الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رئيس التحرير يحاور أحمد كامل البحيرى لقراءة خريطة الإرهاب الدولى مصر حققت إنجازًا فى القضاء على الإرهاب وسيناء دخلت مرحلة الأمان

ما جرى فى سيناء الأيام الماضية هو ما يَفرض نفسَه بقوة على الساحة الإعلامية والصحفية هذه الأيام، فالعملية الإرهابية الخسيسة التى حدثت منذ أيام قليلة وراح ضحيتها مجموعة من زَهرة أبنائنا وأبطالنا من أبناء قواتنا المسلحة تفرضُ علينا البحثَ وطرحَ العديد من الأسئلة المهمة للوصول إلى تحليل ما حدث.



ولذلك كان لزامًا علينا أن نطرحَ هذا الموضوع للبحث لما له من أهمية كبيرة.. وأهميته من أهمية الموضوع والضيف.

موضوعنا عن الإرهاب الدولى، والضيف هو أحد أهم الخبراء المتخصصين فى الإرهاب الدولى، وهو الكاتب والباحث السياسى الأستاذ «أحمد كامل البحيرى» المُلقب بـ«ديسك الملف» فى العمل البحثى فى ملف الإرهاب الدولى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيچية.

ما جرَى فى سيناء فى العملية الإرهابية التى راح ضحيتها عددٌ من أبطالنا الشهداء فهذا هو الحدث.

أمّا الحديث مع ضيفنا فسيتشعّب إلى أمور كثيرة، فبعض هذه الأمور بدأت تتردد على لسان الناس فى السوشيال ميديا.

 

 أولاً: شكل خريطة الإرهاب فى سيناء الآن، ومتى نقول إن الإرهاب انتهى فى سيناء، ولماذا هذه العملية الآن، وما مدى حجم وقوة هذا التنظيم الإرهابى.. كل هذه الأسئلة تتردد بين الناس ونريد أن نعرف إجابات عنها؟

- فى البداية نُعزّى أنفسَنا فى مُصابنا، فمَن حيث دماء شهدائنا فى تلك العملية فهى كبيرة، ولكن من حيث حجم العملية نفسها فهى الأضعف.

فمن حيث تكتيكات العملية ومَخزَى التوقيت والنطاق الجغرافى والانتشار العملياتى وطبيعة المستهدَف هى الأقل مقارنة بما كان يحدث فى سيناء.

فهناك تعاطف كبير مع الحدَث نتيجة سقوط عدد من أبنائنا فى القوات المسلحة، لكنه لا يُعطى مؤشرًا على أن هناك مُتغيرًا سواء فى طبيعة التنظيم أو استهدافاته تؤدّى إلى مزيد من القلق بالعكس تمامًا. 

فدعنا نجيب أولاً عن حزمة الأسئلة المطروحة بشكل بسيط وبعيدًا عن الإجابات الأكاديمية المعقدة فى هذا المجال، فمغزَى التوقيت على سبيل المثال لماذا يوم 7 مايو 2022 لإتمام هذه العملية؟

فمغزَى التوقيت فى هذه العملية مرتبط بثلاثة أسباب:

السبب الأول أن فى منتصف إبريل الماضى تمكنت القوات المسلحة وقوات مكافحة الإرهاب من قتْل واحد من أهم قيادات التنظيم والمسئول الأول لقيادة الجناح العسكرى داخل التنظيم وهو «أبوعمر الأنصارى» وبَعدها بأقل من 5 أيام تمكنت القواتُ المسلحة من تصفية كاملة لخلية كاملة بداية من مسئول الخلية «شعبان مصطفى أبودراع» وصولاً إلى أخيه النائب الخاص به «محمدين» ووصولاً إلى 3 آخرين فى واحدة من أهم الضربات الأمنية ممن يطلقون عليهم مسئولى قطاع قرَى جنوب الشيخ زويد أو منطقة «المقاطعة».

 يعنى ممكن نقول إن العملية كانت رَدّة فِعْل للضربات الاستباقية للقوات المسلحة لمسئولى التنظيم؟

- هذا صحيح فعلاً، ثم بَعد ذلك تم القبضُ على العَشرات؛ منهم زوجات مسئولى التنظيم، وقد أدلوا بالكثير من المعلومات المهمة، وتلا ذلك العثور على مَخبأ للوثائق الخاصة بالتنظيم فيها كنزٌ من المعلومات، وقد تم نشر جزء كبير من تلك الوثائق.

 معنى ذلك أنه قد تم ضرب مركز المعلومات الخاص بالتنظيم؟

- هذا صحيح، فالوثائق التى تم الحصول عليها تكشف الكثيرَ من الأسماء والشخصيات للعناصر التى تقوم بالعمليات وأيضًا التكليفات والدعم اللوچيستى ونقل المعلومات وغيرها، وهى من أهم العمليات النوعية التى تمّت حتى الآن.

وللأسف لم يتم نشر هذه الأحداث فى الإعلام المصرى رُغْمَ نشره فى قناة «العربية». ولا أعرف السببَ!.

أمّا السببُ الآخر فهو عودة أبناء سيناء نتيجة عنف التنظيم هناك والضربات التى قام بها التنظيم تجاه بعض الأهالى هناك، وذلك بَعد أن تمكنت القواتُ المسلحة من تطهير العديد من القرَى، وكلمة «تطهير» هنا تحمل مَعنَيَيْن؛ الأول تطهير القرَى من العناصر المتطرفة، والثاني تطهيرها من العبوات الناسفة التى زرعتها الجماعات المتطرفة هناك.

 معنى ذلك أن كلام السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» حينما تَحَدّث عن تطهير سيناء من الألغام كان يعنى هذا الكلام حَرفيًا؟

- بالضبط هذا صحيح؛ فقد وصل بهم الحال ليس بتلغيم البيوت والطرُقات فقط؛ ولكنهم كانوا يلغمون الألعابَ للأطفال كما كان يحدث فى العراق.

فبََعد تطهير الكثير من القرَى بدأت عودة الكثير من الأهالى إلى قراهم، وهذا معناه انتصار للقوات المسلحة على هذه التنظيمات.

وآخر جزئية فى اختيار التوقيت هو أن «أبوعمر القرشى» المسئول عن تنظيم داعش الجديد الذى تولى المسئولية خلفًا لـ«إبراهيم الهاشمى» مَطلع نوفمبر الماضى أعلن فى خطاب مسجل تم بثه فى 17 إبريل الماضى تحدّث فيه عن الثأر لمَقتل خليفة المسلمين على حسب كلامه ودعا كل العناصر الإرهابية فى كل العالم من غرب إفريقيا لوسط إفريقيا للصومال لإندونيسيا إلى الهند أن يُنفّذوا عمليات إرهابية كنوع من أنواع إثبات النفوذ وأننا ما زلنا موجودين وأننا قادرون على تنفيذ العمليات، وأعتقد أن هذه الرسالة مرتبطة بالخارج أيضًا لقياس قدرة التنظيم أو ما تبقى من التنظيم، وهنا يجب أن نكون صرحاء فى حديثنا؛ فليس هناك شىءٌ اسمه القضاء على الإرهاب؛ وإنما هناك شىءٌ آخر وهو الوصول إلى الحد الأدنى من الإرهاب، فالإرهاب مرتبط دائمًا بوجود العقول المتطرفة وفكْر العنف وأيضًا الإرهابُ أصبح جزءًا أساسيًا فى الصراعات الدولية بين دول العالم، ولذلك فلا يمكن القضاء على الإرهاب بشكل نهائى، ولكن يمكن الوصول إلى الحد الأدنى منه، وذلك بتجفيف منابع الإرهاب، بمعنى أنه يمكن أن يكون عندى إرهابى، ولكنه لا يملك الأدوات التى تمكّنه من عمل عملية إرهابية أو أنه لا يجد الدعمَ لتنفيذ عملياته.

فمصرُ شهدتْ تراجعًا كبيرًا فى الإرهاب بَعد حادث «الأقصر» الشهير فى منتصف التسعينيات وتوقفت بَعدها العمليات الإرهابية تمامًا على مستوى الجماعات الإسلامية، ولكننا فوجئنا بعملية «الأزهر» هى عملية عشوائية ولا تمتّ للتنظيمات الإرهابية، وبَعدها كانت عملية «عبدالمنعم رياض» أيضًا وهى عملية عشوائية أخرى، فبذلك نستطيع أن نقول إن مصر كانت بَعد حادث الأقصر خالية من الإرهاب أو بالأدق وصلت إلى الحد الأدنى من الإرهاب فى تلك الفترة.

ومصرُ الآن تُعتبَر خالية من الإرهاب، فمنذ آخر عملية ضرب فيها الإرهابُ العمقَ المصرى والمعروفة بعملية «معهد الأورام» فى عام 2019 لم يشهد الداخل المصرى فى الوادى أو الدلتا أىَّ عمليات عُنف أخرى، وهذا معناه أننا وصلنا إلى المؤشر الأخضر.

فعندنا أربعة ألوان فى مؤشر التهديد الإرهابى، وهى: «الأحمر والأصفر والبرتقالى والأخضر»، ومصرُ وصلت الآن إلى المؤشر الأخضر، وهذا ليس معناه أننا تخلصنا من الإرهاب؛ ولكن يمكن أن يحدث خطأ هنا أو هناك، فأكبر دول العالم وأقواها أمنيًا يحدث فيها بعض العمليات العرَضية، وهذا يحدث.

ففكرة القضاء على الإرهاب كمصطلح ليس له وجود؛ ولكن نستطيع أن نقول إننا وصلنا إلى الحد الآمن للعمليات الإرهابية.

 إذا كان الكلام عن العُمق المصرى وتحديدًا القاهرة والدلتا قد وصلت إلى اللون الأخضر فى مؤشر الأمان؛ فماذا عن سيناء؟

- نستطيع أن نقول إن سيناء الآن قد وصلت إلى اللون البرتقالى فى مؤشر الأمان، وهى مرحلة جيدة جدًا فى مؤشرات الأمان، فسيناء كانت فى المؤشر الأحمر ما قبل يوليو 2015 لأن التنظيمات الإرهابية كانت متواجدة فى سيناء منذ بدايات الألفية وتحديدًا منذ العام 2004 وكانت ضعيفة وقتها، ولكن بَعد ذلك بدأ يعلن تبعيته لتنظيم القاعدة ثم تبعيته إلى «داعش» وأخذ العديد من الأسماء مثل: «التوحيد والجهاد» و«أكناف بيت المقدس» ثم «مجلس شورى المجاهدين» «جُند الله» ثم «بيت المقدس»، أسماء كثيرة أخذها هذا التنظيم رُغْمَ أنهم نفس العناصر، فما يحدث بينهم هو انشقاق بعض العناصر، ولكنهم جميعًا كانوا ينضمون فكريًا إلى تنظيم القاعدة ثم وصولاً إلى العام 2014؛ خصوصًا بَعد انشقاق «هشام عشماوى» و«عماد عبدالحميد» وهى المجموعة الشهيرة التى كانت فى «بيت المقدس» وشكلت تنظيمًا اسمه «المرابطون» وانتقلوا بعمليتهم إلى المنطقة الغربية، وقد تمّت تصفيتهم على كل مستوياتهم، وكانت آخر عملياتهم هى عملية «الواحات» الشهيرة، وقد تم القبض على «هشام عشماوى» وقُتل «عماد عبدالحميد» بَعد ذلك.

فنستطيع أن نقول إن سيناء ما بَعد 2014 إلى 2015 كانت ضمْن المؤشر الأحمر، بمعنى أنها كانت الأكثرَ من حيث عدد العمليات هناك، وكلنا نتذكر على سبيل المثال «كرم القوديس1» و«كرم القوديس 2» و«الكتيبة 101» و«المطافى» و«قسم العريش أول وثانى وثالث» و«الزهور» والعديد من العمليات الكبيرة من حيث عدد العمليات وقوتها وعدد الشهداء والأسلحة المستخدَمة والكثير من الأشياء الأخرى.

وبالتالى فنحن نتحدث عن أن يوليو2015 هو أهم جزء فى المنحنى الأخطر فى العمليات الإرهابية فى سيناء؛ لأن التنظيم فى هذا التاريخ تحديدًا حاول الهجومَ على 25 ارتكازًا أمنيًا ورفَعَ الأعلامَ على مديرية أمن شمال سيناء كل المراكز والأحياء فى شمال سيناء لكى يوصل نفسَ الرسالة التى قام بها فى مدن وأحياء سوريا موحيًا بأنه سيطر على الأرض وإعلان إقامته للولاية هناك، والحمد لله؛ فقد فشل فى ذلك نتيجة سقوط العديد من الشهداء من رجال الأمن والمدنيين على حد سواء فى التصدى لهذا السيناريو، وهذا ما كان يحدث قبل 1يوليو 2015 وهو تاريخ فاصل فى سيناء فما بعد هذا التاريخ شىءٌ مغايرٌ تمامًا.

 لماذا يوليو 2015هو تاريخ فاصل فى سيناء؟

- لأن التنظيمَ قبل هذا التاريخ كان يملك الكثيرَ من المقومات التى تتيح له تنفيذ العمليات من حيث انتشاره على الأرض، وأيضًا سهولة الحركة والتنقل هناك وكذا وجود دعم لوچيستى كبير. مما أدى إلى وجود حالة من الاطمئنان الكبير بين أفراد التنظيم فى تلك الفترة.

ولقد مرّت سيناءُ بَعد هذا التاريخ بالعديد من العمليات العسكرية الكبيرة من جانب القوات المسلحة، نتذكر منها العملية «نسر» و«حق الشهيد 1، 2، 3، 4» والعملية الشاملة 2018 التى يذكرها الناسُ جيدًا، وكانت تلك العمليات تقوم على حصد الرءوس، بمعنى استهداف كل القيادات الموجودة هناك وتصفيتهم إذا ما تعذر القبضُ عليهم، وهو ما أدّى إلى التأثير المباشر على تماسُك التنظيم واتصالاته المباشرة مع التنظيم الأمّ بالخارج، وهو ما أثر بشكل مباشر على عمل التنظيم وهيكله التنظيمى والقضاء على هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يمثلون الرّعيل الأول لهذا التنظيم والأسماء والشخصيات اللامعة فيهم، وكان آخرهم «أبوأسامة المصرى» أبرز قيادات تنظيم بيت المقدس، والجزء الثانى كان فى ضبط الحدود؛ حيث كان عدد غير المصريين فى هذا التنظيم كبيرًا بشكل لافت للنظر، فنجد أن العديد من الأسماء التى كانت تتم تصفيتها كانت لغير المصريين، مما كان يعطى دافعًا كبيرًا لهذا التنظيم آنذاك.

فمع ضبط الحدود تم مَنع دخول هذه الشخصيات بشكل كامل إلى سيناء، وبالتالى تم إضعاف هذا التنظيم بشكل كبير.

والجزءُ الأهمُّ بالتأكيد هو خروجُ هذا التنظيم من المدن والقرَى فى شمال سيناء إلى الصحراء أو بالأدق خروج هذا التنظيم من مناطق شرق شمال سيناء إلى مناطق قريبة من جبل المغارة، وبذلك خرج التنظيم من أسلوبه فى عملياته من أسلوب فرض السيطرة على الأرض إلى أسلوب حرب العصابات مرّة أخرَى.

ولذلك فنحن نقول إن المؤشر الأول هو البرتقالى؛ لأن هذه العملية هى الأولى هناك منذ عام ونصف تقريبًا.

والحادث الوحيد فى تلك الفترة كان فى منتصف يناير 2022 وكان عبارة عن عبوة ناسفة، ولا نستطيع أن نقول إنه عملية منظمة، ولكنه عملية عشوائية صغيرة، أمّا الجزء الثانى فنستطيع أن نقول إن التنظيم بدأ يعتمد على تلك العمليات الصغيرة العشوائية مثل عمليات القنص أو عمليات زراعة العبوات الناسفة، ولكنه أصبح غير قادر على تنظيم العمليات الكبيرة المنظمة كما كان سابقًا، فمثلاً فى عام 2014 تمكّن التنظيم من إسقاط طائرة هليكوبتر باستخدام صواريخ «أرض- جو» قد وصلت إليه من الخارج، وقد وصل إلى قوة كبيرة آنذاك من حيث الأسلحة والعتاد؛ أمّا الآن فإنه يعتمد على الرشاشات العادية والعبوات الناسفة الصغيرة، وهذا مؤشر على ضعف التنظيم.

حتى حين نتحدّث عن عدد الأفراد الذين نفذّوا العملية أو المستهدف منها بالهجوم على ارتكاز أمنى على منشأة مدنية عادية وهو ارتكاز أمنى مكشوف فهو استهداف ليس به أى تكتيكات أو نقلة نوعية قتالية فى العملية.

ومن هنا فإن القراءة فى هذه العملية تصل بنا إلى قياس قدرة التنظيم الآن وقوته تصل بنا إلى أنها عملية ليست كبيرة ولا تدل على عودة سيناء مرّة أخرى إلى ما كانت عليه سابقًا.

 هل ردود الأفعال العالمية كانت إيجابية تجاه تلك العملية؟

- نعم كانت ردود الأفعال الدولية على تلك العملية إيجابية بشكل كبير جدًا؛ ففى محيطنا العربى كانت الإدانة كبيرة وأيضًا الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية كانت الإدانة واسعة جدًا.

 وهل كانت هى الإدانة الأولى بالنسبة لتركيا؟

- نعم بالفعل كانت هى الإدانة الرسمية الأولى من تركيا بَعد أن كانت عبارة عن تصريحات على وكالة الأناضول التركية، وذلك نتيجة تحسُّن العلاقات بين البلدين فى الآونة الأخيرة.

 الآن نحن فى مرحلة مَخاض عالمية والصراع «الروسى- الأوكرانى»، وما تبعه من دعوة إلى استدعاء المقاتلين المأجورين، فهناك اتجاه لشرعنة المرتزقة فى الصراعات الدولية، ما خطورة ذلك؟

- دعنا نتفق أولاً على أن هذا الأمر ليس بالجديد؛ فكانت البداية فى عام 2003 بَعد غزو العراق باستدعاء بعض الشركات التى يُطلق عليها تجاوزًا «الشركات الأمنية»، ولكنهم فى الأساس عبارة عن مجموعة من المرتزقة من العسكريين السابقين من جنسات مختلفة تم الاعتماد عليهم بشكل أساسى بسبب خبراتهم الكبيرة فى التدريب وأعمال القتال، وهناك أيضًا وجود لهذه الشركات فى دول الكتلة الشرقية، وكانت تملك الكثير من المقاتلين الشيشان. (وهناك أيضًا بعض هذه الشركات فى إفريقيا). 

فنستطيع أن نقول إن للولايات المتحدة شركات تعمل فى هذا المجال وأيضًا روسيا تمتلك نفس الشركات، وهذا هو الواقع، وقد وصل الأمر الآن إلى تصنيف هذه الشركات ما بين مقاتلين خاضوا حروبًا وصراعات مسلحة فى بعض الأماكن فى العالم، وقد تم تسريحهم فجاءوا بهم مرة أخرى وتمّت الاستعانة بهم فى العديد من الصراعات الدولية فى العديد من الأماكن فى العالم مثل العراق وأفغانستان وبعض الدول الإفريقية ودول وسط آسيا، ولكنّ هناك متغيرًا مُهمًا حدث منذ العام 2018 على صعيد هذه الشركات، ومنها شركة فى إحدى الدول وهى شركة «سادت»، وقد لعبت هذه الشركة دورًا مُهمًا فى «ليبيا»، والمتغير هنا ليس فى كونها تعتمد على المرتزقة فقط؛ ولكنها قامت بنقل عدد من العناصر الجهادية من «إدلب» فى سوريا إلى «ليبيا»، وهذا ليس بشىء خفى فهذه الشركة معروفة ولها مَقار وسجل تجارى وصفحة على الإنترنت.

وقد قام «المرصد السورى» وقتها بنشر أسماء الأشخاص الذين تم نقلهم إلى «ليبيا» تحت غطاء هذه الشركة التى تمركزت فى بعض مناطق ليبيا مثل «مصراتة»، وهذا هو الجديد أن هذه الشركات لم تعد تعتمد على العسكريين السابقين فقط؛ ولكنها بدأت تعتمد أيضًا على الجهاديين والتكفيريين.

أمّا ما حدث فى الأزمة «الروسية- الأوكرانية»؛ فقد تم استدعاء بعض العناصر من كلا الطرفين، وقد تم الإعلان عن ذلك فعلاً، وما حدث كان بمثابة إحياء هذا الشأن، وأنا أعتقد أنه فى المستقبل سيتم التوسع فى ذلك الأمر وسيأخذ أبعادًا جديدة حتى إنه أصبح الآن هناك بعض شركات الاستخبارات الخاصة.

  نعم هذا صحيح، وهناك أيضًا بعض الهيئات الإعلامية الدولية مثل «الإيكونوميست» على سبيل المثال لديها خدمات استخباراتية خاصة بمجالها الاقتصادى حاليًا.

- نعم هذا صحيح، ولذلك؛ فإن كل هذا سيؤثر بالفعل على خريطة التنظيمات الإرهابية العالمية.

 أمّا عن منطقة الساحل والصحراء؛ فمنطقة الساحل والصحراء لمَن لا يعلم هى المنطقة التى تضم كلاً من جنوب تشاد ومالى والنيجر وصولاً إلى بوركينا فاسو حتى ساحل المحيط الأطلنطى، فهذه الدول أصبحت الآن مركز الاهتمام لبعض العناصر الموجودة، وذلك لأكثر من سبب:

الأول: إن هذه الدول رخوة من حيث الحماية الأمنية وانفتاح الحدود بينها، وهذا يشكل سهولة الانتقال لهذه العناصر.

ثانيًا: انتشار الجرائم المنظمة وعصابات الهجرة غير المشروعة لتهريب البشر والسلاح، وهذا يدعم تواجُد المنظمات الإرهابية فى تلك المنطقة، وذلك بسبب وجود علاقة مباشرة بين وجود الجريمة المنظمة والمنظمات المتطرفة.

ثالثًا: أصبحت هذه المنطقة مَحط أنظار العديد من الدول مثل أمريكا والصين وروسيا ودول أخرى من أوروبا.

ولذلك فإن تنظيم «داعش» له أكثر من 14 فرعًا على مستوى العالم أقواها على الإطلاق ذلك الموجود فى منطقة غرب إفريقيا ويمثل مع تنظيمهم فى وسط إفريقيا رقم 1على مستوى التنظيم لدرجة أنه أقوى من التنظيم نفسه فى سوريا والعراق، بجانب وجود العديد من التنظيمات الأخرى مثل: القاعدة ونصرة الإسلام والعديد من التنظيمات المحلية فى هذه المنطقة والعديد من الميليشيات المسلحة المختلفة.

لذلك كانت رؤية دول شمال إفريقيا ودول الساحل مع مصر سبّاقة فى هذا الأمر وتم إنشاء ما يسمى بمركز مكافحة الإرهاب بدول الساحل مع مصر ومقره هنا فى طريق «مصر- الإسماعيلية»، وقد تم عمل أكثر من اجتماع وهو تحالف أمنى عسكرى، وقد حضر هذه الاجتماعات رؤساء أركان حرب الجيش المصرى سواء الموجودين والسابقين وحضره أيضًا العديد من المراقبين الدوليين من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأعتقد أن هذا التحالف لعب دورًا كبيرًا جدًا فى مكافحة الإرهاب؛ فمنذ عام 2016 كانت هناك نظرة أن منطقة الساحل الإفريقى ستكون منطقة جذب للمنظمات الإرهابية، فكانت تلك خطوة استباقية لهذا الأمر، وأبرز ما يعوق هذا التحالف هو تضارُب المصالح فى تلك المنطقة بين بعض الأطراف الدولية.

 فى بداية عام 2022 كتبنا أن هذا العام بلا إسلام سياسى، وكان سَندنا فى هذا الكلام تبدُّل مواقف بعض الدول الأوروبية، وتضييق الخناق على جماعة الإخوان الإرهابية، وقد تم تصنيف هذه الجماعة من قبَل العديد من الدول كجماعة إرهابية. ما هو تقديرك لما يحدث، وهل سنخرج من عباءة الإسلام السياسى أمْ سنظل فى المربع إلى حين؟

- دعنا نتفق أن مصطلح «الإسلام السياسى» هو مصطلحٌ واسعٌ يضم تحته الكثيرَ من الفصائل سواء كانوا سَلفيين أو سَلفية جهادية والكثير من المدارس فى هذا الشأن.

ولكن حدث بالفعل خفوت لتيار الإسلام السياسى فى المنطقة، نَعم، ولكنّ انتهاءه نهائيًا لا، وذلك بسبب دخوله فى مواقف داخلية أسفرت عن رفض شعبى بكل ملامحه وبكل صوره، فما حدث فى المغرب وتونس ومصر وعبر الإرادة الشعبية قد تمّت الإطاحة بهم من المَشهد.

هذه الإطاحة تؤكد رفض هذه الشعوب لسيطرة وهيمنة هذا التيار على الحُكم، وذلك على كل المستويات سواء البرلمان أو الهيئات فى المغرب وتونس حتى فى ليبيا، وكل ذلك يؤكد فعلاً حدوث تراجُع لتيار الإسلام السياسى، ولكنه لم ينتهِ وذلك لأسباب كثيرة.

فجماعة الإخوان مثلاً لم تشهد ما حدث لها اليوم حتى فى عام 64 وذلك بسبب سوء إدارتهم للبلاد فى عام، وبَعد ذلك استخدام السلاح والعنف ضد الشعب وحتى فى خطابهم الإعلامى كان يحض على القتل والعنف ضد الشعب.

 كيف أسهم المنتدَى الاستخبارى العربى فى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة؟

- طبعًا أسهم بشكل كبير ومؤثر لأن آخر عنصر فى مواجهة الإرهاب هو الضابط والبندقية والمُدرعة، بينما المعلومة هى العنصر الأهم، والأخطر فى تلك المواجهة فإذا جئنا بأفضل تدريب وأفضل تسليح وأفضل العناصر وكل ذلك من دون المعلومة فلن تنجح فى مواجهة الإرهاب.

فمن دون التنسيق وتبادُل المعلومات والبُعد الاستخباراتى فما يحدث فى سوريا أو ليبيا أو أى مكان يؤثر بالتأكيد على مصر، فمعنى ذلك أن نجاح مكافحة الإرهاب لا يرتبط فقط بكفاءة القوات المقاتلة؛ ولكنه أيضًا يرتبط بكفاءة المعلومة.

 بالتأكيد تختلف رؤيتك وأنت تشاهد مسلسلات مثل: (العائدون) أو (الاختيار) عن رؤية المُشاهد العادى؟

- الدراما بشكل عام لها دورٌ مهمٌ جدًا؛ خصوصًا عندما تتعلق بعرض بعض الجوانب الفكرية، فالسينما المصرية تعاملت مع موضوع الإرهاب والتطرف وما قدّمه الأستاذ وحيد حامد فى بعض تلك الموضوعات؛ فإنه ليس من المهم أن ترى الإرهابى سواء كان يرتدى جلبابًا قصيرًا ويطلق لحيته أو يمسك بسبحة أو ما غير ذلك؛ ولكن الأهم هو فكر الإرهابى نفسه فهذا الموضوع صعب جدًا.

 هل شخصية «سياف» فى مسلسل (العائدون) بأبعادها القيادية فعلاً بهذا الشكل؟

- 90% من قيادات تنظيم «داعش» بهذا الشكل؛ لأن هؤلاء الأشخاص من القيادات أو مجلس شورى التنظيم كانوا من ضباط الاستخبارات العراقية، فنحن هنا نتحدث عن كوادر قوية لديها من التدريب والخبرة ما يجعلهم بهذه القدرات، وهو ما جعلهم يتفوّقون على تنظيم القاعدة نفسه.

وبالفعل فإن شخصية «سياف» هى شخصية معروفة وهو أحد أفراد النظام السابق للرئيس «صدام حسين»، وهو كان مسئولاً عن الجانب الأمنى داخل التنظيم.

فى مسلسل (الاختيار) هل شكل التنظيمات فى سيناء كان هكذا ما قبل 2014؟

- ما تم عرضُه فى (الاختيار) ونحن نتحدث عن تنظيمات معروفة بالفعل وهذه العناصر كانت موجودة فى سيناء، وأيضًا كان موجودًا بعضٌ منها فى الداخل المصرى، فتناوُل المعلومة كان بشكل صحيح، ولكن الحُكم هنا على دقة التناوُل.

 لماذا يغضب الإعلام العالمى من الدراما التى تفضح الإرهاب؟

- «معالجة الأمر تجفف البيئة» وتجفيف البيئة يقضى على الإرهاب، فمثلاً التعليم يجفف البيئة، الإعلام والفن يجففان البيئة.

فمثلاً أغنية واحدة لأم كلثوم عقب النكسة حوّلت الحالة النفسية من الانكسار إلى الاندفاع إلى نحو جمع الأموال للمجهود الحربى.

وآخر جزئية يجب أن نفكر فيها بجدية، وهناك نصيحة أقدّمها للدولة المصرية ولكل الدول العربية لا بُدَّ أن يكون هناك تفكيرٌ جدىٌّ فيما يسمى بالعناصر المحتجزة بالآلاف من الأطفال فى «داعش»، فهناك قنبلة موقوتة، لقد ذهبت إلى مخيمات سوريا «الهول» و«الرج» و«عين عيسى» والأطفال هناك بالآلاف فعلاً وتركهم فى تلك المخيمات معناه انفجار حقيقى لتلك المنطقة والعالم كله، فيجب إعادة تأهيل هذه العناصر. كثير من هؤلاء الأطفال بلا جنسية، فيجب إنقاذ هؤلاء الأطفال لأنهم بلا ذنب.