الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على حلقات مسلسلة.. ننشر سيناريو فيلم البوسطجى للكاتب الكبير/ صبرى موسى "الحلقة 6"

 81 - ساحة السوق



- خارجى/ ليل

أم أحمد تعبر الساحة إلى مكتب البوسطة.

دكان البقال مضىء بكلوب على البعد وأم أحمد تتقدم من مكتب البوسطة تدور بجوار الحائط حتى تصل إلى صندوق الخطابات.

أم أحمد تخرج من عبها خطاب جميلة وتلقى به فى حرص داخل الصندوق.

82 - مكتب البوسطة

- داخلى- نهار

عباس يظهر على ملامحه الإرهاق الشديد والقرف وحركاته بطيئة متعبة يختم الخطابات على الترابيزة أمامه ثم يلقى بها فى كيس الصادر.

رشدى يقف بالقرب منه ويبتسم ابتسامة مليئة بالخبث.

عباس يلاحظ الابتسامة ويتوقف.. فينسحب الفراش بمكر.

عباس يستمر فى عمله.. لكن رشدى يستمر فى الضحك وحده، بصوت عال.. وكأنه يخفى سرًا.

من خلال النافذة نرى وجوه بعض الفلاحين الذين شاهدوا المجلة مع رشدى بالأمس، وهم يتسكعون بالقرب من النافذة وينظرون إلى عباس.

فلاح يدخل ويقف بجوار رشدى يتهامس معه.. عباس يسمع ضحكة مكتومة ويرى أن رشدى والفلاح ينظران نحوه وكأن الحديث يدور عنه هو والضحك عليه هو.

ينفجر عباس من الغيظ ويطرد الفلاح ويشتم رشدى وجميع الفلاحين بالبلد ثم يأمر رشدى بأن يأخذ الصادر إلى المحطة بدلاً منه.

رشدى يخرج بالصادر، ويتجه عباس خارج المكتب وكأنه يشعر باختناق بين جدرانه.. على باب مكتب البوسطة يرى عباس ناظر المحطة قادمًا من عند البقال يحمل أكياس تموينه.

عباس: بلد عرة الواحد موش لاقى فيها بنى آدم يتكلم معاه.. واللا حتى يقول له نكتة.. حاجة تقصر العمر.

عزيز: «ضاحكًا» ياخويا مانت تحت يدك أسرار البلد كلتها أهى.. مصالحها وفضايحها فى الجوابات اللى رايحة وجاية تحت يدك كل يوم.

عباس: «بأسى» مصالح وفضايح.. اتفو.. أوعك تكن فاكرها جوابات زى اللى إحنا عارفينها بتاعة البنى آدمين.. عليا النعمة أنا باحسدك على شغلتك اللى مقعداك هناك.. بعيد عن البلد وناسها.

عزيز: يا راجل ماتحبكهاش قوى كده.. روق أمال.. ما هى كوم النحل زى غيرها.. كلتها بلاد فقيرة جاهلة.. خليتك بعافية.

عزيز يترك عباس ويبتعد.

عباس يتحرك فى المكتب بخطوات بطيئة وهو يفكر فى كلام عزيز.

يمسك بالخطابات فى يده باحتقار شديد وينظر فى نفس الوقت خارج النافذة إلى الوسعاية.

عباس: جوابات البهايم يا سيدى.

هى هى.. عمرها ما تتغير، كل واحد منها تعرف صاحبه من شكل الظرف.. من الخط المؤذى اللى عليه.. من كوم النحل لمصر المحروسة.. من مصر المحروسة لكوم النحل قبلى أو كوم النحل المحطة.. من يد ليد فى خير وسلام.. الجواب منها تلزقه على قفاه بالختم وتخنقه فى كيس أصفر كاكى وتحدفه فى القطر.. بعد يومين تلاتة تلاقى رده على الترابيزة بيصبح عليك.

يا باى.

يترك الخطابات تتساقط من يده على المائدة ويعطيها ظهره بقرف.

يتحرك فى الغرفة الضيقة بضيق ثم يقف ويخبط الترابيزة المهكعة بكفه فى قوة فتنتفض الخطابات أمامه وهو يزغر لها فى كراهية كأنها أصحابها ويواصل انفجاره معبرًا عن نفسه كأنه يواجههم.

عباس: أنا عارف أن نهايتى حاتكون على إيديكم.. حاتفضلوا تضحكوا بمكر وعبط كده لغاية ما تدفنونى بالحياة.. يا همج.. ريحتكو نتنة، ووشوشكم صفرا، وعينيكم مرضانة.

ينظر إلى الخطابات باحتقار ويدير وجهه عنها.

نفسى أعرف عايشين ليه.. وإيه اللى بيدور فى رأسكم تحت اللبد.

مصالح وفضايح آل..

حبر وسخ على ورق مقرف!

يهجم على الخطابات كأنه يمسك بخناقها ويمسك فى يده بمجموعة منها.

صوت عباس: بس يا ولاد الإيه.. وقعتم فى إيدى! من هنا ورايح ولا خطوة حاتعملوها من غير ما أعرفها.. حادخل تحت جلدكم وكل حاجة حاشوفها وأعرفها.

بفرح بدائى ينتقى خمسة خطابات يضعها فى جيبه ويضحك شامتًا وهو يقول:

فى البيت نقراكم على رواقة.

 83 - مسكن عباس

- داخلى/ ليل

عباس جالس أمام المائدة وأمامه أدوات فتح الخطابات بعد استعمالها أمامه الخطابات المفتوحة.. يبدأ فى قراءة الخطاب الذى فتحه.. فنسمع ما فى الخطابات بأصوات مختلفة.

صوت: وأخبرك يا ولدى أن أمك راجدة، وعافيتها فايتاها.. تريد دوا وأجزه ومرج فرخ كيف راغب أفندى حكيم الصحة ماجال.. وياريت يا ولدى تزود لنا جرشين الشهر، لجلن أجدر على دى الحال».

يلقى عباس بالخطاب، ويتناول غيره.

صوت آخر: «حضرة سعادة الباشا الكبير.. بعد السلام وتجبيل أيادى سعاتك تأذن لى أشكيلك حضرة الخولى اللى زاد وعاد النوبة.. حيث إنه وازن جصد عينى اللى عايكلها الدود تلاتين جنطار وعما يتمسك على تسعة وعشرين ونفسه حلوة.. عا ياكل عرجى صح».

عباس يتوقف عن القراءة على صوت مفاجئ.. صوت دقات غليظة على الباب الخارجى.

صوت: يا عباس أفندى.. يا حضرة ناظر البوسطة..

افتح أنا دسوقى.!

عباس: (لنفسه) عاوز إيه ابن الهرمة ده دلوقت.. (يزعق) عاوز إيه يا جدع أنت يا غفير.

دسوقى: افتح يا ناظر البوسطة.. عاوزينك.. شيخ الغفر معاى.

عباس يفتح الباب فيرى شيخ الغفر والغفير فى الخارج بملابسهما الرسمية.

عباس: وشيخ الغفر كمان.. كملت.. عاوزين إيه يا جدع أنت وياه الساعة دي؟!

شيخ الغفر: عاوزين الكلوب يا عباس أفندى.

عباس: «بانزعاج» كلوب.. كلوب إيه؟

ش/ الغفر: الكلوب بتاع العمدة.

دسوقى: اللى أنى جبته ساعة ماجينا نأجرلك البيت.

عباس: لكين دى حكاية ليها شهور يا شيخ الغفر.

ش/ الغفر: أيوه.. ما هو العمدة كان ساكت عنه، لكن أنت بجى دخلت معاه فى مشاغبات.

عباس: والعمدة قال لك يا شيخ الغفر تيجى تاخد الكلوب دلوقت.

ش/ الغفر: أيوه.. دلوكيت.

عباس: الساعة حداشر بالليل يا مندوب الأمن.. يا عسس؟

شر/ الغفر: عاتتأوز عليا يا عباس أفندى؟!

عباس: لا يا سيدى مابتناوزش.. بس باقول يعنى ما ينفعش بالنهار؟

ش/ الغفر: العمدة جال لنا مترجعش إلا بيه!

عباس: طب مافيش كلوبات يا شيخ الغفر اتفضل أنت وهو مع السلامة.. ابقوا تعالوا الصبح خدوه.

ش/ الغفر: شوف يا عباس أفندى.. أنى موش عاوز يبجى بينى وبينك حظاظات أنى كمان.. هات الكلوب من سكات لا عانفضل ندجو عالباب طول الليل ونجيب التايهين.. والبلد تصحى تتفرج عليك.

دسوقى يتسلل من جوار عباس محاولاً دخول البيت، فيجذبه عباس من قفا معطفه الرسمى ويعيده إلى الخارج. عباس: رايح فين..؟ هى زريبة.

دسوقى: عاجيب الكلوب بتاع العمدة.. ديهدي

ش/ الغفر: عاتتعدى عالغفير أثناء مأموريته يا عباس أفندى؟

عباس: إيه يا غجر يا حوش يا ناموس.. ورايا ورايا زى العمل الرضى.. إلهى يتخرب بيتك يا عبدالسميع يا وهدان بحق دى الليلة المظلمة.

ويسقط الظلام على شتائم عباس المرسلة وراء ظهر شيخ الغفر والغفير يحمل الكلوب ويبتعدان تاركين الظلام يحيط بعباس حتى يخفيه.

 84 - مكتب البوسطة

- داخلى/ نهار

عباس يدخل البوسطة ويضع الخطابات التى كانت معه فى البيت، مع باقى الخطابات.

يشعل وابور السبرتو خلف الدولاب، ويضع عليه براد الشاى.. ثم يتوجه إلى الشباك، ليناول أحد الزباين جوابه.. أو يبيع طابعًا لزبون آخر.

ثم تظهر أم أحمد.. تعدت الأربعين لكنها محتفظة ببقية من نضارة، معصبة بمنديل بأوية.. مفلفل، وعيناها مكحلة.. وتغطى أنفها بطرف طرحتها.. كل الناس يواجهون الشباك أما هى فجاءت ووقفت بجنب.. وكان الحياء يقطر منها.. سألها عن حاجتها فلم تغير موقفها الجانبى.

عباس: عايزة إيه يا ست؟!

أم أحمد: ماليش جوابات النهارده؟

مالك مصهين عليا يا خويا.. ده العشم مكانش كده!

صوتها مدلل ناعم ولهجتها خليعة.

بلا سبب تزيح له طرف طرحتها لحظة واحدة ثم تعود لصوابها وتغطى وجهها ثانيا فى حركة سريعة تلفت نظر البوسطجى فيتأملها.

عباس: اسمك إيه؟!

أم أحمد: خدامتك أم أحمد.

عباس يقلب فى الخطابات أمامه حتى تقع عينه على الخطاب.

لقطة للخطاب بين بقية الخطابات فى يد عباس.. الحط على الظرف مهدب مختصر.. (أم أحمد شباك بوسطة كوم النحل) مكتوب بالحبر.. والختم واضح.. «صادر إسكندرية».

عباس ينقل بصره بين أم أحمد والخطاب لحظة قصيرة ثم يقول لها:

عباس: مافيش النهارده يا أم أحمد.. تعالى بكرة يمكن يكون جه الجواب.

أم أحمد: حاضر.. أجى بكره.. إلهى يارب ينجيك ويخليك ويطرح البركة فيك.

تنصرف أم أحمد وهى تدعو له بينما يتأملها عباس من ظهرها ساخرًا وهو يأخذ الخطاب ويضعه فى جيبه.

85 - مسكن عباس

- داخلى/ ليل

عباس بالجلابية فى غرفته يفتح الخطاب على لمبة جاز ويصب لنفسه كأسًا من زجاجة خمر.. ويحمل الكأس والخطاب ويتمدد على سريره كأنه يتلذذ بهذه اللعبة الجديدة التى يلعبها مع أهل القرية.

يتأمل الخطاب «مكتوب بالحبر والتاريخ من أول الصفحة والإمضاء من تحت ملفوفة بتاج- خليل».

تصدمه فى أول الخطاب حين يبدأ فى القراءة هذه الكلمات.

ص/خليل: حبيبتى ونور عينى.. إليك قبلاتى الحارة وأشواقى.

يقرب الخطاب من وجهه ليتأكد من الكلمات.. فنراها واضحة فى أول الخطاب.. كتفا عباس ورأسه يقطعان الكادر وهو ينهض منتبهًا كأنه لا يصدق عينيه.

لقطة من المشهد السابق لأم أحمد متعصبة بمنديل بأويه مقلقل وعينيها مكحلة.. لم تفلح فى إخفاء عمرها بهذه الدندشة.

ص/ عباس: معقول الولية الكركوبة دى تجيلها قبلات.. وحارة كمان..!

عباس يضحك ضحكة فاحشة ويطرح بقية الكأس فى فمه ويواصل القراءة ونحن نسمع صوت خليل.

ص/خليل: علم الله يا حبيبتى أننى ما تأخرت فى الرد عليكى إلا أنى مشغول ومشغول جدًا وأنا يا حبيبتى ما أردت إخبارك من قبل بأن الوظيفة اللى كلمنى عنها نجيب أفندى جوز أختى لسه متعطلة شوية.. وكنت يئست من حظى لكن محبة الهنا خلت ناس يعرفهم نجيب أفندى يتوسطولى فى وظيفة مؤقتة بمصر.. وسوف أسافر لأستلمها باكر إن شاء الله. 

فأرجو يا حبيبتى أن لا تكتبى لى على الإسكندرية.. فسوف لا أكون موجودًا بها، وأعرفك أنا مشتاق لك غاية الشوق وعندى كلام كثير مخليه لما أروح مصر وأكتب لك من هناك.

عباس تفلت منه ضحكة فاحشة أخرى لا يستطيع أن يكتمها وهو يتصور أم أحمد ويلقى بالخطاب جانبًا ويذهب إلى المائدة ويصب لنفسه كأسًا أخرى.. ويتمتم لنفسه

ص/ عباس: مش ممكن.. مش معقول.. المسألة فيها سر.. لازم الولية أم أحمد دى عاملة بوستجاية فى البلد من ورايا.. بتشتغل فى البوسطة من الباطن.. يا بنت الإيه..؟!

يعاود الضحك.

ويشرب كأسه ويمد يده إلى الخطاب ثانيًا ليكمل القراءة.

ص/خليل: حبيبتى وقرة عينى.. منتظر ردك بفارغ الصبر لأطمئن على وصول جوابى هذا إليكى.. ومن الآن فصاعد تقدرى تكتبلى على هذا العنوان المؤقت:

خليل أفندى سعد شباك بوسطة الفجالة.. مصر.

عباس ينتبه للاسم ويتوقف عن الشرب ويسرح لحظة كأنه يتذكر أن هذا الاسم قد مر عليه فى جوابات الصادر.

ص/ عباس: خليل أفندى سعد.. خليل أفندى سعد.

 86 - مكتب البوسطة

- داخلى/ نهار

فى الصباح الباكر.. قبل حضور الفراش.

عباس داخل البوسطة ويجمع الصادر ويقلب الجوابات بين يديه بسرعة حتى يتوقف أمام خطاب ويسحبه من بينها. ظرف مكتوب عليه بالكوبيا.. خط منتظم لكن حروفه واطية.. «حاجة نسوانى كده.!» قبل أن يشرع عباس فى فتح الخطاب يدخل الفراش ويلقى التحية ببرود.. فيلقى عباس بالخطاب فوق بقية الخطابات ويبدأ فى ختم الصادر والفراش واقف على يده ليأخذه إلى القطار.. 

 عباس لا يجد مفرًا من ختم الخطاب مع الجوابات الأخرى ويبدأ فى ختم الصادر والفراش واقف على يده ليأخذه إلى القطار.. 

عباس لا يجد مفرًا من ختم الخطاب مع الجوابات الأخرى وأرسلها مع الفراش إلى القطار.. ثم يخرج خطاب أم أحمد من جيبه ويضعه مع الوارد بجوار الشباك فى انتظار أم أحمد.. 

ص. عباس: معلهش يا عبس.. فات منك الجواب ده.. 

 لكن تتعوض فى اللى جاى.. لغاية ما نفهم الحكاية إيه.. ؟ 

عباس يواصل عمله.. 

تجىء أم أحمد على طريقتها منسحبة من جانب وتمد له رأسها من الشباك كأنها تشاغله.. 

أم أحمد: اسعد صباحك يا فندى.. ماليش جوابات النهارده؟

عباس يجيبها بمكر.. 

عباس: أهلا ست أم أحمد.. جيتى فى وقتك.. لكن جواب مسوجر.. امضى هنا بالاستلام.

أم أحمد: ده أنت غالى جوى وحياة شرفك.. نسيت ختمى فى البيت ما ينفعش أبصم..؟

تمد أم أحمد لعباس من الشباك يدًا عليها وشم مغضن ناشف وقد فردت له أصابعها لتبصم.. 

عباس يناولها الجواب وقد نجحت لعبته كأنه يداعبها.

عباس: معلهش النوبة.. عشان خاطرك بس.. واوعى تنسى ختمك تانى.. 

أم أحمد تتناول الخطاب وتنسحب من فتحة الشباك..