الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

احتواء «الصين» خلف ستار (التعاون الأمريكى) البيت الأبيض يكشف استراتيچية «جزر المحيط الهادئ»

«سيُكتب مقدارٌ كبيرٌ من تاريخ عالمنا فى المحيطين الهندى والهادئ خلال السنوات والعقود المقبلة.. و«جُزر المحيط الهادئ»، أصبحت صوتًا حاسمًا فى تشكيل المستقبل»..كانت هذه كلمات الرئيس الأمريكى «چو بايدن» فى مستهل كلمته خلال قمة، هى الأولى من نوعها، التى تجمع «الولايات المتحدة» مع «جُزر المحيط الهادئ».



فقد استضافت الإدارة الأمريكية القمة فى «واشنطن» يومَى 28 و29 سبتمبر الماضى، جمعت فيها أكثر من 10 من قادة «جزر المحيط الهادئ»، وغيرهم من المسئولين؛ من أجل مناقشة المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما فى ذلك تغيُّر المناخ، والأمن البحرى، والتنمية الاقتصادية.

وقد جاءت القمة بالتزامُن مع إطلاق «البيت الأبيض» أول (استراتيچية شراكة مع منطقة المحيط الهادئ)، التى وضعت إطارًا لمستقبل مشاركة «الولايات المتحدة» مع المنطقة.

أثارت هذه الأحداث السريعة عددًا من الأسئلة المهمة، ومنها: لماذا أصبحت منطقة المحيط الهادئ- فجأة- موضوعًا ساخنًا فى الإدارة الأمريكية؟، وما هى المبادرات التى تم الإعلان عنها فى القمة؟، وما الهدف من ورائها؟، ولماذا يعتبر تعزيز الوضع الإقليمى الأمريكى فى المحيط الهادئ فى صميم استراتيچية «واشنطن»؟.

حاول خبراءُ «مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية» الأمريكى (CSIS)، وهم: مستشار أول ورئيس قسم أستراليا «تشارلز إيدل»، ومستشار أول ورئيس قسم اليابان «كريستوفر بى.چونستون»، وكبير باحثى ومدير برنامج جنوب شرق آسيا «چريچورى بولينج» الإجابة عن هذه الأسئلة، من خلال استكشاف تداعيات القمة؛ ليقدموا رؤية واسعة حول تركيز «واشنطن» المتجدد على المنطقة، وما قد يعنيه فى العلاقات بين «الولايات المتحدة، وجُزر المحيط الهادئ»، مع الإشارة للنقطة الأهم، وهى النية الأمريكية- التى لم يتم التطرُّق إليها علنًا فى القمة- فى احتواء «الصين».

أهمية منطقة «المحيط الهادئ» فى «واشنطن»

على مدى سنوات، عانت منطقة «جُزر المحيط الهادئ» من الإهمال الاستراتيچى من جانب «واشنطن» وغيرها، وهو ما استغلته «بكين»؛ حيث تحركت لزيادة نفوذها، وإبراز قوتها فى جميع أنحاء المنطقة.

وعليه؛ أشار منسق شئون المحيطين الهندى والهادئ فى مجلس الأمن القومى الأمريكى «كورت كامبل»، فى يناير الماضى إلى قلق «البيت الأبيض» بشأن التقدم الذى تحرزه «الصين» فى المنطقة؛ منوّهًا إلى أن منطقة المحيط الهادئ، قد تشهد مفاجآت استراتيچية، تظهر فى شكل اتفاقيات إنشاء قواعد صينية. 

من جانبهم؛ أكد باحثو «مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية» الأمريكى الثلاثة أن هذه الملاحظات دفعت «الولايات المتحدة» إلى تصعيد لعبتها بشكل كبير بمنطقة المحيط الهادئ؛ مؤكدين أن مخاوف «واشنطن» تزايدت مع أنباء أفادت بأن «بكين» كانت تعمل على إبرام صفقة أمنية سرّيّة مع «جُزر سليمان» فى مارس الماضى، مما يفتح الباب-على ما يبدو- لقاعدة بحرية صينية، وربما يسمح للصين بإرسال الشرطة وقوات الأمن إلى الدولة الجزيرة.

وعليه؛ انطلقت إدارة «بايدن» إلى العمل على مدى الأشهُر الستة الماضية، فى إرسال وفود متعددة رفيعة المستوى إلى المنطقة، ورفع مستوى مشاركتها، مع وعدها بتقديم مزيد من الموارد. 

وعَلّق الباحثون الثلاثة أن (استراتيچية شراكة المحيط الهادئ)، وكذلك قمة «دول جُزر المحيط الهادئ» تتماشَى مع هذه الجهود التى تشدد على زيادة اهتمام «الولايات المتحدة» بهذه المنطقة. مضيفين إن الأنشطة والمبادرات الأمريكية تمثل بداية قوية للخطوات التالية فى مشاركة «الولايات المتحدة» مع «جُزر المحيط الهادئ». 

ولكن، أفاد الباحثون- فى الوقت ذاته- بأن تصرفات «واشنطن»، وليس كلماتها الرنانة، هى التى سيتم تقييمها من قِبَل أولئك الموجودين فى المنطقة، وخارجها أيضًا.

 أهم مبادرات القمة وأهدافها

تُعَد القمة هى الأولى من نوعها، التى يعقدها الرئيس الأمريكى «بايدن» فى «البيت الأبيض» مع قادة «جُزر المحيط الهادئ».

وأوضح الباحثون أن الدافع الرئيسى لرفع مستوى المشاركة الأوسع والأعمق مع «جُزر المحيط الهادئ» لم يرد ذكره- علنًا- فى الاستراتيچية العامّة الأمريكية أو القمة، وهى جهود «الصين» التنافسية- التى تراها «واشنطن» عدوانية- من أجل توسيع نفوذها فى جميع أنحاء المنطقة، بما فى ذلك من خلال الوجود العسكرى، والتى تسارعت خلال العام الماضى. مضيفين إنه بالكاد تم ذكر «الصين» فى (استراتيچية شركاء المحيط الهادئ)، أو التصريحات العامة المحيطة بالقمة من قِبَل بعض المسئولين. 

وبشكل عام؛ رأى الباحثون أن «بكين» تضع فى اعتبارها العديد من خطوط جهودها فى تلك المنطقة، وتعزيز المؤسَّسات الإقليمية، مثل: منتدى جُزر المحيط الهادئ (PIF)، ودعم الأمن البحرى والحقوق السيادية، وتعزيز الحُكم الرشيد.

أمّا الاستراتيچية الأمريكية؛ فقد حاولت إلقاء الضوء أكثر على المرونة فى مواجهة تغيُّر المناخ والتكيُّف معه، وإدارة الموارد، ودعم خفر السواحل، والتوعية بالمجال البحرى، وغيرها من مجالات التعاون فى البنية التحتية لتقنيات المعلومات والاتصالات، والصحة العامة، والتبادلات التعليمية.. أى إبراز جانب التعاون فى المجالات الحيوية المهمة بعيدًا عن العالم العسكرى، وإن كان الهدف الأخير غير معلن.

فتعتزم الإدارة الأمريكية - ضمن وعود وأهداف القمة- توسيع الوجود الدبلوماسى من خلال سفارات جديدة فى «جُزر سليمان»، وفى «كيريباتى»، و«تونجا»؛ وتعيين مبعوث أمريكى إلى صندوق الاستثمارات العامة، وبعثة إقليمية جديدة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) فى «فيچى»؛ وتوسيع وجود فيلق السلام فى جميع أنحاء المنطقة.

تتضمّن قائمة الأهداف الأمريكية- أيضًا- وعْدًا بتقديم 810 ملايين دولار فى شكل تمويل جديد، بما فى ذلك: طلب مساعدة اقتصادية لمدة 10 سنوات بقيمة 600 مليون دولار إلى الكونجرس الأمريكى مرتبط بتجديد معاهدة التونة فى جنوب المحيط الهادئ، وتمويل البرامج المتعلقة بالمرونة المناخية، والتعليم، والتدريب، لقادة المحيط الهادئ، والبنية التحتية، وخفر السواحل، وبناء القدرات لإنفاذ القانون.

وعَلّق باحثو «مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية» الأمريكى أنه رُغْمَ طموح هذه القائمة؛ فإنها غير مؤكدة التنفيذ، وتحديدًا فيما يخص دعم الكونجرس لكل الأهداف. مؤكدين صعوبة الحفاظ على التركيز على المنطقة، ومتابعة الالتزامات الأمريكية تجاهها فى ظل الظروف الدولية الراهنة، ناهيك عن الخبرة الأمريكية القليلة فى منطقة «جُزر المحيط الهادئ» داخل حكومة «الولايات المتحدة»، إذ أشار الباحثون إلى أن عدد الموظفين العاملين فى المنطقة فى كل من وزارتَى الخارجية والدفاع الأمريكية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وغيرها من مؤسَّسات الدولة صغير، ومن غير المرجّح أن ينمو بشكل كبير خلال الفترة المقبلة. 

وشدّدوا على أن التمويل سيكون مشكلة دائمة؛ خصوصًا فى بيئة من الموارد النادرة، والأولويات المتنافسة.

 

قضايا عالقة

لا تزال هناك قضية شائكة تُركت دون حل فى القمة، وعلى رأسها إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات الارتباط الحُر بين «الولايات المتحدة»، و«ولايات ميكرونيزيا الموحدة، وجُزر مارشال، وبالاو».

جديرٌ بالذكر؛ أن التفاوُض على الاتفاقيات تمّت فى الأصل عند استقلال تلك الدول عن إقليم الوصاية الذى تديره «الولايات المتحدة» فى المحيط الهادئ، والتى بموجبها، توفر فيها «واشنطن» الدفاع الوطنى، والمساعدة المالية، والخدمات الحكومية المختلفة، وتسمح للمواطنين المترابطين بالعيش والعمل بحُرية فى «الولايات المتحدة»، على أن تحصل فى المقابل على وصول عسكرى حصرى إلى المياه، والمجال الجوى للدول الثلاث. ومن المقرّر أن تنتهى صلاحية الاتفاقات فى عام 2023 لـ«جزر مارشال، وميكرونيزيا»، وفى عام 2024 فى «بالاو».

فى النهاية؛ يبدو من الواضح أن (استراتيچية شركاء المحيط الهادئ) الجديدة للإدارة الأمريكية تسلط الضوء- لأول مَرّة- على أهمية هذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة؛ خصوصًا فيما يخص التنافس «الأمريكى- الصينى» غير المعلن؛ خصوصًا أن الاستراتيچية تربط- رسميًا- «جُزر المحيط الهادئ» باستراتيچيتها الأكبر فى منطقة «المحيطيْن الهندى والهادئ».

وفى الوقت الذى تركز الاستراتيچية بقوة على البِلْدان الثلاثة التى لها علاقات رسمية مع «الولايات المتحدة»، وهى: «ولايات ميكرونيزيا الموحدة، وجُزر مارشال، وبالاو» من خلال مواثيق الارتباط الحُر، تضع الاستراتيچية الأمريكية إطارًا أوسع لمصالح وأهداف «الولايات المتحدة» التى تشمل المنطقة ككل.