الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على حلقات مسلسلة.. ننشر سيناريو فيلم البوسطجى للكاتب الكبير/ صبرى موسى الحلقة "4"

 43 - حوش مدرسة البنات



- خارجى/ نهار

البنات فى الحوش يرحن ويجئن.. سهير تسأل بعضهن عن جميلة.

سهير: ماشفتيش جميلة يابت.. ما حدش منكو شافها..؟ 

إحدى البنات: تلاقيها حدا الحنفية.

سهير تتجه إلى الحنفيات.. جميلة تتلكأ بجوار الحنفيات وهى تتطلع إلى شجرة الشجرة مزهرة.. وشكلها جميل خصب، ولكن لا أثر لخليل.

سهير: جميلة.. بت يا جميلة.

جميلة تقترب من الحنفيات وتشرب.. ثم تلقى على الشجرة نظرة أخيرة يائسة وتتجه ناحية سهير.

جرس المدرسة يدق.

البنات فى الحوش يتوقفن عن اللعب، ويتجهن إلى السلم المؤدى للفصول.. جميلة وسهير تسيران وسط البنات. سهير: (تلكزها بكوعها) مالك يا بت يا جميلة مسهمة كده؟ واللا أنت زعلانة اللى حناخذ الإجازة.

جميلة: جلبك جامد يا بت يا سهير.. طب والنبى أنا ما هاين عليا طول الإجازة ما أشوفكيش.

سهير: تعالى زورينى فى النخيلة.. إيه رأيك يا بت يا جميلة صحيح.. ؟ تيجى تزورينى..؟

جميلة: أبويا ما يرضاش.

سهير: أنتى موش بتجولى لكم عمة حدانا فى النخيلة..

جميلة: أيوه.. لكن ما جدرش أزورها لوحدى،لازم أبوى أو أمى تكون معايا.

سهير: يعنى موش عاوزة تيجى.. أنا لوليه حد فى كوم النحل كنت جيت.. مافيش غير راجل صراف اسمه معوض فلتس، يجرب لأبويا من بعيد.. ولا بنزوره من يوم أبويا ما مات..؟!

 44 - عنبر نوم البنات

- داخلي/ نهار

ضوء النهار يملأ العنبر الآن والنموسيات مرفوعة والبنات يرتدين ملابسهن ويجهزن حقائبهن.. جميلة تكمل زينتها فى مرآة الدولاب، بينما سهير تكمل تعبئة حقيبتها بسرعة ولوهجة.

سهير تسحب كتابًا من تحت المخدة وتضعه فى حقيبتها فتسقط من الكتاب صورة شقيقها خليل دون أن تلاحظ ذلك. جميلة تلاحظ سقوط الصورة فتنتهز فرصة انشغال سهير وتنحنى وتلتقط الصورة وتدسها فى صدرها.

البنتان تقفان كل منهما فى مواجهة الأخرى وتتنهدان كأنما لا تطيقان الفراق ثم تحتضن كل منهما الأخرى، بعاطفة زائدة ثم تحمل كل منهما حقيبتها وتغادران عنبر النوم.

 45 - مدخل المدرسة

- خارجى/ نهار

المدخل والصالة ينزل إليها السلم من الطابق العلوى الذى يضم عنبر النوم.. جميلة وسهير فى ملابس السفر، شنطة سفر مع كل منهما، تنزلان من السلم إلى الصالة.. فى الصالة ينتظر المعلم سلامة ابنته جميلة.. وينتظر سهير شقيقها خليل.. وسط عدد من الرجال ينتظرون بناتهم وشقيقاتهم.. المعلم سلامة وخليل لا يعرف أحدهما الآخر.

يتقدم خليل ويحمل الحقيبة عن شقيقته التى تسير إلى جواره.. بينما تسير جميلة بحقيبتها خلف المعلم سلامة.

جميلة وخليل يختلسان نظرة طويلة خجولة بينما الجميع يتجهون إلى خارج المدرسة.

 46 - محطة كوم النحل

- خارجى/ عصر

القطار يقترب من محطة كوم النحل.

القطار يدخل المحطة.. ويتوقف..

ركاب القطار يغادرونه وبينهم المعلم سلامة وابنته جميلة تحمل فى يدها شنطة كتب وبرنيطة بيضاء ومريلة تدبير منزلى بينما سلامة يتقدمها حاملاً حقيبة ملابسها.

على المحطة ينتظر ولد فلاح فيحمل عن المعلم سلامة الشنطة ويحمل عن جميلة الكتب والبرانيط ويسير خلفهما.. يسيرون بجوار إحدى عربات القطار.. ويشاهدون البوسطجى عباس أمام العربة يتناول كيس البوسطة من ساعى القطار ويضعه على حمار.

يسير على الرصيف حتى يلتقى بناظر المحطة القادم من ناحية سائق القطار.

ناظر المحطة: كل سنة وأنت طيب يا عباس، أشوفك بعد العيد بأه.

عباس: «بأسى» مصمم تسافر برضه.. كان أملى أنك قاعد الإجازة دى هنا.. على الأقل الواحد يلقى بنى آدم يتكلم معاه.

ناظر المحطة: طب ما تسافر ياخى.. تقضى العيد مع أهلك.

عباس: الود ودى يا عزيز.. إنما بقى الإيد قصيرة.. سفرية زى دى تكلفنى تلاتة جنيه بالميت.. وهى المهية فيها كام تلاتة جنيه..؟!

عباس يركب حماره بعد أن يهيئه للرحيل ويسلم على الناظر قائلاً:

حاتبقى أجازة هباب بعيد عنك.. مع السلامة.

يسير بحماره إلى السكة النازلة إلى البلد.

 47 - ساحة السوق

- خارجى/ غروب

المعلم سلامة فى عباءته السوداء.. وابنته جميلة وراءه فى عباءتها السوداء أيضًا وخلفها الولد الفلاح يحمل أشياء جميلة.

المجموعة تخترق الساحة مقتربة من الشارع الضيق بين الكنيسة وبيت المعلم سلامة.. أمام الدكان تجلس مجموعة من الفلاحين، بينها رشدى فراش مكتب البوسطة، يقفون احترامًا للمعلم سلامة حتى يدخل إلى عطفة بيته.. وحين تدخل ابنته خلفه.. يبدأ رشدى وبعض الفلاحين فى معاكسة الفلاح الذى يحمل الحقائب والبرانيط والمسخرة عليه. رشدي: إيه اللى أنت شايله ده يابن بهانة؟

فلاح آخر: دى برنيطة أمك بهانة دى يا وله.

فلاح ثانى: ورينى كده يا وله.. همه بيلبسوهم برانيط فى البندر يا ولاد..؟

أحدهم ينهض ويحاول الإمساك بالبرانيط لكن الولد الفلاح ينفلت منه ضاحكًا بهبل ويختفى فى العطفة وراء المعلم سلامة وابنته.

 48 - دار المعلم سلامة

- داخلي/ غروب

المعلم سلامة يفتح الباب ويدخل إلى صالة البيت، تتبعه ابنته جميلة جارية إلى الداخل.

يدخل الولد الفلاح على حياء ويضع ما يحمل فى جانب من الصالة ويضع البرانيط على كرسى بعناية ثم ينسحب خارجًا ويغلق خلفه الباب.

المعلم سلامة يتوجه إلى غرفته.. بينما تخرج جميلة من الداخل وهى تخلع العباءة عن رأسها وخلفها أمها تحتضنها ومريم تقفز حولها مرحبة تعبر عن شوقها لجميلة.

الأم: يا بنتى يا ضنايا.. مالك اتغيرتى كده.

مريم: احلوت جوى والنبى يا خالة شوفى عملت شعرها إزاى.

مريم تتحسس شعر جميلة المقصوص على طريقة البندر.

الأم: (بفزع) جصيتى شعرك يا جميلة؟

جميلة: لا يامه.. ده معمول طيات.. بنات كتير فى أسيوط عاملينه كده.

الأم تتحسس ابنتها بحنان وإشفاق.

الأم: ومالك يا بنتى خاسة كده..؟ مابتاكليش هناك..؟

فطى يا بنت يامريم هاتى جوز حمام نعمل لها برام، البت جاية ناجصة جوت يا ولاد.

تدفع جميلة بحنان إلى غرفتها بينما تخرج مريم من باب الحديقة وتدخل الأم إلى المطبخ.

الأم: اطلعى يا جميلة أودتك.. اجلعى هدومك حاجيب شوية رز أنجيهم وأنى جاعدة معاكى، عايزاكى تحكيلى على كل الى شفتيه فى المدرسة.

تدخل جميلة غرفتها وهى تواصل خلع العباءة.. حين تخلو الصالة من الجميع ينفتح باب غرفة المعلم سلامة خلسة، وقد لبس جلباب البيت ويسرع الخطى خارجا من الصالة إلى الحديقة..

بعد لحظة تخرج الأم من المطبخ وهى تحمل صينية عليها كمية من الأرز وتنظر ناحية الحديقة.

 49 - حديقة المعلم سلامة

خارجى/غروب

الحديقة من وجهة نظر الأم وهى تطل من الباب المؤدى إليها.

فى الواجهة برج الحمام.. تطل من فتحاته بضع حمامات وبضع حمامات أخرى تحلق فوقه.. والمعلم سلامة يدخل باب البرج..

 50 - برج الحمام

خارجى/غروب

المعلم سلامة يطارد مريم الخادمة داخل برج الحمام، بينما ريش الحمام يتطاير أثناء المطاردة ويملأ المكان.. المعلم سلامة يحتضن مريم ويعريها وهى تتوسل إليه.. بينما أشعة الغروب تتكسر على جسديهما من فتحات البرج الصغيرة المستديرة.

51 -حديقة المعلم سلامة

خارجى/غروب

باب البرج ينفتح ويخرج منه المعلم سلامة وهو يربط شال عمامته.. ويتلفت حوله ثم ينفض ملابسه ويسير إلى المنحل.. وبعد لحظة تخرج مريم مشعثة الشعر، تنفض ملابسها وفى يدها «جوز الحمام».

الأم ترى مريم خارجة خلف المعلم من البرج فتتراجع وتتوارى خلف الباب.. وقد اربد وجهها بالغيظ والغضب.

تتراجع الكاميرا معها بسرعة إلى الوراء وترتفع قليلا إلى أعلى حيث يمكننا أن نشاهدها وهى تلهث وقد أسندت ضهرها إلى الضلفة المغلقة بينما نرى فى نفس اللقطة من الضلفة المفتوحة الخادمة مريم وهى مقبلة تسوى شعرها ومن يدها يتدلى الحمام، مطأطأة منكسرة.

 52 - دار المعلم سلامة

داخلي/ليل

يدان تعجنان العجين فى ماخور كبير، بغل وغيظ.. بينما يسمع صوت العجن مضخما.

الأم فى جانب تضع الدقيق فى الماخور وتصب عليه الماء وتواصل العجين.. جميلة تجهز طعام العشاء وتقول لأمها..

جميلة: عاوزة أزور النخيلة يامه فى الإجازة دى.

الأم مزاجها مكدر

الأم: اخرسى يا بت.. بلا سفر بلا هباب.

جميلة: عمتى وحشتنى يامه.. نفسى أشوفها.

الأم: جلت أتلمى يا جميلة.. أنا موش فايجالك دلوكيت.

جميلة: طب والنبى لجول لأبويا يودينى.

جميلة تحمل الأطباق وتخرج إلى المائدة.. الأطباق اكتملت والمعلم سلامة يدخل من الحديقة حاملا لمبة غاز مضاءة.. يناولها لمريم لتدخل بها المطبخ بينما يقف هو ويشمر أكمامه..

سلامة: «لجميلة» نورتى دارك يا جميلة.

جميلة: ده نورك يا بابا..

تدخل مريم تحمل الطشت وإبريق الغسيل وتقف فى ركن فينحنى سلامة أمامها ويغسل يديه وعيناه تتأملان ساقى مريم.. صوت جميلة ينبهه فيسرع فى غسل يديه.

جميلة: بابا..

سلامة: أيوه.. إيه يا جميلة..

جميلة: نفسى أجعد عند عمتى فى النخيلة يومين فى العيد.. 

سلامة: وه.. أنت لد عليكى السفر وإلا 

أيه يا بت.. أنتى لسه لحقتى تجعدى فى الدار..

جميلة: وحياتى عندك يا بابا.. أصلها وحشانى جوى.. وكمان مناسبة عيد..

سلامة ينتهى من غسيل يديه وينهض يجففها فى طرف جلبابه ويجلس إلى المائدة بينما مريم تعود بالطشت والإبريق.

سلامة: طيب.. طيب.. تالت يوم العيد أنا رايح أسيوط، أبجى أخدك معايا وأفوتك فى النخيلة.. أجعدى كلى «يدير رأسه إلى زوجته»: إنتى موش هاتكلى يا وليه..؟

ص/الأم «يجىء من الداخل» حابجى أكل بعدين..

سلامة: طيب.. ويواصل الأكل.

الأم فى الداخل تواصل العجين فى غيظ.. ويسمع صوت العجن مضخما جدا!

معظم بيوت القرية تعجن الدقيق قبل الفجر لتخبز فطير العيد..

 53 -  حجرة عباس

فجر/داخلي

صوت العجين يصل إلى عباس وهو نائم منكفئ على المائدة فى غرفته على ضوء النافذة.

عباس بدأ يتحرك عند سماع صوت العجين من جديد..

يفتح عينيه فى إرهاق ويحاول تحريك جسمه المخشب من نومته غير المريحة، ينهض ويتجه إلى النافذة وهو يتمطى ويبرطم..

يفتح النافذة وينظر إلى الفجر فى الخارج.

 54 - سكة خارج القرية

خارجى/فجر

مناظر عامة لسقوف تتصاعد منها ألسنة الدخان أو بقع النار بينما الفجر يضىء السماء.

من وجهة نظر عباس نرى السكة المؤدية إلى خارج القرية بجوار بيته..

موكب من النساء متشحات بالسواد فى طريقهن لزيارة القبور، وبينهن جميلة ووالدتها، والخادمة مريم تحمل أسبتة الفطير خلفهن..

جميلة وعباس وبينهما قضبان نافذته يتبادلان نظرة خاطفة..

لقطة لعباس وراء نافذته من وجهة نظر جميلة..

لقطة لجميلة من وجهة نظر عباس..

ثم تذوب جميلة وسط الموكب الذى يواصل سيره ومريم فى المؤخرة.

 55 -الترعة 

خارجى/فجر

عباس يتمشى على الجسر.. بالقميص والبنطلون.. «أول يوم فى إجازة العيد»

تقع عيناه على السلم الحجرى النازل إلى الماء.. أوانى وملابس وسيقان عارية فى الماء وبعض نساء القرية وفتياتها يغسلن الملابس ويملأن الأوانى.

عباس يبطء فى سيره وهو يختلس النظر إلى سيقان النساء.

بينما الشمس تشرق منعكسة على الماء.

 56 -وسعاية القرية

خارجى ليل

ساقان ترقصان وراء ملابس غجرية مزينة بالترتر والخرز..

غازية ترقص وسط حلقة من الفلاحين بينما زميلها يلعب الأرغول.. وزميلتها الأكبر سنا تدق على الطبلة..

عباس يدور حول الحلقة.. ويقف فى جانب ويتفرج..

الغازية تغمز له من بعيد.. وتقترب منه وهى ترقص لتحييه مهو الأفندى الوحيد..

الراقصة تنهى الرقصة وتبدأ فى جمع النقوط وتبدأ بعباس.. فتمد له الرق.. الفلاحون ينسحبون مبتعدين حين تبدأ الراقصة فى جمع النقطة، فتنتبه لهم غازية الطبلة.

غازية الطبلة: هتنسحبوا كده واحد ورا واحد زى النطوعة ولا تدفعوا النجطة؟ داهية تسم الجفا منك له.. أجف يا راجل أنت وهو عيب..

الفلاحون يترددون فى الانصراف وكل منهم يضع يده فى جيبه..

الراقصة تدفع عباس فى صدره بالرق مداعبة.. 

عباس يكاد يأكل وجه الراقصة.. يمد يده فى جيبه ويخرج ربع جنيه ويضعه فى الرق وهو يحدق فى عينيها المحملقتين فى وجهه ضاحكتين.. 

عباس: أنت منين يا بت..؟

الراقصة: من مزاقة.. وأنت منين بجى؟ 

 عباس: من مصر.. 

الراقصة: أم الدنيا..؟ 

عباس: عاوز أتكلم معاكى يا بت.. 

الراقصة: «بمكر» تتكلم معايا فى إيه.. 

عباس: «بتوسل وإغراء» فى حاجات كتير.. تيجى؟

يقتحم بعض الفلاحين ليدفعوا النقطة فتشغل بهم الراقصة.

عباس يبتعد قليلا بقلق يخشى أن يفقدها ويخشى أن يلمحه الفلاحون وهو يحادثها.. الراقصة تلاحظ توتره وهى تبتسم بمكر وتداعب أحد الفلاحين الذين يدفعون.. 

الراقصة: عاوز تتفرج عالمرمر ده ببلاش يا بن حليمة.. خابط فى خاشمك.. 

 تتحرك وهى تجمع النقود حتى تقترب من عباس وتسأله خلسة.

الراقصة: ساكن فين..؟ 

عباس: «بلهفة» دار العمدة القديمة.. قبلى البلد.. 

الراقصة تغمز لعباس بالموافقة وتذوب وسط الفلاحين.. بينما عباس ينسحب مبتهجا.. 

 57 - حجرة عباس 

- داخلى /ليل 

- عباس فى غرفته يدندن بفرح وهو يخرج زجاجة ويضعها على المائدة قائلا: 

- عباس: والله كلامك باينه مضبوط يا فلتس الكلب.. أهى نفعت أهى الخمرة بتاعتك.. 

يجهز أكوابا.. ويضع بعض العلب المحفوظة فى الأطباق، كأنه يجهز عشاء لشخصين.. والكلوب تضيء حلقة على الحائط فوق المائدة.. ويبدو أنه اشترى للغرفة بعض الأثاث القليل.. ربما مقعدا أو مرآة.

يسمع طرقا على الباب فينتبه.. ويفرك كفيه وهو يتأمل المائدة المعدة ثم يتوجه إلى الباب مسرعا ليفتحه.. 

 باب بيت عباس يفتح من الداخل، فتدخل الغازية مسرعة ويغلق عباس الباب.. 

 58 - مقهى القرية 

خارجى /ليل

دكانة من الطين تضاء بالكلوب وباب خشبى مخلوع.. 

والفلاحون جالسون صفوفا خارج الدكانة الضيقة ووجوههم مرفوعة إلى صدر الدكان وآذانهم مرهفة وبعضهم يدخن الجوزة ويشرب الشاى كالمسحور.

فى صدر الدكانة دكة عالية يجلس فوقها شاعر بربابة وعازف وزمارة، يحكيان موال شفيقة ومتولى.. 

بين المستمعين يجلس رشدى فراش البوستة يدخن الجوزة.. يدخل فلاح شاب وينحنى خلف رأس الفراش ويهمس فى أذنه بشيء منفعلا بما يقول.. 

الفراش ينتبه.. ثم يترك الجوزة لأحد الجالسين ليكمل شربها وينهض خارجا من بين الناس وخلفه الولد الذى جاء بالخبر.

يستدير أحد المستمعين ويلاحظ خروج الفراش وخلفه الولد.. فينهض من مكانه ويتبعهما..

رشدى يتوقف ويهمس فى أذنه فيهز رأس متشفيا ثم يعود إلى القهوة متحمسا.. بينما رشدى يمضى فى الظلام مبتعدا عن نور كلوبات القهوة وخلفه الولد الذى جاء بالخبر. 

وجوه الفلاحين مرفوعة تسمع الشاعر.

وبين الجالسين نرى شيخ الخفر وقد وضع البندقية عمودية بين قدميه وناء برأسه فوقها وغاب فى النوم.. 

وجه الشخص الثالث يقترب من رأس شيخ الغفر النائم ويهمس فى أذنه يوقظه.

شيخ الغفر ينتبه ويسمع لما يهمس به الشخص باهتمام.. ثم يحمل بندقيته وينهض.. 

مجموعات الفلاحين تتحرك قادمة من جهات مختلفة لتصب فى اتجاه موحد، حيث يقف رشدى المندس بين الرجال يحرضهم.. 

 رشدى: حتة أفندى جاى من البندر عاوز يستغفلنا ويحط على روسنا جرون.. 

 ده يصح يا رجالة.. ؟ 

ملحوظة: فى اللقطات العامة التى تتأمل حركة الفلاحين على البعد لا يمكننا أن نتبين ملامح الناس فى الظلام إنما نرى أشباحا فى جلاليب على ضوء أبيات القبيلة التى يحملها بعض الرجال.. تعكس على الأرض والجدران ظلالا متطاولة.

59 - حجرة عباس 

 داخلى /ليل 

 الغازية ترقص فى غرفة عباس. 

عباس جالس بجوار المائدة يطبل لها وعلى المائدة بقايا الطعام وزجاجة الخمر مفتوحة وناقصة والأكواب عامرة. وعباس فى غاية الانسجام.

حين تصل الراقصة إلى ذروتها يبلغ الانسجام بعباس حدًا يجعله يتوقف عن الطبل وينهض صائحا.. 

عباس: يا بنت الإيه.. والنبى ولا بديعة مصابنى.. أنا مش مصدق عينى يا ولاد.. تعالى يا بت هنا خلينى ألمسك وأشوف أنا فى حلم ولا فى علم.

عباس يحاول الإمساك بالغازية فتروغ وتراوغه ضاحكة وهو يطاردها فى الغرفة الضيقة حتى يمسك بها ويحاول تقبيلها وتروغ منه بدلال.. وتأخذ كأسها من على الترابيزة.

عباس يأخذ كأسه ويجلس بجوارها يحدثها. 

الغازية: جول لى أنت شفت بديعة بترجص.. 

عباس: إلا شفت بديعة.. وحياة شرفك.. كل أول شهر كانت الشلة تتلم كده أنا وصحابى وعلى كازينو بديعة 

مانخرجشى منه إلى تانى يوم.. 

سهرات إيه بقى ورقص إيه.. 

موش كوم الفقر بتاعتكم دى.. 

عباس يطوح كأسه إلى فمه بحسرة يمد يده إلى الغازية يحتضنها مداعبا 

البوسطجى: يا شيخة.. بتفكرينى بمصر ليه بس.. ؟! 

 الغازية: وحشتك مصر جوى.. 

 عباس: إلا وحشتنى مصر.. دا أنا دايب من الشوق دوب.. 

 الغازية: طب زيح يدك.. خليك لمصر وبتوع مصر.

الغازية تفلت من عباس متضاحكة فيحاصرها.. 

عباس والغازية على الكنبة وراء المائدة غائبان فى قبلة لا نرى من تفاصيلها سوى مؤخرة رأس عباس وذراع الغجرية حوله.. 

 صوت: تعلو فى الغرفة طرقات على الباب «مفاجئة وقوية» 

عباس يستدير برأسه وينتبه 

 ص. ش/ الغفر: افتح يا عباس أفندى.. 

عباس يقف على قدميه بينما تنهض الغجرية بفزع وهى تجمع ملابسها، ويروح عباس ويجىء فى الغرفة مهمهما.

 عباس: ده شيخ الزفت الغفر إيه اللى جابه الساعة دى.. ؟!

الصوت: يا حضرة ناظر البوسطة.. يا عباس أفندى.. افتح الباب وخرج الحرمة اللى عندك وبلاش فضايح ص.

ش/ الغفر: أخرجى يا بت ناعسة..

عباس يستمع من وراء النافذة إلى أصوات الأقدام الكثيرة وتهليل الفلاحين ومسخرتهم.

أصوات: غطى المرمر يا ناعسة واطلعى..!

دى عمايل تتعمل برضه فى دار العمدة يا بت..؟! 

عباس متوتر، أعصابه لم تحتمل تلك المفاجأة غير المتوقعة فيسب شيخ الغفر، من خلف النافذة. 

 عباس: ناعسة مين دى يا راجل يا مجنون اللى بتتكلم عليها.. اتلم يا شيخ الغفر وخد ناسك وامشى.. الدار مفيهاش حريم. 

ص. ش/ الغفر: لع يا عباس أفندى.. 

عباس: «ثائرا» فيه فيه يا أخى.. أنا حر فى بيتى.. 

ص. ش/ الغفر: فضك من الحكاية دى يا عباس أفندى قبل الخبر ما يوصل للعمدة وتبجى مصيبة. 

 عباس: أنت حاتهددنى بالعمدة يا شيخ الغفر طظ فيك وفى العمدة يا سيدى.. روح قول له واعملوا اللى تعملوه.. أنا موش فاتح الباب.. 

 يعود عباس ويدور بغضب فى أنحاء الغرفة وأصوات الفلاحين تتصاعد من الخارج محتدة متهيجة.. 

 يجد الغازية قد جهزت نفسها للرحيل.. فيطلب منها البقاء.. 

الغازية: أجصر الشر يا فندى وسيبنى أمشى أحسن.. وهاجى نوبة تانية.. 

عباس: أنت حاتخافى منهم واللا إيه.. خليكى ما تمشيش.. 

الغازية: روسهم ناشفة يا فندى.. أنا عارفاهم.. 

عايفضلوا يهوهو كده عالباب لحد ما أطلع.. وإن ماطلعتش عايشيلوهالى ويجطعوا عيشى من الكوم..