الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من مشاهدات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى: السباحتان بين العزيمة والاستسلام

خياران لا ثالث لهما؛ إمّا التفاؤل والصمود والإصرار على تحقيق الحلم والوصول لهدف أو خيار التشاؤم والاستسلام للظروف والتحجج بها وبالتالى الفشل. خياران؛ لا يسلم أىّ منّا من الوقوف أمامهما يومًا ما أو أكثر فى حياته، خيار يتوقف عليه حياة كاملة، نجاح أو فشل، ألا يفوز باللذات كل مُغامر.. مبدأ حياتى ينبع من داخلك لا يمليه عليك أحد؛ خصوصًا عندما لا تملك خيارًا سواه؛ حيث تجد نفسك عند مفترق طرُق، كل منهما يأخذك لعالمه مثلما حدث مع البَطلة الأولمبية السورية «يسرى ماردينى» وأختها «سارة»، سباحتان سوريتان عاشتا ويلات الحرب فى سوريا عام 2015 واضطرتا لاتخاذ قرار مصيرى وهو الهجرة غير المشروعة لأوروبا؛ لمواصلة حلمهما.



ذلك ما جسَّده فيلم (السَّبَّاحتان أو the swimmers) الذى يُعرَض خلال الدورة الـ 44 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى والمأخوذ عن قصة هاتين السبّاحتين، فهو يقدم لك كمُشاهد شخصيتين كل منهما تحترف السباحة لكن الأولى وهى «يسرى» التى تقوم بدورها «ناتالى عيسى» مفعمة بالطاقة والحماس والإصرار رُغْمَ كل الظروف المحيطة بها من حرب ودمار؛ أمّا أختها «سارة» التى تقوم بدورها «منال عيسى» فهى شخصية تشاؤمية أو بالأحرَى واقعية مشتتة التركيز بين الظروف العصيبة التى يمر بها بلدُها وبين حلمها الخيالى من وجهة نظرها للوصول للأولمبياد، وهنا تلمس الرسم المحترف للشخصيتين المُجسّد على الشاشة، الذى أدى بكل منهما لطريق مختلف؛ فالأولى نجحت فى تحقيق حلمها، والثانية تخلت عنه واكتفت بالتشجيع من مدرجات أولمبياد ريو دى چانيرو 2016؛ لتصلك رسالة من أهم ما يكون وهى التشبث بالحلم والإيمان بالذات مَهما كانت الظروف.

لكن تلك القيمة الأخلاقية والحياتية لم تكن مصدر الإبداع الوحيد فى (السباحتان)؛ فقد خرج هذا العمل الفنى سريع الإيقاع ومبدعًا فى صورته التى اعتمدت فى كثير من المَشاهد على كادرات تحسبها لوحات فنية؛ خصوصًا تصوير مَشاهد حركة قارب الهجرة وسط المياه، فترَى على سبيل المثال منظر القارب صغيرًا جدًا وتحيط به المياه من كل جانب فى كادر واسع يعكس تيهة مَن بداخل ذلك القارب وكأنهم محبوسون داخله ولا مَخرج لهم، وأيضًا ترى الشمس تغرب فى خلفية المَشهد فى لحظات اقتراب القارب من الغرَق، يُشعرك كمُشاهد أنه غروبهم هم أيضًا عن الحياة وليس الشمس فقط، وغيرها من الصور الجمالية والدلالات الفنية ذات مغزى والرسالة المُعَينة التى تجعلك كمُشاهد تشعر بالشخصيات كأنك واحد منهم، تعانى معاناتهم وتتألم لهم. إلى جانب الموسيقى التصويرية التى اعتمدت على الآلات الوترية الغليظة مثل التشيللو والكونتراباص عندما تحتد الأزمة ويشتد الصراع، صراع «يسرى» و«سارة» مع أزمتهما كلائجتين سوريتين هاجرتا بطريقة غير مشروعة لأوروبا وتبحثان عن أنفسهما وكيانهما فى إصرار منهما على إثبات أحقية كل لاجىء فى العيش بكرامة، والنظر إليهما كبَشر لهم حياة وطموح وليسوا مجرد عدد.

وتبقى الرسالة الأهم؛ لا تجعل العوائق توقف مسيرتك، إذا واجهت حائط فلا تستدر لتعود خائبًا، عليك أن تحاول تَسَلقه أو المرور من خلاله أو حتى الالتفاف من حوله.