الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

للأزمة وجوه متعددة التغيُّر المناخى وأزمة صناعة الإرهاب

المــنـــاخ الأزمة.. والحل



على مدار سنوات ماضية شهدت الدول تغيرات مناخية عدة أثرت بصورة أو بأخرى على العديد من النواحى الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، لكن خلال العامين الماضيين تفاقمت الأزمات وأصبحت تؤثر بصورة قوية على حياة الشعوب.. من حرائق للغابات.. جفاف أنهار.. فيضانات.. سيول.. أرواح الشعوب أصبحت فى خطر يتزايد يومًا تلو الآخر.. مخاطر التغيرات المناخية لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة ملحة تتطلب تكاتف الدول والحكومات لمواجهتها.. ومن هذا المنطلق جاءت اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، ثم توالت بعد ذلك قمم المناخ العالمية لوضع استراتيجيات وخطط للحد من مخاطر التغيرات المناخية خاصة بعد أن دفع ثمنها حياة الآلاف من الضحايا.. ولهذا تبرز أهمية قمة المناخ COP27 المنتظر عقدها فى مدينة السلام شرم الشيخ نوفمبر المقبل لوضع الأسس والاتفاقيات الدولية للحد من هذه التغيرات المدمرة.. ولهذا تقدم «روزاليوسف» على مدار الأسابيع المقبلة هذا الملف لعرض المخاطر الناتجة عن التغير المناخى وآراء الخبراء لحل هذه الأزمة.. لعله يكون السبيل الأخير لامتصاص غضب الطبيعة والعودة مرة أخرى لحياتنا المستقرة.

 

فى ديسمبر 2021، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن التغيُّر المناخى يمكن أن يشكل «أحد العوامل التى تفاقم» احتمالات وقوع الأعمال الإرهابية، مضيفًا إن التدهور البيئى الذى يشهده العالم يعرض أى منطقة غير مستقرة أو تشهد نزاعات لمخاطر وتهديدات أمنية كبيرة.

وأوضح غوتيريش فى اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن البلدان الأكثر عرضة للتأثر بأزمة المناخ هى نفسها التى «تعانى من غياب الأمن والفقر وضعف الحوكمة وآفة الإرهاب». راسمًا صورة قاتمة للوضع، فعندما يؤدى تأثير التغير المناخى إلى فقدان سبل العيش ويخلف حالة من اليأس بين أفراد المجتمع، تصبح وعود توفير الحماية والدخل وتحقيق العدالة - التى يستغلها الإرهابيون أحيانًا هى المنفذ الوحيد لجذب عدد أكثر من الناس لاتباعه، وهو ما يدق ناقوس الخطر المتزايد بفعل التغيُّرات المناخية والأزمات التى ينتج عنها هذا الدمار البيئى للدول والشعوب.

تفجير الصراعات

وفقًا لدراسة «جون وتربرى»، «الاقتصاد السياسى للمناخ فى المنطقة العربية» فى عام 2013، أوضح خلالها أن موجات الجفاف السابقة على عام 2011،  عملت على تدمير قطاع كبير من الأراضى الزراعية خاصة فى بعض الدول العربية، الأمر الذى أدى إلى نزوح آلاف السكان من مدنهم باحثين عن فرص للعمل.

وأوضح وتربرى مثالًا لما حدث فى سوريا، والتى تعرضت لموجة جفاف عام 2011 أثرت على ما لا يقل عن 800 ألف شخص وتسببت فى نفوق ما لا يقل عن 

85 % من الثروة الحيوانية الخاصة، وتسبب ذلك فى نزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص للعمل فى المدن الكبرى وقاموا بتأسيس حزام من التجمعات العشوائية الطرفية التى تحيط بالمدن الكبرى مثل حماة وحمص ودرعا وهى المناطق نفسها التى نمت فيها التنظيمات الإرهابية وبالأخص تنظيم «داعش» خلال سنوات متوالية.

ينطبق الأمر ذاته على الصراع فى درافور بالسودان،  حيث انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30 % وتراجع الإنتاج الزراعى بنسبة 70 % وارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوى بمعدل 1.5 درجة، مما أدى لتفجر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة بالزراعة نتيجة الصراع على مراعى الماشية.

وتتضح أهمية الموارد لدى التنظيمات الإرهابية فى سعى تنظيم داعش للسيطرة على سدود الفلوجة والموصل فى العراق، ومناطق زمار وسنجار وربيعة، بهدف التحكم فى مياه نهرى دجلة والفرات فى العراق والموارد المائية فى سوريا فضلًا عن السيطرة على المناطق الخصبة القابلة للزراعة فى الدولتين.

كما أكدت دراسة أعدها أرون سيان صادرة عن معهد السلام الأمريكى فى يونيو 2011،  أن نشأة تنظيم «بوكوحرام» فى نيجيريا ترجع إلى التحولات البيئية وتغيُّر المناخ؛ حيث ارتبط تأسيس «مروى محمد» لتنظيم بوكو حرام فى الثمانينيات بانتشار ضحايا الأزمات البيئية فى نيجيريا وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية الأساسية، وفى مرحلة تالية استفاد تنظيم بوكو حرام من هجرة 200 ألف مزارع تشادى إلى نيجيريا عقب موجات الجفاف والتصحر فى البلاد، حيث قام بتجنيد عدد كبير من النازحين التشاديين ضمن مقاتليه.

وفى عام 2017، ووفق قرار مجلس الأمن رقم 2349، والذى تضمن دور الآثار السلبية لتغير المناخ والتغيرات البيئية فى تحفيز الجماعات الإرهابية خصوصًا حول حوض بحيرة تشاد، وطبقًا لمؤشر الإرهاب العالمى، شكلت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 48 % من الوفيات الناجمة عن الإرهاب لعام 2022، مرتكزة فى 4 بلدان هى بوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية ومالى والنيجر.

ومع صعوبة تحقيق العدالة الاقتصادية والاستقرار الأمنى فى بعض الدول الإفريقية، أدى الأمر الى تفشى جماعات الإرهاب المسلح كبدائل فاعلة تعمل بسهولة أكبر فى البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع.

وفى ظل تذبذب السلطة ببعض المناطق، الأمر الذى استغلته هذه التنظيمات لسد الفجوة التى خلفتها الدولة من خلال توفير الخدمات الأساسية من أجل اكتساب الشرعية، وتأمين الثقة والدعم بين السكان المحليين.

صراع المياه

من جهة أخرى، فان التغير المناخى يؤثر بشكل مباشر على إنتاج وتوفير وإمكانية حصول السكان على الطعام على نحو مستقر وبكفاءة أعلى. ويعد الصراع حول الموارد المائية هو عامل مشترك بين تداعيات التغير المناخى كافة. وساد القول مع بروز قضايا التغير المناخى أن الصراعات المستقبلية ستدور فى الغالب حول موارد المياه، سواء كنا نتحدث عن صراعات أهلية، أم صراعات بين الدول.

كمان أن لاجئى المناخ، سواء كانوا نازحين داخل البلد الواحد أم خارجه، حيث أصبحت تدفع الكوارث الطبيعية ونقص الموارد السكان إلى التحرك بحثًا عن ملاذات آمنة. كما تشير الدراسات المتعلقة بتغيُّر المناخ إلى أن النساء والأقليات واللاجئين هم الأكثر تأثرًا بالعنف الناتج عن شح الموارد.

وبالنظر إلى ما سبق من علاقة التغير المناخى بتسارع وتيرة العنف وعدم الاستقرار السياسـى، يمكن القول إن تغير المناخ يعمل كمضاعف لمخاطر الإرهاب Threat Multiplier وليس سببًا مباشرًا له، حيث يغذى البيئة الملائمة لتوسع وانتشار الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

وقد تضاعف التهديدات الإرهابية الدول ذات البنية السياسية الضعيفة والمصابة بشح الموارد الطبيعية، وسوء إدارة مقدراتها الطبيعية والبشرية، الى أن تكون أكثر عرضة للانقسامات على خطوط طائفية أو إثنية. وتوفر أخطار التغير المناخى فرصًا للجماعات المتطرفة والإرهابية لاستغلال الظروف الصعبة للاجئ المناخ أو النازحين أو المتضررين، وتجنيدهم فى صفوفها أو كسب دعمهم.

خطر الاستقرار

من جهة أخرى، تكاد تتفق أغلب الدراسات البيئية على أن تغير المناخ من المرجح أن يؤدى لزيادة النازحين واللاجئين، خاصة فى المناطق والمدن الساحلية حيث من يتوقع أن يؤدى ارتفاع منسوب مياه البحر خاصة فى البحر المتوسط لنزوح حوالى 3.8 مليون شخص وفق تقرير البنك الدولى الصادر فى نوفمبر 2014، يضاف إلى ذلك أن مدنًا ساحلية باتت معرضة للغرق نتيجة ارتفاع مستويات البحر المتوسط.

وقد أشار تقرير البنك الدولى الصادر فى نوفمبر 2014 بعنوان «مواجهة الواقع المناخى الجديد»، إلى أن المنطقة العربية ستشهد تبخرًا للموارد المائية الشحيحة خاصةً فى نهرى دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية وانخفاض غلة المحاصيل بنسبة 30 % فى بعض الدول الزراعية، كما يؤكد تقرير المنتدى العربى للبيئة والتنمية إلى أن 12 % من الأراضى الزراعية ستتعرض لمخاطر متعددة.

إجمالًا يمكن القول أن التهديدات الناجمة عن التغير المناخى باتت تتجاوز نطاقات الأمن البيئى والأمن المجتمعى والإنسانى وأصبحت ترتبط بالأمن التقليدى والاستقرار الداخلى وهو ما يؤكد ضرورة تصعيد الضغوط على الدول الصناعية وسريعة النمو الأكثر إسهامًا فى الانبعاثات الحرارية  للمساهمة بقوة فى التصدى لتداعياتها الخطيرة وتغيير المفاهيم والمدركات حول مخاطر الأمن البيئى ومحاولة إيجاد بدائل لمواجهة أزمات نقص المياه والغذاء وصياغة سياسات لمواجهة موجات النزوح الداخلى المتوقع.