الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ممثل الوفد المصرى باليونسكو الدكتور مصطفى جاد لـ«روزاليوسف»: تسجيل احتفالات «العائلة المقدسة» على قائمة التراث إنجاز جديد لمصر

بعد أربع سنوات من العمل الدؤوب، نجحت الدولة المصرية فى تحقيق إنجاز جديد على الساحة العالمية، بتسجيل ملف الاحتفالات المرتبطة بالعائلة المقدسة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى للإنسانية لـ«اليونسكو» (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة)، وذلك خلال اجتماعات اللجنة الحكومية الدولية التابعة للمنظمة لصون التراث الثقافى غير المادى التى انعقدت فى العاصمة المغربية الرباط.



 

واستطاعت مصر عبر جهود وزارات الثقافة والخارجية والآثار والسياحة ومئات الباحثين والأكاديميين إعداد ملف شامل لمجموعة الاحتفالات التى تتم إلى الآن على مسار رحلة العائلة المقدسة؛ خصوصًا احتفالية مولد السيدة العذراء، وعيد دخول العائلة المقدسة مصر، ونجحت فى حشد تأييد واسع وصل إلى حد الإجماع على تسجيلها للعنصر. 

وبتسجيل الاحتفالات المرتبطة برحلة «العائلة المقدسة» يصبح لدى مصر سبعة عناصر مسجلة على قائمة التراث العالمى غير المادى، وهى «السيرة الهلالية»، و«التحطيب»، والممارسات المرتبطة بالنخلة، وفنون الخط العربى، والنسيج اليدوى فى صعيد مصر، والأراجوز وأخيرًا الاحتفالات المرتبطة برحلة «العائلة المقدسة».

فى مقابلة عبر زووم من الرباط، حاورت مجلة «روزاليوسف» الدكتور مصطفى جاد عميد المعهد العالى للفنون الشعبية وممثل الوفد المصرى كخبير دولى لدَى اليونسكو والمشرف على ملف اعتماد «احتفالات العائلة المقدسة على التراث اللا مادى»؛ ليتحدث عن معنى هذا التمثيل وأهمية هذا النجاح وجهود الجهات المشاركة فى إعداده ودور التراث فى تحقيق التنمية المستدامة.

 مبروك دكتور مصطفى.. فى البداية ماذا يعنى نجاح مصر فى تسجيل هذا الملف على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى باليونسكو.. وما هو الفرق بين التراث المادى واللا مادى أوًلا؟

- فى البداية مبروك لمصر وشعبها الذى يستحق هذه الفرحة فى رحاب العائلة المقدسة، وفخورون بهذا النجاح. المقصود بالتراث الثقافى غير المادى هو تراثنا الشعبى، التراث الحى الذى يتناقل عبر الأجيال ويُمارسه الناس إلى الآن، فالاحتفالات الشعبية هى ممارسات، الرقص، الغناء، الأزياء، احتفالات خاصة بأعياد الميلاد وكلها تندرج تحت التراث اللا مادى عكس الآثار، وهى كلها تراث تاريخ ثقافى مادى.

وأقرَت اليونسكو اتفاقية «صون التراث الثقافى غير المادى» عام 2003 وكانت مصر من أولى الدول الموقعة عليها عام 2005، وتلزم هذه الاتفاقية كل دولة بتقديم عنصر من تراثها تراه حيًا ويُمارَس حتى اليوم ويُعبر عن هويتها لكى يتعرف عليه كل العالم، فمثًلا السعودية اختارت احتفالات القهوة العربية، الأردن اختارت أكلات شعبية تعبر عنها كالمنسف وهكذا. ومصر هذا العام اختارت عُنصر «الاحتفالات الشعبية المرتبطة برحلة العائلة المقدسة»؛ لأهميته وخصوصيته التى تعكس الهوية المصرية والعجينة الوطنية الخالصة بين أبناء الشعب كعنصر يمثل مصر، لا نقول هنا مسيحيين أو مسلمين وهذا سر عظمته. ولكن بدأت رحلة إعداد هذا الملف بجهود منذ عام 2018، حتى نجحنا هذا العام فى الرباط الآن مقر انعقاد اللجنة الدولية الحكومية للتراث باليونسكو فى إدراج الملف على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى للإنسانية. 

 وما مظاهر الاحتفالات المرتبطة بمسار العائلة المقدسة التى رصدها الملف؟

- بدأ الإعداد للملف بتتبع المسار الذى تحركت فيه العائلة المقدسة والذى انطلق من سيناء وصولا لمحافظة أسيوط، ورصدنا احتفالين كبيرين هما «مولد السيدة العذراء» بجبل الطير بالمنيا ويحضره تقريبًا 4 ملايين مواطن مصرى سنويًا، واحتفالية «عيد دخول العائلة المقدسة مصر» ومنتشر فى جميع أنحاء صعيد مصر. 

ووثقنا مع هذه الاحتفالات الكبرى مظاهر البهجة والممارسات الشعبية كالرقص والغناء، والعادات والتقاليد، واحتفالات تعميد المواليد، والطهو والأكلات الشعبية، والأزياء، والألعاب، وطقوس التبرُك- الحصول على البركة- لتحقيق الأمنيات بالأماكن المقدسة التى مرت بها العائلة مثل؛ آبار المياه وزيارة شجرة مريم بالمطرية، ودحرجة النساء للعلاج من العقم فوق جبل الطير. كذلك رصدنا زفة الأيقونات فى «كوم ماريا» بالمنيا، حيث الخروج بمواكب تمثيلية لموكب رحلة العائلة المقدسة، والروايات الشعبية التى تتوارثها الأجيال «الحكايات» مثل طلب السيدة العذراء من إحدى النساء عجينًا للخبز فرفضت بينما وافقت الأخرى ونالت البركة، حكايات لا حصر لها وكلها تندرج تحت التراث الثقافى غير المادى.

ذكرت أن إعداد الملف تطلب 4 سنوات من العمل، حدّثنا عن كواليس التجهيز له والجهات المشاركة فيه وآلية العمل التى ضمنت نجاحه؟

- أشكرك على هذا السؤال؛ لأنه من واجبنا ذكر الجهود الجبارة لكل فريق عمل هذا الملف، الذين عملوا بدأب وإخلاص طوال السنوات الأربع الماضية، والذى بدأ العمل فيه بتكليف من وزارتَىْ الثقافة والسياحة والآثار، والذى شرُفت أن أكون مسئولًا عنه بالتعاون مع جهود زملائى من مئات الباحثين، وكل التقدير للدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة التى دعمت الملف وكلفتنى بمُهمة السفر للرباط كممثل للوفد وكخبير دولى لدى اليونسكو. 

وأعتقد أن نجاح الملف نظرًا لسيطرة روح الفريق وإعلاء قيمة العمل الجماعى؛ حيث نزول مئات الباحثين للجمع الميدانى فى كل محافظات مسار رحلة العائلة المقدسة؛ لتوثيق ورصد الاحتفالات الشعبية وتصويرها، حتى وصلت المادة المصورة لـ 150 ساعة، وبتوفيق إلهى نجحت فى إخراج 8 دقائق كفيلم وثائقى عن العائلة المقدسة تم عرضه أمام اللجنة باليونسكو بمستوى فنى لائق باسم مصر، ونال إعجاب ودهشة الحضور.

وعلينا توجيه التحية لكل الجهات المشاركة على رأسها وزارة الثقافة والدكتورة هبة يوسف رئيس العلاقات الثقافية الخارجية التى كانت مسئولة آنذاك عن لجنة الإعداد للملف، وكذلك أكاديمية الفنون بدءًا من رئيستها الدكتورة غادة جبارة التى حرصت على دعم الملف ومراجعة الفيلم بخبرتها السينمائية، كذلك معهد الفنون الشعبية وباحثى مركز الدراسات للفنون الشعبية، وباحثى معهد السينما، وزارة الآثار قصور الثقافة الذين قدّموا لنا العون؛ خصوصًا فى محافظات الصعيد مسار رحلة العائلة المقدسة، والعاملين بأطلس المأثورات الشعبية ومركز اللغات والترجمة ومسئوليته عن ترجمة الملف.

 الملف حصل على تصويت بالإجماع.. كيف كان للخارجية المصرية دور فى ذلك؟

- نرفع لها القبعة على جهودها فى هذا الملف، ولولا الخارجية المصرية التى تظل مصنع الوطنية والإخلاص؛ لما كان وصل الملف على المنصة ولما حصد هذا الإجماع، فبَعد سنوات من العمل تلقفته يد الوزارة؛ لأنها الجهة المسئولة عن إجراءات تقديم الملف للجنة، ومتابعة الملاحظات والتنسيق مع الدول دبلوماسيًا من أجل خروج قرار بالموافقة بالإجماع على الملف، وهذا ما حدث وحصلنا على توقيع 21 دولة من إجمالى 24، وكان للسعودية دور كبير فى بدء التصويت على الملف ودعمته بشكل رائع.

 فى العام 2016، «أكد الرئيس السيسى فى كلمته أمام الجمعية العامة للأم المتحدة على دور اليونسكو وأهمية تسخير الثقافة لصالح التنمية وتحقيق السلام والقضاء على الفكر الهدام».. كيف يُدعم نجاح ملف «احتفالات العائلة المقدسة» رؤية الرئيس فى محاربة الأفكار المتطرفة التى شهدتها مصر فى سنواتها الأخيرة مع صعود تيارات الإسلام السياسى؟

- نجاح مصر فى إدراج هذا الملف هو صفعة حقيقية لأى تطرف يُمكن أن يحدث فى مصر(لا قدر الله)؛ بل يؤكد على جهود وحرص الدولة المصرية والقيادة السياسية فى اتجاه تذويب بل والقضاء على الأفكار الهدامة، والتى أقرها الرئيس السيسى ويُنفذها بوضوح منذ توليه الحكم؛ حيث إن حضوره سنويًا لاحتفالات عيد الميلاد داخل الكاتدرائية المصرية العريقة هو رمز ورسالة سلام ومَحبة للعالم، ونجاح ملف «العائلة المقدسة» باليونسكو هو رسالة سلام أيضًا للعالم، تُصدر مصر فيه البهجة والحب والاحتفاء بالتنوع وقبول الآخر واحترام العقيدة لكل شعوب الأرض. 

 أسألك بلسان المواطن البسيط.. ما هو العائد من ذلك النجاح للبلد وللمواطن؟ 

- منذ إعلان نتيجة بقبول الملف والعالم كله يتحدث عن مصر، هذا ترويج سياحى واقتصادى عظيم للبلد؛ حيث يجذب اهتمام مليارات البشر المنتمين للديانة المسيحية وغيرها بـHoly Family ورحلتها والاحتفالات المرتبطة بها وتمارس حتى اليوم، هذا النجاح يؤكد على فكرة الهوية المصرية ويكشف مصر الحقيقية ونسيج أبنائها غير القابل للتفرقة. أخيرًا إدراج هذا الملف على القائمة التمثيلية للتراث الإنسانى باليونسكو يعطى قوة دفع هائلة للدولة المصرية فى جهودها لتنمية مسار العائلة المقدسة والذى نطمح فى تسجيله أيضًا على قائمة التراث العالمى المادى باليونسكو.

 فى رأيك.. رُغم مرور أكثر من ألفَىْ عام.. ما أسباب استمرار ممارسة الاحتفالات المصاحبة لرحلة العائلة المقدسة إلى اليوم؟

- السبب هو عبقرية الشعب المصرى التى يكشفها بصدق التراث الشعبى، وإن ممارسة هذه الاحتفالات لم تكن يومًا قاصرة على المواطنين المصريين المسيحيين فقط؛ بل احتفاء وبهجة يُشارك فيه الشعب المصرى كله، وهذا ما وثقناه فى الفيلم المقدم لليونسكو مع الملف؛ حيث صوّرنا تهنئة شيوخ الأزهر للقساوسة فى هذه الاحتفالات، ومن يريد معرفة حقيقة الشعب المصرى واحترامه للتعددية والتنوع ونبذه للعنصرية والتمييز يحضر الاحتفالات الشعبية وموالد القديسين والأولياء، هناك حالة جبارة من التلاحم بين أبناء هذا الوطن.

ووثّقنا من خلال البحث أيضًا مسلمين يخدمون المسيحيين ويقيمون بالكنائس ويأكلون ويشربون أثناء احتفالات مولد السيدة العذراء بجبل الطير ودرنكة، والعكس فى موالد الحسين والسيدة، وكذلك قيام المصريين بإعادة تمثيل مشهد دخول السيدة مريم تجلس على الحمار وتحمل ابنها يسوع وبجوارهما يوسف النجار، ويجوب به الأشخاص القرى كزفة مليئة بالبهجة والفرح فى يونيو من كل عام للاحتفال بدخول العائلة المقدسة لمصر. 

 ماذا عن دور الكنيسة المصرية فى إعداد الملف؟

- تعاون كبير جدًا؛ خصوصًا من الباباوات والكهنة بالعديد من الكنائس، شاركونا بأفلام ومعلومات مهمة للغاية؛ خصوصًا من كنائس المنيا ودرنكة ودير المحرق بأسيوط، وكذلك لا ننس دور الجمعيات الأهلية القبطية بمحافظات الصعيد والتى ساهمت فى إعداد الملف باحترافية جعلته يصل لهذا المستوى العالمى، الجميع كانوا متحمسين للمشاركة ولم يبخلوا بأى جهد. 

 ولكن كيف يمكن الاستفادة من الفولكلور والتراث فى التنمية المستدامة للدولة؟

- سؤال مهم للغاية وإجابته فى صفحات.. التراث قادر على تحقيق استفادة اقتصادية من خلال عائد ملف السياحة الدينية، بعد نجاح ملف احتفالات العائلة المقدسة سيجلب ذلك ترويجًا كبيرًا له فى العالم، ومن ثم يتوافد السياح ليزوروا هذا البلد العظيم «مصر» القادر بعد مرور آلاف السنين بالحفاظ على هذه الاحتفالات التى تعكس هوية شعبه وأصالته، ويتتبع السائح مسار هذه العائلة ورحلتها المقدسة.

التراث قادر على تذويب الخلافات السياسية والدبلوماسية، هل تعلمين أن ملف العائلة المقدسة يمكنه تهدئة أزمتنا المائية مع إثيوبيا، فهناك وفود إثيوبية تحضر سنويًا للاحتفال بعيد دخول العائلة المقدسة مصر فى درنكة. أخيرًا على المستوى الإبداعى، أمام المبدعين محيط كبير من التراث ينهلون منه فى إنتاج أفلام، دراما، موسيقى وفنون حركية. لا ينبغى أن نرى الغرب يستخدم حكاياتنا الشعبية وتراثنا فى أفلامه الهوليوودية ونحن هنا أصل الحكايات لا نقدمها على الشاشات وفى الفنون المختلفة!

 أخيرًا.. ماذا بعد النجاح الذى حققته مصر فى اليونسكو.. ماذا عن الجهات والوزارات المسئولة عن ترجمته لأرض الواقع وحتى لا يذهب هباءً منثورًا؟

- فى الحقيقة الدولة تسير على قدم وساق بشأن هذا الملف واتخذت خطوات وجهودًا تنموية مبكرة من خلال مشروع تطوير عالمى لمسارالعائلة المقدسة خصّصت له ملايين الجنيهات، وهو ما يحقق تنمية عمرانية، سياحية، اقتصادية، ثقافية، محلية واجتماعية فى كل المحافظات التى مرّت بها العائلة المقدسة. ومن المؤكد أن هذه الجهود سوف تتضاعف بعد نجاح مصر فى إدراج ملف الاحتفالات على قائمة التراث الإنسانى العالمى، وهنا أؤكد أن مشروع تطوير مسار العائلة المقدسة لم يستهدف السائح فقط ولكن يحقق ثماره تنمية مستدامة للمواطن المصرى العادى ومن أجل تحسين مستوى معيشته وضمان مستقبل أفضل له ولأولاده.  

 

مع اقتراب الاحتفال بالذكرى الـ40 على تأسيس المعهد العالى للفنون الشعبية.. ما هى التحديات التى تواجه جمع وحماية تراثنا الثقافى غير المادى؟

- بصراحة لن نستطيع حماية تراثنا من دون توثيقه بشكل جيد. أنجزت مكنز التراث الثقافى غير المادى فى ثلاثة مجلدات، وهذا المكنز يحافظ على كل عنصر من التراث ويُوثقه بشكل علمى ودقيق برقم محدد على مستوى الدولة، والمكنز كأداة للتوثيق تختلف كل الاختلاف عن وظيفة ومفهوم «الموسوعة» أو «دائرة المعارف»، فالمكنز فى شكله المطبوع هو أداة تكشيف من أجل تزويد قاعدة البيانات الرقمية بالمادة التراثية ليسهل استرجاعها مرّة أخرى فى وسائطها المصورة والمرئية والسمعية والمدونة. هو أداة علمية لجمع وتوثيق وأرشفة التراث وأن يكون متاحًا، لدينا مشكلة الإتاحة ونحن نجمع التراث ولكنه غير متاح.

وأناشد وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلانى بتبنّى تطبيق هذا المكنز فى مصر؛ خصوصًا أن كل الدول العربية التى ساهمت فى مراجعته ومناقشته وتطبقه الآن؛ خصوصًا أن وزارة الثقافة تسير قدُمًا فى هذا الملف بتدشينها اللجنة العليا للتراث الثقافى غير المادى منذ عام 2020  والتى أشُرف بعضويتها.