الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

اختيار أم كلثوم ضمن قائمة أهم 200 مغن فى التاريخ: كوكب الشرق.. ليست فى حاجة إلى «ختم» الخواجة

بعنوان The 200 Greatest Singers of All Time، نشرت مجلة  Rolling Stone تقريرًا عن أهم 200 مغنٍ فى تاريخ كل العصور، حيث تواجدت الفنانة «أم كلثوم» فى المركز رقم 61، لتكون هى الفنانة المصرية، بل العربية الوحيدة الموجودة داخل هذه القائمة.



وبمجرد صدور هذا التقرير، اهتمت الصحافة المحلية المصرية، وكذلك العربية، بالإضافة إلى البرامج الحوارية بتسليط الضوء على الأمر باعتباره إنجازًا مهمًا، وكأننا حتى هذه اللحظة نريد «ختم» الخواجة، واعترافه بأهمية ما نقدمه من صناعات إبداعية.

والحقيقة أن تواجد «أم كلثوم» فى هذا التقرير لا يضيف لها أى شىء على الإطلاق، فهل إذا لم تتواجد به سيكون دليلاً على كونها ليست من أفضل المغنين فى تاريخ هذا الكوكب؟ قطعًا لا!

ولكن هذا التقرير المنشور لا بد أن نتوقف أمامه، فى مجموعة من النقاط المهمة، لأنه للأسف الشديد يكشف لنا كيف قمنا على مدار سنوات عديدة بتقييم المنتجات الإبداعية الغنائية بشكل خاطئ وسطحى.

هذا التقرير تأتى أهميته الحقيقية، فى كونه صادرًا من مجلة أمريكية متخصصة فى الموسيقى والسياسية الليبرالية والثقافة الشعبية، والذين قاموا باختيارات الـ 200 مغنٍ، هم مجموعة من المتخصصين فى مجالات الموسيقى والثقافة الشعبية، والأهم من كل ذلك أن هذه الاختيارات كانت مبنية على معايير واضحة المعالم، وهذه المعايير أيضًا منطقية للغاية.

وكانت المعايير التى بنى عليها التقرير ترتكز على الأصالة، وعمق المحتوى الذى يقدمه الفنان، وامتداد إرثه الفنى وتأثيره على الجماهير، وسبحان الله «صوت» المغنى، ليس معياراً أساساً لتقييم الفنان ومشروعه! وهذا يتنافى تماماً مع كل النظريات النقدية المصرية والعربية التى سيطرت على عقولنا بشكل «خاطئ».

هنا على صفحات «روزاليوسف» وبالتحديد فى عام 2019، كتبت مقالاً بعنوان «درس أم كلثوم فى كيفية إدارة الموهبة»، وقتها قمت بمقارنة مشروعها الغنائى بمشروع زميلتها وبنت جيلها «فتحية أحمد»، وكيف تفوقت «أم كلثوم» على «فتحية»، بفضل الاستمرارية والتنوع والتجديد ومراعاة ما يحبه الجمهور، وكيف ثقّفت نفسها، وكيف تحولت من فتاة ريفية إلى سيدة مجتمع، ولم أتوقف ولو للحظة عند الامكانيات الصوتية، عكس ما فعل الأساتذة الكبار والذين قد وصفوا صوت «فتحية أحمد» بأجمل الأوصاف، وذلك لإيمانى الشديد بأن «الموهبة» هدية من الخالق، وليس للإنسان أى فضل فيها على الإطلاق، ولكن ما يفرق فنانًا عن آخر، هو كيفية استغلال الموهبة وإدارتها، ولهذا السبب اختارت المجلة الأمريكية «أم كلثوم» ضمن قائمة أهم 200 مغنٍ فى التاريخ!

وطبقًا للتقرير وصفت «أم كلثوم» بأن ليس لها مثيل حقيقى بين المغنين فى الغرب، وهذا الوصف يعبر عن معيار «الأصالة»، وأن المشروع الغنائى لكوكب الشرق لم يحاول بأى شكل من الأشكال تقليد أى نموذج أجنبى، ولذلك تفرد عن الجميع، لدرجة أنه أصبح ليس له أى مثيل «غربى»، كما أن التقرير أشار إلى تأثر «بيونسيه»، و«بوب ديلان»، و«روبرت بلانت» بمشروع «أم كلثوم»، بينما لم يذكروا أيضًا على سبيل المثال لا الحصر، تأثر «شاكيرا» بها، على الرغم من أن النجمة الكولومبية، كانت تصمم «دخلات» العديد من حفلاتها على الرقص الشرقى مستخدمة المقدمة الموسيقية لأغنية (أنت عمرى)!

تأثير «أم كلثوم» على المجتمع المصرى لم يكن فنياً فقط، بل لها مساهمات مجتمعية كبيرة، منها مساندة المجهود الحربى، والذى ألقى الضوء عليه بشكل مفصل الكاتب الشاب «كريم جمال» فى كتابه (سنوات المجهود الحربى)، وإذا كنا نتحدث عن «الإرث»، فقبل ظهور «أم كلثوم»، كانت المشتغلات بالغناء يصفن من قبل الجمهور بصفات رديئة، وظل هذا الأمر لسنوات، حتى جاءت هذه الفتاة الريفية ليصبح لقبها «الست»، وتعطى لمهنة «المغنية» الوقار الكافى، حتى أصبحت قدوة لملايين الفتيات، لدرجة أنها عندما كانت تسافر خارج حدود الوطن العربى، كانت تستقبل من قبل الرؤساء والسياسيين والشخصيات البارزة، كسيدة مجتمع، وليست مجرد مغنية!

ورغم كل هذه التفاصيل المهمة فى مشروع «أم كلثوم»، لا يزال تقييمنا المصرى لها قائمًا على مدى قوة صوتها، بل إنه عندما نقوم بتجسيدها على الشاشة، نهتم بالأمور الفرعية والجوانب الشخصية التى ربما تكون «غامضة»، ولا نغوص بأى شكل من الأشكال فى عمق المشروع الاستثنائى الذى لم يتكرر حتى هذه اللحظة!

تقرير « Rolling Stone» كان به أيضًا العديد من الاختيارات التى توضح الفارق الجوهرى بين الأطروحات النقدية التى تقدم فى أمريكا وبين ما نقدمه نحن فى مجتمعاتنا العربية، ومنها على سبيل المثال تواجد «Rosalía» الفنانة الإسبانية، وهى واحدة من نجوم الموسيقى اللاتينية وبارعة فى تقديم موسيقى الـ «Reggaeton» فى عصرنا الحالى، بل إن جمهورنا المصرى والعربى يكاد يكون بدأ التعرف عليها العام الماضى بفضل أغنية (Bizcocho) والتى أصبحت تستخدم بكثرة على تطبيقات «تيك توك»، وخاصية «ستورى» على فيسبوك وإنستجرام، والمدهش فى هذا الاختيار ووضعها رقم 200 فى ذيل القائمة، أنه كان مبنيًا على استخدام الـ«أوتو تيون»، فى أغنياتها كميزة، وليس عيبًا، ومن هنا يأتى أيضًا الفارق الكبير بين تفكير النقاد والمتخصصين فى الخارج وآرائهم المتماشية مع متطلبات العصر، وبين ما نقدمه نحن من أفكار متجمدة، بل إن نقابة الموسيقيين المصرية، لا تزال تعتبر من يستخدم هذا «الفلتر» من الفنانين ليس مغنياً من الأساس.

كذلك شهدت القائمة تواجد الفنان الشاب «Jung Kook» فى المركز رقم 191، وهو العضو البارز فى الفريق الكورى الشهير «BTS»، هذا الفريق الذى اعتبره الكثيرون داخل مجتمعنا خطراً حقيقياً يهدد أمن المراهقين من أبنائنا وأخواتنا! بسبب عدم معرفتهم بما يقدمه هذا الفريق الغنائى الشهير، ثم يفاجأون به كأحد نجوم حفل افتتاح كأس العالم الأخير فى قطر!

بالإضافة إلى تواجد المناضل السياسى «بوب مارلى» والذى لا يزال التعامل معه حتى الآن فى بعض المجتمعات كما لو أنه مدمن مخدرات، وليس مغنياً مهمومًا بالتعبير عن أحلام المستضعفين والمهمشين، ليكون صوت من لا صوت له!

وأيضًا «مايكل جاكسون» والذى لم يسلَم هو الآخر من كمية الشائعات السخيفة، والذى لا يزال حتى الآن التعامل معه فى بعض الأوساط الصحفية والإعلامية مجرد شاب يرقص ويتمايل مع الإيقاعات، وهو مصدر للموضة «الخليعة»، وليس واحدًا من أهم صناع موسيقى الـ«بوب» وله فضل كبير على كل من يغنى الآن بسبب التقنيات المتوافرة حاليًا، بالإضافة إلى الرسائل السياسية والنقدية التى كان يقدمها داخل أغانيه.

وباختصار شديد، كل اختيار فى هذه القائمة يجب أن نتوقف عنده بشدة، لأنه وللأسف الشديد يكشف حجم السطحية الفكرية التى يتحدث بها بعض النقاد والمتخصصين فى مجال الموسيقى، الذين لا يناقشون عمق التجربة الغنائية لأى مغنٍ، بل يتحدثون عن الظواهر والأمور الفرعية، ولا يزالون منشغلين بالفرق بين «المطرب»، و«المغنى»، ومن له القدرة على قول الـ«آهات» بشكل أفضل من الآخر!