70 سنة ثورة يوليو.. سر عداء الإخوان للثورة

صبحى مجاهد
تشهد مصرُ هذا العام مرورَ الذكرَى الـ70 لثورة 23 يوليو 1952 التى قضت على الملكية وأعلنت قيام الجمهورية فى مصر، ومع احفتاء المصريين منذ أعوام بتلك الثورة؛ فإن جدلية العلاقة بين الثورة ورجالها من جانب وبين جماعة الإخوان المسلمين من جانب آخر تثار كل فترة لاستيضاح ما أراده الإخوان ولماذا وقفوا مع الثورة ثم بعد استقرار الأمور فى البلاد انقلبوا عليها؟!.
وفى الحقيقة فإن التاريخ الحديث يشهد بأن ثورة 23 يوليو وإن كانت تحركًا عسكريًا قاده ضباط جيش مصريون ضد الحُكم الملكى فى 23 يوليو 1952 وعُرف فى البداية باسْم «الحركة المباركة»، ثم أطلق عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية وإسقاط دستور 1923 فى يناير 1953، إلا أن تلك الثورة كان دافعها الأساسى الحراك الشعبى ومَطالب المصريين بأن تظل مصر للمصريين.
ولقد ظهر فصيل الإخوان إبّان ثورة 23 يوليو بصورة المؤيد والداعم؛ حيث يشهد بذلك قادة الإخوان أنفسهم؛ حيث يقول محمد الصروى فى كتابه «الإخوان المسلمون»: «ظل سيّد قطب يدعو كل مَن يعرفه من الإخوان والضباط للتعاون على نجاح الثورة».
كما يقول صلاح الخالدى فى مؤلفه سيد قطب: «كان سيّد قطب ساخطًا على الملكية والأوضاع السيئة فى مصر»، لافتًا إلى أنه «كان من بين ضباط الإخوان المسلمين مَن يكنّ احترامًا كبيرًا لسيّد قطب، ومنهم محمود العزب من بورسعيد، الذى يقول: «قبيل الثورة بأيام تلقّينا من الأستاذ سيّد قطب أمرًا بأن نكون على استعداد، وكنت على رأس تنظيم الإخوان فى بورسعيد، ولمّا تلقيت الأمرَ حضرت إلى القاهرة، ومضيت إلى منزل الأستاذ سيّد، وكان ذلك فى يوم 19 يوليو 1952، وكان لديه بعض قادة الثورة، وذكر لى الأستاذ سيّد أن أكون أنا ومَن معى على أهبّة الاستعداد، وأن يكون الإخوان المسلمون المدنيون على استعداد أيضًا، فإذا سمعنا بقيام الثورة كنّا حُماتها».
ويقول الكاتب حلمى النمنم، فى مؤلفه «سيّد قطب وثورة يوليو»: «حين انقلب الضباط الأحرار على الملك فاروق ليلة 23 يوليو 1952، كان نجم سيّد قطب فى تألق وصعود... أخذ فى الابتعاد عن الحياة الأدبية، وانصرف بمقالاته إلى انتقاد الأحوال الاجتماعية والسياسية بمصر».
ويقول سيد قطب فى اعترافاته: «عملت مع رجال ثورة 23 يوليو حتى فبراير سنة 1953 عندما بدأ تفكيرى وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير ومنهج تكوينها وحول مسائل أخرى جارية فى ذلك الحين لا داعى لتفصيلها.. وفى الوقت نفسه كانت علاقاتى بجماعة الإخوان تتوثق».
انقلاب الإخوان على الثورة
ووفقًا للعديد من التقارير الرصدية لأحداث ثورة 23 يوليو؛ فإن العلاقة بين تنظيم الضباط الأحرار والإخوان بدأت عقب هزيمة الجيوش العربية فى فلسطين، وراقب الإخوان عن بُعد الضباط الأحرار، ونجاحهم فى إجلاء الملك فاروق عن حُكم مصر؛ بتأييد الشعب الذى وقف بجوار جيش بلاده، وهو ما جعل الطمع يسيطر على قلب الإخوان، للسيطرة على ثورة الضباط والوصول للسُّلطة.
ولكن حراك الثورة خيّب آمال الإخوان وأطماعهم عقب القيام بتحركات تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، وإجراء عملية تطهير شاملة للمؤسّسات الحكومية، وكان الإنجاز الأعظم الذى أغضب الإخوان، هو إصدار قانون الإصلاح الزراعى، وتحديد الملكية بحد أقصى 200 فدان.
كما أطلقت الثورة تنظيمًا سياسيًا شاملًا، تحت اسم «هيئة التحرير»، وكان السبب وراء إنشاء تلك الهيئة، وفْق تحليلات سياسية، هو تنامى أطماع الإخوان وسعيهم للسيطرة؛ حيث كان لا بُدّ من إيجاد تنظيم سياسى جديد يواجه التحركات التى يقوم بها الإخوان فى الشارع؛ لفرض شروطه وتوجهاته على ثورة الضباط الأحرار، وهو ما أثار احتجاج مرشد الإخوان حسن الهضيبى.
وكوّن المرشد قبيل سفره إلى الأقطار العربية فى أوائل يوليو 1954 لجنة قيادية مهمتها مواجهة موقف الحكومة من الإخوان بما يلزم مما تهيّئه قدراتهم على ضوء الأحداث، وهذا طبيعى، لكن المثير للدهشة هو تكوين اللجنة، فاللجنة مكونة من يوسف طلعت (قائد الجهاز السرى)، صلاح شادى (المشرف على الجهاز السرى وقائد قسم الوحدات وهو جهاز سرى أيضًا)، والشيخ فرغلى (صاحب مخزن السلاح الشهير بالإسماعيلية)، ومحمود عبده (وكان من المنغمسين فى شئون الجهاز السرى القديم).
حادث المنشية ودموية الإخوان
ومع اختلاف قطب مع رجال الثورة وانقلاب الإخوان عليها بدأ التفكير فى أسلوب انتقامى تقوم به جماعة الإخوان لهدم الثورة، ففى 26 أكتوبر سنة 1954، وقع حادث المنشية الشهير؛ حيث استغل الجناح المسلح للإخوان، وفْق تقارير رسمية، فرصة الاحتفال بقائد الثورة وزملائه، بمناسبة اتفاقية الجلاء، وخطط لتنفيذ عملية اغتيال قذرة للزعيم جمال عبدالناصر.
وكان الإخوان قد وصلوا مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى طريق مسدود، فقرروا التخلص منه، وفى يوم 26/2/1954 وبمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء وقف الرئيس عبدالناصر يلقى خطابًا بميدان المنشية بالإسكندرية، وبينما هو فى منتصف خطابه أطلق محمود عبداللطيف- أحد كوادر النظام الخاص لجماعة الإخوان- ثمانى طلقات نارية من مسدس بعيد المدى باتجاه الرئيس ليصاب شخصان وينجو عبدالناصر.
ورُغْمَ أن الحادث يوضح أسلوبَ دموية الإخوان ومحاولة الوصول للحُكم ولو باغتيال رئيس الدولة، يصر الإخوان على أن هذا الحادث لا يخرج عن كونه تمثيلية قام بها رجال الثورة للتخلص من الجماعة، ولكن المتهمين فى المحكمة العلنية- «محكمة الشعب» التى كانت تذاع وقائعها على الهواء مباشرة عبر الإذاعة المصرية- قدّموا اعترافات تفصيلية حول دور كل منهم ومسئولية الجماعة عن العملية، (تم جمع هذه المحاكمات ونشرها بَعد ذلك فى جزءين بعنوان «محكمة الشعب»)، وقد شكك الإخوان كثيرًا فى حيادية هذه المحكمة، لكنهم لم يُعلقوا على ما ورد على لسان أبطال الحادث فى برنامج الجريمة السياسية الذى أذاعته فضائية الجزيرة عبر حلقتيْن فى الثانى والعشرين والتاسع والعشرين من ديسمبر عام 2006، والذى تفاخروا- من خلاله- بالمسئولية عن الحادث، وأنه تم بتخطيط شامل وإشراف دقيق لقيادات الجماعة.
سبب العداء الإخوانى
وعن سبب العداء الذى تفشّى بين الإخوان ضد ثورة 23 يوليو تقول تحليلات المتخصصين إن الإخوان يكرهون ثورة يوليو؛ لأنها أزاحت نفوذهم ومشروعهم للانفراد بحُكم مصر، ونجح «ناصر» فى تحديد وتهميش خطرهم، لهذا يكرهون الثورة والجيش وبنوا المظلومية الأولى فى مواجهة النظام والحُكم والشعب.
إضافة إلى أن الإخوان ظنّوا أنهم شركاء فى الحُكم لمصر مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وحاولوا فرض نفوذهم وشروطهم على «عبدالناصر» والضباط الأحرار، وفشلوا فرتبوا لعمليات تصفية، وكانت المنشية تاريخًا فاصلًا فى العلاقة مع الجماعة.
المهندس عبدالحكيم عبدالناصر، نجل الرئيس الراحل عند سؤاله فى أحد اللقاءات الصحفية عن أسباب تشويه الإخوان لتلك الثورة؛ قال: إن تلك الجماعة تحاول أن تركب الحدث، وإبّان ثورة 23 يوليو 1952 لم يخرجوا ورفضوا أن يمثلوا أى جزء من الثورة، ولم يعلنوا أى شىء بخصوص الثورة إلا بعد خروج الملك وليس بعد نجاح الثورة، وحاولوا إعلان وصايتهم على الثورة.
بينما أوضحت داليا زيادة، مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحُرّة، فى تصريحات سابقة، أن الإخوان أعداء لفكرة الدولة الوطنية ذات الحدود والسيادة المستقلة، لذلك هم يكرهون ثورة 23 يوليو. موضحة أن مشهد تحرُّر مصر من الحُكم المَلكى كان مشهدًا مرعبًا بالنسبة لهم لأن ثورة 23 يوليو كانت إعلانًا لانتهاء زمن الخلافة العثمانية وبداية جديدة للدول العربية كدول مستقلة ذات سيادة وطنية.