الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدستور «ميعرفش» عدلى منصور

الدستور «ميعرفش» عدلى منصور
الدستور «ميعرفش» عدلى منصور


فى الوقت الذى يعلن فيه رئيس الجمهورية المؤقت المستشار «عدلى منصور» اليوم السبت تحديد موعد دعوة المواطنين للاستفتاء على الدستور الذى استلمه من رئيس لجنة الخمسين «عمرو موسى» فى الثالث من ديسمبر الجارى، انتابت الشارع السياسى حالة من الحيرة، تتعلق بالمدة التى استغرقها الرئيس للقيام بهذه المهمة الدستورية ذات الإطار الروتينى، حيث اعتاد المصريون حسب سوابقهم فى دعوة الرئيس للناخبين فى الاستفتاء على الدستور، وما أكثر هذه السوابق، أن يكون إعلان موعد الدعوة، بعد 84 ساعة على الأكثر من تسلمه المسودة الدستورية من رئيس اللجنة.
 
ولكن مع الرئيس «منصور» الذى يعد قامة دستورية بحكم منصبه الأساسى الذى استلم على أثره منصب الرئاسة المؤقت، كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، دخلنا فى واقع جديد، وهو أن يمكث الرئيس على المسودة لأكثر من 10أيام، مما أثار الجدل، حول أن «منصور» سيتدخل فى المسودة لضبط الأخطاء النحوية التى ملأت مواد الدستور فضلا ما طرأ على المسودة من تزوير يتهم فيه السلفيون، بتحريف ديباجة الدستور، وتحويل عبارة «دولة حكمها مدنى» إلى عبارة «دولة حكومتها مدنية» فضلا عن توقعات بتدخل الرئيس فى تعديل بعض المواد التى حملت تناقضات مع مواد أخرى.
 
حقيقة الأمر أن الرئيس المؤقت، لا يمتلك الإقدام على أى تعديل فى مسودة الدستور، بل لا يستطيع أيضا وضع نقطة أو محو فاصلة، وهذا ليس لكونه رئيسا مؤقتا، وأن الرئيس الشرعى المنتخب يكون له هذا الحق، فهذه أمور يعج بها الشارع السياسى، ولكن لا أساس لها من الصحة، حيث إن الأعراف الديمقراطية فى العالم تكفل تكوين لجنة مستقلة، عندما تقدم الدول على وضع دساتيرها، وهذه اللجنة تكون معنية حسب مدة محددة بوضع ما تراه محققا لآمال الشعوب داخل كتاب الوطن، وبمجرد انتهاء أعمال اللجنة، تكون المسودة الدستورية محصنة، دون أى تدخل من الرئيس أو الحاكم حتى لو كان شرعيا، لتضع فى يد القاضى الشرعى وهو الشعب صاحب القرار عبر الاستفتاء بالتصويت بـ«نعم» أو«لا».
 
ولكن من الطبيعى أن تظل مسودة الدستور فى يد الرئيس المؤقت طوال هذه الفترة، ليس لتعديلها أو تجويدها، ولكن منصبه الأصلى كرأس للسلطة الدستورية فى البلاد، بحكم وطبيعة عمله الرفيع، يقتضى قراءة الدستور وديباجته بعناية، لكون هذا الدستور سيحال للاستفتاء بخط توقيعه، ويتم إقراره فى حالة التصويت بـ «نعم» فى عهده المؤقت، ومع كل فإن الفترة الطويلة التى اتخذها الرئيس مقارنة بالسوابق التى مرت فى تاريخنا السياسى عند الإعلان بوعد الاستفتاء على دساتير وتعديلها فى أعوام 1923 و1930 و 1956 و1964 و1971 و2005 و 2008 و 2012، هى فترة دستورية كفلت لـ«منصور» عبر الإعلان الدستورى الصادر فى 3 يوليو 2013حيث أعطى له الإعلان حق الدعوة فى فترة لا تزيد علي شهر، من موعد استلامه للمسودة.
 
أصوات سياسية أخرى، تحدثت عن الرئيس المؤقت، رفض صدور دستور يحتوى على أخطاء نحوية وتناقضات فى عهده، وهو ما جعله فى حالة مراجعة دائمة واجتماعات مع مستشاره القانونى د.على عوض ومستشاره الاقتصادى ورئيس الوزراء الأسبق د.كمال الجنزورى، لبحث إمكانية استخدام حقه بإصدار إعلان دستورى يعيد به المسودة الخمسينية إلى اللجنة ليتم انعقادها مرة أخرى لمدة بضعة أيام، لتحسين المنتج من حيث الصياغة والنحويات وضبط التناقضات، وعلى الرغم من أحقية الرئيس فى ذلك، إلا أن الحالة السياسية والأمنية، والحرب الممنهجة عالميا من التنظيم الدولى للإخوان، بمعاونة دولتي قطر وتركيا، حال دون ذلك، حتى لا يوصم الدستور، وتدخل المرحلة الانتقالية فى متاهات جديدة، مما يهدد شرعية «خارطة الطريق».
 
المفارقة أن هذه الأخطاء النحوية الكارثية جاءت فى دستور يتصدر مواده عبارة «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية»، فى حين أن الدستور امتلا بالأخطاء النحوية واللغوية ضاربا بمواده عرض الحائط بعدم احترام اللغة، وهو ما دفع الباحث اللغوى «محمد الدسوقى» إلى إعداد بحث حمل عنوان «أخطاء لغوية وأسلوبية فى الوثيقة الدستورية»، وما تحقق من انتهاك لقواعد اللغة والأسلوب الركيك جاء انطلاقا من الديباجة التى قالت: «ودعا ابن الأزهر رفاعة أن يكون الوطن محلا للسعادة المشتركة بين بنيه».. والصواب: «ودعا ابن الأزهر رفاعة إلى أن يكون الوطن..»، حيث إن الفعل «دعا» هنا يتعدى بحرف الجر «إلى» كما فى قوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، وجاء فى الديباجة أيضا: «بنصر أكتوبر الذى منح للرئيس أنور السادات مكانة خاصة فى تاريخنا القريب»، والصواب: «الذى منح الرئيس أنور السادات»، لأن الفعل منح ينصب مفعولين، وكلمة «الرئيس» تعرب مفعولا به، ولا مجال لجرها باللام، وتكررت فى العديد من مواد الدستور كلمة «كافة» بتركيب لغوى يحتاج إلى تصويب، فقد استخدمها القرآن الكريم، فى آيات عديدة، «حالا» بعد تمام الجملة، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة»، وليس من الفصاحة أو البلاغة استخدامها «مضافا» كما جاء فى عدد من المواد على 7 و 53 . كما وقعت بعض الصياغات فى خطأ الفصل بين المضاف والمضاف إليه دون مبرر، وذلك فى المادتين30 و 45وذلك فضلا عن بعض الصياغات التى خالفت القاعدة النحوية المشهورة التى تقضى بأن المصدر يعمل عمل فعله إذا أضيف لفاعله، وعلى سبيل المثال جاء فى المادة (18): «يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه، وكيفية ممارسته لاختصاصاته».. والصواب: ممارسته اختصاصاته.. بحذف لام الجر، لأن كلمة اختصاصات منصوبة باعتبارها مفعولا للمصدر ''ممارسة''.وبعيدا عن أخطاء الصياغة والنحويات، مازال الجدل قائما حول تعديل خارطة الطريق، وذلك بتبكير الانتخابات الرئاسية على الانتخابات البرلمانية، على عكس ما جاء فى إعلان 3 يوليو، والحقيقة أن مسودة الدستور حسمت هذا الجدل مبكرا، عبر المادة التى تتخفى فى ثوب المفاجأة، وهى المادة 162 فى باب السلطة التنفيذية، فرع رئيس الجمهورية، والتى تنص على الآتى: «إذا تزامن خلو منصب رئيس الجمهورية مع إجراء استفتاء أو انتخاب مجلس النواب تعى الأسبقية لانتخابات رئيس الجمهورية ويستمر المجلس لحين انتخاب الرئيس»، وبهذه المادة التى تعتبر سارية مع التصويت بـ«نعم»، تكون الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، وذلك بحكم الدستور.
 
وتفسيرا لذلك، يقول القانونى «عاطف مخاليف»، أن هذه المادة أوجبت إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية أولا، وذلك بعد خلاف قانونى دار بين النخبة السياسية، فى إطار الحالة الانتقالية التى نعيشها، فالمادة تتحدث عن حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، والبعض قال إن هذه المادة لا تطبق الآن لأن هناك رئيسا مؤقتا، ولكن المادة لم تنص على كلمة «مؤقت»، لقد نصت مباشرة على كلمة «الرئيس»، وهنا تطبق المادة لأن منصب الرئيس «مؤقت»، موضحا أنه فى حالة إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية بحسب خارطة الطريق، تعتبر انتخابات مجلس النواب ومن بعدها انتخابات الرئاسة باطلة.
 
وفى إطار امكانية قيام الرئيس بمراجعة وتعديل الدستور، أكد «مخاليف» أن الرئيس لا يملك هذا الحق، ولا يوجد سلطة دستورية تكفل له ذلك، لافتا إلى أن عمل الرئيس، هو عرض الدستور على الاستفتاء العام، وبنفس المسودة التى قدمت له من جانب لجنة الخمسين بدون زيادة أو نقصان أو تعديل، أو الاقتراب حتى من الديباجة.
 
وأكد على ذلك أيضا، الفقية القانونى د.رفعت السيد، الذى قال أن الرئيس المؤقت أو الشرعى، لا يملك أى منهما إجراء أى تعديل على مسودة دستورية، لافتا إلى أن السبب فى اتخاذ «منصور» لهذه المدة على غير العادة فى إعلان موعد الدعوة على استفتاء فى دساتير سابقة أو تعديلها، يرجع إلى ما حدث من محاولات تزوير وتعديل فى الديباجة من بعض قوى تيار الإسلام السياسى بعد أن تم التصويت على أن الدولة «حكمها مدنى»، لتعرض على الرئيس بعبارة «حكومتها مدنية»، ولذلك كان لابد مراجعة رئيس الجمهورية المؤقت والخروج من هذا المأزق بإعادة بياجة مثلما خرجت من تصويت أعضاء الخمسين.
 
وتابع «السيد» أن التصويت على الدستور لن يشهد تصويتا على مواد يضيفها الرئيس المؤقت بأيهما أولا، الرئيس أم البرلمان، ولكن تعديل الخارطة سيكون بقرار من رئيس الجمهورية عبر الحق الذى أعطته إياه لجنة الخمسين بطرح ما يراه مناسبا من أيها أولا، مشيرا إلى أن الدستور كفل لرئيس الجمهورية المؤقت حق الدعوة لإجراء انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس النواب فى وقت واحد، ولذلك ميزة تتعلق بتقليل المشقة والتكلفة التى تتحملها الدولة، ولكن هناك عيبا، وهو أن يتجه الناخبون للرئاسة على حساب البرلمان، وفيما يتعلق بقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب، لتقسيم مقاعد التعيين ما بين المرأة والشباب والعمال والفلاحين والأقباط، والبالغة 30 مقعدا بنسبة 5٪.
 
وحول الجدل القائم فى الديباجة فيما يتعلق بعبارة «حكمها مدنى» التى عدلت فى غفله عبر نسخ مزورة للمسودة ، قال الشاعر «سيد حجاب»، الذى قام بكتابة وصياغة ديباجة الدستور، أن الوضع الذى تمر فيه البلاد، لا يتحمل أية تعديلات أو إعادة المسودة لبضع أيام للجنة عبر إعلان دستورى، وقال: ليس من مصلحة مصر فتح باب النقاش، خاصة أن رئيس اللجنة «عمرو موسى» قام بمراجعة النسخة الأصلية واعتماد ما تمت فى الجلسة النهائية من أن حكمها «مدنى»، لافتا إلى أن فتح باب النقاش مرة أخرى سيتسبب فى مخاطر من ناحية إجراء الاستفتاء فى موعده المنتظر، والدخول فى غياهب التأجيل فى ظل محاولات جماعة الإخوان بإرهاب الشعب مستغلة ظروف المرحلة الانتقالية وعدم وجود رئيس منتخب ودستور وبرلمان.
 
وقال إن المطلوب الآن هو غلق كتاب الدستور بعد الاستفتاء عليه، وبدء تنفيذه عبر قوانين تحقق مطالب الشعب، مهاجما تعدد المواد فى حين إنه من المفترض أن يكون الدستور عبارة عن مبادئ عامة، ولكن ما وجدناه أن كل جهة ترغب فى تحصين معين، ولكن كثرة المواد أحدثت هذه البلبلة.