السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. أم كلثوم بريئة من (التنمر)!!

كلمة و 1 / 2.. أم كلثوم بريئة من (التنمر)!!

لم تعش أم كلثوم زمن صارت فيه كلمة (التنمر) هى الأكثر استخدامًا فى التداول اليومى كواحدة من أسوأ الرذائل، قطعًا فعل التنمر، معروف منذ بدء التاريخ، ولكن التوصيف فقط هو ابن الألفية الثالثة.



ستكتشف عندما تقلب فى الصفحات القديمة أن كثيرًا من المواقف نسبت عنوة (للست) تضعها تحت طائلة جريمة التنمر والسخرية بسبب ودون سبب من عباد الله وإليكم بعضها.

التقت أم كلثوم فى إحدى السهرات برجل بادرها قائلًا: «أنا جارك أقيم فى الفيلا المقابلة لك»، ردت عليه: «أنت جرثومة» تقصد «جار ثومة». 

فى مناسبة ذكرى ميلاد أو رحيل أم كلثوم، أقرأ الكثير من تلك المفارقات والنكات اللاذعة المنسوبة عنوة لسيدة الغناء العربى، والناس غالبًا تصدقها استنادًا إلى امتلاك «ثومة» لروح الدعابة، بل ويرددون بكل ثقة ما هو منسوب إليها، من النكات والقفشات، أقصد «القلش»، بمفردات هذا الجيل، باعتبارها هى التى تملك براءة اختراعها .

تتسابق الجرائد فى ذكر وقائع مشابهة على النحو السابق، ولكن ببعض التأمل نكتشف أن 90 فى المائة مما يتردد، لا أساس له من الصحة، مستحيل أن نصدق مثلًا أن أم كلثوم تسخر من إنسان لأنه قصير القامة أو سمين أو ضعيف السمع، هل تنعت مثلًا جارها الذى تلتقيه لأول مرة بـ«الجرثومة»، هل كانت أم كلثوم تُمارس «عمال على بطال» على عباد الله كل هذا الازدراء.

أم كلثوم بالطبع خفيفة الظل، سريعة البديهة، لكنها أبدًا لم تحرج أو تجرح أحدًا، ولا يمكن أن تخرج عن حدود اللياقة أو اللباقة. مثلًا روى لى الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى أنه التقاها فى استوديو (مصر)، حيث كانت تنتظر انتهاء صديقتها تحية كاريوكا، من تصوير فيلم (لعبة الست)، وعندما رأت مأمون قادمًا سألته عن تحية أجابها (سوف تأتى رأسًا) ردت أم كلثوم بتلقائية «تحية كاريوكا تأتى فقط رقصًا».

«قفشة» تليق بأم كلثوم، مثلما تداعب أحيانًا جمهورها، وإليكم هذه الواقعة فى تسجيل حفل أغنية «ليلة حب»، أعادت أم كلثوم ثلاث مرات هذا المقطع «ما تعذبناش ما تشوقناش وتعالى نعيش فرحتنا هنا»، أحد المتفرجين اقترب من خشبة المسرح يريد الإعادة الرابعة، فأشارت إليه قائلة: «ما تعذبناش» فضحك الجمهور.

هذه موثقة ومسجلة، ولكن النسبة الأكبر من نسج خيال البعض، ليست فقط أم كلثوم التى تلتصق بها مثل هذه الحكايات الملفقة، الكتاب توفيق الحكيم وعباس محمود العقاد وكامل الشناوى وأيضا الشاعران أحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين، بين الحين والآخر ينتحل البعض أسلوبهما وتُنسَب إليهما أشعار، عندما تتأملها بدقة توقن أنها زائفة، وكأنهم قد صاروا مثل «جحا» تلك الشخصية الأسطورية التى تصنع لها فى كل يوم حكاية جديدة، وكل بلد لديها «جحا»، بل كل إنسان أحيانًا من الممكن أن يروى نكتة وينسبها وهو مطمئن تمامًا إلى «جحا».

الغريب أن بعض معاصريها أيضًا ينسبون إليها بعض الحكايات، مثل تلك التى رواها موسيقار قائلًا: «إنها رأت حمارًا يتبول فى النيل، فقالت، نعم أليست هذه هى مجارى النيل»، الموسيقار لا يريد أن يسخر من أم كلثوم بالطبع، ولكنه يقدم هذه النكتة التى قرأها منسوبة إليها، على اعتبار أنها دليل على خفة ظلها، رغم أنها نكتة مقززة، لا تليق أبدا بأم كلثوم.

 وهنا تكمن خطورة تصديق كل ما هو فى تراثنا الأدبى والفنى والسياسى، ليس كل ما هو فى مدون فى الأرشيف حقيقة، رغم أنه قد يبدو ظاهريًا كذلك، البعض يردد الحكاية ثم مع كل إعادة تدوير يضيف لها بصمته الخاصة.

علينا غربلة كل ما يتردد، الأكاذيب أكثر بكثير من الحقائق، هناك من تعود أن يضيف من أجل «تحلية البضاعة»، وما تقرأه يدخل فى إطار زيادة «التحابيش» الساخنة على الحكاية القديمة حتى تُصبح طازجة و«سبايسى»، غير مدركين أن بعض الحكايات التى أرادوا من خلالها مثلًا إثبات خفة ظل أم كلثوم، تتحول مع الزمن إلى أسلحة تطعنها، وتصبح دليلًا على الغلظة  و«التنمر»!!.