
محمود بسيونى
حقك.. حاصرتها الأزمات بسبب إدانتها لأوكرانيا.. وحاولت تبييض وجهها فى شرم الشيخ إفلاس العفو الدولية
حينما سألوا الكاتب البريطانى سلمان رشدى عن رأيه فى تحركات منظمة العفو الدولية للدفاع عن المتطرفين الدينيين قال نصًا: «يبدو إلى حد كبير كما لو أن قيادة منظمة العفو الدولية تعانى من نوع من الإفلاس الأخلاقى وفقدت القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ».
والحقيقة لم أجد أفضل من مقولة رشدى من أجل وصف الحالة التى تعيشها واحدة من أهم وأكبر المنظمات الحقوقية فى العالم، والتى نشأت من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها انحرفت وأصبحت أداة من أدوات الضغط السياسى على الدول النامية.
حالة من حالات الإفلاس الفكرى وغياب البوصلة الحقوقية وصلت بالمنظمة الدولية حد إصدار تقرير فى أبريل الماضى يدين أوكرانيا مع بداية الحرب الروسية، وهو ما فتح النار على المؤسسة الدولية وكشف حالة الإفلاس الشديد والترهل المهنى وسيطرة ازدواجية المعايير على عمل المنظمة ذات الثقل الدولى الكبير.
تعرضت المنظمة الحقوقية الدولية لحملة انتقادات عنيفة فى الصحف الغربية وعلى إثرها تقدم بير فاستبرغ مؤسس منظمة العفو الدولية فى السويد باستقالته احتجاجًا على موقف المنظمة الدولية من أوكرانيا وذلك بعد 60 عامًا من العمل مع المنظمة الدولية.
الانتقادات التى طالت العفو الدولية تحدثت عن أن المنظمة تجاهلت على مدى سنوات عديدة التحذيرات من تسلل عناصر لديها أيديولوجيات وأجندات وانتماءات سياسية معينة أثرت على مصداقية المنظمة وتأثير هذه العناصر على تقارير ومواقف المؤسسة، وهو ما سهل عملية اختراق المنظمة وانحرافها عن المنهج الحقوقى فى كثير من المواقف كان آخرها ما حدث فى قمة المناخ بشرم الشيخ، وهو ما يعكس أزمة أخلاقية لها تداعيات عالمية.
ما حدث فى شرم الشيخ من تبنٍ لقضية فردية تخص سجينًا محكومًا عليه بحكم نهائى فى قضية تحريض على العنف، ثم التعامل بصلف مع المختلفين معها فى الرأى ورفضها التام لأى رأى آخر فيما تبنته فى تلك القضية.
بالتأكيد أتحدث عن تركيز العفو الدولية على حالة سجين واحد وهو علاء عبدالفتاح وتجاهل باقى المتهمين فى نفس القضية ورفضها لأى رأى آخر مخالف وتجاهلها للتطورات الإيجابية فى ملف حقوق الإنسان خاصة إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسى وقوائم الإفراجات المتتابعة ودعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار الوطنى ومشاركة كل القوى السياسية فى أعماله، حيث ظهرت المؤسسة الدولية وكأن لديها موقفًا عدائيًا ضد الدولة المصرية بداية من التشكيك فى استقلال القضاء والتأثير على القرار السياسى عبر حشد وسائل الإعلام الدولية بعيدًا عن قضية المناخ.
ازدواجية معايير المنظمة الدولية فى التعامل مع الواقع المصرى وتسببها فى إبعاد المؤتمر عن هدفه وضع عددًا من التكهنات لتفسير سلوكها الغريب كان فى مقدمتها محاولتها لتبييض وجهها بعد سقطة تقرير أوكرانيا باستخدام تلك القضية واستغلال التركيز الدولى على إعلان إضراب السجين عن الطعام ودعوة بعض الحكومات للإفراج عنه من أجل غسيل سمعتها واستعادة مركزها المتراجع.
الأمر الثانى التقرب من الحكومات الغربية التى انتقدتها بعد صدور تقرير إدانة أوكرانيا وتحقيق هدف مزدوج بإرضاء الحكومات وتحقيق طلبات مسئوليها عن الشرق الأوسط بتوجيه النقد المستمر لمؤسسات حقوق الإنسان الوطنية حتى تشل قدرتها على العمل خارج مصر، وهو ما نراه فى الهجوم غير المبرر الذى وجهته المنظمة للمجلس القومى لحقوق الإنسان رغم نجاح المجلس عبر آليات التفاوض والحوار مع المؤسسات المعنية فى نقل علاء من محبسه السابق إلى مركز الإصلاح والتأهيل فى وادى النطرون والاستجابة لمطالب وتوصيات المجلس خلال زيارات مراكز الإصلاح والتأهيل الأخيرة.
لا يمكن تفسير هجوم أنياس كالامار على المجلس القومى لحقوق الإنسان ونشطاء حقوق الإنسان الذين انتقدوا تسييس عمل المنظمة الدولية بمعزل عن حملة القمع التى قامت بها كالامار ضد النائب عمرو درويش خلال الندوة التى عقدتها المنظمة من أجل قضية علاء عبدالفتاح، حيث تسعى العفو بشكل لا ريب فيه لتشويه الآليات الوطنية لحقوق الإنسان بهدف تمكين منظمات معينة تسميها العفو الدولية مستقلة من احتكار الحديث باسم حقوق الإنسان فى مصر، وهو هدف يتناقض تمامًا مع مبادئ حقوق الإنسان المبنية على حق الجميع فى العمل من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان.
لا يمكن الحكم على أداء المنظمة الدولية الغريب من مصر بمعزل عن الاختراق الإخوانى للمنظمة الدولية والذى كشفته جريدة التايمز البريطانية عام 2015 وهو الاختراق الذى تم عن طريق تولى ياسمين حسين إدارة قسم العقيدة وحقوق الإنسان بالمنظمة وأنها وزوجها وائل مصباح عضوان فى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين حتى إن زوجها خضع لمحاكمة جنائية بالتآمر والانقلاب فى الإمارات ضمن 60 متهمًا إخوانيًا.
بحسب التحقيقات التقت ياسمين خلال زيارتها للقاهرة عام 2012 بالإخوانى عدلى القزاز مستشار وزير التعليم لتطوير التعليم خلال حكم الإخوان، وهو والد خالد القزاز مستشار الرئيس الإخوانى المعزول للشئون الخارجية، ومنى القزاز إحدى قيادات الجماعة فى لندن، وأنها تناولت العشاء مع أسرته وأقامت ليلة فى منزلهم، ولم يتم إبلاغ منظمة العفو بالزيارة، على الرغم من التعليمات المشددة من قبل المنظمة لموظفيها بضرورة الإعلان عن أى روابط يمكن أن تتعارض مع استقلالها أو شفافيتها.
لم تعلن المنظمة عن نتائج التحقيقات واختفت ياسمين حسين إلا أن المنظمة لم تتوقف عن دعم الجماعة أو الوقوف فى الصفوف الأولى للدفاع عنها وإصدار التقارير المنحازة ضد مصر.
وفق المناهج المستقرة فى عمل المؤسسات الحقوقية لا يفضل أن تلجأ للتعميم فى وصف حالة حقوق الإنسان فى دولة معنية إلا إذا توفرت لديك عدد حالات يؤكد استمرارية الانتهاك، كما تتحاشى المنظمات التعامل مع الشخصيات التى تنتمى لتيارات سياسية حتى لا تثير حول عملها الشبهات بالاهتمام بحالة فردية.
لكن منظمة العفو ضربت بكل ذلك عرض الحائط وحذرت على لسان لين معلوف، مديرة المكتب الإقليمى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى المنظمة السلطات المصرية من استثناء هدى عبدالمنعم التى تواجه حسب وصفها تهمًا إرهابية لا أساس لها من الصحة من الزيارة.
بهذا التحذير كشف المنظمة عن دعمها لهدى عبدالمنعم مرشدة الإخوان السرية والمسئولة عن تنظيم الأخوات فى مصر والتى تم القبض عليها عام 2018 ضمن خلية إخوانية نسائية مكونة من هدى عبدالمنعم، وعائشة خيرت الشاطر وزوجها محمد أبوهريرة، وسمية ناصف، وإيمان القاضى، وسحر حتحوت، وراوية الشافعى، وعلياء إسماعيل، ومروة أحمد مدبولى، لتورطهن فى التخطيط لإشعال الفوضى فى مصر.
وتحظى هدى عبدالمنعم وعائشة الشاطر بوضعية خاصة فى الجماعة الإرهابية لسيطرتهما الكاملة على قسم الأخوات داخل جماعة الإخوان الإرهابية، واللتين عثر بحوزتهما وفق تحقيقات النيابة على مخططات كانت تسعى من خلالها الجماعة لاختراق بعض المؤسسات، وتشكيل كيانات سياسية واقتصادية وحقوقية موالية للجماعة، لكن بشكل غير مباشر ودعمها مالياً، كما عثرت الأجهزة الأمنية فى منزل هدى عبدالمنعم، ومنزل والدتها، على وثائق تفيد التخطيط لإنشاء كيانات تابعة للجماعة فى محاولة لإعادة هيكلة التنظيم مرة أخرى، وحسابات مالية يتم إرسال أموال خاصة بالتنظيم الجديد إليها.
كما لا يمكن تجاهل بيانات المنظمة الأخيرة ضد مصر والتى تفتقد للحياد والموضوعية فى تناول الشأن الحقوقى، حيث تتجاهل تمامًا التطورات الإيجابية التى شهدها ذلك الملف سواء على مستوى الحقوق المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، وتركز بشكل أساسى على الدفاع عن مسجونى جماعة الإخوان والأناركيين، واستغلال ذلك فى الضغط السياسى على الدولة المصرية لصالح الجماعة الإرهابية.