الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بلغ ما تُرجم من أعماله إلى اللغة الصينية ما يقرب من ثلث إبداعاته نجيب محفوظ الأديب العربى الأشهر فى الصين لأكثر من نصف قرن

يبدو أن  ما تركه الأديب الكبير نجيب محفوظ من إنتاج أدبى لا يُشكِّل فقط علامة مؤثرة فى وجدان الذاكرة المصرية والعربية، إذ رسم بقلمه صورة للمجتمع المصرى فى المراحل التاريخية المختلفة، ووصف بدقة الشخصية المصرية  وتفاعلاتها مع الأحداث التى مرت بها مصر على امتداد تاريخها العريق، كما استطاع أيضًا أن يبحر بتلك الصورة المصرية ليصل إلى أذهان العالم بما فيه الصين.



فنجيب محفوظ يعتبره الصينيون أعظم أدباء العالم؛ بل ويعد من أهم عوامل القوة الناعمة  لمصر فى الصين وقد اهتم الكثيرون من دارسى الأدب العالمى برواياته خاصة العلماء والدارسين الصينيين وبلغ ما تُرجم من أعماله إلى اللغة الصينية ما يقرب من ثلث إبداعاته ودائمًا ما يناشد الأدباء الصينيون الجهات الثقافية والأدبية فى مصر، بالعمل على منع استمرار احتكار الجامعة الأمريكية بالقاهرة لحقوق نشر وترجمة أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ حتى يتسنى لأدباء الصين ترجمة أعماله ليستمتع بها الشعب الصينى الشغوف والمحب لأدب محفوظ وللتراث المصرى بشكل عام.   

محفوظ الذى يعتبر من الكتاب القلائل فى الصين الذى تصدر له طبعات جديدة باستمرار، وصدرت أخيرًا طبعة حديثة من أعماله الإبداعية الكاملة، وفى العام قبل الماضى تمت طباعة ترجمة جديدة من كتاب القاهرة الجديدة.   يستمد شعبيته فى الصين من أمرين مهمين، أولهما أن رواياته قريبة جدًا من المجتمع الصينى، وقد ناقش من خلالها موضوعات مهمة مثل الهوية وتمكين المرأة والإقطاع وأثره على المجتمع، وغيرها من الموضوعات الحياتية التى تتشابه بين الشعبين، أما الأمر الثانى فيتعلق  بأن ثلاثية نجيب محفوظ تتشابه مع الثلاثية الخاصة بالكاتب الصينى باجين والتى بها قرب شديد جدًا مع ثلاثية محفوظ. 

كما أن الصين التى تضم فى الوقت الحالي  50 كلية تقوم بتدريس اللغة العربية، فإن كل كلية من ضمن تلك الكليات تجد بها أعمالًا بحثية عن نجيب محفوظ وأعماله الأدبية والتى وصلت لأكثر من 100 رسالة وبحث علمى فى أعمال نجيب محفوظ، بالإضافة إلى أن أعماله الروائية تُترجم بشكل مستمر. 

وكما يؤكد المختصون فإن شهرة نجيب محفوظ فى الصين لم تأت لأنه أخذ نوبل، فقط ولكن تلك الشهرة اكتسبها من أنه كاتب مقروء بشكل كبير وعلى نطاق واسع، وأن محركات البحث الصينية عندما تقوم بالبحث باسم مصر أو الأهرامات تجد نجيب محفوظ ضمن نتائج البحث وهذا يعد بحد ذاته بمثابة قوة متفردة لمحفوظ. 

وكما يقول دكتور ليو شين لو - عميد كلية الدراسات العربية  بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، إنه يوجد حاليًا أكثر من 50  كلية وجامعة تُدرس اللغة العربية فى الصين، حيث تعتبر «العربية» تخصصًا رئيسيًا للتعلم والمعرفة والمهارات الثقافية الأخرى؛ مشيرًا إلى أن المجلة الشهرية (الصين والعالم العربي) والتى نشرت جامعة بكين للدراسات الأجنبية العدد الأول منها أخيرا، قد تضمنت دراسة للأكاديمى والباحث الصينى دينغ شو هونغ عن الصورة الأدبية لنجيب محفوظ فى الصين. 

وتعرض الدراسة الصورة الأدبية لمحفوظ فى الصين، والتى تحولت من الصورة النمطية للكاتب الذى يسلط الضوء على مشكلات المجتمع إلى صورة الأديب متعدد الرؤى الذى يخطو نحو العالمية، كما تعنى الدراسة بتحليل الرؤية الأيديولوجية ونظرةالمثقفين الصينيين لمحفوظ باعتباره كاتبًا شرقيًّا حائًزا على جائزة نوبل، وأثر البيئة الثقافية -آنذاك- على انتشار أعمال نجيب محفوظ فى الصين. 

وجاء فى الدراسة أن محفوظ أول كاتب عربى ينال هذا التكريم، وبدأت حركة ترجمة أعماله فى الصين منذ أكثر من نصف قرن، «لقد تم ترجمة عشرين عملًا من أعمال محفوظ إلى الصينية، أى ما يعادل الثلث من إجمالى أعماله». 

وتؤكد الدراسة أن محفوظ  يختلف عن سائر الكتَّاب الذين لم يذع صيتهم إلا بعد فوزهم بجائزة نوبل، فقد كانت هناك مقالات صينية حول نجيب محفوظ وأعماله منذ خمسينيات القرن العشرين، كما ظهرت حركة ترجمة لأعمال محفوظ من العربية إلى الصينية مباشرة فى مطلع الثمانينيات، بل ووصلت حركة ترجمة أعمال محفوظ إلى ذروتها فى هذه الفترة، وقد تم ترجمة تسعة أعمال لمحفوظ - تتنوع بين الروايات الطويلة والقصص القصيرة - إلى الصينية قبل فوزه بجائزة نوبل عام 1988، ومن بين تلك الأعمال المترجمة سبع ترجمات لروايات طويلة تمت طباعتها منفردة، كما تُرجمت سبع قصص قصيرة لمحفوظ إلى الصينية، هذا بالإضافة إلى ثلاث عشرة مقالة سردية ونقدية حول حياة نجيب محفوظ  وأدبه. وفى أوائل خمسينيات القرن الماضى، كان الأدب الصينى متأثًرا بشكل واضح بالمعسكر الاشتراكى المتمثل آنذاك فى الاتحاد السوفيتى، وتجلى ذلك فى وفرة الأعمال الصينية التى اهتمت بترجمة وتقديم الأدب السوفيتى من مختلف الجوانب، وقد كانت أولى المقالات التى عرضت أدب نجيب محفوظ مترجمة من الروسية إلى الصينية. وقد نشرت مجلة «القراءة» فى عام 1956 مقالًا مترجًما من اللغة الروسية إلى الصينية بعنوان «مؤلفات وكتّاب الدول العربية»، مع جزء مخصص لتقديم «كتاب لنجيب محفوظ كان سينشر فى مصر قريبًا، ألا وهو رواية تتناول حياة ثلاثة أجيال فى عائلة مصرية»، وفى العام نفسه، نشرت ملفات التبادل الثقافى «كتّاب مصر اليوم وآخرون» ومقالة مترجمة من الإنجليزية بعنوان «كتّاب مصر اليوم»، وهى ملفات غير معروضة للجمهور، وقد تناولت هذه الملفات نجيب محفوظ وروايتيه: «بداية ونهاية»، و«زقاق المدق»، وذكرت أن روايات نجيب محفوظ «مليئة بالواقعية،  كما أعلنت مؤلفاته عن ولادة روايات الواقعية الجديدة فى مصر»، وفى عام 1958، تُرجم مقال آخر من الروسية إلى الصينية، وكان عنوانه: «عن الأدب العربي»، حيث جاء فيه أن ثلاثية محفوظ كتبت وفقًا لتقاليد المدرسة الواقعية. وعرضت حياة الشخصية المصرية العادية التى تحمل سلاحا لتكافح ضد المستعمر الإنجليزي.

 ومنذ ذلك الحين، عرفت الصين نجيب محفوظ، ومن أجل تعزيز التبادل الثقافى بين البلدان الآسيوية والأفريقية، اتسع نطاق الترجمة الأدبية الذى كان مقصوًرا على المعسكر الاشتراكى ليشمل عددًا كبيًرا من البلدان الآسيوية والأفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية، وقد نشرت مجلة «فنون الأدب» فى عددها الخامس عشر أول مقال مترجم من العربية إلى الصينية بعنوان «الأدب المناهض للإمبريالية، الأدب النضالي-لمحة عامة عن الأدب العربى الحديث»، وذكر المقال مؤلفات نجيب محفوظ، فى إشارة إلى رأى الباحثين العرب الذى يقول أن محفوظ أديب مشهور كرَّس نفسه للكتابة عن مشكلات وتطلعات أفراد الطبقة البرجوازية الصغيرة ونظرتهم للحياة وآلامهم  وعثراتهم الاقتصادية وعلاقاتهم المتشابكة مع الطبقات الأخرى،  كما كشف عن انحطاط الأخلاق لدى الطبقة البرجوازية»، وعلى الرغم من أن ذلك يُعد نقدًا مسيّسا للتاريخ الاجتماعى، لكنه لقى استحسانًا لدى المثقفين الصينيين. 

وبالنظر إلى مقدمة المترجم فى الترجمات الفردية لأعمال محفوظ، نجد أن كل مقدمة تتضمن تعليقات حول الخلفية الاجتماعية وصور شخصيات العمل، وأن مصطلح «الواقعية» من أكثر الكلمات استخدًاما فى هذه المقدمات، بينما يقل فيها التركيز على الأبعاد الفنية للعمل، وتُعد هذه ظاهرة تسترعى الانتباه، بسبب انتشارها فى الصين قبل فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، والسبب الأساسى وراء هذه الظاهرة هو أن العامل الثقافى يلعب دوًرا حاسًما فى تحديد مكانة نجيب محفوظ فى الصين، ووفقًا لنظرية التقبل الجمالى فإن التقبل الأدبى يجب أن ينشأ فى سياق الخلفية التاريخية والثقافية للمتلقين. وخلال هذه الفترة، كتب باحثو الأدب العربى الصينيون بشكل مستقل تسعة أبحاث حول نجيب محفوظ،

وقسموا أعماله على ثلاث مراحل، وهي: الروايات التاريخية، والواقعية، وصولًا إلى روايات الواقعية الجديدة، وحلّلوا التغيرات التى طرأت على حياة ومصائر أبناء الطبقة المتوسطة فى مختلف المراحل التاريخية كما تعكسها أعماله، وعرضوا بعض الجوانب التى تناقشها موضوعاته حول تناقضات المجتمع المصرى المعاصر، والتوجهات الجديدة والتغيرات التى شهدتها مصر فى أواخر السبعينيات. إن استقصاء مكانة نجيب محفوظ فى الصين قبل فوزه بجائزة نوبل من خلال دراسة مقدمات  المترجمين لأعمال محفوظ المترجمة إلى الصينية والمقالات التى كتبها الباحثون الصينيون حول محفوظ يساعدنا على الكشف عن نمط شائع للنقد الواقعى، وهذا النمط يؤكد على أن الأعمال الأدبية الواقعية ينبغى أن تعكس صورة للمجتمع  تكون ذات نفع لأبنائه. لذلك أصبح المترجمون والباحثون يجرون نوعًا من «الانتقاء الثقافي» لأعمال محفوظ بشكل تلقائى، فأعمالهم المترجمة وأبحاثهم لم تهدف إلى جذب انتباه القارئ الصينى نحو أعمال محفوظ فحسب، وإنما أرادوا أيضا أن تعكس توقعات المجتمع الصينى آنذاك. وخلاصةالقول، فإن أعمال محفوظ ظهرت فى الصين فى بداية خمسينيات القرن الماضى قبل فوزه بجائزة نوبل، وانتشرت فى منتصف وأواخر الثمانينيات، وأن الأكاديميين الصينيين وصفوه بأنه أحد أعلام الكتابة فى العالم العربى، واعتبروه ناقدًا للمشكلات الاجتماعية. 

فى أواخر الثمانينيات، وفى أوج انتشار خبر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وصلت حركة ترجمة أعمال محفوظ فى أوساط اللغة العربية إلى ذروتها، وقام المترجمون الصينيون بإعادة ترجمة وإعادة إصدار بعض أعمال محفوظ السابقة، كما قاموا بإجراء ترجمات جديدة لأعمال محفوظ الأخرى، واعتبروا نجيب محفوظ أديبًا عربيًا يحظى بشهرة عالمية، كما بدأ باحثو الأدب الصينيون خارج أوساط اللغة العربية بالإقبال على دراسة أعمال نجيب محفوظ، وأصدروا مجلدًا وكتابًا بحثيًا يضّمان مجموعة أبحاث حول محفوظ، الأمر الذى يعكس الاهتمام الذى حظي به نجيب محفوظ فى الصين آنذاك. وبعد فوزه بالجائزة، طرأ تغير ملحوظ على نظرة الصينيين لنجيب محفوظ فى مطلع القرن الحادى والعشرين، ففى البداية تمثل هذا التغير فى الإقبال الكبير على ترجمة وتقديم أعماله، ثم انعكس بعد ذلك فى تحليل أعماله بشكل يتسم بالعقلانية والموضوعية، وبعد فوز محفوظ بجائزة نوبل، سارعت وسائل الإعلام الصينية لإجراء تغطية واسعة النطاق حول الخبر، وفى عام 1989،  خصصت مجلة «الأدب العالمي» عددها الثانى للإشادة بمحفوظ باعتباره الأديب المصرى الحائز على جائزة نوبل، كما بادرت الجمعية الصينية لأبحاث الأدب العربى بالاحتفال عن طريق عقد مؤتمر «نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل فى الأدب وأعماله». فى العاشر من نوفمبر عام 1988  بالتعاون مع معهد دراسات الآداب الأجنبية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية والسفارات العربية بالصين، كما أقامت الجمعية أيضا معرضا بعنوان: «مؤلفات محفوظ الأصلية وترجماتها الصينية.»

لقد فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عن «الثلاثية»، وكتابه المحظور «أولاد حارتنا»، والعملان يحظيان بشعبية كبيرة وسط دوائر المترجمين الصينيين، وقد صدر من كل عمل منهما طبعتان، وارتبط اسما العملين «بنجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل فى الأدب»، و«سلسلة الكتب الأجنبية المثيرة للجدل»، و«سلسلة أعمال الكتّاب الحائزين على جائزة نوبل»، فضلا عن ذلك، تم تسليط الضوء على القصص القصيرة لنجيب محفوظ، وصدرت له مجموعتان قصصيتان بعنوان: «مختارات من القصص القصيرة لنجيب محفوظ»، حيث ضمت خمسًا وعشرين قصة مختارة من إحدى عشرة مجموعة قصصية لمحفوظ صدرت على مدار خمسين عًاما- و«دنياالله» -وهى مجموعة قصصية ضمت سبع عشرة قصة مختارة من أربع مجموعات قصصية لمحفوظ-وفى الوقت نفسه، سعى بائعو الكتب والناشرون جاهدين إلى تحقيق مكاسب اقتصادية عن طريق ممارسة مختلف الحيل التجارية، فمثلا قام الناشرون بتغيير اسم رواية «رادوبيس» – وهى ثانى رواية فى الثلاثية التاريخية لمحفوظ-إلى «المحظيات والفرعون» بهدف جذب انتباه القراء. 

هذا وقد حفّز محفوظ الساحة الأدبية الصينية للفوز بجائزة نوبل بعد غياب الأدباء الصينيين عن عرس نوبل لمئة عام متواصلة،  لذلك انضمت الصين فى مطلع القرن الحادى والعشرين إلى الاتفاقية العالمية لحقوق النشر، مما ساعد على حماية حقوق نشر وترجمة الأعمال الأجنبية فى الصين. 

كتب الباحثون الصينيون العديد من الأبحاث والمقالات حول نجيب محفوظ وأعماله، حيث بلغ عددها مئة وواحدًا وثمانين بحثًا ومقالا، كما كتب باحثو الأدب العربى وباحثو التخصصات الأخرى فى الصين ستة أبحاث دكتوراه وثلاثة عشر بحث ماجستير حول محفوظ وأدبه، واعتبرت الأوساط الأكاديمية الصينية نجيب محفوظ تذكرتها للدخول إلى بوابة الأدب العالمى واستكشاف معايير الحصول على جائزة نوبل.