الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الشيخ الشعراوى والفرصة الضائعة

الشيخ الشعراوى والفرصة الضائعة

أعتبر أن رفض عرض مسرحية عن حياة الشيخ الشعراوى فرصة ضائعة أهدرها دعاة الحرية والمنادون بالتنوير، وذلك لعدة أسباب ألخصها فيما يلى:



أولا: أن الحرية لا تتجزأ ولا يمكن أن نطالب بها فيما نحب وعند مصلحتنا ونرفضها إذا كانت ضد اعتقاداتنا وأفكارنا، فالإيمان بها لا يكون حسب المزاج وعلينا أن نتقبلها فى جميع الحالات، وكان يمكننا جميعا أن نعطى درسا فى قبول الاختلاف وإن نرسى مبدأ رفض المصادرة وأن نعلى من قيمة احترام الرأى الآخر مهما كان تحفظنا أو رفضنا لأفكار ومواقف المختلفين معنا، ولا يجب أن ننسى أننا كثيرا ما عانينا من قضايا المصادرة ودعاتها ومحاميها، ولذا نرفض السير على نفس نهجهم وطريقهم.

ثانيا: أن كثيرا من الرافضين لمسرحية الشيخ الشعراوى سبق أن اعترضوا على المطالبة بعدم عرض مسرحية «المومس الفاضلة» والتى كان مقترحا تقديمها منذ سنة على المسرح القومى، وليس من المعقول أن أرفض المنع فى مسرحية وأطالب به فى مسرحية أخرى، وإذا كان مدعو الفضيلة نجحوا فى منع مسرحية «المومس الفاضلة» من العرض رغم أنهم لم يقرءوها فمن الواجب علينا أن نكون قدوة فى المطالبة بالحريات وقبول الآخر ومناقشة الأفكار وليس مصادرتها ومنعها.    

ثالثا: أنه لا يمكن أن نرفض شيئا لم نره ولم نقرأه وكأننا نقول للآخرين ارفضوا أنتم أيضا دون أن تقرؤوا أو تعرفوا، ونحن هنا لا نعرف شيئا عن نص المسرحية المرفوضة، وماذا لو كانت تناقش حياة الشيخ الشعراوى بموضوعية لا تجعل منه قديسا ولا شيطانا وإنما مجرد داعية له ما له وعليه ما عليه؟، وحتى لو كان النص المسرحى يجعل منه ملاكا بلا أخطاء فهى فرصة حقيقية لمناقشة بعض آرائه وفتاويه وتفنيدها والرد عليها وكشف ما بها من عوار أمام الناس، خاصة فيما يتعلق بالمرأة وتحريمه عمليات نقل الأعضاء وغيرها، وأيضا كشف مواقفه السياسية ومنها ما يعاب عليه مثل قوله عن السادات لا يسئل عما يفعل وهو ما حاول تفسيره بعد ذلك وتأويل كلامه ليخرج من المـأزق الذى وضع نفسه فيه، وأيضا كلامه عن سجوده شكرا لله بعد هزيمتنا فى حرب يونيو 67، وكذلك موقفه المعادى لجمال عبدالناصر والذى تراجع عنه فى آخر أيام حياته حتى إنه زار قبره، بجانب موقفه من المسيحيين والذى خفتت حدته ويكفى أنه زار البابا شنودة مهنئا بالعيد وذلك بعد زيارة البابا الراحل له عندما كان يتعالج فى المستشفى بلندن وأوصى عليه الأطباء المسيحيين المصريين العاملين هناك.

رابعا: ما سبق لا ينفى براعته اللغوية واستخدامه الرائع لها فى تفسير القرآن وتبسيطه للعوام وقدرته على جذب المشاهدين وهو الميدان الذى بنى من خلاله شعبيته الكبيرة ومن حق محبيه وهم كثر أن يروا عملا فنيا عنه، ومن حقنا أيضا أن نفند آراءه ونكشف ابتعاد بعض فتاويه عن الواقع والعصر الحديث وخاصة أن معظمها لا يعمل به مثل رفضه لعمليات نقل الأعضاء على سبيل المثال.

خامسا: كانت لدينا فرصة لطلب عمل مسرحيات عن شخصيات عامة ودينية مهمة من الصعب أن نراها على خشبة المسرح مثل البابا شنودة وكذلك رواد التنوير مثل قاسم أمين وهدى شعراوى وأحمد لطفى السيد والشيخ محمد عبده ود.نصر حامد أبو زيد وغيرهم أسوة بمسرحية الشيخ الشعراوى دون أن يستطيع أحد الاعتراض، وبذلك نكسب من هذا الموقف تعريف الأجيال الجديدة بهؤلاء الرواد وأفكارهم ومواقفهم.

سادسا: إن المسرحية كانت فرصة لفتح حوار مجتمعى حول كيفية تناول الشخصيات العامة الفكرية والسياسية دراميا دون تقديسهم أو شيطنتهم وهو ما فعلته الدراما طوال الفترات السابقة والتى لم تجعل منهم بشرا لهم إيجابياتهم وسلبياتهم، وقد شهدنا دراما ما بعد ثورة يوليو وكيف جعلت من العهد الملكى كله ظلما وظلاما دون أى إيجابيات، ورأينا كيف تناولت الدراما فى السبعينيات فترة حكم عبدالناصر باعتبارها نموذجا للقهر والظلم وذلك للنيل من الرجل بعد وفاته وكانت نفس الدراما قد رفعته إلى عنان السماء عندما كان فى الحكم، وهو ما حدث مع كل الرؤساء والزعماء، كما أننا شهدنا الدراما التى تناولت حياة المشاهير مثل أم كلثوم وعبدالحليم بل والشيخ الشعراوى نفسه وقد جعلت منهم ملائكة بلا أخطاء وكأنهم ليسوا بشرا.

أخيرا: إن استخدام البعض من منتقدى الشيخ الشعرواى ألفاظا خشنة فى وصفه وتوصيفه أعاد قضايا الحسبة وأعطى فرصة لمن يلجأون إليها لإقامتها وكنت أتمنى انتقاد الشيخ وأفكاره دون المساس بشخصه حتى لا يستغل هواة الحسبة الأمر ويبعدوننا عن القضية الرئيسية وهى مناقشة بعض فتاوى الشيخ ومواقفه.   

لقد كانت لدينا فرصة عظيمة نحتاجها ولكننى أعتقد أننا أهدرناها لأننا فكرنا بالعاطفة وليس بالعقل وبالانحياز وليس بالموضوعية.