الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

dahmer كيف تخلق وحشـًـا ؟

أثناء رحلة كل منّا فى حياته يمر عليه الكثير من الشخصيات التى تجذبه، لكن الغريب عندما يبهرك شخص مُؤْذٍ لدرجة التوحش، والأغرب أن يبهرك وهو مُؤذٍ لك أنت، فتظل تفكر وتطرح أسئلة  «لماذا يفعل ذلك؟!» و«ما الذى أدى به إلى كل تلك القسوة؟!»؛ خصوصًا إن كنت إنسانًا عاطفيًا يتأثر ويتعمّق فى كل شىء حوله. يتشابه هنا تأثرك بذلك الشخص بتأثرك بعمل فنّى يسرد حكاية واحد منهم، سواء كان جاسوسًا أو تاجر مُخدرات أو قاتلاً متسلسلاً مثلما قدّم لنا مسلسل (dahmer ) الذى يعرض على منصة «نيتفليكس» ويتابعه الملايين حول العالم.



فهو يحكى قصة حقيقية عن قاتل متسلسل يتفنن فى القتل والتمثيل بالجثث يُدعى «چيف دامر»، تجد نفسك كمُشاهد مندمجًا مع تسلسل أحداث قصته وتطور شخصيته لديك فضولاً لمعرفة ماهيته وما الذى جعله يصل إلى ذلك الحد من العنف والأذى.

فيبهرك ذكاؤه رُغْمَ كرهك ونفورك من أفعاله؛ خصوصًا أن العمل الفنّى قُدّم من خلال حبكة قوية وتسلسل منطقى للأحداث وتطور عبقرى للشخصية، يأخذك معه داخل عقله ونفسه، تتعمق معه فى أرجائها وتفهم وتشعر بما يجول بخاطره وما دفعه لكل تلك الأفعال المتوحشة. فذلك الوَحْشُ الذى يعانى اضطرابات نفسية وعقلية منغمس معها فقط وليس مع الآخرين، تعمق داخل نفسه وفهمها وتلبية احتياجاتها، ضاربًا بعرض الحائط أى أخلاقيات أو مَشاعر، تم رسم شخصيته باحترافية بين الرسم الجسمانى للشخصية، ابتسامته الهادئة ونظرته البريئة وهو يرتكب أفعال القتل والعنف الجنسى والتمثيل بالجثث وأكل لحوم البشر. مع طريقة كلامه ولعثمته فهو منطوٍ على ذاته، إلى جانب الرسم النفسى للشخصية، شخص مريض نفسيًا وعقليًا يعانى منذ طفولته من الرفض والإهمال من والديه، لديه هوَس بأحشاء الحيوانات والبَشر، عنيف وشاذ جنسيًا، يهوى القتل والتمثيل بالجثث، يتلذذ بأكل الأعضاء البشرية، كل ذلك فى جسَد رجُل يغلب على ملامحه البراءة وعلى سلوكه الخجل ما ساعده كثيرًا فى ارتكاب جرائمه لسنوات.

كما تلمس كمُشاهد صراعًا نفسيًا بداخله؛ خصوصًا فى بداية سلسلة جرائمه بين التعاطف مع الضحايا وإحساسه بالندم وبين الاستسلام لشهواته ورغباته الشاذة، شخصية مُركبة جُملة وتفصيلاً جسّدها «إيفان بيتروس» بإبداع وتقمص كامل للشخصية الحقيقية «چيف دامر» شكلاً ومضمونًا. 

إلى جانب شخصية الوالد، «ليونيل»، التى جسّدها «ريتشارد يانكيز»  باحترافية، فهو انعكاسٌ لشخصية ابنه «چيف» مع اختلاف البيئة التى نشأ فيها كل منهما والتى خلقت للابن دافعَ الجريمة وسحبت من والده نفس الدافع، فهما وجهان لعملة واحدة.

ناهيك عن الإخراج القوى للعمل الفنّى الذى اعتمد على إيقاع مناسب للأحداث مع حركة كاميرا وزوايا  تصوير تدمجك مع حالة البطل وإحساس الضحايا؛ فقد عَرض لك وجهتَىْ النظر دون التعاطف مع شخصية «چيف»، فمن منا سيتعاطف مع قاتل متسلسل، ولذلك خرج (dahmer) كعمل فنّى مبهر رُغْمَ سَوْدَاويته فهو دراما نفسية يتعمق فى نفس الضحايا من ناحية وتشوهات شخصية القاتل من ناحية أخرى، كما يجسّد إحساس كل ضحية من ضعف وقلة حيلة فتخرج من العمل برسالة مهمة موجهة للآباء والأمهات عن مسئولية التربية وخطورة تشكيل نفسية الطفل ومدى أهمية قبوله والاستماع لاحتياجاته ومشاكله وتقبُّلها للوصول لحلول لها حتى لا نخلق وحوشًا أخرى مثل «دامر».