الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفاتيكان منع إحدى رواياته.. وكنيسته رفضت دفنه فى أثينا كتاب و أديب.. المسيح يُصلب من جديد

روائى عظيم أثارت رواياته الكثير من الجدل بل وصلت إلى حد رفض كنيسته الأرثوذكسية اليونانية الصلاة عليه ووضع الفاتيكان إحدى رواياته فى قائمة الروايات الممنوعة أو القائمة السوداء.



إنه الروائى والأديب والفيلسوف اليونانى العالمى نيكوس كازانتزاكيس.

ولد نيكوس فى 18 فبراير - 1883 بهيراكليون، الموجودة بجزيرة كريت أكبر الجزر اليونانية، حيث أمضى طفولته فى هذه الجزيرة التى خاضت حربًا شرسة ضد الأتراك لنيل حريتها واستقلالها. 

وكان والده (الكابتن ميخائيل) أحد وجوه هذا النضال والذى سعى لأن يكمل ابنه تعليمه لأنه كان يؤمن بأن النضال لا يقتصر على السيف أو البندقية، بل يكون أيضًا من خلال العلم والفكر والإقناع، لذلك فقد أرسل ولده لدراسة الحقوق فى مدرسة القانون فى أثينا.

حصل كازنتزاكيس على شهادة الدكتوراه فى الحقوق فى العام 1906، ثم سافر لدراسة الفلسفة فى باريس، حيث تابع دروس هنرى برغسون حتى العام 1909.

أمضى كازنتزاكيس معظم فترة شبابه فى رحلاته التأملية، حيث اعتكف زمنًا طويلًا فى جبل آثوس، وزار العديد من أديرة اليونان وكنائسها، كما زار القدس وسيناء مصر.

تطوع فى العام 1912 فى الجيش اليونانى فى حرب البلقان، ثم عُيِّنَ فى العام 1919 مديرًا عامًّا فى وزارة الشئون الاجتماعية، وكان مسئولًا عن تأمين الغذاء لحوالى 15 ألف يونانى وعن إعادتهم من القوقاز إلى اليونان. وقد نجح فى المهمة الموكَلة إليه، لكنه استقال بُعد ذلك من منصبه.

سافر إلى العديد من دول العالم، الأوروبية منها والآسيوية، مثل إسبانيا، الصين، اليابان، روسيا، فرنسا، الهند، إيطاليا، وبريطانيا، وعمل أثناء ذلك فى الصحافة والترجمة وكتابة المناهج المدرسية، وكَتَبَ الكثير من المقالات والمسرحيات وكُتُب الأسفار التى سجَّل فيها انطباعاته عن البلدان التى زارها.

عمل فى السياسة لفترة قصيرة، ثم عُيِّن وزيرًا فى الحكومة اليونانية فى العام 1945، ثم مديرًا فى اليونسكو فى العام 1946. وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالم لتعزيز جسور التواصل بين الحضارات، خاصة بين الشرق والغرب ولكنه استقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة.

بعد أن درس كازانتزاكيس القانون فى جامعة أثينا، ذهب إلى باريس فى عام 1907 لدراسة الفلسفة وتأثر بهنرى برغسون.

وفى عام 1914 التقى بإنجيلوس سيكيليانوس وسافرا معا لمدة عامين فى الأماكن التى ازدهرت فيها الثقافة اليونانية المسيحية الأرثوذكسية، وتأثر إلى حد كبير بالحماسة الوطنية ليسكيليانوس.

أثناء وجوده فى برلين، حيث كانت الأوضاع السياسية المتفجرة، اكتشف كازانتزاكيس الشيوعية، وأصبح معجبًا بفلاديمير لينين. ولكنه لم يصبح شيوعيًا ثابتًا، إلا أنه زار الاتحاد السوفيتى والتقى المعارضة اليسارية والكاتب فيكتور سيرج.

وشهد صعود جوزيف ستالين، وأصيب بخيبة أمل مع الشيوعية على النمط السوفيتى.

فى عام 1945، أصبح زعيم حزب صغير يسارى غير شيوعى، ودخل الحكومة اليونانية وزيرًا بدون حقيبة. واستقال من هذا المنصب فى العام التالى.

فى عام 1946، جمعية الكتاب اليونانية رشحت كازانتزاكيس وانجيلوس سيكيليانوس للحصول على جائزة نوبل للآداب. فى عام 1957،إلا أنه خسر الجائزة لألبير كامو بفارق صوت واحد.

فى أواخر عام 1957، على الرغم من معاناته من سرطان الدم، ذهب فى رحلة إلى الصين واليابان. وسقط مريضًا فى رحلة عودته، ثم تم نقله إلى فرايبورغ، ألمانيا، حيث توفى. وهو مدفون على الجدار المحيط بمدينة هيراكليون بالقرب من بوابة خانيا، وذلك بعد أن رفضت الكنيسة الأرثوذكسية دفنه فى مقبرة بأثينا وكتب على قبره «لا آمل فى شىء. لا أخشى شيئا. أنا حر». 

اختيرت الذكرى الخمسين لوفاته كفكرة لعملات اليورو عالية القيمة. عملة كازانتزاكيس اليونانى التذكاربة ذات قيمة العشرة يورو سُكَت فى 2007. حيث يظهر فى إحدى وجهى العملة صورتة وعلى الوجة الآخر من العملة الشعار الوطنى اليونانى مع توقيعه.

خُصِّصَ له متحفٌ صغير فى جزيرته كريت فارفارى ميرتيا، واحتوى هذا المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة قيِّمة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى النسخ الأولية لكتبه، وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله.

تمَّ إخراج أربعة أفلام أُخِذَتْ عن رواياته، وهى: الهوى اليونانى، وزوربا، والإغواء الأخير للمسيح، ومؤخرًا، فيلم مأخوذ عن كتاب الإسكندر الأكبر.

وتأثر نيكوس فى مرحلة نضوجه بأساطير القديسين والأنبياء، وعلى الأخص بالمسيح والقديس فرانسيس، وكان معجبًا بقصص حياتهم وعذاباتهم وكفاحهم المستميت للوصول إلى خلاص الإنسان.

وحين أصبح شابًّا، بدأ رحلته نحو الرهبنة والقداسة، بدءًا من الحج إلى أديرة اليونان وكنائسها، مرورًا بفلسطين، أرض المسيح، وانتهاءً بصحراء سيناء.

وهناك، بعد تفكير طويل، اتخذ قراره بالعودة إلى العالم الحقيقى. وقد ساعده على ذلك أحدُ الرهبان الذى نصح له قائلًا:

عُدْ إلى العالم. ففى أيام كهذه، وفى سنٍّ كمثل سنك، العالم هو الدير الحقيقى الذى ستصير فيه قديسًا.

أدرك كازنتزاكيس أن الصلاة الحقيقية هى كلُّ عمل شريف بنَّاء، وأن الكفاح الحقيقى هو الكفاح لإعلاء شأن الإنسان على الأرض وتحريره من الخوف والظلم والجهل والعبودية.

ووجد كازنتزاكيس أن الدين هو طريق رُسِمَ مسبقًا للإنسان، قيَّده وجَعَلَه فى حالة خوف وترقُّب دائمين لرحمة القوى اللامرئية، فى الوقت الذى يجب أن يأخذ الإنسان فيه دورَه الحقيقى فى إعمار الحياة وتحمُّل مسئوليته الكاملة، بدلًا من انتظار الرحمة والعدالة القادمة من السماء. لذلك فقد انتقد الرهبنة ورجال الدين قائلًا:

بدت لى كنيسةُ المسيح، فى الحالة التى أوصَلَها إليها رجالُ الدين، حظيرةً فيها آلاف الأغنام المذعورة، تثغو ليلًا نهارًا، ويتكئ كلٌّ منها على الآخر.

لكنه لم يكن بذلك ينتقد رجال الدين كأفراد، وإنما ينتقد استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسئولية والعمل الفعَّال. وهو ما فعله فى رواية «المسيح يصلب من جديد» والتى تدور أحداثها فى قرية «ليكوفريسى» اليونانية حيث اعتاد أهلها إحياء مأساة صلب المسيح كل سبع سنوات وذلك عن طريق اختيار شخصيات من القرية تقوم بتمثيل أحداث الصلب شريطة أن يعيش كل شخص منهم روح الشخصية التى سيقوم بتمثيلها وذلك على مدار عام كامل.

ومن هنا يبدأ الصراع بين شخصيات الرواية حيث اختير «بانايوتى» القبيح ليجسد شخصية يهوذا الخائن والذى أسلم المسيح لليهود و«مانولى» راعى الغنم الجميل الذى يجسد المسيح والذى تأثر بها جدا حتى إنه قرر عدم الزواج والاعتكاف على الجبل، إلا أن الأحداث الأساسية فى الرواية تجسدت فى الاختلاف بين رجال الدين وتأثيرهم على رعيتهم ومجتمعهم، حيث استطاع نيكوس أن يجسد رؤيته وقناعته عنهم عن طريق الخلاف الدائر بين الأب جريجوريوس كاهن القرية والذى يمثل رجال الدين الذين يستخدمون الدين لتحقيق أطماعهم وزيادة ثروتهم وذلك عن طريق استخدام سلطتهم الدينية والتى تشبع إحساسهم بالقوة والهيمنة على الجميع وبين الأب «فوتيس» كاهن قرية القديس جورج والذى لجأ إلى قرية الأب جريجوريوس هو ورعيته وذلك بعد اقتحام العثمانيين لقريتهم وقاموا بحرقها ونهبها وقتل أهلها، فهربوا منها ولجئوا إلى قرية «ليكوفريسى» ليحتموا بها، إلا أن الأب جريجوريوس رفض قائلاً :ما من شىء يحدث على هذه الأرض إلا بمشيئة الله... وهو العليم بكل ما اقترفتم من خطايا»، وذلك حتى لا يساعدهم رماهم بالخطايا وأنهم استحقوا ما أصابهم.

وهو الأمر الذى جعلهم يلجئون إلى الجبل ليحتموا به والذى أدى إلى سقوط العديد من الأموات نتيجة نقص الغذاء والماء بعد أن رفض تقديمه الأب جريجوريوس لهم.

إلا أن شخصيات المسرحية يبدأون فى المعايشة لشخصيتم فيبدأون فى مساعدتهم خاصة مانولى والذى يجسد دور المسيح فى مسرحية القرية وأخذ يدعوا الجميع لمساعدة اللاجئين من قرية القديس جورج.

وهنا انقسم أهالى القرية فعمل الأب جريجوريوس على إقناعهم بعدم المساعدة وذلك عن طريق اجتزأ كلام وآيات من الكتاب المقدس ليظهرهم على أنهم دخلاء ويشكلون خطرًا على أمن القرية وسلامتها.

ومن الناحية الأخرى كان الأب فوتيس يتحدث بكلمات المسيح التى تحمل المحبة والأخوة والتسامح حيث أراد أن يجعلهم يضمدون جراح أخواتهم كما كان يفعل المسيح، إلا أن كلامه لم يجد أى صدى أمام كلمات جريجوريوس.

وهنا نجد مانولى ومن كانوا سيجسدون أدوار تلاميذ المسيح يبدأون فى قراءة الكتاب المقدس ليدرسوا طبيعة شخصياتهم والتى كانوا مطالبين بأن يعيشوا روحها على مدى عام كامل، إلا أنهم سرعان ما يكتشفون زيف كلام الأب جريجوريوس ويقررون مساعدة الأب فوتيس الأمر الذى يعمل على تصعيد حدة الأحداث حيث يقوم الأب جريجوريوس وأعوانه بمهاجمة اللاجئين فأشاعوا أن أهل قرية القديس جورج مرضى، وقد ينشرون وباءً قاتلًا، وذلك حتى لا يساعدهم الناس، وعندما لم تجد حيلة الوباء نفعًا تم اتهامهم بالثورة وأنهم أعداء مسلطين عليهم من الخارج، اشتراكيون يريدون تقويض حكمة الله فى أرضه، ويريدون مشاركة الأغنياء نعيمهم.

وعلى الرغم من إبراز نيكوس لاستخدام بعض رجال الدين لسلطتهم بشكل يسىء للمسيحية فى رواية « المسيح يصلب من جديد «  إلا أنها لم تكن هى الرواية التى وضعها الفاتيكان فى القائمة السوداء والتى تم منعها، بل كانت روايته «الإغواء الأخير للمسيح» والتى تسببت له فى العديد من المشاكل مع الكنيسة، هذا ما سنعرفه فى العدد القادم بإذن الله.