السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إحنا بنمثل... وهو بيضرب بجد!.. أنا مش أعمى يا خلق يا عميانين "الحلقة التاسعة"

كعادتها دائمًا كانت «روزاليوسف»- ولاتزال- تستضيف على صفحاتها تاريخ الفنانين وحكاياتهم.. نستكشف من مسيرة العمر ومشواره قصص الكفاح والحب والأمل والصعود.. لأننا نؤمن أن تاريخ البلد ووجدان الشعب ما هو إلا محصلة أيام ويوميات وحكايات رموزه.



يصحبنا فى هذه السطور الكاتب الصحفى الكبير محمد توفيق فى رحلة ممتعة مع فتى الشاشة الأسمر عبر كتابه «أحمد زكى86».. ونتيح لحضراتكم فصلًا من حياته وأحد أهم أعوامه زخمًا وفنًا وتأثيرًا.

ونحن بنشر الكتاب على فصول نؤكد أن حكاية فنان بحجم أحمد زكى هى ملك لكل محبيه وجمهوره.. بحلوها ومرها.. بما حققه من إنجازات وبطولات.. وبكل ما قابله من خذلان.. لأنه رمز كبير وهذا قدر الكبار. 

1

مر ثلاثون يومًا على وجود أحمد زكى فى الغرفة رقم 800 بمستشفى «لندن كلينك»، وجاء إليه الطبيب الإنجليزى بصحبة الممرضة، وأخبره أن الجروح لم تلتئم تمامًا، رغم أن حالته تحسنت كثيرًا، لكنه سيبقى تحت الملاحظة لفترة لا يستطيع تحديدها، لكنها لن تكون طويلة.

وحزن أحمد ليس فقط لأنه سيقضى أيامًا أخرى فى المستشفى، ولكن لأنه سيقضى غالبية أيام شهر رمضان فى لندن بعد أن ثبتت الرؤية فى مصر والسعودية.

للمرة الأولى يضطر أحمد لئلا يكون فى مصر خلال هذا الشهر الذى يحمل له مشاعر خاصة، وذكريات كثيرة منذ أن كان طفلًا صغيرًا فى الزقازيق يلعب مع أقرانه بعد الإفطار، ثم وقوفه على مسرح المدرسة طوال أيام الشهر، مرورًا بمجيئه لأول مرة إلى القاهرة، واعتياده على تناول الإفطار بمفرده لأيام حتى صار نجمًا ويمكن أن يباغته أذان المغرب وهو فى الاستديو.

هز أحمد رأسه وهو يستعيد ذكرياته، لكنه انزعج حين تذكر أن المسلسل الإذاعى الذى تشاركه فى بطولته نبيلة عبيد لن يتم، رغم أنه قد اتفق مع المخرج سمير عبدالعظيم على كل التفاصيل.

وكان مقررًا أن يذاع المسلسل كل يوم فى شهر رمضان على إذاعة الشرق الأوسط، لكنّ رحلة المرض أوقفت مشروع المسلسل قبل أن يبدأ.

وفى تلك الأثناء كانت بعض السينمات ما زالت تعرض فيلم «شادر السمك» الذى يجمع بين أحمد زكى ونبيلة عبيد، وحقق الفيلم إيرادات كبيرة.

وكان أحمد كلما تذكر هذا الفيلم توقف عند مشهد واحد فقط لم يغادر ذاكرته، ولم تنساه نبيلة.

هو آخر مشهد جمع بينهما فى الفيلم، حين يقوم أحمد أبو كامل بضرب زوجته «جمالات» على وجهها ثم سحبها على السلم ليطردها من البيت، لكن نبيلة خشيت من مواجهة أحمد فى هذا المشهد، وطلبت من المخرج على عبدالخالق أن يتدخل حتى لا يضربها أحمد بقسوة، وقالت له: «إحنا بنمثل..  وهو بيضرب بجد».

لكن عبدالخالق لم يشغل باله بقلق نبيلة بقدر ما شغل تفكيره أن يخرج المشهد على أفضل ما يكون، وظلت نبيلة لمدة 11 يومًا تقوم بتأجيل هذا المشهد، لعل أحمد يحنّ ويتراجع عن فكرة صفعها على وجهها بصورة حقيقية، وأن يتفق معها على طريقة الضرب حتى تتلافاها، لكن أحمد أقسم لها أنه حين تدور الكاميرا لا يعرف ما سيفعله لأنه يتحول من أحمد زكى إلى «أحمد أبو كامل» المعلّم بسوق السمك، ولم يُعجب نبيلة هذا الرد، بل زاد من قلقها وغضبها.

وفى اليوم الثانى عشر، أبدى المخرج على عبدالخالق غضبه من كثرة تأجيل المشهد، واضطرت نبيلة إلى أن ترضخ وقررت أن تدافع عن نفسها أمام الكاميرا.

وبمجرد أن دارت الكاميرا، وأمسك بها أحمد زكى ليضربها ويسحبها على سلم بيت الزوجية أمسكت به كأنها فلاحة تدافع عن أرضها، وازداد عنف أحمد، وازداد تماسك نبيلة، وبمجرد أن هبط بها درجات السلم، أمسكت بتمثال لتضربه به، فأوقف على عبدالخالق المشهد عند هذا الحد حتى لا تحدث خسائر فى الأرواح!.

وصفق المخرج، ومَن معه بالاستديو لأحمد ونبيلة، وشكرهما على الواقعية التى اتسم بها المشهد، ولكن عندما نظرت نبيلة فى المرآة وجدت أن وجهها «ورم» من الضرب، ووجد أحمد أن الدم يسيل من يديه التى غرست فيها نبيلة أظافرها!

2

لم يكن «شادر السمك» التجربة الأولى بين أحمد ونبيلة، فقد جمعت بينهما تجربتان سابقتان؛ الأولى فى فيلم «التخشيبة»، وهى مستوحاة من قصة حقيقية التقطها الكاتب وحيد حامد من صفحات الحوادث، وذهب بها إلى المخرج عاطف الطيب واتفقا على أن تكون البطلة هى نبيلة عبيد وأن يشاركها البطولة أحمد زكى رغم أنه لم تكن أقدامه ثابتة بالقدر الذى يسمح له ببطولة فيلم أمام نبيلة عبيد.

لكنهما راهنا عليه، وشعرا أن بإمكانه تغيير شكل البطل فى السينما، وأنه أفضل مَن يؤدى دور المحامى فى هذا الفيلم، ولم يخذلهما أحمد، بل فاق توقعاتهما، وأصبح هذا الدور بمثابة نقلة فى حياته.

وهذا ما شجّع نبيلة على أن تستعين بـأحمد فى فيلمها التالى رغم أنه لم يكن المرشح الأول لأداء الدور.

فقد ذهب فيلم «الراقصة والطبال» أولًا إلى عادل إمام، لكنه رفض الاشتراك فيه بعد أن قرأ السيناريو وأدرك أن البطل الحقيقى لهذا الفيلم سيكون عادل أدهم.

ثم ذهب السيناريو إلى أحمد زكى فوافق على القيام بالدور، وبذل أقصى ما فى وسعه ليكون واحدًا من أدواره المميزة.

وقد تعطل تصوير الفيلم لشهور بسبب بعض الخلافات بين المخرج أشرف فهمى ونبيلة عبيد، ولم يلحق بالأفلام التى أُنتجت فى نفس العام.

لكن بعد أن انتهى تصوير الفيلم، وشاهده أحمد زكى غضب كما لم يغضب من قبل، وشعر أن هذا الفيلم كان بمثابة «فخ» نُصب له، لدرجة أن أمسك الكرسى الذى يجلس عليه، وحطم به جهاز التليفزيون.

وحين وجد الناقد سامى السلامونى يهاجم الفيلم وينتقد أداءه، شكره على ما كتبه وأكد له أنه اليوم فقط صدَّقه حين كان يمدحه... لم يكن فيلم «الراقصة والطبال» بهذا السوء الذى صوَّره أحمد لنفسه، لكن ربما حين شاهد الفيلم ووجد أن دوره كئيب قاتم بينما دور عادل أدهم مُبهج لامع، لم يتحمل.

فقد كان أحمد يتحمل أن يتفوق عليه نجم آخر فى الأجر أو فى مساحة الدور، لكنه لم يكن يتحمل أبدًا أن يتفوق عليه أحد فى الأداء.

وربما حطم أحمد التليفزيون فى المشهد الذى تتحدث فيه نبيلة السيد مع عادل أدهم، وتقول له: «مش ناوى تصارحنى وتقولّى... مين دلّك عليا لما جيت تتجوزنى؟»، ويرد «أدهم» قائلًا: «ما انتى عارفة أن أعدائى كتير يا ولية»!

لم يكن غضب أحمد مُنصبًّا على عادل أدهم، بل على نفسه، فلم يكن يرضى عن نفسه أبدًا حتى حين كان يحصل على جائزة، لم يكن يشعر أنه قدَّم أفضل ما لديه.

وقد ظل الفيلم يُعرض فى السينما لأكثر من عام، وكانت إعلانات الفيلم فى الصحف تثير غضب أحمد أكثر مما هو غاضب.

لكن ظلت بعض المشكلات تلاحق الفيلم حتى بعد أن تم رفعه من السينمات بسبب مطالبة جمعية المؤلفين والملحنين بحق الأداء العلنى عن الموسيقى التصويرية، وأغنيات أم كلثوم، وعبدالوهاب، وعبدالمطلب المُستغلة فى فيلم «الراقصة والطبال».

ولم تصل الجمعية إلى منتج الفيلم، فنبيلة عبيد قالت إنه جرجس فوزى، ولكن جرجس فوزى مات، وقبل رحيله أعلن أنه لا علاقة له بالفيلم.

3

وتجاوز أحمد ما جرى فى «الراقصة والطبال» وعرضت عليه نبيلة عبيد أن يُشاركها البطولة فى فيلم اسمه «انتحار صاحب الشقة» عن قصة لإحسان عبدالقدوس، وسيناريو وحوار مصطفى محرم، وإخراج أحمد يحيى.

وعُرض السيناريو على أحمد زكى، فقرأه أكثر من مرة ثم أدرك أن دور حبيب البطلة وزوجها، ليس هو دور البطولة، وإنما البطل الحقيقى للفيلم هو مَن يقوم بدور صاحب الشركة التى تعمل بها. فأعلن أحمد أنه لن يقوم بالدور المعروض عليه، وإنما يريد دور صاحب الشركة، الذى يتطلب أن يقوم به ممثل قد تجاوز الخمسين من عمره، وهذا لا يتناسب مع سنه، فرفضت نبيلة، واعتذر عن الفيلم.

وفى الوقت الذى اعتذر فيه أحمد زكى ذهب سيناريو الفيلم إلى عادل أدهم ليقوم بدور صاحب الشركة، لكنه رفض أيضًا، ورأى أن بطولة هذا الفيلم لنبيلة عبيد وحدها، وعلق على السيناريو ساخرًا: «مصطفى محرم مابيعرفش يكتب غير للنسوان».

وذهب دور عادل أدهم إلى كمال الشناوى، وذهب دور أحمد زكى إلى حاتم ذو الفقار!

لكن «انتحار صاحب الشقة» لم يكن التجربة الوحيدة التى لم تكتمل بين أحمد زكى ونبيلة عبيد، فهناك العديد من التجارب التى لم تخرج لدُور العرض بعد أن نشرت الصحف تفاصيلها، ومنها فيلم اسمه «شقى العمر» مع كمال الشناوى، وسيناريو وحوار مصطفى بركات، وإخراج على عبدالخالق.

وعلى عبدالخالق كان عاملًا مشتركًا فى فيلم آخر اسمه «الحناكيش» يجمع بين أحمد زكى ونبيلة عبيد وكمال الشناوى، لكنه لم يكتمل أيضًا بعد أن تم تحديد موعد تصويره، وتم الاستقرار على فريق العمل. لكن المنتج مدحت الشريف لم يجد ممثلًا قريب الشبه من أحمد زكى ليقوم بدور أخيه فى الفيلم، وتقرر إيقاف التصوير حتى يتم العثور على شبيه له، وبعد ذلك ذهب الفيلم إلى فاروق الفيشاوى، وتم اختيار حاتم ذو الفقار ليلعب دور أخيه فى الفيلم.

وليس هذا الفيلم فقط الذى انتقل من أحمد زكى إلى فاروق الفيشاوى، فهناك فيلم آخر!

4

ثمانية وثلاثون يومًا قضاها أحمد على فراش المرض حتى اعتادت أنفه على رائحة الدواء، ولسانه على تذوق الطعام المسلوق، وأذنه على سماع صوت المرضى الذين يتألمون، وعينه على رؤية لونين فقط هما الأبيض والأزرق.

وفى اليوم التاسع والثلاثين جاءت إليه مُمرضة شقراء عيناها زرقاء تخبره أن اليوم هو آخر يوم ينام فى المستشفى، وأنه سيغادر غدًا بعد أن يفحصه الطبيب للمرة الأخيرة.

واستقبل أحمد الخبر بفرحة غامرة، وبدأ يجهز نفسه نفسيًّا وذهنيًّا، لما يمكن أن يفعله بمجرد عودته، واتصل بصديقه شريف يحيى مخرج فيلم «المخطوفة» ليخبره بأنه سيعود بعد أسبوع إلى القاهرة لاستكمال الفيلم المُعطل بسبب مرضه.

وسَعِد يحيى بسماع الخبر، وأخبر أحمد أن لديه فيلمًا آخر مأخوذًا عن قصة للأديب محمود تيمور اسمه «شفاه غليظة»، وأبدى أحمد موافقته على الاشتراك فى الفيلم بعد أن علم أن البطلة ستكون نجلاء فتحى.

ونشرت الصحف خبر الفيلم الجديد، لكنّ الفيلم تعطَّل لسنوات، وانسحب منه أحمد ونجلاء، وذهب الفيلم بعد ست سنوات إلى سهير رمزى وفاروق الفيشاوى.

لكنّ هذا الفيلم لم يشغل بال أحمد، لكن ما لفت نظره هو تصريح المخرج يحيى العلمى بأنه سيقوم بعمل جزء ثانٍ من مسلسل «الأيام» باسم «ما بعد الأيام»، ولن يتم تغيير فريق عمل الجزء الأول، لكن سيُكتب اسم أحمد زكى أول اسم على التتر.

 

5

وعاد أحمد بذاكرته سبع سنوات للوراء، يتذكر عندما اتصل به أحد مساعدى المخرج يحيى العلمى، وعرض عليه الاشتراك بدور صغير فى مسلسل تليفزيونى يتناول قصة حياة عميد الأدب العربى طه حسين، ووافق أحمد، وقرأ السيناريو، وقام بتجهيز نفسه لأداء الدور المطلوب منه، ولم يحفظ دوره فقط، بل حفظ دور بطل العمل الفنان عزت العلايلى.

وفجأة اعتذر العلايلى عن المسلسل لأنه علم أن محمود ياسين يقوم بعمل نفس القصة فى فيلم باسم «قاهر الظلام»، وصار المسلسل فى مهب الريح، ويمكن أن يتوقف نهائيًّا بعد أن بدأ التصوير فيه، ولم يكن أمام المخرج يحيى العلمى اختيارات كثيرة.

فجاء إلى العلمى أحد مساعديه، وطلب منه أن يشاهد ممثلًا شابًّا حفظ الدور بحكم أنه قرأ السيناريو كثيرًا، وشاهد بعض البروفات، ولديه استعداد أن يؤديه كما يجب أن يكون.

فضحك يحيى العلمى، ولم يُصدق أن ممثلًا مازال يخطو أولى خطواته يمكن أن يقوم بدور عميد الأدب العربى، وحتى إذا وافق هو فهل الجمهور سيوافق عليه ويتقبله فى دور شخص لم يمر على رحيله سوى ست سنوات؟

لكن الظروف أجبرت المخرج على أن يمنح هذا الشاب الفرصة ليرى إن كان قادرًا على أداء الدور أم لا.

وبدأ يحيى العلمى يقوم ببعض البروفات ليرى الشاب الجديد يؤدى دور طه حسين، ولم يتصور يحيى أن يكون أداء الشاب على هذا القدر من الإتقان، فقرر أن يغامر، بل ويقامر، ويمنحه دور البطولة؛ ليقفز الممثل الشاب من دور ثانوى إلى دور البطولة، وسيصير ندًّا لعمالقة فى التمثيل مثل يحيى شاهين ومحمود المليجى، وحمدى غيث، وأمينة رزق.

ووافق المليجى وشاهين وغيث؛ بشرط ألا يُكتب اسمه قبلهم، واتفقوا على أن يأتى اسمه فى نهاية التتر، وليس فى بدايته كما جرت العادة مع اسم البطل؛ لكن الفنانة أمينة رزق اعترضت أن يؤدى أحمد زكى دور طه حسين، وقالت له محتدّة: «يا بتاع الصنايع... ابعد عن الدكتور طه».

فجلس أحمد معها وحاول أن يقنعها أن تمنحه فرصة لتراه يؤدى الدور ووعدها بأنه سيكون أفضل مَن يقوم بالدور، وستنسى أنه «بتاع الصنايع» وستقتنع أنه وُلد ليكون الدكتور طه حسين.

وتقبلت أمينة رزق الفكرة بصورة مؤقتة حتى ترى ما يمكن أن يفعله تلميذ «مدرسة الصنايع»، وقَبِل أحمد التحدى، وبدأ يقرأ أغلب ما كتبه طه حسين، ويشاهد صوره، ولقاءاته التليفزيونية، ويجلس مع عدد كبير من الذين فقدوا بصرهم، بعضهم وُلد كفيفًا وبعضهم كُفّ بصره فى طفولته وبعضهم كُفّ بصره فى الكبر.

ومن أشهر مَن جلس معهم الشيخ سيد مكاوى، والموسيقار عمار الشريعى ملحن أغانى المسلسل وغيرهما، وراح يرى الدنيا من خلال نظرتهم لها، ويعرف كيف يرون دون نظر، وكيف يعرفون القادم إليهم دون أن يروه، وكيف يحكمون على أشخاص لا يعرفون ملامحهم، وكيف يتصرفون فى حياتهم الخاصة والعامة، ويضع يده على معاناتهم وأحاسيسهم.

وتذكر أحمد بعض الطلاب الأزهريين فى المعهد الدينى بالزقازيق، وكيف كان بارعًا فى تقليدهم وهو تلميذ فى «مدرسة الصنايع».

 وبدأت البروفات، وبدأت علامات التعجب تظهر على كل مَن فى الاستديو، حتى إن بعضهم ظن أن المخرج أحضر شابًّا كفيفًا لأداء الدور خصوصًا أن أحمد زكى أصر على أن يتم تسجيل الأغانى أولًا بصوت على الحجار قبل أن يقوم بتصوير المشاهد المصاحبة للأغانى.

وبمجرد أن أدار المخرج جهاز الكاسيت، وغطى صوت الحجار أرجاء الاستديو وهو يقول:

أنا مش أعمى يا هوه يا خلق يا عَميانين

أنا قلبى ما فيه أخوه لكن زمانى ضنين

شعر أحمد زكى بأن تلك الكلمات تعبِّر عنه أكثر مما تعبّر عن طه حسين، فانفعل بها وتفاعل معها وسكنت قلبه، ونفس الشىء حدث لعمار الشريعى الذى شعر بأن الشاعر سيد حجاب قد استمد منه قوله:

لا أنا عاجز ضرير ولا كل من شاف بصير

و الله يا عمى القلوب لأخط بيدى المصير

وفى عام 1979 عُرض مسلسل «الأيام» للمرة الأولى، وفى نفس التوقيت عُرض فيلم «قاهر الظلام» بطولة محمود ياسين الذى كتبه كمال الملاخ وأخرجه عاطف سالم، لكن المسلسل تفوق على الفيلم، والمقارنة بين النجم الكبير محمود ياسين والشاب الصاعد أحمد زكى حُسمت لصالح أحمد جماهيريًّا، ونقديًّا، وسياسيًّا!

فحين شاهد الرئيس السادات مسلسل «الأيام» أعجبه أداء أحمد زكى، وحينها كانت تدور فى الكواليس أحاديث حول تحويل كتاب «البحث عن الذات» الذى يروى قصة حياة الرئيس السادات إلى عمل درامى، وتم ترشيح المخرج يحيى العلمى لإخراج المسلسل، ويومها قال السادات للعلمى: «أنا عايز ابننا اللى عمل طه حسين هو اللى يعمل دورى فى المسلسل».

ولم يكتفِ الرئيس السادات بذلك؛ بل قام بتكريم أحمد زكى، وفرح أحمد بالتكريم، وبما قاله الرئيس عنه، وتمنى أن يقوم بتجسيد شخصيته، ولو بعد حين.

ولفت أحمد زكى أنظار المُخرجين والمنتجين، وصار مُرشحًا للمشاركة فى الكثير من الأفلام.