الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى الذكرى الأولى لرحيل مدير التصوير العالمى نفجر المفاجأة: رمسيس مرزوق دفن فى مقابر الصدقة وشهادات تكريمه تباع على الإنترنت

رمسيس مرزوق فارس الظل والنور

مَرّت مَطلعَ هذا الشهر الذكرى الأولى لرحيل فارس الظل والنور، الفنان ومدير التصوير العالمى «رمسيس مرزوق»، الذى شارك كبار مخرجى السينما فى صناعة أفلام مهمة تُعَد من كلاسيكيات السينما المصرية، وكانت زوايا تصويره المميزة مفتاحَ نجاح لكثير منها، وبخلاف أرشيفه السينمائى الضخم، فالراحل يمتلك رصيدًا من الصور الفوتغرافية المميزة؛ حيث عشق التصوير، وأقام له مَعارض عالمية.



 

حصل فى مقابل إسهاماته الفنية تلك على العديد من الجوائز والتكريمات داخل مصر وخارجها، كما حصل على وسام «فارس» من الجمهورية الفرنسية، لكن المفارقة التى دفعتنا لكتابة هذه السطور هى أن تتواكب ذكرى الرحيل مع المنشور الذى كتبه «مكرم سلامة» أحد المهتمين بجمع الأرشيف الفنى، والذى يمتلك فى أرشيفه العديد من الوثائق السينمائية النادرة؛ حيث أعلن من خلال صفحته على الفيس بوك حصوله على نحو 70 من شهادات التكريم الخاصة بـ«رمسيس مرزوق» من أحد تجار الموبيليا، التى تتضمن شهادات تقدير، وجوائز حصل عليها الراحل من المهرجانات السينمائية المختلفة، وإذا كانت تلك الشهادات هى «غيض من فيض» تركه الراحل خلفه، مكونًا من صور، ووثائق، وجوائز، وكاميرات أثرية، وغيرها من المقتنيات التى كان من المفترَض أن تكون محفوظة فى أحد المتاحف؛ فإن وجودها لتباع وتُشترَى على قارعة الطريق أكبر دليل على أن تفريطا ما قد أصاب بقية المقتنيات، لكن رحلة البحث التى قضيناها لنتعرف على ما أصاب مقتنيات الراحل، كشفت لنا عن مفاجأة صادمة تتعلق بالأيام الأخيرة التى عاشها هذا الرجل، وبالنهاية التى يمكن وصفها بالمأساوية، لدرجة أنه دُفن بمدافن صدقة تابعة للكنيسة، ولم يُدفن بمدافن العائلة التى أشرف على تجديدها قبل رحيله بسنوات، بخلاف العديد من المعلومات الصادمة التى نسردها فى السطور التالية، والتى تستوجب تحقيقًا موسَّعًا يسير جنبًا إلى جنب التحقيق فى التفريط فى تاريخه الفنى الكبير.

 احتجاز وإهمال

فى نوفمبر 2019، نشر المصور الفوتغرافى «حسن داوود» استغاثة عبر صفحته على الفيس بوك، أعلن من خلالها أن «رمسيس مرزوق» محتجَز فى فيلته بقرية أفق على الطريق الصحراوى، وأنه يعانى من إهمال وحرمان من الدواء، ونفسية سيئة تسبب فيها أقربُ الأقربين إليه- على حد وصفه- يومها ثار رُوّاد مَواقع التواصل الاجتماعى، وتلاميذ الراحل وزملاؤه، وسرعان ما تم نفى الأمْر، والتعامُل معه على أنه مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة، لكن المفاجأة التى يكشفها الطبيب «عاطف عدلى» أرمل ابنته الكاتبة الصحفية الراحلة «أمل رمسيس»، أن الاحتجاز قد حدث بالفعل؛ حيث يقول: لـ«رمسيس مرزوق» شقيق وحيد يُدعَى «زوسر» وهو فنان تشكيلى ونحات معروف، ومنذ أن اشتد المرض على «رمسيس» فى آخر عامَيْن من حياته، سيطر على كل شىء، بمعاونة «مينا» ابن شقيقهما الراحل، واحتجزه فى الفيلا الخاصة به على الطريق الصحراوى، وأخذ منه شريحة الهاتف المحمول حتى لا يتمكن من الاتصال بأصدقائه، وتلامذته، وعندما ذهب أبنائى لرؤية جَدّهم والاطمئنان عليه، كان على أن أحصل على إذن منه حتى لا يتم منعهم من الدخول من قِبَل أحد الأشخاص الذى عيَّنه «مينا» كحارس على الفيلا، كما حدث مع غيرهم، وكم من أصدقاء ومُحبين لـ«رمسيس» وصلوا إلى بوابة الفيلا ولم يُسمح لهم بالدخول للاطمئنان عليه، وكانت حجة «زوسر» فى ذلك أن الجميع يرغب فى استغلال «رمسيس» وأنه يحميه من هذا الاستغلال، وبالطبع لم يكن لى حق التدخل لأنى مجرد أرمل ابنته، وليس من سُلطتى تغيير الوضع، لكن بمجرد رحيل «رمسيس» بدأت علاقتى تتوتر بـ«زوسر»؛ حيث قرّر السيطرة على حق أبنائى فى ميراث جَدّهم وجَدّتهم، وقام بالاستحواذ على كل شىء، وبينى وبينه قضايا منظورة أمام المَحاكم باعتبارى وصيًا شرعيًا على أولادى، وقد اكتشفتُ من خلال حديثى مع جيران الراحل، وبعض من أصدقائه أنه قد تعرّض لمعاملة سيئة جدًا فى آخر حياته، وأن المقيمين معه بالفيلا لم يكن يضعون له طعامًا يكفيه، ولم يعطوه الدواءَ الموصوف له؛ حيث كان يعانى من أمراض القلب، وأجريت له عملية زراعة جهاز تنظيم ضربات القلب قبل رحيله بوقت قصير، فهل يُعقل أن يرحل «رمسيس مرزوق» صاحب كل هذا التاريخ الكبير جائعًا، ومُهمَلاً بهذا الشكل؟».

وعن يوم الوفاة يقول: «توفى «رمسيس مرزوق» ولم يُدفن فى مدافن الأسرة التى أنفق على تجديدها بنفسه؛ حيث ادّعى شقيقه فى اللحظات الأخيرة أنه لا يجد مفاتيح المدافن، ولا يعلم مكانها على وجه الدقة، رُغْمَ أن مكان المدافن معروف على الأقل لـ«مينا» الذى رافق الراحل أثناءَ تجديدها، ويمتلك نسخة من مفاتيحها، وفى النهاية دُفن الجثمان فى مدافن صدقة تابعة للكنيسة».

وعن رد فعله بعدما وجد شهادات وتكريمات جَد أبنائه يتم تداولها وبيعها عبر الإنترنت، يقول: «اتصل بى صديق وأخبرنى بمنشور «مكرم سلامة» فتواصلتُ معه وطلبتُ منه الحضورَ إلى العيادة، وبالفعل حضر «سلامة» ومعه الوثائق التى تأكدتُ من صحتها؛ حيث أخبرنى أنه حصل عليها من سوق ديانا للأنتيكات التى تقام يوم السبت من كل أسبوع، فطلبتُ منه شراءَها حتى أحفظ لأبنائى تراث جَدّهم، واتفقنا على المَبلغ لكنى اشترطت عليه أن تتم عملية البيع من خلال ورقة رسمية موثقة؛ لأنى أردت أن أثبت أن هناك تفريطا قد حدث فى مقتنيات الرجل، لكن عملية البيع لم تتم بعد؛ حيث سافر «مكرم» بَعدها بشكل عاجل، وأنتظر عودته».

وعن رأيه فى كيفية وصول تلك الشهادات إلى يد جامع الأرشيف «مكرم سلامة» وعن مصير بقية تراث الرجل، يقول: «منذ فترة اتصل بى مالك العمارة التى يقع فيها مكتب «رمسيس» بوسط البلد، وطلب منّى إخلاءَ الشقة بصفتى الوصىّ على الورثة (عَقد الشقة باسم عواطف صادق زوجة رمسيس مرزوق) فقلتُ له إننى سأعاود الاتصال به، لكننى فوجئت بَعدها بأن «زوسر» قد أخلى الشقة، واستلم كل ما بها من مقتنيات، دون عِلْم بقية الورثة، وهو أمْرٌ لا يصح قانونيًا بالتأكيد، وادّعى يومها أنه سوف يقيم لتلك المقتنيات متحفًا داخل فيلا رمسيس بالطريق الصحراوى، وهو أمْرٌ لا يجوز أيضًا؛ لأن الفيلا ليست مِلْكه وحده؛ بل مِلْك الورثة جميعهم، كما أن حصة أبنائى فى تلك التركة أكبر منه بكثير، بالإضافة إلى أن وجود متحف بداخل الفيلا هو أمْرٌ غير منطقى، فليس من المعقول أن نطالب الجمهور بزيارة متحف مقام فى منطقة نائية؛ حيث تقع الفيلا فى طريق «مصر- إسكندرية» الصحراوى».

 ادعاءات كاذبة وتاريخ مسلوب

«ليلى جرجس» هى الصديقة الأقرب للراحل، فضلاً عن كونها واحدة من أهم فنانى تصميم الملابس؛ حيث صممت الملابس لأفلام مهمة، منها (القاهرة 30، وإضراب الشحاتين، والتوت والنبوت.. وغيرها)، لذلك لم يكن متاحًا إغفال شهادتها عن الأيام الأخيرة فى حياة «رمسيس مرزوق» وعن وصيته بشأن مقتنياته، وتقول «ليلى»: «تعرفتُ على «رمسيس» فى معهد السينما الذى التحقنا به سويًا عام 1959، ومن يومها أصبحت فردًا من عائلته، ولم نفترق أبدًا، وقد كان مثل الطير العاشق للحرية، لكن الحال تبدّل كليًا فى آخر عامَيْن من حياته؛ حيث احتجز داخل فيلته بمعرفة شقيقه «زوسر» وابن شقيقهما الثالث «مينا» وأخذا منه شريحة هاتفه المسجل عليها أرقام أصدقائه، وكانا يمنحانه رقم هاتف لا يعرفه سواهما، لكنه كان يتصل بى ويعطينى الرقم الجديد، وبمجرد انتشار الرقم بين الأصدقاء يقومان بتغييره فورًا، لدرجة أنه فى السنة الأخيرة فقط غيّر رقم هاتفه سبع مرات، وقبل أسبوع من الوفاة ذهبتُ إلى الفيلا، ومُنعت من الدخول من قبَل الحارس الذى ادّعى أن «رمسيس» مريض بالزهايمر ولا يتذكر أحدًا، فأصررتُ على الدخول، واتصلتُ بـ«زوسر» وبجار صديق لـ«رمسيس» حتى يدخلا معى لزيارته، وعندما تمكنت من الدخول وجدت «رمسيس» جالسًا فى حالة يُرثَى لها، فسألته هل تعرفنى؟ وكان غرضى من السؤال إثبات كذب ادعائهما، فتعجب كثيرًا من سؤالى، وقال بالطبع أنت «ليلى جرجس»، فقد كان ذهنه حاضرًا، لكنه كان هزيلاً، وحالته النفسية سيئة، وسألته عن ما أصابه؛ خصوصًا أننى علمت أن الحارس يعامله معاملة سيئة، لكنه أشار لى خفية أنه لا يستطيع الحديث، أمّا عن حال الفيلا التى صممها الراحل على طراز معمارى رفيع، وأنفق الغالى والنفيس من أجل تجهيزها؛ فقد تبدلت تمامًا، واختفى كل شىء بداخلها، لدرجة أن الأطقم الصينى التى كنت أسافر مع زوجته «عواطف» إلى فرنسا لاقتنائها؛ حيث كانت تهوى هذا الأمر لم أجد منها صحنًا واحدًا». وعن يوم الوفاة تقول: «جاءنى خبر رحيله فى العاشرة صباحًا، وهرعت إلى الفيلا فورًا، فوجدت حالة من الهَرَج والمَرَج، وتمّت الصلاة على الجثمان داخل الفيلا، ورُغْمَ وصول سيارة نقل الموتَى على بابها؛ فإننا انتظرنا ساعات طويلة بحجة أن مفاتيح مقابر الأسرة مع «مينا» الذى اختفى تمامًا كأن المتوفَى ليس عَمّه من لحمه ودمه، وظل الأمْرُ يسير على نحو غريب حتى تقرر دفنه فى الحادية عشرة مساءً، بعيدًا عن أحبّته الذى كان يرغب أن ينام فى أحضانهم فى مستقره الأخير، أمّا عن مقتنياته التى تشمل العديد من الأوسمة والجوائز والصور النادرة والكاميرات الأثرية، والهدايا التى منحها إياه أمراءٌ وملوك، بالإضافة إلى صور ولوحات بتوقيع فنانين عالميين ومعدات تصوير ثمينة كان يستخدمها فى تصوير أفلامه وغيرها؛ فقد كان فى نيته إهداؤها إلى مكتبة الإسكندرية، وقد أوصى بذلك؛ حيث أقام بها معرضًا فى أغسطس 2018، بعنوان (رحلة حياة) بمشاركة النحات العالمى «آدم حنين» وقد أعجب بالتنظيم، وكان ينوى مفاتحة الدكتور «مصطفى الفقى» رئيس المكتبة فى موضوع تخصيص ركن لمقتنياته داخل المكتبة، لكنهم لم يمهلوه، وقاموا بتقييد حركته، وها هى شهاداته تُباع على الإنترنت، فقد غدروا به حيًا وميتًا، وسلبوا منه حريته وماله فى حياته، واليوم يرغبون فى أن يسلبوه تاريخه».

 متحف مهجور

الذهاب بكل هذه الاتهامات وطرحها على شقيقه «زوسر» كان أشبه بالوقوف أمام فوهة بُركان يتحيّن لحظة الانفجار، ليس فقط بسبب كبر عمره (82 عامًا) وحالته الصحية المتردية؛ لكن لخطورة الاتهامات الملقاة عليه، لذا، قوبلت أسئلتى له بثورة عارمة، اتهمنى خلالها أننى أنفّذ مخطط بقية الورثة للتشهير به، وأننى لا أقيم وزنًا لسنّه ولا لمكانته العلمية، وهو أمْرٌ عارٍ من الصحة بالتأكيد، ثم دعانى لتقديم بلاغ ضده أمام النائب العام، فأخبرته أن الأمْرَ ليس من اختصاصى، وسرعان ما هدَأ، وبدأ فى سرد إجاباته التى سأنقلها كما هى حتى وإن حملت نوعًا من التناقض.

يقول زوسر: «استلمتُ مقتنيات شقيقى من مكتب وسط البلد بمحضر رسمى من قسم قصر النيل، وقد كان من بينها تلك الشهادات، وهى حاليًا مُعَلقة على جدران فيلته بقرية الأفق، لذلك أشك أن تكون الشهادات المطروحة للبيع مجرد صور مزورة».

 ليست مزورة وقد تأكد بقية الورثة من صحتها؟

- إذن هى شهادات مختلفة عن الموجودة فى فيلته وتمّت سرقتها فى حياته لأنه كان يترك مكتبه مفتوحًا للجميع، وأنا لن أتحول (عسكرى مرور) وعلى العموم الشهادات لا قيمة لها، هى مجرد ورق! ومن يبيع لن يبيع (شوية ورق) القيمة فى الدروع والأوسمة وبقية المقتنيات.

 ولماذا لم تسلمها لوزارة الثقافة أو لمكتبة الإسكندرية كما أوصى؟

- الوزارة لم تهتم بإحياء ذكراه فليس من المنطقى أن تقيم له متحفًا، والحديث عن وصيته بتسليم مقتنياته إلى مكتبة الإسكندرية كذب وادعاء يردده بعض الموتورين، ثم إن تلك المسألة لا تخصنى وحدى، لذلك أنتظر انتهاء النزاعات القضائية مع الورثة. 

 وهل الفيلا هى المكان الأمثل للاحتفاظ بتلك المقتنيات؟ 

- نعم؛ فقد حولتها إلى متحف، لكنه مُغلق الآن بسبب ظروفى الصحية، ولا أستطيع العيش هناك؛ لأنه إذا حدث لى أى مكروه فلن أجد من ينجدنى.

 وإذا كان الأمْرُ كذلك لما تركتَ «رمسيس» يعيش هناك فى آخر حياته بينما كانت صحته متدهورة، رُغْمَ أن لديه أماكن أخرى للإقامة بها؛ لا سيما مكتب وسط البلد المجهز للعيش به؟

- الراحة والبُعد عن أى ضغوطات كانت وصية الطبيب له، ووجوده فى الفيلا كان يحقق ذلك.

 وماذا عن دفنه فى مقابر تابعة للكنيسة، رُغْمَ أن الأسرة تمتلك مقابر خاصة بها؟

- أولاً؛ ليس لدَى الأسرة مقابر، وعندما تُوفى «رمسيس» تأخرتُ فى الوصول إليه، وسبقنى إليه القسيس الذى استصدر تصريح الدفن بنفسه؛ ليدفن بمدافن الكنيسة فى الريف الأوروبى.

 ولماذا تعجّل القسيس ولم ينتظر أسرة المتوفَى؟

- لم يكن يمتلك رقم هاتفى! وعندما وصلتُ قررتُ عدمَ تغيير تصريح الدفن باسم الأسرة طالما أنه أنهى جميع الإجراءات! فقد كنت مشلول الفكر من صدمة الرحيل.

 وماذا عن ما تردد عن ضياع مفتاح المدافن، ونسيان مكانها؟

- منفعلاً- هذه معلومات لا تهم أحدًا، وإذا كان لدينا مدافن فالجيل القديم الذى يعرف طريقها، أمّا أنا فلا أعلم أين توجد!