الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

92 عامًا على ميلاده صالح سليم الأسطورة والكاريزما النادرة

وضع مبادئ (صالحة) لكل العصور.. ورسخ قواعد (سليمة) قادرة على الصمود أمام أى محاولات للهدم.. صالح سليم.. مايسترو الرياضة والفن أيضا.. يوم 11 سبتمبر الجارى يكون قد مر 92 عاما على ميلاده (ولد فى نفس اليوم عام 1930).. وما بين مولده ورحيله يبقى صالح سليم أسطورة نادرا ما تتكرر..ولما لا وهو صاحب المقولة الشهيرة «الأهلى فوق الجميع» والتى أخذها النادى شعارا له حتى يومنا هذا، وهى سر من أسرار قوته حتى لو تعثر قليلا من فترة لأخرى.



 

شخصية صالح سليم.. عندما قررت الكتابة عنها وجدت نفسى مشدودا ومبهورا كأننى لأول مرة أتصفح سيرته رغم اطلاعى مرات ليس بالقليلة على تاريخه.. فهو شخصية مختلفة فى كل شىء، مبهر فى كل مجال عمل به.. قادر على كسب احترام الجميع حتى منافسيه، ورجل بكل تلك الصفات يجب أن نكتب عنه عشرات وعشرات المقالات والدراسات والكتب لنطلع الأجيال على شخصية استثنائية بمعنى الكلمة.

 نشأة مختلفة

صاحب (الكاريزما الخاصة ) صالح سليم.. كانت لنشأته حالة خاصة أيضا، ففى بدايات القرن العشرين، استوطن المزارع محمد صالح سليم فى قرية (جريس)، إحدى قرى مركز أشمون بمحافظة المنوفية، وأنجب 4 ذكور، أسماهم بأسماء أصدقائه (محمد، أحمد، صلاح، وممدوح)، وألحقهم جميعًا بالمدارس، وأبعدهم عن الزراعة.

حصل الابن الأكبر محمد سليم على (البكالوريا)، والتحق بكلية الزراعة، وعندما وصل إلى السنة الثالثة، صارح والده بأنه لا يرغب فى الزراعة، وأنه يريد دراسة الطب، فنزل الأب على رغبة ابنه، وأرسله للدراسة فى إنجلترا مقابل حصته فى ميراث الأرض.

عام 1924، ألغى مصطفى كمال أتاتورك، الخلافة الإسلامية، وأعلن تركيا (جمهورية علمانية)، فاضطرت إحدى أسر أشراف الحجاز لمغادرة إسطنبول، والمجيء للقاهرة، وبعد قدوم الأسرة للقاهرة، أصيبت إحدى فتياتها وتُدعى الشريفة زين، بـ(خراج فى زورها).

 قصة زواج والد ووالدة صالح

فى هذه الأثناء كان الدكتور محمد سليم عائدًا للقاهرة، بعد تخرجه كطبيب تخدير من لندن، واتصلت أسرة الفتاة عن طريق إحدى وصيفات القصر الملكى بالدكتور محمد سليم، عن طريق خاله، وطلبت إليه فحص الفتاة، فاصطحب صديقه الدكتور عبدالوهاب مورو وذهبا معًا، وبعد الفحص تقرر إجراء جراحة فورية لها، لإنقاذها من تداعيات خطيرة، كان يمكن أن تلحق بمخها، وبعد الجراحة نشأت قصة حب تكللت بالزواج بين الدكتور الشاب محمد سليم، وبين (الشريفة زين).

عاش الدكتور محمد والشريفة زين سنوات زواجهما الأولى بضاحية الوايلى، وفى 11سبتمبر 1930 أنجبا (صالح)، ثم عبدالوهاب، ثم طارق، وانتقل صالح سليم مع أسرته للإقامة فى شارع (عبدالمنعم) بضاحية الدقى الجديدة، وعندما دقت الحرب العالمية الثانية أبواب مصر، ذهبت الأسرة للعيش بضاحية المعادى للابتعاد عن خطر قصف الطيران (المحور)، ثم اتضح أنها أكثر عرضه للقصف من الدقى لوجود عدة فرق عسكرية إنجليزية بها، فعادت الأسرة إلى حى الدقى، وعاشت بشارع (عكاشة).

 بداية عشقه لكرة القدم

عشق صالح سليم رياضة كرة القدم منذ نعومة أظافره، فكان دائما ما يمارس هوايته مع أطفال حيه فى الدقى بالجيزة، وقد انضم لفريق مدرسة الأورمان الإعدادية، ثم منتخب المدارس الثانوية أثناء دراسته بالمدرسة السعدية، ثم التحق بصفوف الناشئين التحق «المايسترو» بصفوف الناشئين بالنادى الأهلى عام 1944 وعمره لم يتخطَ 14 عامًا.

تم تصعيد صالح سليم إلى الفريق الأول وهو فى السابعة عشرة من عمره، وخاض أول مباراة له مع الفريق الأول أمام المصرى وديا عام 1948، وفاز الفريق وقتها بهدفين مقابل هدف واحد، أحرز صالح سليم هدف الفوز، أما المباراة الرسمية الأولى، فكانت أمام يونان الإسكندرية فى الأسبوع الثالث لبطولة الدورى موسم 1948 وفاز الأهلى بهدفين.

 الاحتراف فى النمسا

لعب فى الأهلى حتى عام 1963 قبل أن يحترف فى فريق جراتس النمساوى، ويعود للأهلى حتى عام 1967 حيث قرر اعتزال كرة القدم، وتدرج فى الوظائف الإدارية بالنادى بداية من مدير للكرة وعضو مجلس إدارة وأخيرا رئيسا للنادى لأول مرة فى عام 1980 بعد مساندة من نجوم الأهلى فى ذلك الوقت محمود الخطيب، مصطفى يونس، ثابت البطل، مجدى عبدالغنى.

استمر صالح سليم فى رئاسة النادى الأهلى حتى عام 1988 حين قرر الابتعاد عن الساحة وترك الفرصة للآخرين لخوض التجربة، إلا أنه لسوء نتائج النادى الأهلى كان من اللازم عودة صالح سليم لإعادة الاستقرار مرة أخرى للنادى الأهلى وكان ذلك فى العام 1990، وقاد صالح سليم الأهلى حتى عام 1992، ثم دورات 1996 و2000 واستطاع صالح سليم باسمه وإنجازاته إحلال الاستقرار داخل النادى الأهلى.

 11 بطولة دورى للأهلى

صالح سليم استطاع أن يحقق مع النادى الأهلى 11 بطولة دورى من أصل 15 بطولة شارك فيها، كذلك حقق بطولة كأس مصر 8 مرات، كما أحرز كأس الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 مع الأهلى، وعلى المستوى الدولى انضم صالح سليم إلى منتخب مصر عام 1950، وكان قائد الفريق الذى فاز ببطولة أمم أفريقيا 1959، كما شارك مع المنتخب الوطنى فى دورة الألعاب الأولمبية بروما عام 1960.

سجل صالح سليم أو المايسترو لمهارته فى منطقة وسط الملعب 101 هدف فى حياته الكروية، منهم 9 أهداف سجلها خلال فترة احترافه فى النمسا مع فريق جراتس، و92 هدفًا أحرزها مع النادى الأهلى فى بطولتى الدورى والكأس، وهو اللاعب الوحيد الذى أحرز سبعة أهداف فى لقاء واحد، وكان ذلك أمام النادى الإسماعيلى، فى مباراة أحرز فيها الأهلى ثمانية أهداف، كما أن لصالح سليم إنجازين شخصيين آخرين هما أكبر عدد من البطولات يحرزها نادى فى عهد رئيس واحد وهو 53 بطولة، وإحرازه هو وجيله من اللاعبين الدورى 9 مرات متتالية، وهو رقم لم يكسر حتى الآن.

 «الأهلى فوق الجميع»

طبق صالح سليم مبادئ الأهلى التى تعلمها من أستاذه مختار التتش، وكانت له مواقف عديدة صنعت شعارات رسخت فى قلوب عشاق النادى وجدرانه، فهو صاحب الشعار التاريخى «الأهلى فوق الجميع»، ولا ينسى عشاق الأهلى موقفه التاريخى فى 1985 بإيقاف 15 لاعبا تمردوا على قرارات النادى واللعب بالناشئين أمام المنافس الرئيسى الزمالك فى بطولة كأس مصر دون النظر لحسابات المكسب والخسارة، لكن صالح سليم طبق الشعار التاريخى «الأخلاق قبل البطولات»، فكافأته السماء بفوز الأهلى على الزمالك، وانتصرت الأخلاق وفاز الأهلى بالبطولة.

لكن الجائزة الكبرى لصالح سليم جاءت فى 2001 وقبل وفاته بعام واحد، عندما فاز النادى الأهلى بلقب «نادى القرن»، ويسافر صالح سليم إلى جوهانسبرج فى آخر رحلة له من أجل النادى الأهلى، ليتسلم أكبر جائزة فى تاريخ النادى الأهلى.

 معارك صالح سليم

لم يكن مشوار صالح سليم خاليا من المعارك والصدامات التى وصل بعضها لأكبر القيادات السياسية فى الدولة ومنها على سبيل المثال عندما كان عضوًا بمجلس إدارة النادى الأهلى تحت رئاسة الفريق عبدالمحسن مرتجى، وفى عام 1974 وبسبب أزمة مالية، اقترح مجلس الإدارة أن يضغط على الحكومة برفضه إذاعة مباراة الفريق أمام الزمالك حتى تدفع الدولة مستحقات النادى المتأخرة.

رغم معارضة (سليم) للقرار، إلا أن المجلس وافق عليه بالإجماع، ولكن ممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك، اتصل بالفريق مرتجى ليبلغه أن الرئيس أنور السادات يطلب منه إذاعة المباراة، فوافق مرتجى دون الرجوع إلى مجلس الإدارة، ثار غضب صالح سليم على ما فعله الفريق مرتجى، حيث أحسّ بالإهانة الشديدة لتراجع مجلس إدارة الأهلى عن قرار اتخذه، وقرر الاستقالة من مجلس الإدارة احتجاجًا على ما حدث.

 قصة دخول مجال الفن

كاريزما وحضور صالح سليم قادته لاقتحام عالم السينما من أوسع أبوابه وبمساعدة الفنان أحمد رمزى، الذى رشحه لفيلم «السبع بنات»، عام 1961، أمام نادية لطفى وسعاد حسنى ومن إخراج عاطف سالم، كضيف شرف للاستفادة من شعبيته التى منحتها له كرة القدم وبدأت من حينها علاقاته القوية بأهل الفن وعلى رأسهم صداقته لعمر الشريف.

وفى فيلم الشموع السوداء قرر المخرج عز الدين ذو الفقار وضعه على خريطة السينما بشكل حقيقى، لأول مرة، فاختاره بطلا لفيلم «الشموع السوداء» عام 1962، أمام المطربة نجاة الصغيرة، وقدم صالح سليم أروع أدواره فى السينما بهذا الفيلم، وعلى الرغم من نجاح الشموع السوداء على مستوى الجماهير بصورة أكبر إلا أن فيلم الباب المفتوح جاء أثقل فنيا لتكريسه العديد من المفاهيم الوطنية والاجتماعية.

وصرح صالح سليم فى فيديو نادر له ببرنامج إذاعى تحت عنوان «حديث الذكريات»، أنه لا يجيد التمثيل، ولكن كان دخول السينما من باب التجربة، وقال: «حاولت كثيرا فى هذا المجال لكنى رفضت بعد ذلك تكرار التجربة».

 رحلة العلاج بالخارج

بدأت رحلة صالح سليم مع مرض سرطان الكبد عام 1998 عندما كان صالح يقوم بفحوصاته الدورية التى يجريها كل 6 أشهر لدى طبيبه، أعلم الطبيب صالحًا بأنه مصاب بمرض السرطان، وعند مناقشة صالح لأطبائه لبدء العلاج أُعلم أن الورم السرطانى الذى ظهر فى نصف كبده لا يمكن استئصاله لأن النصف الآخر من كبده مصاب بتليف بسبب إصابته فى وقت سابق من حياته ب فيروس سى، كما أُعلم بأن سنه لا تسمح بإجراء زراعة الكبد.

لم ييأس صالح، بل رضخ لنصائح الأطباء باتباع أسلوب جديد للعالج، ألا وهو العلاج الكيماوى الموضعى، وهو يتكون من حقن المادة الكيماوية داخل الكبد نفسه، فى المنطقة المصابة، كما نصحه الأطباء باتباع «علاج حرارى» إلى جانب العلاج الكيماوى، وذلك لقتل الخلايا السرطانية.

التزم صالح سليم بالعلاج الذى اقترحه أطباؤه، وكان يداوم على زيارة لندن لمتابعة حالته الصحية والوقوف على تطوراتها، إلا أنه لم يفصح لـ(الرأى العام) عن سبب زياراته المتكررة للندن وعن خروجه المتكرر إلى خارج البلاد. هذه التساؤلات التى دائمًا ما كان يجيب عنها صالح بأنه «يسأم من تواجده لفترة طويلة فى القاهرة» أدت إلى اتهام صالح بالإهمال فى إدارة النادى الأهلى المصرى.

 وفاة الأسطورة

ومع ذلك لم يفقد صالح ثباته وعزيمته فى مواجهة المرض، ولم ييأس حين وجهت له تهم الإهمال، بل فضل عدم الإفصاح عن مرضه للرأى العام لاعتقاده أن مرضه «شىء يخصه وحده». ومن جهة أخرى، ازدادت حالة صالح سليم الصحية سوءًا، فانتشرت الخلايا السرطانية إلى خارج الكبد وانتقلت إلى الأمعاء فاضطر الأطباء إلى إجراء عملية استئصال لأجزاء من الأمعاء، لكن ساءت حالة صالح الصحية ودخل فى «غيبوبة متقطعة».

أدت الغيبوبة إلى أن وافته المنية صباح يوم 6 مايو عام 2002 عن عمر يناهز 72 عامًا، وشيع جثمانه مئات الآلاف من المصريين.