الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أكثر من 924 مليوناً يواجهون انعدام الأمن الغذائى الغذاء ضحية للتغير المناخى

المــنـــاخ الأزمة.. والحل



على مدار سنوات ماضية شهدت الدول تغيرات مناخية عدة أثرت بصورة أو بأخرى على العديد من النواحى الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، لكن خلال العامين الماضيين تفاقمت الأزمات وأصبحت تؤثر بصورة قوية على حياة الشعوب.. من حرائق للغابات.. جفاف أنهار.. فيضانات.. سيول.. أرواح الشعوب أصبحت فى خطر يتزايد يومًا تلو الآخر.. مخاطر التغيرات المناخية لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة ملحة تتطلب تكاتف الدول والحكومات لمواجهتها.. ومن هذا المنطلق جاءت اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، ثم توالت بعد ذلك قمم المناخ العالمية لوضع استراتيجيات وخطط للحد من مخاطر التغيرات المناخية خاصة بعد أن دفع ثمنها حياة الآلاف من الضحايا.. ولهذا تبرز أهمية قمة المناخ COP27 المنتظر عقدها فى مدينة السلام شرم الشيخ نوفمبر المقبل لوضع الأسس والاتفاقيات الدولية للحد من هذه التغيرات المدمرة.. ولهذا تقدم «روزاليوسف» على مدار الأسابيع المقبلة هذا الملف لعرض المخاطر الناتجة عن التغير المناخى وآراء الخبراء لحل هذه الأزمة.. لعله يكون السبيل الأخير لامتصاص غضب الطبيعة والعودة مرة أخرى لحياتنا المستقرة.

منعطف خطر يتجه له العالم على إثر التغيرات المناخية، التى أصبح تأثيرها البيئى على البشر يتصارع كل يوم بصورة قوية، ولم تعد الأزمة تقتصر فقط على ارتفاع درجات حرارة الأرض، أو تغير العوامل المناخية، بل باتت تهدد الأمن الغذائى للبشرية.

وأصبح التغير المناخى يمثل تهديدًا خطيرًا على الأمن الغذائى العالمى والتنمية المستدامة وجهود القضاء على الفقر، إذ إنها تُعد القضية الحاسمة فى عصرنا، حيث يعيش سكان مختلف دول ومناطق العالم تحولًا فى أنماط الطقس يؤدى إلى ارتفاع مستويات سطح البحر؛ ما يزيد من أخطار الفيضانات الكارثية التى تهدد بدورها إنتاج الغذاء فى العالم.

 خطر متصاعد

ارتفاع درجات الحرارة بوتيرة متسارعة نتج عنه عدة تأثيرات بيئية خطيرة، وقد أكد الفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ (IPCC) فى تقريره الخامس، الصادر فى يوليو الماضى، أن درجة الحرارة العالمية فى تنامٍ مستمر، ومن المتوقع أن ترتفع من 2.6 درجة مئوية إلى 4.8 درجة مئوية بحلول عام 2100، خاصة فى ظل ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتناقص كمية الثلوج والجليد وانخفاض مستوى سطح البحر، ووجود المزيد من الموجات الحارة، وذوبان الجليد فى القطب الشمالى.

وكل هذه المتغيرات جاء تأثيرها بصورة واضحة على الأمن الغذائى العالمى، مما يهدد بمواجهة الشعوب لخطر المجاعات ونقص المحاصيل الزراعية، وقد سلطت عدة دراسات ومنظمات دولية الضوء على أهمية التوجه نحو معالجة هذا الخطر المتزايد الذى يدفع ثمنه الشعوب وخاصة فى الدول الفقيرة، وذلك بعد زيادة حجم الخسائر الذى تعرضت له المحاصيل الزراعية بسبب التغيرات المناخية التى تجتاح معظم دول العالم؛ ما أدى إلى انخفاض المعروض من هذه المحاصيل ومن ثم ارتفاعها أسعارها بشكل كبير.

ولم تقتصر هذه الآثار على المحاصيل الزراعية فقط، بل إن صيد الأسماك فى المناطق المدارية قد ينخفض ما بين 40 إلى 60 % حسب أحد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية التى يواجهها العالم.

وقد أوضح تقرير منظمة الأغذية والزراعة العالمية لعام 2022، إلى أنه منذ عام 2014 و2021، زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى الحاد على الصعيد العالمى بأكثر من 350 مليونًا، حيث انتقل من 565 مليونًا إلى 924 مليونًا. وكانت هذه الزيادة قوية بشكل خاص بين 2019 و2021، حيث أثرت على ما يزيد قليلاً عن 200 مليون شخص.

وفى سنة 2021، كان حوالى 2,3 مليار شخص (29,3 % من سكان العالم) يعانون من انعدام الأمن الغذائى المعتدل أو الحاد وفى سنة 2022، فجميع المؤشرات سلبية، حتى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتمع فى 17 مايو 2022 للتداول فى كيفية التعامل مع الأزمة الغذائية التى قد تثير انتفاضات شعبية.

 ارتفاع أسعار الغذاء

وفقاً لبرنامج الغذاء العالمى، فإن البلدان التى لديها أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائى، لديها أيضًا أعلى معدلات الهجرة الخارجية للاجئين، حسب الإحصائيات الأخيرة، هناك ما يقدر بنحو 821 مليون شخص يعانون حاليًا سوء التغذية، وحوالى 151 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون التقزم، وما يقارب من 613 مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 – 49 عاماً يعانين نقص الحديد، وما لا يقل عن 2 مليار بالغ يعانون زيادة الوزن أو السمنة.

ووفق دراسة قدمتها منظمة «أوكسفام الخيرية» والمعنية بمكافحة الفقر عالميًا، حيث تناولت الآثار المحتملة لتغيرات المناخ على أسعار السلع الغذائية بحلول عام 2030، موضحة أن أسعار الزراعات الأساسية فى التغذية سيرتفع سعرها خلال الأعوام المقبلة ما بين 117 % و120 % آخذين فى الاعتبار نسب التضخم.

كما صرحت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمى كورين فلايشر، أغسطس الماضى، «إن 135 مليونًا كانوا يعانون من الجوع الحاد فى جميع أنحاء العالم قبل أزمة فيروس كورونا، فيما تضخم الرقم منذ ذلك الحين ومن المتوقع أن يزيد بشكل أكبر؛ بسبب تغير المناخ والصراعات».

وأوضح فلايشر، فى حديثها لوكالة «رويترز» الإخبارية: «العالم لا يمكنه تحمل هذا، نرى الآن نزوحاً أكبر بعشر مرات فى جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ والصراعات، وهما عنصران تتداخل العلاقات بينهما بالطبع، لذلك نشعر حقاً بالقلق بشأن التأثير المركب لكوفيد وتغير المناخ والحرب فى أوكرانيا».

وفى دراسة أخرى، توقعت النماذج العالمية للمحاصيل والنماذج الاقتصادية زيادة بنسبة 1-29% فى أسعار الحبوب فى عام 2050 بسبب تغير المناخ؛ ما سيؤثر على المستهلكين على مستوى العالم من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وستختلف التأثيرات الإقليمية؛ فالمستهلكون ذوو الدخل المنخفض معرضون للخطر بشكل خاص، حيث تشير النماذج إلى زيادات قد تصل إلى 183 مليون شخص إضافى معرضين لخطر الجوع.

وإلى جانب التأثير على أسعار المواد الغذائية، يؤثر التغير المناخى أيضاً على عنصر إنتاج الغذاء بعدة طرق مباشرة وغير مباشرة. فهو يؤثر بشكل مباشر على إنتاج الغذاء من خلال التغير فى الظروف الزراعية البيئية، وبشكل غير مباشر من خلال التأثير على نمو وتوزيع الدخل، وبالتالى على الطلب على المنتجات الزراعية.

 البحث عن حل

فى الشهر الماضى، قدم برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة 6 وصايا للاندماج فى العمل المناخى تزامنًا مع تزايد معدلات وشدة موجات الحر والجفاف والفيضانات، لافتًا إلى أنه يمكن أن تكون آثار أزمة المناخ هائلة وحذر برنامج الأغذية العالمى من أزمة غذاء عالمية داعيًا للحصول على 22.2 مليار دولار أمريكى للوصول إلى 152 مليون شخص هذا العام.

ووفق علماء التغذية، فإن المرحلة القادمة يجب على الشعوب الاتحاد والعمل على وجود دراسات بحثية تركز على تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة والتركيز على التقدم التكنولوجى للحد من تأثير تغيرات المناخ. ومن المهم وضع سيناريوهات لما قد يصاحب هذه التغيرات. ومن وجهة نظر الأمن الغذائى، فإن دراسة مدى تأثير تغيرات المناخ على الغطاء الزراعى وتنوع المحاصيل التى تزرع فى المناطق المختلفة باتت مهمة؛ لكى تتمكن الدول من التنبؤ بالتغيرات القادمة والتحضير لاستراتيجيات جديدة قد تغير نظرتنا لقضية شح المياه ووفرة السلع الزراعية.

فيما استطاع ما يقارب 90% من أقل البلدان نمواً وبعض الدول الصغيرة النامية استخدام أنظمة الإنذار المبكر كأولوية قصوى فى وضع سيناريوهات للتغير المناخى.

ومن جهة أخرى، فإن السعى لتكريس التقنيات الذكية فى إنتاج الغذاء ربما يكون ذات أهمية كبرى خلال السنوات القادمة، فوفق دراسة أطلقتها «الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير المشروعة» أوضحت أن استنباط أصناف جديدة ذات موسم زراعى قصير لتقليل الاحتياجات المائية اللازمة كمحصول الأرز الذى تم تطويره فى مصر، ربما يكون أحد الحلول الفعالة فى المرحلة المقبلة، وأوضحت الدراسة أن الحكومة المصرية عملت على تطوير أصناف من الأرز لها القدرة على تحمُّل الملوحة ونقص المياه والجفاف ومقاومة الأمراض، وغير مستهلكة للمياه وذات إنتاجية عالية.

وهو نفس المبدأ الذى اقترحه رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبدالله شاهد، خلال اجتماع خاص لبحث أزمة الغذاء العالمية، يوليو الماضى، والذى أكد خلاله أن تعزيز القدرة على الصمود فى وجه تغير المناخ عبر النظم الغذائية هو من بين الإجراءات اللازمة لمواجهة تصاعد الجوع وسوء التغذية.

وأوضح شاهد: «من بين الإجراءات التى يجب أن نتخذها على الفور، زيادة القدرة على التكيف مع المناخ عبر النظم الغذائية، وتعزيز البيئات الغذائية وتغيير سلوك المستهلك لتعزيز الأنماط الغذائية ذات التأثيرات الإيجابية على صحة الإنسان والبيئة».