السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وهم المحاسبة وهوس التوازن فى «تحقيق»

محاسبة الغير قبل محاسبة النفس يعتبر هوسا مجتمعيا مثل الآفة التى تتوغل فى نفوسنا وعقولنا، أكثر وأكثر مع كل عِقد وجيل، تخلق اقتناعا تاما بالأحقية فى محاسبة الغير وتحقيق مبدأ الثواب والعقاب وبالتالى يتحقق العدل، نزعة داخلية أقرب لألوهية النفس وهنا تخرج تساؤلات كونية مهمة منها على سبيل المثال، هل لديك العلم الكافى بباطن الأمور لتطبق العدل على الأرض؟ هل من حقك فى الأساس محاسبة الغير بيدك؟ هل أى منا يستحق معاقبة نفسه بيده حد الأذى أو الفناء؟ 



أسئلة مثلها وأكثر تدور فى أذهاننا بشكل شبه يومى تحمل إجابتها فلسفة الكون والحياة، فالرد بـ«نعم» يحقق قانون الغاب والرد بـ«لا» يعطى الرخصة الأبدية لارتكاب الأخطاء التى تصل للجرائم فى حق النفس والغير. وبالتالى فهى منطقة شائكة من السهل التفكير فيها ومن الصعب حل ألغازها، وذلك ما جسده مسلسل (تحقيق) الذى يعرض على منصة «watch it» فى إطار من الغموض والتشويق، يطرح تلك التساؤلات إلى جانب مناقشة فلسفة التوازن بين المال والجمال والصحة والستر والزوجة وفكرة الـ(24) قيراطا التى تسيطر على عقولنا فى المجتمعات العربية. فمن منا قادر على تحقيق التوازن التام بين تلك العناصر بحيث لا يطغى أحدهم على الآخر ولا نخسر أىا منهم قدر المستطاع.

فكرة جريئة وجديدة أن تطرح فى عمل فنى مصرى حيث نوقشت فى إطار حبكة الكشف، الكشف عن إجابة تلك التساؤلات وكشف حقيقة الشخصيات حيث جعلك الكاتب «محمد الدبّاح» تشارك شخصيات العمل فى الوصول لإجابات منطقية فى محاولة منه لجذب انتباه المشاهدين وتشويقه لاستكمال أحداث العمل الفنى. لكن تلك التجربة على قدر أهميتها وحساسية فكرتها إلا أنها افتقرت للإيقاع السريع المناسب لنوع الدراما المقدمة دراما الغموض والإثارة، مع عدم تماسك الحبكة وتيهتها وسط الشخصيات والأحداث المتفرعة التى لا تخدم الحدث الرئيسى، مما يجعلك كمشاهد تشعر بالملل فى بعض الأوقات وتفقد شغفك لمعرفة النهاية، خاصة وأن نهاية الأحداث تحمل مفاجأة كمحاولة من الكاتب لنسج حبكة ملتوية تخطف الأنظار.

ولكن ذلك لا يمنع أن بعض الشخصيات تم رسمهم بشكل قوى وجذاب وعلى رأسهم شخصية «هشام» التى يجسدها «أحمد مالك»، فالرسم الجسمانى للشخصية من ارتداء نظارة شمس معظم الوقت للهروب من الناس ولغة الجسد التى تعكس افتقاره الثقة بالنفس وكلامه المقتضب الذى يحكى عن ذكائه وكثرة التفكير، مع تركيبته النفسية المعقدة ودوافعه القوية للوصول للحقيقة.

أيضا الجماليات الخاصة بالصورة من إضاءة المشاهد التى تعبر عن حالة الشخصيات والحالة العامة للحدث، مع الموسيقى التصويرية التى تدمجك أكثر مع الأحداث والمؤثرات الصوتية التى تضفى بعض الإثارة اللازمة لعمل فنى ينتمى لدراما الغموض.

فى النهاية نحن أمام تجربة مهمة يكمن تميزها فى جرأة فكرتها ولمسها لنفوس عدد كبير من البشر، وننتظر منها تماسكا أقوى للحبكة وإيقاعا أسرع للأحداث في الجزء الثانى منها، والأهم أن تحمل إجابات طالما بحثنا عنها.