الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ألبوم «روما» لـ«كايروكى»: من الهروب من الواقع إلى غياب الرموز

أخيرًا وبعد غياب ما يقرب من ثلاث سنوات صدر ألبوم فريق «كايروكى» الجديد، والذى جاء بعنوان (روما)، وهنا يأتى السؤال، هل ما استمعنا إليه يجوز أن نطلق عليه الوصف الصحيح والدقيق لـ«الألبوم»، بما يعنى أن هناك فكرة واضحة مسيطرة على الأغنيات، وأن كل أغنية تكمل رسالة الأغنية الأخرى؟!



ولكى نجيب عن هذا السؤال، يجب أن نوضح أنه على المستوى الموسيقى، فهناك فعلا ترابط بين الأغانى، التى ترتكز على موسيقى الروك، والـ«Post-rock»، عن طريق مزج موسيقى الروك التلقيدية بالموسيقى الإلكترونية العصرية الحديثة.

أما على مستوى المواضيع والكلمات، فهناك أغان تتشارك فى الخطوط العريضة من حيث الأفكار، ولكن ليس هناك فكرة واحدة واضحة تسيطر على كل الأغنيات، بل لدينا مجموعة من الخطوط العريضة فى الألبوم.

أولا، الخط العاطفى والذى عبرت عنه أغانى (متوحشنيش، نفسى أحبك، جيمس دين، ساموراى).

ثانيًا، الخط الذى اختار به «كايروكى» عدم مواجهة الواقع، بل الهروب منه عن طريق التخيل والأحلام والأمنيات، مثل «كوستاريكا (حتى لو كانت الأغنية تتحدث عن العلاقة بين الحبيب والحبيبة، ولكنها تظل تفاصيل العلاقة خيالية)»، و«جونى كاش».

ثالثا، «الحديث عن النفس بشكل ذاتى» وهذه الأغانى من الممكن أن نقسمها إلى مجموعتين، المجموعة الأولى التى تتفاخر بما وصلت إليه من إنجازات وتحدى الآخرين على طريقة كتابة أغانى الموجة الثانية من أغانى الراب، مثل (تارنتيو، روبرتو)، والمجموعة الثانية والتى تتحدث عن الذات وتواجهها وتُصارحها بعيوبها بشكل نقدى مثل (أنا نجم، روما، بسرح وأتو).

رابعًا وأخيرًا، وهو الخط الوحيد الذى يمكن أن نصنفه بأنه يشتبك مع الواقع وينتقده، وتم التعبير عنه فى أغنية وحيدة (زمن الكلام).

ولكن يظل كل ما تحدثنا عنه فى السطور السابقة مجرد تذكير بالأفكار الرئيسية التى بنيت عليها فلسفة ألبوم (روما)، ومن هنا يأتى السؤال المهم: لماذا قامت شرائح واسعة من جمهور «كايروكى» بمهاجمة هذا الألبوم تحديدًا؟

ولكى نجيب عن هذا السؤال الصعب يجب أن نسترجع الأيام التى نشأت فيها شعبية هذا الفريق وربطها بالواقع الاجتماعى والسياسى، فنحن نتحدث عن فريق متخصص فى تقديم موسيقى الروك، أعضائه يحبون «أحمد فؤاد نجم»، وتربوا على قصائده النقدية وأغانيه التى قدمها مع «الشيخ إمام»، وهذا التأثر يظهر فى إعادة تقديم أغانيه مثل (الخط ده خطى، وع المحطة)، أو فى أسلوب التعبير نفسه، مثل جملة «بدمى بكتب كلامى وأبوح» التى قيلت فى أغنية (أنا نجم)، وهو نفس أسلوب «الفاجومى» فى العديد من قصائده مثل «الحبر من دمى» فى قصيدة (الخط ده خطى).

كما أن شهرة الفريق زادت مع ثورتى 25 يناير و30 يونيو، واشتباكهم مع الواقع بأغانى نقدية سياسية وألبومات كاملة تعبر عن هذه الأفكار، بل إنهم قاموا أيضًا بمشاركة «عبدالرحمن الأبنودى» فى أغنية (إحنا الشعب). ولذلك، فإن الصورة الذهنية عند القطاعات العريضة من جمهور هذا الفريق هى الاشتباك مع الواقع وتفاصيله بشكل صادم وبعبارات واضحة وصريحة، ولذلك من المنطقى أن يستنفر هؤلاء طريقة التعبير الجديدة فى ألبوم (روما)، والهروب من الواقع إلى عالم الخيال، والذى أكد عليه «أمير عيد» بصوته فى العديد من الأغانى بجمل واضحة نذكر منها على سبيل المثال «ونتخيل مثلا يعنى إننا فى كوستاريكا..بيقولوا الحياة هناك سهلة وبسيطة».

كذلك طريقة الحديث عن الرموز داخل الأغانى، سنجد أن كل الشخصيات والأسماء المذكورة داخل الألبوم ليست مصرية، مثل الممثل الأمريكى «جيمس دين»، والموسيقى الأمريكى الشهير «جونى كاش»، والمخرج الأمريكى «كونتين تارانتينو»، ونجم الكرة الإيطالية «روبيرتو باجيو»، ونجمة الإغراء «سلمى حايك»، والملاكم «محمد على كلاى»، والسياسى الكوبى الماركسى «تشى جيفارا»، وشخصية «تونى مونتانا» التى جسدها آل باتشينو فى فيلم «scarface»، وسط غياب تام لأى رمز مصرى أو عربى داخل الألبوم، حتى عندما تم الحديث عن المناطق والبلاد ذكرت «كوستاريكا»، وذكرت «روما»، ولم تذكر مثلا القاهرة أو الإسكندرية، أو حتى حى «المعادى» الذى شهد على تأسيس هذا الفريق، وهذا مغايرًا عما كان يتم التعبير عنه فى الألبومات السابقة، فعندما كان يتم الإشارة إلى رموز بعينها كنا نستمع إلى مقطع صوتى بصوت «الأبنودى» فى أغنية (إحنا الشعب)، أو لرمز سياسى كان الفريق يشير إلى «جمال عبدالناصر» بجزء من خطابه فى أغنية (حلمى أنا) الصادرة فى ألبوم (مطلوب زعيم)، ولذلك من المنطقى أن يجد الفريق بعض الانتقادات الجماهيرية لأن هناك تغييرًا كبيرًا حدث فى طريقة التعبير.

ولكن الجميل فى كل هذا، أن التغير الكبير فى طريقة صناعة أغانى «كايروكى» لم يكن مجرد صدفة، بل إن الفريق كان يتوقع أن هذه الانتقادات كانت ستطوله بعد صدور (روما)، والدليل على ذلك مقابلة أجراها «أمير عيد» فى أبريل الماضى عندما قال عن الألبوم الذى لم يكن قد صدر بعد: «هو أول البوم هيفشل لى، ممكن ما ينجحش، وممكن يفشل أو ما يبقاش فن بالنسبة لى بعد كده، أنا بحاول أعمل حاجة اسمعها عشان مافيش حاجة عجبانى»، والربط بين أفكار «أمير عيد» وبين ما يقدمه فريق «كايروكى» ككل، ليس بالأمر الغريب، لأن «أمير عيد» يقوم بالدور الذى قام به قبل ذلك «سيد باريت» ومن بعده «روجر ووترز» مع فريق «بينك فلويد» بكتابة أفكار أغلب أغانى الفريق.

إذن، المنهج الغنائى الجديد لفريق «كايروكى» تم التأكيد عليه كعناوين رئيسية فى أغانى بعينها مثل: «مليش فى الدنيا صاحب أجدع من الخيال.. إدينى ورقة وقلم أديك غنوة فى الحال» من أغنية (روبرتو)، و«فى الدنيا فاشل باقتدار شاطر جدًا فى الخيال.. إدينى ورقه وقلم أديك غنوه فى الحال» من أغنية (جونى كاش)، و«أنا وهى عايشين جوة أغنية راديو قديم مافيش غنوة تشبه التانية.. الصوت بيخروش جامد بس المزيكا حقيقية.. بيغنوا عن الورد والشمس والرومانسية» من أغنية (جيمس دين)، وهو ما يعنى أن الرومانسية والغناء عن الخيال والجمال هو الغناء الحقيقى!

وفى النهاية بهذا الألبوم أثبت «كايروكى» أنه فريق «متجدد»، وقادر على مواكبة أذواق الجيل الجديد من المستمعين بما يتماشى مع أفكارهم، وخيلاتهم، حتى لو تعارضت هذه الأفكار والخيالات مع أذواق الجيل الأول من مستمعى أشهر فريق مصرى فى تقديم موسيقى الـ«روك».

وأكد أيضًا على قدرتهم فى مزج الـ«روك» مع الموسيقى الإلكترونية بأشكالها العصرية الحديثة، وكذلك المزج الذى حدث مع الموسيقى اللاتينية فى أغنية (كوستاريكا)، ليزداد التنوع الموسيقى فى الألبوم الأخير، (روما)، والذى يعتبر بلا أى شك، لا يشبه أى ألبوم سابق لـ«كايروكى»، وهو المطلوب إثباته!.