولة فيلم «الحريف»، ولهذا قصة.

فعندما عرض محمد خان فيلم «الحريف» على أحمد زكى وافق وتحمس له، لكن بعد أيام حدث خلاف بين أحمد وخان، وذهب أحمد زكى للاشتراك فى فيلم آخر هو «النمر الأسود»، ويومها قرر خان أن يردَّ على ما فعله أحمد بأن يذهب بفيلمه إلى عادل إمام الذى وافق على بطولة الفيلم.

وعُرض الفيلمان معًا فى توقيت واحد فى شهر أغسطس من عام 1984، وتجاوزت إيرادات «النمر الأسود» الإيرادات التى حققها «الحريف»، وغضب عادل جدًّا لأن أحمد تجاوزه فى الإيرادات لأول مرة.

وعلى الجانب الآخر لم يفرح أحمد بفيلمه الجديد حين رأى فيلم «الحريف»، وشعر أنه خسر بطولة فيلم مهم، وعندما كتب أحد النقاد: «النمر الأسود جاب الحريف الأرض» غضب أحمد زكى، وقيل إنه اتصل بالناقد الذى كتب هذا العنوان ووبّخه، لأنه نظر إلى الإيرادات فقط ولم ينظر إلى جودة الفيلم.

3

لكن باستثناء فيلم «النمر الأسود» ظل عادل إمام يسيطر على شباك التذاكر فى أغلب المنافسات، لكن مجرد أن يأتى أحمد زكى فى المركز الثانى كان إنجازًا بالنظر إلى نوعية الأفلام التى يقدمها، وإلى المنافسين الآخرين أمثال محمود ياسين، ومحمود عبد العزيز، ونور الشريف، ويحيى الفخرانى، وفاتن حمامة، وسعاد حسنى، ومديحة كامل، ونبيلة عبيد، ونجلاء فتحى، ونادية الجندى.

المنافسة بين أحمد زكى وعادل إمام انتقلت من شباك التذاكر إلى نوادى الفيديو التى كانت تشترى الأفلام بعد عرضها فى السينما، وكانت تمثل قرابة 40 % من ميزانية الفيلم، واحتل عادل كعادته المركز الأول بـ120 ألف جنيه، وجاء أحمد فى المركز الثانى بـ80 ألف جنيه متفوقًا على نور الشريف، ومديحة كامل، ونبيلة عبيد، ونادية الجندى.

هذه الأرقام جعلت أجر عادل إمام يتجاوز المئة ألف جنيه فى الفيلم، وعندما سَرَت شائعة أنه سيخفّض أجره إلى النصف عدّها النقاد نكتة الموسم، لكنّ أحمد زكى أبدى استعداده لخفض أجره شريطة أن يكون العمل يستحق التضحية.

المنافسة بين أحمد زكى وعادل إمام كانت لها عدة أوجه، فمثلما حصل عادل على لقب الأعلى أجرًا والأكثر إيرادات، تفوق أحمد فى الحصول على الجوائز واحتفاء النقاد مع كل فيلم يقدمه، لدرجة أن عادل إمام قال لمفيد فوزي: «أحمد زكى بيدخل الفيلم وفى جيبه جائزة».

تلك المنافسة جعلت الصحف تتحدث كثيرًا عن علاقتهما المضطربة وخلافاتهما الدائمة على السينمات الأكبر والقاعات الأفضل، وبعض تلك الأحاديث كان حقيقيًّا، والبعض الآخر من خيال محررى الصفحات الفنية.

4

ومثلما تصدَّر عادل إمام قائمة الأعلى أجرًا تصدر أيضًا قائمة أكثر النجوم تعرضًا للخلافات مع زملائه، فقد وقعت أزمة بينه وبين محمود عبد العزيز، ونشرت الصحف تفاصيل الخلاف بين النجمين بسبب مسلسل «رأفت الهجان»، ولهذا الخلاف قصة.

ففى منتصف عام 1986 ذهبت إحدى شركات الإنتاج -ولم تُفصح الصحف عن اسمها، واكتفت بأن تشير إلى أنها شركة كبيرة وستقوم بإنتاج ضخم- إلى محمود عبد العزيز ليقوم ببطولة مسلسل «رأفت الهجان» عن قصة كتبها الأديب صالح مرسى وتُنشر أسبوعيًّا على صفحات مجلة «المصور»، وتتناول واحدة من بطولات جهاز المخابرات المصرية قبل عام 1967، ووافق عبد العزيز وبدأ تجهيز نفسه لأداء الدور ثم فوجئ بخبر نشرته صحيفة «الجمهورية» بعنوان: «عادل إمام بطلًا لـ(رأفت الهجان)».

وجاء فى تفاصيل الخبر أنه تم التراجع عن جعل قصة «رأفت الهجان» مسلسلًا تليفزيونيًّا، وتم الاتفاق على أن تكون فيلمًا سينمائيًّا مثل «الصعود إلى الهاوية»، يقوم بإخراجه كمال الشيخ، ورُصدت ميزانية قدرها مليون جنيه لهذا الفيلم.

واختارت الشركة المنتجة عادل إمام بطلًا للفيلم بعد أن حقق نجاحًا كبيرًا فى شخصية «جمعة الشوان» فى مسلسل «دموع فى عيون وقحة» قبل ست سنوات.

وقرأ محمود عبد العزيز الخبر وغضب وشعر أنها بمثابة إهانة له من الشركة المنتجة ومن زميله عادل إمام الذى كان يجب عليه أن يتصل به أولًا ليستأذنه ويخبره خصوصًا أن الجميع يعلم أنه هو الذى سيؤدى دور «رأفت الهجان».

كان محمود يريد أن يفعل عادل معه مثلما فعل هو مع أحمد زكى عندما جاءه منتج فيلم «سعد اليتيم» وطلب منه أن يقوم بالبطولة بدلًا من أحمد لأنه لا يلتزم بمواعيده، ويومها قام محمود بتقريب وجهات النظر بينهما، وعاد أحمد زكى لاستكمال الفيلم.

لذلك عبّر محمود عبد العزيز عن غضبه، وبدأت محاولات لمصالحته فى الكواليس. ومرت شهور دون البدء فى تصوير الفيلم، ثم تم التراجع عنه، إلى أن استقر المنتج على أن تكون القصة مسلسلًا تليفزيونيًّا، وأن يكون البطل هو محمود عبد العزيز الذى رفض فى البداية ثم وافق دون حماس.

5

رغم أن غالبية الأزمات كانت تضع عادل إمام فى موضع الاتهام، لكن هناك أزمات كان عادل فيها هو الضحية، فقد شعر أنه تعرض لظلم كبير فى الحصول على جوائز تليق بما قدمه، ولعل الواقعة الأشهر حدثت قبل عام 1984 فى «مهرجان قرطاج» حين سافر عادل مع فيلمه «حتى لا يطير الدخان» إلى تونس، وراهن على حصوله على جائزة أفضل ممثل، أو أفضل فيلم... لكنه عاد دون أى جوائز، فقد ذهبت جائزة أفضل فيلم لـ«أحلام المدينة» السورى، بينما حصل على جائزة أفضل ممثل يحيى الفخرانى، وقيل إن نور الشريف هو السبب فى كل ما جرى بوصفه عضوًا مؤثرًا فى لجنة تحكيم «مهرجان قرطاج السينمائى».

وغضب عادل من نور وشعر بأنه السبب فى حرمانه من جائزتَى أفضل ممثل وأفضل فيلم، وتحدثت بعض الصحف عن الخلافات بين الاثنين، ودافع نور عن نفسه وأكد أنه منح صوته لفيلم «حتى لا يطير الدخان»، وشرح كواليس ما دار فى الجائزة ليبرّئ نفسه من تهمة معاداة النجم الأكثر جماهيرية.

وطرح نور الشريف سؤالًا على النقاد الذين هاجموه قائلًا: «لماذا لم تعطوا عادل إمام الجائزة فى (مهرجان الإسكندرية) عن نفس الفيلم؟!».

6

الصراع هو قَدَر النجوم الكبار، أحيانًا يكون على شاشة السينما وأحيانًا ينتقل إلى أرض الواقع…

لكن هذا الصراع لم يمنعهم من الوقوف صفًّا واحدًا فى مواجهة أزمة كبيرة كادت تعصف بالسينما حين صارت تكاليف الأفلام أكبر من إيراداتها، ويومها خرج غالبية النجوم يصرخون على صفحات الجرائد بسبب قلة عدد السينمات وسوء حالتها، فبعضها ذات كراسىّ محطمة، وبعضها صورتها مشوّهة، وبعضها صوتها مشوَّش مما جعل الناس يبتعدون عن السينما ويفضلون مشاهدة الفيلم فى البيت عن طريق شرائط الفيديو.

وقد تسبب ذلك فى أزمة كبيرة تصدرت تفاصيلها عناوين الصحف والمجلات الفنية، لكن استطاع صُنّاع السينما فى مصر أن ينتجوا 96 فيلمًا سينمائيًّا فى عام 1986 علاوة على 37 مسلسلًا تليفزيونيًّا، هذا إلى جانب الأفلام التليفزيونية والسهرات الدرامية ومسرحيات القطاعين العام والخاص.

والفضل فى هذا الرقم الكبير يعود للفنانين الكبار أولًا، لأنهم طرحوا كل الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة، وإنتاج أكبر عدد من الأفلام، واجتمع أغلبهم مع المنتجين ومع غرفة صناعة السينما، وجلسوا مع وزير الثقافة ومع قيادات «الحزب الوطنى» لتخفيض بعض الضرائب عن مستلزمات الصناعة.

وقرر بعض النجوم المساهمة فى إنتاج الأفلام، وأعلن بعضهم عن تخفيض أجره، وعلى رأس هؤلاء سعاد حسنى التى أعلنت خفض أجرها إلى 40 ألف جنيه تقديرًا منها لظروف الركود الذى تعانى منه السينما، ولم تكتفِ بذلك بل أعلنت أنها ستحصل فى فيلم «الجوع» على 30 ألف جنيه فقط بوصفها ضيف شرف.

وفى الوقت الذى قرر فيه بعض النجوم الكبار خفض أجورهم، أعلن كُتاب السيناريو: عبد الحى أديب، ووحيد حامد، وفيصل ندا، ومصطفى محرم، غضبهم من تدنى أجورهم مقارنةً بالفنانين، وقرروا رفع أجرهم إلى 15 ألف جنيه فى السيناريو.

وارتفعت أيضًا أجور بعض النجوم الجدد، ومن بينهم فاروق الفيشاوى الذى ارتفع أجره إلى 30 ألف جنيه، ووصل أجر شيريهان إلى 35 ألف جنيه فى الفيلم، وهو نفس الأجر الذى حصل عليه فريد شوقى مقابل تصوير تسعة أيام فقط فى فيلم «الخرتيت» بطولة سهير رمزى.

لكنّ أحمد زكى لم يغضب من فكرة تخفيض أجور النجوم الكبار وزيادة أجور النجوم الجدد رغم أنه فى طريقه من لندن إلى القاهرة كان ينتظر مراجعة حسابه البنكى ليعرف بدقة كم أنفق فى رحلة العلاج.

7

هبطت الطائرة القادمة من لندن التى تحمل أحمد زكى فى مطار القاهرة، ووجد هيثم فى انتظاره مع أمه، واحتضن أحمد ابنه حتى كاد يذوب فيه، وركب معهما السيارة حتى وصل إلى بيته.

وبمجرد أن استراح قليلًا وضع صور هيثم إلى جوار سريره لتكون أول شىء يراه كل صباح ثم احتضن فراشه الذى اشتاق إليه، وقبل أن ينام شعر بأنه كان بحاجة إلى تلك الرحلة رغم مشقّتها.

وفى صباح اليوم التالى أجرى اتصالًا ليستعلم عن رصيده فى البنك فوجده «صفرًا»!

نعم «صفر»، ليس لديه أى أموال تُعينه على مواجهة الحياة وأعبائها، فكل ما حصل عليه من أفلامه فى أكثر من عشر سنوات لم يصمد أمام فاتورة مستشفى مكث به لمدة أربعين يومًا رغم أن الجنيه الإسترلينى الذى دفع به أحمد ثمن إقامته فى المستشفى كان بجنيهين فقط.  أنفق أحمد فى رحلة المرض كل ما جمعه فى رحلة الفن، ولم يعد يملك سوى بيته ومكتبه وسيارته، بل إنه أصبح مدينًا رغم أن أجره قد تضاعف ثلاث مرات فى ثلاث سنوات، وصار يتجاوز الخمسين ألف جنيه فى الفيلم.

لم يغضب أحمد حين علم أن رصيده «صفر»، بالطبع كان يتمنى أن يكون رقمًا كبيرًا يُعينه على أعباء الحياة ويستطيع منه الإنفاق على ابنه؛ فالمال بالنسبة إليه ليس سوى وسيلة يعيش منها ويستطيع عن طريقه تقديم فن يليق بقدراته وبطموح جمهوره، فلم يكن يريد أن تكون سيارته الأغلى والأضخم والأفخم، لكنه أراد سيارة يصل بها إلى الاستديو وتناسب احتياجاته.

لم يرغب أحمد أبدًا فى أن يكون فنه قنطرة لجمع المال، ربما لو فعلها لوقف على جبل من المال يناطح به أعلى الأبنية ارتفاعًا، لكنه لو فعل ذلك سيصير عبدًا للمال -على حد تعبيره- وسيبحث فى الأعمال عن الربح لا عن الفن، وسيلهث خلف الأجر الأعلى لا خلف العمل الجيد.

كان أحمد يرى أنه إذا انشغل بالمال فلن يصنع فنًّا جيدًا، فالمال يقود صاحبه إلى اختيارات تجارية تجنى عليه مزيدًا من الأرباح دون النظر إلى قيمة العمل، لذلك كان يردد دائمًا: «لا أريد للفلوس أن تقتلنى أو تقتل قيمًا جميلة أخرى»؛ فالمال -كما يقول أحمد- لا يمكن أن يكون غاية الفنان، بل هو وسيلة لصناعة فن أجمل.

لكن الشىء الوحيد الذى جعل أحمد يشعر بعد عودته من رحلة المرض بأن ما فعله لم يذهب سُدى، كان العدد الهائل من الخطابات والاتصالات التى انهالت عليه طوال رحلة مرضه، حينها شعر أن رصيده فى بنك الجماهير كبير وكبير جدًّا.