الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد مرور أكثر من 100 عام على صدور نسخته الأولى.. رئيس التحرير يفتح حوارًا مجتمعيًا للإجابة عن السؤال الأهم: متى يرى قانون الأحوال الشخصية الجديد النور؟

إن هدف أى قانون، هو تنظيم الواجبات والحقوق، إذ يكون دورُه تحجيمَ أى أضرار قد تكون مُبالغ فيها فى أغلب الأوقات. ولكن عندما تتطرّق القضية لمشروع (قانون الأحوال الشخصية)، فيجب أن يكون هناك نقاشٌ جادٌ، هدفه البحث فى مصلحة المجتمع، وتحقيق التوازن بين الجميع، وفى مقدمتهم (حق الطفل).



 

ومن هنا، كان يتحتم أن نفتح حوارًا يضم نخبة من علماء الدين، والقانون، والباحثين، يدور حول طبيعة هذا القانون- بالغ الأهمية- لمعرفة الآراء، ووجهات النظر المختلفة، وأهم الاقتراحات التى تدور حوله، من أجل رؤية الصورة كاملة وشاملة.

وقد ضَمّ الحوارُ كلاً من: المحامية والباحثة فى مجال حقوق المرأة «أميرة بهى الدين»؛ وعضو المنتدى الدولى لحوار الأديان والثقافات، وأحد علماء الأزهر الشريف الشيخ «إبراهيم رضا»، وأستاذة علم الاجتماع الدكتورة «هالة منصور»، والباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيچية «آلاء برانية»، وعضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ووكيل لجنة الاتصالات بالمجلس النائبة «مارثا محروس».

الحوار يبدأ بسؤال المحامية «أميرة بهى الدين»، عن كيفية خروج قانون يمكنه تحقيق توازن للجميع، فى ظل مجتمع تَغَيَّر بصورة جذرية عن الصورة القديمة التى كان عليها وقت صدور (قانون الأحوال الشخصية) لأول مرّة فى عام 1920؟

- عند الحديث عن صدور قانون، من الضرورى معرفة هدفه أو المطلوب منه. وفى حالة (قانون الأحوال الشخصية)، فنحن نريد قانون أحوال شخصية عادلاً ومنصفًا غير منحاز لجنس على آخر؛ إنما ينظر إلى الواجبات والحقوق المتبادلة، وآليات تنفيذها، أى نريد قانونًا غير منحاز للمرأة؛ ولكن يحل مشاكلها بعد الطلاق؛ نريد قانونًا غير منحاز ضد الرجل؛ ولكن يضمن حياة طبيعية مع أولاده سواء كانت فى حضانته أو حضانة طليقته؛ والأهم، يجب أن نشدد على أن الطلاق ليس عقابًا، أو أداة تنكيل للطفل، لهذا يجب ألا يكون القانون الجديد عاجزًا عن حماية الطفل.

فنحن- الآن- أكثر من 100 مليون مواطن، أى أنه من الطبيعى أن نكون مختلفين تمامًا عن مجتمع العشرينيات، فقد مَرّ المجتمع- خلال السنين الماضية- بعدة اختلافات، أثرت فى تعامُله مع القانون. فعلى سبيل المثال: تحدث العديد من حالات الطلاق - فى الوقت الحالى- لا نسمع عنها شيئًا لسهولة تعامُل أفرادها مع الأمر. ولكن، هناك شريحة فى المجتمع تحتاج لتطبيق هذا القانون؛ لأنها- من وجهة نظرى- تمس قضية الأمن القومى، إذ تَخلق تلك الحالات جيلاً جديدًا مضطربًا نفسيًا واجتماعيًا يعانى من البُغض والكراهية، ما يؤدى لتوتر المجتمع، وينعكس فى صورة جرائم من نوع آخر مُرعب. وعليه، عندما يفلح القانون فى معالجة أطرافه؛ يكون المجتمع فى حالة انسيابية.

ومع ذلك؛ أشدّد على أن القانون لن يَحل كل شىء؛ بل يحاول أن يقرّب القضية من حلول واقعية؛ فالأمرُ يحتاج- أيضًا- إلى الثقافة والوعى.. فهناك قضايا لن تُحَل بالقوانين؛ بل لا بُدّ من جهد مجتمعى جمعى، من أجْل تغيير عقول الناس لحالة التواؤم. 

الشيخ «إبراهيم رضا».. والسؤال لك؛ هل الشريعة تتعارَض مع حركة تقدم المجتمع؟

- استدعاءُ الشريعة؛ هو استدعاءٌ للمَصلحة. وفى الفقه، يوجد (فقه المَقاصد)، أى أينما كانت المَصلحة فثم شرع الله، وتلك هى الحقيقة، والأرضية الشرعية التى يجب أن ننطلق منها.. فالله عندما أراد أن يُدلل قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون). وهنا؛ تم استخدام تعبير (إعمال الفكر). وعليه؛ لا أجد فى شرع الله ما يتعارَض مع حركة المجتمع.

أمّا فيما يخص (قانون الأحوال الشخصية)، فيمكن شرح فلسفته فى آية: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). لكن؛ يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية لتطبيق القانون. وفى رأيى أرَى أن المناخ الحالى يسمح بهذا.

تطرّقت للحديث عن قول الشريعة والدين لـ(تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)؛ كيف يتم تطبيق هذا، فى الوقت الذى يجيز البعض ضربَ الزوجة؟

- أتحدى أن أجد من يثبت أن رسول الله امتدت يدُه لضرب واحدة من النساء، سواء كانت بنتًا أو زوجة، إذ لم يُرخّص النبىُّ لأى إنسان بضرب امرأة، أو ختانها، أو التعدّى على حقوقها.

دكتورة «هالة منصور»؛ هل عِلْمُ الاجتماع قَصّرَ فى رصْد المجتمع؟، وما هى رؤية هذا المجال لقانون الأحوال الشخصية؟

- لا؛ ولكن لم يتم اللجوءُ إليه بالقدر الكافى. فعِلْمُ طب المجتمع يفحص، ويُشخّص، ويوصف العلاجَ. ولكن؛ فى حال عدم الاهتمام برأى هذا الطبيب؛ لا يكون التقصيرُ ناجمًا عنه.

أمّا فيما يخص (قانون الأحوال الشخصية) سواء القديم أو التعديلات الحديثة؛ فمن المهم قبل النظر إلى طبيعة القانون، يجب النظر فى بيئة القانون الذى سيتم تطبيقه فيها. وذلك؛ لأن ليس فى مقدور القانون وحده حَل قضايا ومَشاكل المجتمع.. فمن الضرورى أن تكون هناك ثقافة قانونية واعية، إلى جانب وعى بطبيعة الأسْرَة ومفهومها، التى تعرّضت مؤخرًا لهجوم عنيف.

دعينا نتطرَّق لأحد الأمثلة المجتمعية، وهى حرمان الأم أطفالها من رؤية والدهم.. ما الذى يحدث للأطفال حينئذٍ نفسيًا واجتماعيًا؟

- فى هذه الحالة؛ تكون الأمُّ استخدمت أطفالها كأداة لضرب الأب. ومع ذلك؛ أرَى أن الأطرافَ الثلاثة صاروا ضحايا متألمين. لهذا؛ أقول رفقًا بالأبناء؛ لأنه من الخطأ أن يكونوا وقودَ الحرب بين طرفَين فشَلا فى الاستمرار بشكل ملائم كأسرة.. فالأسرة سَكن، وأساسُ المجتمع. ولهذا أنادى بتحمُّل المسئولية القائمة على الوعى الدينى، والاجتماعى، والنفسى، والتربوى.

الباحثة «آلاء برانية».. هناك جمعيات ومنظمات تدافع عن حقوق المرأة. ولكن فى المقابل؛ أين حقوق الرجل؟

- بالطبع هناك حقوقٌ للرجل. ولكن؛ أرَى أن القانون الحالى أو القديم، لم ينصف الرجل أو المرأة على حد سواء. فأعتبره- فى وجهة نظرى- بيئة خصبة للنزاع الأسَرى، فهو لا ينظم بقدر ما يؤجّج، كما أن تعديلاته صارت لا تواكب المجتمع؛ لهذا من الضرورى معرفة ما وصل إليه مفهومُ الأسْرَة قبل الشروع فى إصدار أى تعديلات قانونية.

وفى هذا السياق؛ من الضرورى الإشارة إلى الخطأ الكبير الذى نواجهه فى المجتمع المصرى عندما نتحدّث عن (قانون الأحوال الشخصية)؛ باعتباره معركة بين الرجل والمرأة. ولكن- فى الحقيقة- هدف القانون، هو تنظيم العلاقات بين أفراد الأسْرَة، حتى إن كان من الضرورى أى يتم تفضيل طرف؛ فيجب أن يكون (الطفل).

تعددت الأمثلة المجتمعية التى حدث فيها تجاوزات على حقوق طرف لآخر فى الزواج.. حدّثينا عن أهم الدراسات التى تناولت هذا الأمر؟

- نفذ المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيچية دراسة فى عام 2020، بعنوان: «العنف المجتمعى: العنف المُوَجَّه ضد النساء والأطفال». ولكنها، اعتمدت على حالات ثانوية، أى أن الحالات الواقعية أكبر بكثير من المعروض فى الدراسة.

ففى الجزء الخاص بالعنف المُوَجَّه ضد النساء، تم رصد 211 حالة، من بينها 116 حالة عنف ضد المرأة داخل الأسْرَة من قِبَل الزوج، الذى استخدم فيها آلات حادة، أو الضرب، أو التعذيب الذى يفضى إلى الموت فى الفئة العمرية بين 18 و40 عامًا للضحية والجانى. 

أمّا الجُزءُ الخاص بالعنف ضد الطفل؛ فقد وجد أن 244 حالة، منهم أكثر من 100 حالة عنف داخل الأسْرَة من قِبَل الوالد أو الوالدة، أو الاثنين.

وجميع ما سبق؛ تمّت ترجمته فى بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عندما وجد أن عدد حالات الطلاق ارتفع من 198 ألف حالة فى عام 2016، إلى 222 ألف حالة فى عام 2020؛ بينما قال المركز القومى للمرأة إنه فى عام 2020، كانت هناك 8 آلاف حالة طلاق نهائى فى المَحاكم، بينها ألف قضية خُلع، أى أن المرأة تنازلت فيها عن جميع حقوقها مقابل حريتها.

كل هذا يؤكد وجود خَلل على عدم وجود قانون حاسم أو آليات التنفيذ- إن شئنا الدقة- يعالج كيان الأسْرَة.

النائبة «مارثا محروس».. والسؤال لك؛ لماذا يُوصَف (قانون الأحول الشخصية) بأخطر القوانين؟، وما هى ملامح مشروع القانون الجديد؟

-  قبل الحديث عن (قانون الأحوال الشخصية)، فأنا أعرب عن رفضى إطلاق عليه هذا الاسم؛ بل أفَضّل أن يسمى (قانون الأسْرَة المصرية)، حتى وإن لم يأخذ هذا القانون حتى الآن مُسَمًى رسميًا جديدًا فى البرلمان. 

أمّا فيما يخص أهدافه؛ فهو لا يستهدف حماية حقوق الرجل أو المرأة أو الطفل؛ بل يهدف لحماية كيان أسْرَة مصرية مكونة من أفراد متباينة، فيها مواطن مصرى حالى مؤثر فى شكل المجتمع وهو (الأب والأم)، ومواطن مصرى مستقبلى مؤثر أيضًا وهو (الأطفال). لهذا؛ من الضرورى التوضيح أن المشرّعين ليس لديهم أى ميول تجاه طرف محدد، حتى إن كان الأضعف؛ لأن القانون العادل المنصف الذى لا يميز مواطنًا مصريًا عن آخر؛ باختصار (القانون المصرى، وهو الإطار الشرعى أو الحصانة العامة لجميع المواطنين دون تمييز).

كما يجب التنويه إلى وجود بعض المعوقات أثناء دراسة القانون، ومنها خَلل كثرة التعديلات التى طرأت على هذا القانون، الذى أنشئ فى الأساس فى العشرينيات، أى أن بعض أجزائه صارت لا تتناسب مع كل من: مجريات أحداث العصر الحالى، أو الآفات المجتمعية التى طرأت حديثًا، أو الثورة التكنولوچية الكبيرة التى تدخّلت معه، أو حتى سلوكيات المجتمع التى اختلفت بتطورات العصر، أو تمكين المرأة لتصبح شريكًا فعّالًا فى المجتمع، أو حجم عقلية الأطفال التى اختلفت حاليًا عن عقلية أطفال الماضى. لهذا؛ أصبح الحديث يدور حول إيجاد مشروع قانون متكامل يُطبق الحصانة الشاملة لجميع المواطنين المصريين.

ولم تتوقف صعوبة تنفيذ هذا القانون عند الخَلل السابق فحسب؛ بل توجد مُعضلة أخرى تكمن فى اختلاف وجهة نظر كل شخص عند رؤيته لهذا الموضوع.

لذلك؛ فإن المَشاكل المذكورة سابقًا، هى الدافع وراء تأخُّر صدور القانون الجديد.. فدراسة القانون؛ هى الوسيلة الآمنة لخروجه بشكل معتدل، وإلا سنعود للأوضاع القديمة البالية، وسيتم تحميل مجلس النواب بأنه لم يضِف شيئًا للمجتمع المصرى فى (الجمهورية الجديدة).

نعود مرةً أخرى للشيخ «إبراهيم رضا»؛ هل هناك مشاريع ومبادرات تستهدف الشباب لبناء أسْرَة تكون إلزامية قبل الزواج والطلاق كنوع من أنواع التأهيل؟

- الأزهر لديه عدة مبادرات فى هذا المجال، ومنها مبادرة «مودة»، وغيرها. لكن الأزمة هنا تكمن فى أنها مجرد مبادرات، أى أنها لا تكون فى الواقع العملى، كما لا يشعر بوجودها الناس.

وبالحديث عن التأهيل والأخلاق؛ فتجب الإشارة إلى أن مَن يقوم بعمل دراسة مجتمعية للمجتمع المصرى الآن؛ سيجد أن المجتمع ضرب من الناحية الأخلاقية، بسبب تيار الإسلام السياسى، بسبب أناس عملوا على ضرب القيم وثوابت الشخصية المصرية الأساسية لطمسها، حتى يفرض هويّة أفكاره، إذ استطاع هؤلاء الذين لا يتمتعون بالفكر، أو التخصص، أو حتى الدراسة، خلال فترة من الفترات الماضية، نشر خطاب أصفه بالعَفن على المَنابر الإعلامية المتنوعة، وهو ما أدى لاستمرار حالة من المزايدة المستمرة على مواقع التواصُل المتنوعة.

سؤال ختامى للنائبة «مارثا محروس»؛ لماذا لم يَتصَدَّ مجلسُ النواب حتى الآن للطلاق الشفهى؟

- تم التصدّى لهذه القضية بكل الأدوات البرلمانية. ومع ذلك؛ فإن فكرة وجوده فى إطار قانون متكامل مثل (قانون أحوال الأسْرَة المصرية)، سيكون بمثابة ضمان فاعل بأننا نتحدّث عن (الجمهورية الجديدة).