الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مواطن و«بس»

مواطن و«بس»

واقعة اعتداء ساكن أحد الكمبوندات على فرد أمن الكمبوند وصفعه إحدى عشرة مرة على وجهه ليست نتاج اليوم؛ بل هى نتاج سنوات طويلة تجذّرت فيها فكرة التميز والاستعلاء والاستقواء بالسُّلطة سواء كانت مناصب ونفوذًا أمْ أموالاً وثراءً، وانتشرت خلالها جملة «أنت عارف بتكلم مين؟» أو «أنت عارف أنا ابن مين؟»، واستخدمت فى كثير من المواقف حتى شاعت فى المجتمع وأصبحت كأنها واقع فعلى، وكثيرًا ما آتت ثمارها، وأضاعت حقوق البسطاء فى مواجهة ذوى النفوذ، ولعل أبرز مثال على ذلك ما جاء فى أحد مَشاهد فيلم (عسل أسود) الذى أنتج عام 2010 ولعب بطولته الفنان أحمد حلمى، ويحكى عن مواطن اسمه «مصرى» يقيم فى أمريكا وعاد فى زيارة إلى القاهرة، وفى هذا المشهد كان يركب «ميكروباص» واصطدمت به سيارة من الخلف، لكن الضابط سمح لسائق السيارة المخطئ بالمرور بعد أن أخبره بشخصية صاحبها، واستوقف سائق الميكروباص وسحب رخصته، وعندما اعترض «حلمى» سأله الضابط: «أنت مين؟» قال له: «مصرى»، ورَدّ الضابط: مصرى وضابط ولا مصرى ووكيل نيابة، وصاح حلمى قائلاً: هو لازم أكون مصرى وحاجة مينفعش أكون مصرى وبَس».. هذا المَشهد تجسيد لما جرى فى المجتمع خلال سنوات طويلة، أصبح هناك نفوذ للبعض يستغلونه ويستقوون به ويتعاملون من خلاله هم وأبناؤهم، ومع استمرار الحالة تحول  الأمْرُ إلى غطرسة وجبروت وتعالٍ على البسطاء وتجاهُل للقانون الذى تصور البعض أنه تحوّل من حماية للمجتمع كله بجميع طبقاته وفئاته ليكون فى خدمة ذوى النفوذ وأصحاب المعارف ومن لديهم واسطة قوية، حتى أصبحت كلمة «مسنود» شائعة فى المجتمع، وتعبير «له ظهر يحميه» لا تثير الاستهجان.



وغير بعيد عن واقعة الكمبوند ما جرى للسيدة المسيحية التى صفعها صيدلى على وجهها اعتراضًا على لبسها فى رمضان وانتهى الأمر بالتصالح فى جلسة عُرفية، ولا أعرف ما هو النفوذ الذى استخدمه الصيدلى لإجبار السيدة على قبول التصالح، وربما كان التهديد بالقوة، وهو نموذج آخر للاستعلاء والغطرسة؛ حيث إنه فى هذه الحالة مواطن وصاحب قوة وأغلبية يستقوى من خلالها على مواطنين بلا سَنَد ويتجاهل بسببها القانون، على أن مثل هذه الأفعال قلّت إلى حد ما فى السنوات الأخيرة، وساعد على ذلك وسائل التواصل الاجتماعى التى كانت إحدى مزاياها- رُغْمَ  بعض عيوبها- هى كشف مثل هذه الممارسات الفظة وفضح أصحابها والقيام بحملات  من أجل التحقيق فى هذه الحوادث ومعاقبة مرتكبيها، وكثيرًا ما تجاوبت الشرطة والنيابة بالفعل مع فيديوهات تم بثها على الفيس بوك وتويتر وحققت فيما جاء بها من أحداث بعد التأكد من صحتها، وهو ما تم فى واقعة حارس الكمبوند؛ حيث جرى التحقيق مع المعتدى وإحالته إلى محاكمة عاجلة، وهو ما نرجو استمراره مع كل من تسوّل له نفسُه القيامَ بمثل هذه الأفعال استنادًا إلى نفوذه، كما نأمل أن تدرس الجهات المَعنية تعديلاً قانونيًا يتيح للنيابة العامة تحريك الدعوَى الجنائية فى جنح الاعتداء على الأشخاص والقتل الخطأ رُغم تصالح المجنى عليهم إذا رأت فى الجريمة ما يعكر الصفو العام ويؤثر على سلامة المجتمع مع قبول التصالح فى الدعوَى المدنية، ولا شك أن العقوبات الرادعة لمرتكبى هذه الجرائم سيكون لها دور كبير فى استعادة القانون لهيبته، والمواطنة لوضعها، والعدالة لمكانتها، ووقتها لن يقول أحد: «أنت عارف أنا مين؟»؛ إنما سيكون المصرى أيًا كان موقعه ومنصبه ووضعه وثراؤه «مواطن وبَس».