الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الضحك الرخيص

الضحك الرخيص

فى عدد خاص من أعداد الكواكب عن السينما والفكاهة صدر عام 1971 استلفتنى مقال للناقد «بكر الشرقاوى» عن الكوميديا يستهله بالتأكيد على أن إقبال المتفرجين على الأعمال الكوميدية سيظل دائمًا يُعبر عن رغبة النظارة فى التخلص من واقعهم وتغييره إلى الأفضل مع حاجتهم إلى تفهم هذا الواقع والكشف عن أعماقه وحقيقة احتياج الناس إلى الضحك حقيقة جوهرية تتصل بجوهر حياة الإنسان على الأرض وتتشابك مع رغبته العميقة فى الخلاص من مآسيه سواء كانت تلك المآسى نابعة من مجتمعه أو من حقيقة وجوده.. والكوميديا تسقط الأقنعة المزيفة من وجه الإنسان وتعريه حتى يرتد بريئًا وخالصًا من شوائب حياته.. أو يتهاوى صريعًا أمام الساخرين منه والساعين إلى تعريته والقضاء عليه.



وإذا كان الأمر كذلك فأين هذا من أفلامنا التى تبدو لنا دائمًا صفقة تجارية تقوم على التهريج والإسفاف والسخرية من العاهات والزغزغة الخشنة وتفاهة المضمون والابتذال فى الحركة والأداء.. هذه التوليفة التى لا تُدرك أهمية بروز البعد الإنسانى والاجتماعى وهموم البشر فى مجتمع قاهر.. قد تحقق ربحًا لكنها لا تقدم قيمة حقيقية أو تعكس واقعًا يعيشه الناس.. وما ينطبق على السينما ينطبق على المسلسلات.

تذكرت وأنا أقرأ المقال موقفًا حدث لى مع كوميديان معروف اختاره المخرج لدور البطولة لمسلسل من تأليفى.. فاكتشفت منذ اليوم الأول للتصوير أنه لم يقرأ المسلسل.. بل ولا يعرف إطلاقًا مجرد الحدوتة أو أبعاد الشخصية التى يجسدها ولم يسع حتى إلى السؤال عن طبيعة الدور الذى يجسده.. فقط كان يلجأ إلى مساعد المخرج يسأله قبل التصوير أى مشهد له ما هو الموقف الذى سيجسده فى المشهد.. ثم يلقى سيناريو الحلقة جانبًا.. وبجرأة غريبة يرتجل حوارًا مسفًا مع بقية الممثلين الذين يُشاركونه فى المشهد لا علاقة له بالموقف أو الشخصية أو الحلقات.. أفزعنى ما يفعله وأدركت أنه إذا استمر على هذا المنوال فسوف يدمر النص تمامًا.. ويفشل العمل الذى أمضيت فيه شهورًا طويلة أكتبه وأعانى فى إبداع تفاصيله.. فقررت أن أعلن عن قلقى وأطالبه بالالتزام بالنص مؤكدًا له فى اعتزاز بمهنته أن حقوق الملكية الأدبية للمؤلف صاحب السيناريو مقدسة ولا يجوز انتهاكها.. وأن النص ينسب إلى مؤلفه نسب الابن إلى الأب.. فإذا به يواجهنى باستخفاف غريب أن له أسلوبه الخاص فى الأداء الذى يميزه وصنع نجوميته.. وهو يعتمد على الارتجال الذى لا يحمل أى مضمون أو أى قيمة فكرية أو إنسانية أو سياسية أو اجتماعية.. والناس قد تعودوا منه ذلك ولن يتقبلوا منه غير ذلك.

إنه يؤدى «الشويتين بتوعه» أو ما يسمى بلزمات لفظية وحركية اشتهر بها.. والتى لا علاقة لها تمامًا بالشخصية التى يؤديها فهو لا يجسد الشخصية التى رسم أبعادها النفسية والاجتماعية المؤلف.. ولكنه يجسد نفسه بكل هزلها وفجاجتها.. وفى النهاية «الجمهور عاوز كدة».

المهم أنه عندما خرج من البلاتوه بعد تجسيد المشهد بطريقته داعبنى بغلظة وسماجة مرددًا: إيه رأيك؟!.. المشهد فيه شبه برضه من اللى انت كتبته.. مش كده؟!

لا فائدة إذًا من مناقشته.. فلم أجد ما أفعله.. وخاصة أن المخرج العبقرى كان راضيًا عن ذلك الهزل الرخيص.. بل وكان يستلقى على قفاه من الضحك على المواقف التى يفاجئه بها هذا الممثل.

وكانت النتيجة كما توقعت.. فشل المسلسل فشلًا ذريعًا.