الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فيلم Elvis.. «نغنى» حينما تكون الأمور أخطر من أن تقال!

دائما ما يقال عن الفن أنه مرآة للشعوب، وقطعا هذه المقولة صحيحة بلا شك، ولكن للأسف فى مجتمعنا العربى، عندما نقدم أعمالًا تتناول السير الذاتية للفنانين، لا نجد أى انعكاس للواقع الاجتماعى والسياسى الذى تسبب فى تفاعل الجمهور مع أعمال الفنان صاحب العمل.



تقريبا كل الأعمال التى تناولت السير الذاتية للفنانين دائما ما تبرزهم وكأنهم ملائكة بأجنحة، لا يخطئون، لا يقومون بالمؤامرات، ليس لديهم نقاط ضعف، وكأنهم «أبطال خارقين».

وعندما شاهدت فيلم (إلفيس) فى دور العرض السينمائى، حزنت كثيرًا على ما أهدرناه من قصص حقيقية كان لا بد أن نعبر عنها فى أفلامنا ومسلسلاتنا التى تناولت السير الذاتية للفنانين بشكل أكثر عمقًا!

أجمل ما فى فيلم (إلفيس) بالنسبة لى، كواحد محب وعاشق لـ«إلفيس بريسلى»، لدرجة جعلتنى أعلق صورته فى برواز أمام مكتبى، كى ألتقى به يوميًا قبل كتابة أى مقال، هو ليس الاستعراض الفنى لمسيرته الأسطورية كواحد من أهم صناع موسيقى الـ«روك أند رول»، ولا كونه النجم صاحب المبيعات الأضخم فى التاريخ، ولم يتفوق عليه سوى «مايكل جاكسون»، الذى ظهر اسمه على استحياء فى مشهد وحيد بالفيلم!

ولكن أجمل ما فى الفيلم، هو أنه قدم لى المجتمع الأمريكى وما كان يعانيه من أزمات عديدة، فى الفترة التى تزامنت مع سطوع نجم «إلفيس» ومنها على سبيل المثال، العنصرية والتفرقة بين البيض والسود، والمعاناة الشديدة التى كان يعانى منها الأمريكيون أصحاب البشرة السمراء، وكيف استطاع «إلفيس» أن يعبر بموسيقاه وبفنه عن هذه المحنة من خلال دمج موسيقى الـ«كانترى» الخاصة بالبيض، مع موسيقى «البلوز» الخاصة بالسود، هذا الدمج الذى استاء منه بعض السياسيين والمسئولين العنصريين الذين اتخذوا من حركاته ورقصاته على المسرح «حجة» لتهديده بالسجن! ولكنه فى النهاية استطاع أن يكسر التمييز العنصرى بموسيقاه .

هذا الفيلم أيضا يبين لنا أن المجتمع الأمريكى فى وقتها كان لديه شرائح كبيرة وواسعة ربما تكون هى غالبية الشعب، نستطيع أن نصفها بـ«المحافظة»، فكان كبار السن والمسئولون والمتدينون يرفضون طريقة التعبير الجسدى لـ«إلفيس» باعتباره يعتمد على الإيحاءات الجنسية فى أغانيه، وكان المجتمع يرفض كسر القواعد الأخلاقية والتمرد وهو ما كلف «إلفيس» الكثير لدرجة جعلته يتخلى عن أسلوبه ويغنى بطريقة شبة ساكنة على المسرح جعلت المراهقين ينصرفون عن أغانيه.

هذا الفيلم أيضا جاء مغايرًا لكل توقعات محبى «إلفيس» لأنه اعتمد على أسلوب السرد من خلال الكولونيل «توم باركر» مدير أعماله الشرير والذى أدى دوره بامتياز الممثل الكبير «توم هانكس»، وكأنه يدافع عن نفسه وعن استغلاله لموهبة الشاب الذى وثق به، بل إنه كاد أن يقضى على شعبيته فى فترة من فترات حياته لولا الحس الفنى الفطرى المسيطر على ملك موسيقى «الروك أند رول».

أيضا من النقاط المهمة فى هذا الفيلم، أنه ربما يكون سببًا فى رجوع الفضل لأصحابه، وأنا أعنى بهذه الإشارة، صناع أشهر الأغانى الناجحة لـ«إلفيس» والذى قام هو بإعادة تقديمها بطريقته، والتى أكسبتها شهرة واسعة، وربما ظن الكثيرون أنها أغانٍ أصلية له، ولكن هذا مخالف للحقيقة.

ولكن يبقى أهم ما فى هذا الفيلم، وخاصة فى النصف الأول منه، هو  إظهار كل دوافع «إلفيس» التى جعلت منه نجما استثنائيا، والإجابة على كل الأسئلة التى ربما قد تطرأ فى أذهان محبيه مثل: كيف نشأ؟ ما هى مرجعيته الثقافية؟ كيف ساهمت الأغانى الكنسية فى تشكيل وجدانه الموسيقى»؟ لماذا كان مرتبطًا بالمغنين السود؟ كيف أثرت مجلات الكوميكس على طفولته ومن ثم على حياته بشكل عام؟ ما سر ارتباطه الشديد بوالدته؟ وكيف أثرت الظروف الاجتماعية والمادية والسياسية فى تكوينه لدرجة جعلته لا يرى تقريبًا سوى المال؟!

كل هذه الأسئلة تمت الإجابة عليها ببراعة متقنة داخل الفيلم الذى أتصور أنه سيكون له نصيب كبير من حصد بعض جوائز الأوسكار لأنه فعلا يستحق.