الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على حلقات مسلسلة.. ننشر سيناريو فيلم البوسطجى للكاتب الكبير/ صبرى موسى "الحلقة 7"

87 - فوتومونتاج جوابات 



يد جميلة تفتح الخطاب بلهفتها فى غرفتها وتجرى عينيها بين السطور وتستلقى على سريرها حالمة.. نسمع صوتها كأنها تكتب له الرد.. 

 ص/جميلة: ملاكى الرحيم خليل، وصلنى جوابك وأنا مشرفة على الهلاك من القلق عليك.. خصوصًا أنه فات شهر من ساعة ما ودعتك وأخذت روحى معاك.. وألف مبروك يا حبيبى على الوظيفة.

ولا تستعجب أن محبة الهنا خلت ناس يتوسطوا لك.. فأنت حبيبى الجميل والله جميل يحب الجمال.. والرجا يا حبيبى القاسى أن لا تتأخر فى الرد.

صوت جميلة يستمر على اللقطة التالية.. 

عباس يدخل مكتب البوسطة فيخلع طربوشه ويضعه جانبا.. ويملأ الختم حبرًا جديدًا ويغير تاريخ اليوم فى الختم ويحسب خطابات الصادر ويضعها أمامه «عمله اليومى» ويخرج من جيبه خطاب جميلة يضمه إليها ويبدأ فى ختمها.

 ص/ خليل: قرة عينى جميلة.. 

أعرفك أن أختى سهير قد حضرت عندى للفسحة يوم الجمعة اللى فات وفضلت معايًا يومين.. ووديتها جنينة الحيوانات وجنينة الأسماك وفرجتها على الأهرامات.. وكان منى عينى يا حبيبتى تكونى معانا.. 

عباس يفتح كيس الوارد ويقلبه على الترابيزة.. 

يقلب فى الوارد ويخرج خطاب خليل يضعه فى جيبه خلسة.. 

صوت جميلة ترد على خليل مع اللقطة التالية.

ص/ جميلة: حبيبى القاسى خليل

أكتب إليك وقد تسلمت رسالتك الحبيبة التى طال اشتياقى لها.. فقد مضت مدة.. خلتها دهرا ولم أحظ منك بجواب واحد.. فتجدنى فى غاية العذاب.. هل نسيت كلامك لى أم هى مصر تنسيك الأحباب.. 

الفراش فى المحطة يسلم شنطة الصادر.. 

 أرسل إليك كل يوم جواب ولا ترد إلا بجواب كل جمعتين تطلع عينى وأنا مستنظرة وأوصيك يا حبيبى تحافظ على جواباتى فلا يراها أى مخلوق. القطار مسافر وشنطة الصادر بداخله.

الفراش عائد من سكة المحطة داخل على الوسامية يحمل كيس الوارد.. 

 كيس الوارد يتدلى من يده وهو متجه لمكتب البوسطة ويدخل مع صوت خليل. 

ص/ خليل: حياتى ونور عينى.. 

 زعلت منك قوى على جولتك هى مصر بتنسى الأحباب.. 

حيث إن أى شيء فى الدنيا لا يمكن يخلينى أنساكى.. 

إليك خبر يسرك.. فكلها أيام قليلة وأكون فى كوم النحل.. 

حيث أنى طلبت أجازة جصيرة وإن شاء الله أحضر طرفكم وأحقق المراد.. 

عباس فى غرفته ليلا بالجلباب يقرأ ويسكر فى جلسته الليلية المعتادة. يد أم أحمد المعروقة المدموغة بالوشم تتناول الخطاب من شباك البوسطة.

أم أحمد مبتعدة عن شباك البوسطة:

عباس وراء الشباك يتابعها وهو يبتسم ساخرا «فاهم كل حاجة !».

ملحوظة:

المفروض أن تظهر أصوات الخطابات على الصور المتتالية كأنها حوار متصل بين جميلة وخليل..

 

88 - بيت المعلم سلامة 

 - داخلى / نهار 

الأم تجهز أكواب الشاى وجميلة تروح وتجىء حولها تكاد تطير من الفرح.. 

 الأم تحمل أكواب الشاى والبراد على صينية وتتجه إلى غرفة الضيوف وتدق على الباب وتقف فى جانب..  يفتح الباب ويظهر المعلم سلامة وراءه.. فيأخذ الصينية من زوجته.. 

 جميلة فى آخر الصالة تختلس النظر.. 

 المعلم سلامة يزغر لها فتنسحب بسرعة وتختفى فى الداخل.. بينما تعود الأم والمعلم سلامة يدخل بالصينية ويغلق الباب.. 

 

 89 - غرفة استقبال المعلم 

 سلامة - داخلى /نهار 

 المعلم سلامة يدخل بصينية الشاى إلى غرفة الضيوف.. 

 معوض أفندى الصراف جالس على راحته.. يلف سيجارة.. 

 خليل على طرف المقعد المجاور له مرتبك خجول.. يلعب فى أصابعه.. المعلم سلامة يصب الشاى فى الأكواب. 

معوض أفندى يحاول أن يقوم عنه بهذه المهمة.

المعلم: أهلا وسهلا.. الدار اتشرفت.. 

معوض: شرف مقدارك يا معلم.. أجعد أنت بس.. خليل أفندى حداه كلام معاك.

سلامة: أهلا وسهلا.. اتفضل الشاى ياسى خليل.. 

خليل يرشف الشاى بخجل.. 

خليل: متشكر يا عمى.. 

 معوض: حاتخجل من دلوكيت «ضحكا» حاتتكلم، واللا اتكلم أنى.. سى خليل يا سيدى طالب الجرب منك. سلامة يبتسم بجمود.. 

معوض: طالب يد المحروسة بنتك؟

سلامة: أهلا وسهلا.. بس مش نتشرف بمعرفة سى خليل.

معوض: سى خليل ابن المرحوم سعد أبوسليمان بتاع النخيلة تلجاك عارفه.. حداهم تلات فدادين طين فى النخيلة هو وأخته، وهو مستوظف فى مصر.

سلامة: بتجول من النخيلة.. ؟

معوض: الله يرحمه يبجى ابن عم والدى لزم.. 

سلامة: أهلا وسهلا.. 

معوض: أهلا بك يا معلم.. والله حانبجى أهل يا ولاد.

خليل على طرف المقعد المجاور خجول.. يشرب الشاى بتوتر.. سلامة يتأمل مشغول الفكر.. 

سلامة: وسى خليل من النخيلة بجد..؟ 

خليل: أيوه.. حاكم سهير أختى صاحبة جميلة الروح بالروح ومعاها فى فصل واحد فى المدرسة..

سلامة: «بانتباه».. أنت عارف اسمها..؟ 

خليل: «يرتبك».

سلامة: هى جت عندكم فى النخيلة.

خليل: أيوه جت عندنا مرة.. تزور سهير أختى.

سلامة: كده..

معوض ينتهى من الشاى ويضع الكوب ويقول للمعلم كأنه يتعجله.

معوض: جلت إيه يا معلم ؟..

سلامة: بدرى عالموضوع ده يا معوض أفندى.. البت صغيرة وأنا موش عاجوزها دلوكيت..

خليل يرتبك ويعرق..

خليل: لكن دى جدامها كتير فى التعليم لسه.. 

يرد سلامة ببرود وهو ينهض فينهض معوض فلتس وخليل ينهض مرتبكا

سلامة: وماله.. إحنا يعنى ورانا إيه؟

معوض: ما تفكر حبة يا سلامة وتيجى نعاود عليك تانى..

سلامة: كل واحد عارف صالحه يا فلتس أفندى.. أنا مش عاوز أجوزها دلوكيت.. 

يسلمون عليه ويخرجون.. 

معوض: اللى تشوفه يا سيدى.. نفوتك بعافية..

سلامة: شرفتونا.. مع السلامة.

يغلق الباب خلفهما..

90 - وسعاية السوق 

- خارجى / نهار 

- معوض أفندى وخليل يغادران الدار ويتجهان نحو الوسعاية.. 

- خليل مصدوم مشغول الفكر 

معوض: يا بايا.. راجل رأسه ناشفة.. أنا جلت لك يا خليل مالك ومال النسب ده.. 

 خليل لا يستمع.. فهو يمشى مديرا رأسه للوراء.. يتطلع إلى نوافذ البيت لعله يلمح جميلة فى أحدها.. 

 يتمهل ويحدق النظر فى النوافذ فيجذبه فلتس من ذراعه.. 

معوض: يا بنى فوت جدامى.. بتعمل إيه عايز الراجل يشوفك وأنت بتبحلق كده.. 

91 - دار المعلم سلامة 

-داخلى / نهار 

المعلم سلامة فى حالة هياج يطارد جميلة فى الصالة ويطبق بيده الغليظة على ذراعها وهو يصيح.. 

سلامة: يعنى عارفاه وأخته صاحبتك الروح بالروح.. جابلتيه كام نوبة..؟

تفضحى هيبتى.. تحطى رجبتى فى الوحل.. أنى ماكنتش أرد لك طلب تخلى سمعتى مضغة فى أحناك الناس. 

الأم تدور حولهما تحاول تخليص ابنتها. 

الأم: يا معلم كفاية.. البت حاتموت فى إيديك.. 

سلامة: مشتاجة لعمتك جوى.. تضحكى عليا أوديكى النخيلة بنفسى مش كده ؟.

تنجح الأم فى استخلاص جميلة الباكية من براثن والدها وتندفع بها إلى غرفتها وتغلق خلفهما الباب.. بينما المعلم واقف فى الصالة ينفخ ويسب.

سلامة: طب على اليمين يا جميلة يا بنت حليمة ما عدتى خارجة من الدار.. وكمان مفيش مدرسة؟

جميلة فى غرفتها تواصل العويل.. بينما أمها تحاول تهدئتها.. جميلة تروح وتجيء وهى تولول بطريقة مرعوبة وتجهش بالبكاء وقد أمسكت ببطنها..

جميلة: أبويا ما رضيش ليه يامه.. أبويا مرضيش.. يا مصيبتك يا جميلة.. يا ويلك.. يا بختك الأسود.

الأم تلاحظ ابنتها تبكى لشىء آخر وتتأمل بطنها.. ثم تتركها مبتعدة عنها وهى تلطم خديها وتعدد..

الأم: عملتيها يا جميلة..؟

يا مصيبتك يا حليمة يا فضيحتك يا حليمة يا ويلك وسواد ليلك.

جميلة: ما رضيش ليه يامه.. هو خليل فيه عيب؟

جميلة يزداد إجهاشها بالبكاء وتخفى وجهها فى حضن أمها وهى تنهار إلى جوار قدميها على الأرض.. بينما الأم تدور فى الغرفة تواصل التعديد..

جميلة: أنا فى عرضك يامه.. أبوس رجليكى تسترى عليا.. انجدينى يامه.. خلى أبويا يوافج على خليل..

الأم: يوافج؟؟ بعد اللى حصل؟ يغير كلمته مانتى عارفة أبوكى..

92 - محطة كوم النحل

خارجى/نهار

معوض فلتس مع خليل الذى يحمل حقيبته على الرصيف ينتظران القطار.. خليل شارد الذهن.. متجهم..

فلتس: ضاحكا ياراجل ولا تشيل هم.. بكره أخطب لك ستها وست ستها كمان.. ده حاكم سلامة ده وش فقر ومناخيره فى السما على مفيش..

خليل: آنى هتجوز جميلة يعنى هتجوز جميلة غصبن عن سلامة إن مكانش بخطره وأنا حسافر وأرتب أمورى على كده وبكره تشوف..

فلتس: (بمكر) أيوه.. معلوم.. أنت لازم لك صرفة معاها بجى..

يرتفع صوت القطار وهو يدخل المحطة فيستعدان.. وحين يتوقف يقفز خليل فى إحدى العربات وفلتس يصيح به.. فلتس: مع السلامة يا سى خليل.. السلام أمانة.. توصل سلامى لنجيب أفندى وللست والدتك أول ما تشوفها.. مع السلامة..

القطار لا يتوقف كثيرا.. ويسمع صوته وهو يتحرك..

القطار وهو يعبر الكادر كأنه يمسح المشهد وعندما تخرج آخر عربة من الكادر يظهر المشهد التالى..

93 - أمام بيت عباس

خارجى/نهار

الوقت خريف

السقا يخرج من شارع القرية وظهره منحنى أسفل رقبته، وأقدامه العارية تغوص فى الأرض المتربة.. والعرق يسيل من وجهه.. فى طريقه إلى بيت عباس..

السقا يقترب من باب البيت ولا يطرقه بل يدفع الباب أمامه فيفتح على الحوش..

السقا يدخل الحوش بقربته..

94 - مسكن عباس

داخلى/ نهار

السقا يسير فى الحوش إلى الحنفية ويفرغ القربة.. ويدرك أن عباس يستيقظ بعد حين ينظر لباب الغرفة المغلق.. ص/جميلة: بطنى عمالة تكبر ومسير أبوى يشوفها لو كنت تشوف لى طريجه أنا فى عرضك.. لو تاخدنى عندك بعيد من هنا.. أعيش طول عمرى خدامتك وتحت رجليك.. أنى ماجدرش أخبى نفسى أكثر من كده..

عباس يدخل الغرفة وهو يجفف وجهه ورأسه..

ص/ عباس: بقى طينتوها يا ولاد الإيه من ورا قفايا.. امتى يا خويا حصلت الحكاية دى..؟

عباس ينفخ اللمبة فيطفئها ويتجه إلى الخطاب المفتوح ويعيده إلى مظروفه ويعيد لصقه من زجاجة صمغ صغيرة على الترابيزة توحى بأنه تمرس على فتح الجوابات وإعادة غلقها.

ص/عباس: يمكن الولد لما يعرف أنها حامل يشوف له صرفة.

ثم يضع الجواب فى حقيبته ويلبس جاكتة البوسطة المكومة فى إهمال فوق جلبابه دون أن يحلق ذقنه..

عباس يغادر البيت بحقيبته..

 95 - طريق بالقرية والساحة

- خارجي/ نهار

عباس فى السكة النازلة من بيته إلى البلد راكبا حمار البوسطة.. ينعطف فى شارع.. ويخرج إلى الساحة.. وينظر للفلاحات العابرات.. مغلفات بالسواد..

ص/عباس : يا ترى أنت شكلك إيه يا بت يا جميلة.. تكونش دى والا دي؟ مش معقول.. دول كلهم قالب واحد.

عباس على الحمار يحدق فى البنات السائرات باحثا عن جميلة لكن لا جدوى من بحثه وجميع البنات ملفوفات فى عباءات سوداء تخشخش مثل الورق، ملتصقات بالجدران رغبة فى إخفاء أنفسهن.

ص/عباس: يا ترى أراضيكى فين دلوقتى يا جميلة.. اللى مانى عارف لك مكان؟

 96 - مكتب البوسطة

- داخلي/ نهار

عباس يدخل ويفتح نافذة المكتب فيضىء المكان..

يفتح صندوق الخطاب ويجمع الصادر ويخرج خطاب جميلة ويضمه إلى الخطابات ويبدأ فى تجهيز الختامة وتعديل التاريخ فى الختم ثم يختم الخطابات بسرعة..

رشدى الفراش يدخل حاملًا كيس الوارد من أول قطار.. فيعبئ له عباس الخطابات التى ختمها فى الكيس الصادر. عباس: خد الصادر ده والحق به قطر الساعة تسعة..

الفراش: مانى لسه جاى من المشوار.. خليه للقطر اللى بعده..

عباس: (يشخط فيه) باقول لك قطر تسعة.. انجر امشى الحقه.

الفراش يحمل الكيس ويخرج مبرطما

عباس يفرك يديه برضا وهو يخرج ساعة جيبه وينظر فيها بعد انصراف الفراش..

عباس: كويس.. الجواب حايلحق القطر لو الحمار ده ماركنش فى حته..

يحمل عباس كيس الوارد ويفك الشمع ويصب الخطابات على المائدة ويقلب فيها حتى يعثر على خطاب من خليل.. لايطيق الانتظار.. فيخرج الخطاب ويتأمله لحظة..

الخطاب صمغه ضعيف.. يغريه بأن يفتحه فورا ولاينتظر فتحه على اللمبة فيفتحه ويبدأ قراءته بينما نسمع صوت خليل..

ص/خليل: ملاكى الحبيب..

رجعت من عندك وأنا يائس بعد مقابلة والدك العزيز وتشاء إرادة إلهنا أن أجد فى انتظارى جواب من زوج أختى يطلب منى الحضور لاستلام وظيفة الإسكندرية.. وهى وظيفة كاتب فى الجمرك بمرتب ثمانية جنيهات، فرحت بها جدا.. وأسرعت بتسليم عهدتى فى مصر.. لهذا السبب تأخرت فى الكتابة إليك.

فأنا أكتب لك هذا الجواب من الإسكندرية.

بعد أن تسلمت وظيفتى الجديدة.

عباس يتوقف عن القراءة فينقطع الصوت ويحدق فى الجملة الأخيرة بانزعاج.

عباس: يعنى ابن الهرمة موش فى مصر دلوقت، طب والجواب اللى البت باعتاه..؟

يتجه عباس ببصره واجمًا تجاه الباب الذى خرج منه الفراش، ببوسطة الصادر.. ويواصل القراءة فى الخطاب فيعود صوت خليل..

ص/خليل: أرجوك يا حبيبتى أن تكتبى لى من الآن فصاعدا على عنوانى القديم فى الإسكندرية اللى أنت عارفاه أما بخصوص الخطوبة فأعرفك يا حبيبتى أنى سافرت من عندكم وأنا مصمم على الجواز أكثر.. فلا يمكن أننا نعيش بدون بعض.. وأحب أعرفك أنى أبحث الآن عن شقة صغيرة تناسبنا وسوف أكتب لك فى بحر أيام لتحضرى هنا ونتزوج.. فإذا كان هذا الكلام يوافقك أرجو أن تقولى هذا فى الجواب.. وفى الختام ألف قبلة من المخلص على الدوام.. خليل.

عباس يلقى بالخطاب أمامه بغيظ ويضرب كفا بكف..

عباس: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ده زى ما تكون القلوب عند بعضها فعلا يا ولاد، زى ما يكون الواد حاسس اللى هيا فيه..

البوسطجى يزيح الخطاب على جنب ويملأ الختامة بحبر جديد.. ويشرع فى ختم الخطابات وهو يفكر فى المسألة.. يظهر فى الشباك الفلاح الذى يدخر للثأر.

الفلاح: نهارك سعيد يا عباس أفندى..

عباس: نهارك سعيد يا سيدى.. نعم..؟

الفلاح يمد له يده بدفتر التوفير..

الفلاح: عايز الجرشين اللى حداك..

عباس: اللى حدايا أنا؟

يضحك الفلاح بمكر..

عباس يتناول الدفتر من يده وينظر فيه..

عباس: صرفت النظر خلاص عن البندقية..

الفلاح: مالكش صالح يا فندى.. آنى عايز عشرة جنيه وثمانين جرش.

عباس: عايز المبلغ كله يعني؟

الفلاح: أيوه..

عباس يكتب له إذن صرف ثم يناوله له..

عباس: طب يا خويا.. امضى هنا وابقى تعالى خد الفلوس بعد جمعة..

الفلاح ينظر ببلاهة فى إذن الصرف.

الفلاح: أنى عاوز الفلوس كلتها دلوكيت..

عباس بغيظ يحاول أن يصرفه ليعيد لصق جواب خليل المفتوح بجوار الجوابات التى يختمها..

عباس: دلوكيت مش ممكن يا أخ.. لازم نبعت للعموم نستأذن عشان المبلغ أكثر من عشرة جنيه..

الفلاح: (يتساءل) مين ده العموم ده..؟

عباس: العموم يعنى البوسطة العمومية فى مصر يا بنى آدم، رؤساءنا يعنى..

الفلاح: أنى ماليش صالح.. آنى عاطيك أنت الفلوس يدا بيد..

عباس: يا بنى الله يهديك أنا مش فاضيلك.. أى مبلغ أقل من عشرة جنيه ممكن تصرفه دلوقتى.. مازاد عن كده لازم نكتب للعموم الأول..

شيخ الغفر يدخل مكتب البريد:

ش/ الغفر: نهارك سعيد يا ناظر البوسطة..

عباس يحدق مذهولًا فى شيخ الغفر.

عباس: لا والله موش باين أنه سعيد أبدًا يا شيخ الغفر.

ش/الغفر: عايزك فى كلمتين..

شيخ الغفر ينظر تجاه الفلاح فى الشباك وكأنه يريد الكلام فى السر..

ش الغفر: مشى شغلك الأول..

عباس: (ساخرا).. لا ده شغل مش عاوز يمشى (كأنه تذكر فجأة) أيوه بالحق.. ما هو الجدع ده يدخل فى اختصاصك.. موش أنت بتاع الأمن برضه..

الفلاح: (من الشباك) تتمسخر على يا فندى عشان جلت لك هات الفلوس..

ش/ الغفر: ييجو كام دلوكيت يا وله؟

الفلاح: عشرة جنيه وتمانين جرش..

ش/ الغفر: عال عال عال.. شد حيلك..

عباس (بدهشة) كده.. يشد حيله؟

لا فالح يا مدير الأمن..

ش/الغفر: جرى إيه يا عباس أفندى.. ما تخليك بمجامك أمال..

عباس: هو مقامى كده يا شيخ الغفر.. أى والله.. (ساخرًا) فى حدود عشرة جنيه إلا مليم.. عشرة جنيه كاملين.. لا.. مقامى مايسمحشى، لازم استأذن المقامات اللى فوق..؟

الفلاح: أنى ماليش صالح يا شيخ الغفر أنى عطيته الفلوس يدا بيد وعاوزها كلها دلوكيت..

ش/ الغفر: آنى موش فاضيلكم.. آنى جاى أجول لك كلمتين يا عباس أفندى.

عباس يفقد أعصابه بين الفلاح فى الشباك وشيخ الغفر داخل المكتب..

عباس. ما تقول يا سيدى وتخلصنا..

شيخ الغفر يسحب عباس من كتفه ليميل على أذنه..

ش/ الغفر: (يهمس) العمدة بيسألك ميتى عاتفضى له البيت..؟

شيخ الغفر يضحك ببلاهة

وجه عباس يمتلئ بالغضب ويتراجع عن شيخ الغفر مبتعدًا والختم مازال فى يده ويصيح هائجا..

عباس: أو هو ووهو.. تانى.. البيت البيت البيت.. ما كفاية وجع دماغ بقى.. هو أنا باتكلم سريانى..

عباس يهوى بقبضته التى تحمل الختم مؤكدًا القسم..

طب والله العظيم تلاته يا شيخ.. واللى خلقك وخلق العمدة بتاعك وخلق كوم النحس دى.. مانا طالع من البيت ده إلا بمزاجى.. فهمت بقى.

الختم يسقط على جواب خليل المفتوح

ش/  الغفر: كده يا ناظر البوسطة.. طيب يا عباس أفندى.

يستدير شيخ الغفر غاضبا ليخرج.. فيصيح عليه الفلاح من الشباك..

الفلاح: يا شيخ الغفر.. تشوف لنا صرفه فى الدور ده..؟

عباس يندفع هائجا تجاه الشباك ويصيح فى الفلاح فجأة.. فيتراجع عن الشباك فى ذعر حين يخبط عليه عباس بيده فى هياج..

عباس: وأنت كمان تغور من هنا..

ومن وراء حديد النافذة نشاهد الفلاح وهو يهرول أمام الشباك ليلحق بشيخ الغفر وهو يبرطم ويصيح..

الفلاح: وسيدى عبدالرحيم لرايح شاكيك للعمدة، يا شيخ الغفر.. استنى.. استنى.. آنى رايح معاك للعمدة.

عباس يحاول العودة إلى عمله

عباس: يا باى أعوذ بالله..

يعيد ترتيب الخطابات ويطمئن على الختامة ويمد يده يبحث عن الختم فيفاجأ بأن الختم مستقر فوق جواب خليل المفتوح..

عباس يرفع الختم بسرعة ويحدق مذهولًا فى الأثر المطبوع على الخطاب..

كلوز للختم (كوم النحل وارد 260000 - 10 - 1935).

عباس يغمغم بذهول

عباس: أنى قلبى كان حاسس أن اليوم ده نحس من أوله.

يرفع الجواب فى يده ويحدق فيه بيأس ويتحرك يائسا..

عباس: والعمل إيه دلوقت؟

أهو ده جواب محكوم عليه بالإعدام.. لا يمكن أسلمه وهو مختوم بالشكل ده..

 97 - مسكن عباس

- داخلي/ ليل

عباس فى غرفته جالس على الترابيزة واللمبة مضاءة أمامه يحاول إزالة آثار الختم عن الخطاب بالأستيكة والموس فيفشل..

يصاب الخطاب ببعض التمزق من آثار محاولاته..

عباس يلقى الموس والأستيكة غاضبًا وينهض ليشرب كأسا..

عباس: طب والعمل يا عبس..؟ ما هى البت دلوقتى مش حاتعرف أن الواد راح إسكندرية..

يتحرك بحيرة وقلق فى الغرفة..

يطوح الكأس فى جوفه وهو مكفهر الوجه..

عباس: تعرف والا ما تعرفش بقى.. يتفلقوا فى بعض..!

عباس يشعل طرف خطاب خليل على اللمبة ثم يتذكر فجأة فيطفئ ما بقى من الخطاب بسرعة وهو يغمغم..

عباس: لكين دى البت حامل يا ولاد؟

ما هو أنا كمان ماأوديش نفسى فى داهية عشان خاطرهم..

بكره يبعث لها جواب تانى بقى..

 98 - مكتب البوسطة

- داخلي/ نهار

أم أحمد تتقدم إلى شباك البوسطة على طريقتها المعتادة.. تتسحب بجوار الحيط..

أم أحمد: أسعد صباحك.. ماليش..

عباس خلف الشباك يهز رأسه فى أسف

عباس: مافيش لسه يا أم أحمد..

أم أحمد: ده ييجى عشر تيام عالحال ده ومش العادة الجوابات تتأخر كده..

يدخل الفراش حاملا كيس الوارد..

عباس: (بإخلاص) استنى يا أم أحمد كده أما أشوف لك الوارد..

ويفرغ كيس الوارد ويبحث بإخلاص فلا يجد شيئًا فيغمغم لنفسه وهو يبحث..

ص/ عباس: معقول حايبعت وهو لسه ما استلمش رد، وجوابات البت زمانها متلقحه فى شباك الفجالة فى مصر.. يترك الجوابات بيأس ويقول لأم أحمد..

عباس: مافيش برضه.. يمكن تيجى حاجة بكرة.. قطر المساء.

أم أحمد تغادر شباك البوسطة وهى تبتسم وتخفى وجهها بطريقتها..

أم أحمد: كتر خيرك ويخليك لى.. آجى بكره بجى.

عباس يتابعها وهى تختفى من الشباك وتهرول فى الساحة مبتعدة..

ص/ عباس لا حول ولا قوة إلا بالله، كان مالك بس يا عباس الزفت ومال الحكاية الغبرة دى..

حشرت نفسك فيها ازاي؟

 99 -  بيت المعلم سلامة

- داخلي/ نهار

المعلم سلامة فى صالة بيته يطل من نافذتها على الحديقة..

فى الحديقة يتعاون اثنان من الفلاحين على إخراج قفص ملىء بعلب العسل والمعلم سلامة يراقبهم وهم يخرجون به من باب الحديقة..

سلامة: عالمحطة واصل يا وله يا عويضه وأنا وراكم أهه.

المعلم سلامة يستدير فى صالة البيت.. ليأخذ حقيبة سفره..

زوجته وقد جهزت له حقيبته، تناولها له فيسألها بغطرسة..

سلامة: البت كيف حالها دلوكيت..؟

الأم تجيب بارتباك وهى تنظر لباب غرفة جميلة المغلق..

الأم: أهى راجده.. لكن أحسن شويه..

المعلم سلامة يحرك إصبعه الغليظ مهددا زوجته.

سلامة: أنى رايح أسيوط دلوكيت.. لو تخطى خطوة بره البيت حاجطع دابرك ودابرها..

الأب يحمل حقيبته ويخرج فتغلق الأم وراءه الباب وهى تتنهد لتخرج أنفاسها المحبوسة..

 100 - الساحة وسكة القرية

- خارجي/ غروب

عباس يركب حماره ويقطع الساحة داخلًا فى الشارع الضيق بين الكنيسة وبيت المعلم سلامة.

جميلة على السكة بجوار شجرة تسير مختفية فى العباءة.

تمر بجوار عباس الراكب على حماره فيحدق فيها النظر حتى يعبرها فيستدير ويواصل التحديق كأنه يتساءل هل ممكن أن تكون هذه هى جميلة.

جميلة تشيح بوجهها عنه وتسرع الخطى وتنعطف داخل بيت.