الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

70 سنة ثورة يوليو.. صاحبة مشروع الأسر المنتجة وفكرة الرائدات الريفيات... وصفها عبد الناصر بقلب الثورة الرحيم «حكمت أبو زيد» أول وزيرة فى تاريخ مصر

ونحن نرصد ما قدمته ثورة 23 يوليو خلال 70 عامًا من مكتسبات تاريخية امتدت حتى نجحت المرأة فى تحقيق طموحاتها  والوصول إلى المناصب القيادية فى الجمهورية الجديدة، فلا يمكن أن نغفل دور العظيمة الملهمة الدكتورة حكمت أبو زيد أول وزيرة فى مصر وثانى وزيرة فى العالم العربى، مضت رحلة النضال لأكثر من سبعين عامًا، بين الشهرة والبناء والنضال الوطنى. 



 

ولدت د.حكمت أبوزيد عام 1922 بقرية الشيخ داود التابعة للوحدة المحلية بصنبو بمركز القوصية محافظة أسيوط عام 1916، كان والدها يمتلك مكتبة تضم بعض خطب مصطفى كامل، وأعمال المناضلة الفرنسية جولييت آدم، ومؤلفات مصطفى صادق الرافعي، ووالدتها تشارك جاراتها وصاحباتها المسيحيات فى صوم العذراء، وتكتفى طيلة هذا الصوم بما يعدونه لها من طعام خال من الدهون . 

وكانت حكمت لديها ثلاثة أشقاء، وتخرجت بالمدرسة الابتدائية فى سوهاج ثم أسوان، وتقدمت بعدها للالتحاق بمدرسة حلوان الثانوية للبنات.

 كانت القرية تخلو نهائيًا من المدارس وقتها فى الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان والدها ناظرًا بالسكك الحديدية، اهتم بابنته ووفر لها إمكانية السفر يوميًا من قريتها لبندر ديروط لتتلقى التعليم بالمدارس الابتدائية والإعدادية حتى جاءت المرحلة الثانوية فتغربت الدكتورة حكمت أبو زيد عن أسرتها لتكمل مسيرتها التعليمية بمدرسة حلوان الثانوية بالثلاثينيات من القرن الماضي، ولم يكن بحلوان حينذاك مدن جامعية، فأقامت بجمعية «بنات الأشراف» التى أسستها الراحلة الزعيمة نبوية موسى.

 الثانوية العامة

خلال دراستها الثانوية تزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة ضد الإنجليز والقصر مما أثار غضب السلطة ففصلت من المدرسة واضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة بالإسكندرية.

وفى عام 1940م التحقت بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول، وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين والذى تنبأ لها بمكانة رفيعة فى المستقبل لملاحظته قدرتها العالية فى المناقشة الواعية، ورغم محاولته إقناعها بالالتحاق بقسم اللغة الفرنسية لتفوقها فى هذا المجال وكونها خريجة مدارس أجنبية بالإسكندرية إلا أنها فضلت العلوم الاجتماعية لاهتمامها الوطنى بالمجتمع الإنسانى ومعرفتها منذ الصغر بأهمية أن يكون لها رؤية ورسالة واضحة بالحياة.

لم تكتف حكمت أبو زيد بهذا القدر الهائل من التعليم، بل حصلت على دبلوم التربية العالى بالقاهرة عام 1944م، ثم حصلت على الماجستير من جامعة سانت آندروز بأسكتلندا عام 1950م، حتى حصلت على الدكتوراه فى علم النفس من جامعة لندن بإنجلترا عام 1955م.

تقول حكمت فى حوار  لها: «إن المجتمع كله لم يكن يفكر بدهشة خصوصًا أننى كنت مع تعيينى أول وزير عمالى كوزير عمل فى نفس الوزارة فى وزارة على صبرى وكان اسم مجلس الوزراء وقتها هو المجلس التنفيذي، ومهمته تنفيذ مشروعات الخطة الخمسية الأولى أن ننمى المجتمع أو نغير المجتمع أثناء تنفيذ الخطة الخمسية الأولى التى وضعت لكل قطاع من القطاعات المختلفة. وعندما أعلنت الوزارة أن هناك أول امرأة ستعين أيضًا فى هذه الوزارة عام 1962، لم يحدث فرحة كبيرة لأن المجتمع كله رجالًا ونساءً فى جميع المجالات كان فى فترة دهشة وخاصة أن ثورة 1952 كانت ثورة التغيير المستمر من أجل بناء مجتمع جديد. أما بشكل عام فقطاعات المجتمع كالنساء مثلًا والرجال، الرجال طبعًا ينقسمون إلى مثقفين أو النخبة أو رجال الدين أو العلمانيين، وكل منهم كان له موقف، فمثلًا كان هناك اعتراض من قبل الإخوان المسلمين لأنهم كما يعتقدون (لا تولوا حكمًا لامرأة)».

تقول حكمت: «قمت فى القسم الداخلى للطالبات، الذى أنشأته نبوية موسى، ضمن فعاليات جمعية «بنات الأشراف» التى كانت تترأسها. ومعظم زميلاتى كن من طالبات المدرسة (بنات الباشوات)، والمدرسات إنجليزيات وفرنسيات: فاخترت قسم اللغة الفرنسية، وتزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة، ضد الإنجليز والقصر، مما أثار غضب السلطة، فصدر قرار بفصلي، حتى تمت إعادتى بشرط نقلى إلى مدرسة «الأميرة فايزة» بمدينة الإسكندرية. وبعد حصولى على «البكالوريا» التحقت بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، ورشحنى طه حسين عميدها لقسم اللغة الفرنسية - الذى أنشئ لأول مرة فى ذلك الوقت - بسبب دراسة هذه اللغة، كلغة أولى طوال مراحل الدراسة قبل الجامعية، لكننى طلبت منه أن ألتحق بقسم التاريخ، فبارك اختياري. وبعد تخرجي، عملت فى تدريس التاريخ بمدرستى حلوان الثانوية للبنات. وحين ألغى إسماعيل صدقى الدستور، قدت مظاهرة من طالبات مدرستى إلى قصر عابدين.

كفاحها الوطنى

فى عام 1955م عادت لمصر وتم تعيينها فوراً فى كلية البنات بجامعة عين شمس، وفى العام نفسه انضمت الدكتورة حكمت أبو زيد إلى فرق المقاومة الشعبية حتى حدثت حرب 1956م، فبدأت تتدرب عسكرياً مع الطالبات وسافرت إلى بورسعيد مع سيزا نبراوى وإنجى أفلاطون، وكن يشاركن فى كل شيء من الإسعافات الأولية حتى الاشتراك بالمعارك العسكرية وعمليات القتال العسكري.

فى عام 1962 اختيرت عضوًا فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى 1962م ومن خلال ذلك دارت مناقشاتها حول بعض فقرات الميثاق الوطنى مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكانت تميل إلى الخلاف فى الرأى مع الزعيم الراحل حول مفهوم المراهقة الفكرية ودعم العمل الثورى مما آثار الإعجاب الشديد من قبل الزعيم عبد الناصر بها.

 وزيرة الدولة للشئون الاجتماعية

فى أوائل الستينيات أصدر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قرارًا جمهوريًا بتعيين الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة للدولة للشئون الاجتماعية لتصبح أول سيدة فى مصر تتولى منصب وزير، ومن خلال منصبها حولت الوزارة إلى وزارة مجتمع وأسرة، كما نقلت نشاطها لكافة القرى والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع لها، وأقامت للمرة الأولى عدة مشروعات ما زالت مستمرة منها مشروع الأسر المنتجة ومشروع الرائدات الريفيات ومشروع النهوض بالمرأة الريفية، كما قامت بحصر الجمعيات الأهلية وتوسعت أنشطتها وخدماتها التنموية.

وفى عام 1964م ساهمت بوضع قانون 64 وهو أول قانون ينظم الجمعيات الأهلية، فلها يعود الفضل فى تطوير العمل الاجتماعى والرعاية الأسرية من خلال توليها منصب الوزارة ما جعلت للمرة الأولى من مهام وزارتها ضم رعاية مؤسسة الأحداث بكل مشاكلها مما يعد خطوة حاسمة وفعالة فى العناية بهؤلاء الأحداث.

اهتمت حكمت أبو زيد بالرعاية الاجتماعية لأسر الجنود الموجودين على الجبهة، وعندما حدثت هزيمة 1967م ونظرًا للثقة الكبيرة من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى ديناميتها ووطنيتها كلفها بالاهتمام الكامل بالرعاية الإجتماعية لأسر الجنود الموجودين على الجبهة المصرية وبالفعل حققت نجاحًا منقطع النظير فى هذا المجال. وفى عام 1969 قامت الدكتورة حكمت أبو زيد بالإشراف على مشروع تهجير أهالى النوبة بعد تعرضها للغرق عدة مرات من مشروع كامل فى القرى النوبية الجديدة ما بين كوم أمبو وأسوان وحرصت على نقل النسيج والبنيان النوبى كما كان قبل الغرق وتفاعلت إنسانياً مع أهالى النوبة مما جعل الزعيم جمال عبد الناصر يطلق عليها لقب «قلب الثورة الرحيم».

وبعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر عام 1970م عادت الدكتورة حكمت أبو زيد إلى الحرم الجامعى لتدريس الاجتماع الريفى والحضرى وتنقل حصيلة تجربتها الميدانية إلى طلابها وطالباتها فى جامعة القاهرة ولم تفقد يوماً ذاتها القومية والثورية.

وللدكتورة حكمت أبوزيد مؤلفات كثيرة منها التكيف الاجتماعى فى الريف المصرى الجديد، والتاريخ: تعليمه وتعلمه حتى نهاية القرن التاسع عشر، ودور المرأة العربية فى معركة البناء، وزارة الشئون الاجتماعية.

الخلاف الحاسم

فى السبعينيات اختلفت بشدة مع قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات لمبادرة السلام مع إسرائيل وشككت فى النوايا الصهيونية للأمة العربية مما جعلها تتلقى أبشع التهم والاتهامات حتى أطلق عليها ألفاظ الإرهابية والجاسوسة واتهمها بالخيانة وبأنها المصرية غير المنتمية وذلك لمجرد أنها أفصحت عن رأيها بصراحة تجاه السلطة الحاكمة.

لم يتم وضع حراسة على أملاكها أو مصادرتها أو إسقاط الجنسية المصرية عنها وذلك طبقاً للحوار الذى أجرته ولكن تم منعها من تجديد جواز السفر ومصادرته، حتى اضطرت للتغريب عن أحضان الوطن الذى عاشت لأجله وأصبحت لاجئة سياسية هاربة لمدة عشرين عامًا بعيدًا عن وطنها. 

وغادرت مصر مع زوجها الدكتور محمد الصياد إلى ليبيا وعملا أستاذين فى جامعة الفاتح بطرابلس، وألصقت بها السلطة اتهامات بأنها وراء ما حدث للسفارة المصرية فى ليبيا، وأنها خرجت فى مظاهرة تشفيًا بمقتل الرئيس السادات، وكانت القمة العربية منعقدة فى بيروت (أكتوبر 1981) وعاشت فى المنفى مدة (19) عامًا وكان اسمها مدرجًا فى قائمة المطلوبين للأمن المصرى بتهمة الخيانة، إلا أن المحكمة الدستورية برأتها مع آخرين وصدر حكم فى فبراير عام 1991م، أصدرته المحكمة العليا بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها وحقها فى حمل جواز السفر المصرى والتمتع بالجنسية المصرية وفور علمها بذلك قررت العودة لأحضان الوطن الذى عاشت لأجله.

تكريم عالمى

قبل عودتها وجهت لها دعوة من الزعيم الليبى معمر القذافى فأقيم لها ولزوجها احتفال تاريخي ومنحت خلاله أنواط الفاتح العظيم من الدرجة الأولى، مع العلم بأن هذا النوط لا يمنح إلا لرؤساء الدول، ولكن لمكانتها القومية جعلت منها إضافة للوسام أكثر من كونها إضافة لتاريخها المشرف. كما وجه لها دعوة أخرى من ملك المغرب الملك الحسن لحضور احتفال عظيم يتم فيه منح السيف الذهبى من الذهب الخالص للدكتورة حكمت أبو زيد، علمًا بأنه لا يملك هذا السيف إلا ملك المغرب مما يعد تكريمًا أسطوريًا.

العودة

فور رجوعها لأرض مصر فى 2 مارس عام 1992م فتحت لها صالة كبار الزوار بمطار القاهرة وخرجت من المطار فورًا للتوجه إلى ضريح الزعيم جمال عبد الناصر ليكون أول مكان تراه.

توفيت الدكتورة حكمت أبوزيد عن عمر يناهز 89 عامًا بعد معاناة لفترة طويلة مع المرض نتيجة هبوط حاد فى الدورة الدموية والتنفسية وذلك يوم 30 يوليو 2011.