الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روايــة سوناتا عزيزة "الحلقة الثانية"

 سرايا المنيرى- 1995



وقتما دخلت بهو سرايا المنيرى، قابلتنى رئيفة هانم ورحبت بى ترحيبًا باردًا ثقيلاً كضباب أيام الشتاء المكفهرة، وقادتنى بسرعة إلى غرفة جدتى، ولم تترك لى أى فرصة لتأمل السرايا وحالها بعد كل السنوات الماضية التى مرت بعد خروجى منها أنا ودموعى وحزنى، بعد موت أبى وطردنا أنا وأمى من السرايا.

وقفت رئيفة هانم أمام باب جدتى وفتحته لى، وانتظرت حتى دخلت وأغلقته خلفى كأنها تحذرنى «لا تتحركى من الغرفة ولا تغادريها»، فأنا الغريبة التى لا يحق لى الوجود فى هذه السرايا ولو لزيارة جدتى المريضة، ولا يحق لى الوجود إلا فى تلك الغرفة وبين جدرانها فى زيارة قصيرة ستنتهى مهما طالت، لتنكرنى السرايا والعائلة مرة ثانية وللأبد.

دخلت غرفة جدتى ودموعى تسبقنى لحضنها، على فراشها وجدتها تعبة هشة ضعيفة، ليست هذه رشيقة هانم التى أعرفها، إنها بقايا جدتى التى سحب منها المرض وأيام العمر الكثيرة عافيتها وصحتها. شاهدتنى فحاولت أن تبتسم، لكن عضلات وجهها التعبة لم تطاوعها فاختلجت وجنتاها وعادتا لتصلبهما، نادتنى بصوت ضعيف لأجلس بجوارها، قبضت على كفى بأصابعها الهرمة المرتعشة، وحاولت رسم ابتسامة حانية على وجهها التعب لكنها فشلت.

أجلستنى جدتى بجوارها على الفراش، ومالت برأسها على كتفى كأنها تعبة من ثقل أفكار حديثها الأخير معى، أخبرتنى يومها، وبعدما أنهت حديثها المهم الذى استدعتنى من أجله، قالت إنها سترى أبى وأمى، وستطمئنهما علىَّ وتقول لهما إنى قوية، تحملت وسأتحمل كل ما مر وسيمر علىَّ.

كنت أبكى وأنتحب وهى تهذى وتقول إن أمها تناديها، وتقول إن أبى رتب لها جناحًا كبيرًا فى قصره العظيم فى جنة ربى، ودعتها باكية وأنا أرجوها وأدعو لها أن تستعيد صحتها وعافيتها لتبقى لى ومعى، فتبتسم ابتسامة شاحبة وتقسم بغلاوتى إن أمها تناديها ليل نهار. كنت أظنها تهذى من وهن وشيخوخة ستشفى منهما، ومنيت نفسى بشفائها القريب.

لكنى أفقت من أوهامى على الحقيقة المرة بعد يومين من زيارتى لها، حينما اتصلت بى زوجة عمى وأبلغتنى بصوت رخامى كئيب برحيل جدتى، وأخبرتنى بغضب وتوتر أن جدتى أمرتهم وأوصت بحضورى ليلة عزائها لأنى حفيدتها الغالية، وقالت إنها وكل العائلة يدعوننى للسرايا تنفيذًا لوصية المرحومة، والبقاء لله، وترحمت وسط دموعى وحزنى على جدتى الغالية التى أحبتنى طيلة حياتها، وحمتنى مما لا أعرفه، وفى النهاية سلمتنى صندوق الأسرار وهى توصينى على نفسى، وتؤكد لى أنها ستبقى معى ولن تغادر قلبى أبدًا، ثم رحلت إلى القصر العظيم الذى أعده أبى لها فى الجنة، ولم تتأخر عن نداءات أمها الغالية و.. الله يرحمك يا رشيقة هانم.

وسرعان ما عدت إلى سرايا المنيرى مرة ثانية، بثوبى الأسود وحزنى ودموعى ووجع الرحيل لحضور ليلة عزاء جدتى الغالية.

قادتنى الخادمة صوب الصالون، لأجد فيه نسوة عائلات حلوان كلها ونسوة عائلة المنيرى اللاتى حدقن إلىَّ لا يصدقن وجودى وسطهن، بعدما أنكرننى وصدقن أكاذيبهن عنى ونسيننى، جلست على أقرب مقعد صادفته فى الصالون وسط نسوة العائلة، وهن يتلقين العزاء بلا دمعة واحدة وبلا أى قدر من الحزن، أراهن وهن يهربن بنظراتهن بعيدًا عنى وعن المقعد الذى أجلس عليه كأنهن لا يريننى ولا يعرفننى. أحدق إليهن أستعيد ملامحهن وأسماءهن من سراديب ذاكرة الطفولة البعيدة، فأتذكر بعضهن لكنهن لا يتذكرننى بعدما محوننى من حياتهن كأنى لم أخلق فى الحياة أصلاً، ألمح فى أعينهن فضولاً وأسئلة خرساء عنى وعن حياتى، وكيف عشت وكيف مرت السنوات، ولماذا فرضتنى جدتى عليهن ليلة عزائها، فأيقظت فى قلوبهن رعبًا قديمًا نسينه وتناسينه. على وجوههن لوم وحزن وغضب من جدتى التى فضحتهن يوم وفاتها وأحضرتنى وسط العائلة وفى سرايتها وسط المعزيات والغرباء، ليفجر وجودى علامات استفهام صعبة تعجز نسوة المنيرى عن الإجابة عنها وتفسيرها.

تجاهلت نسوة المنيرى اللاتى جلسن وسط صالونات السرايا بملابسهن الأنيقة ومجوهراتهن الغالية، يذرفن وسط ضيوفهن الدموع الزجاجية الجافة ويجففنها بمناديلهن الحريرية الأنيقة بلا أى حزن حقيقى، واحتسيت قهوتى وجففت دموعى وكدت أبتسم رغم حزنى الحقيقى، وقتما تذكرت حصص الأصول وقواعد الإتيكيت وتصرفات بنات العائلات الراقية التى كنت أتعلمها رغم صغر سنى مع آنسات سرايا المنيري؛ لا تبكى فعلاً وجففى عينيك بمنديلك الحرير الأنيق، ليسطع خاتمك الماسى فى كل الأعين يذكرهم بعائلتك وأصلك ومقامك. كدت أبتسم لأنى نسيت كل الحصص التى تعلمتها معهن منذ عقود بعيدة، لكنهن لم ينسينها، ومازلن ينفذنها كما أمليت عليهن باعتبارها قيمة أصلهن وقدرهن وزهو عائلتهن، كدت أبتسم لكن دموعى غلبتنى وحزنى على جدتى يزيد ويطغى، ووحدتى وسط نسوة العائلة وبناتها تهيننى وتوجعنى، وجهلى بالسر يوجعنى أكثر، وكأنى سمعت صوت أبى، عرفان بك المنيرى، وسط زحام النساء وصخبهن يهون حزنى ويبدد وحدتى، وأحسست يده الحانية تمسح دموعى وتربت على قلبى، وكأنى سمعته يهمس فى قلبى، لا تغضبى منهن ولا تحزنى، لستِ مثلهن ولا تنتمين إليهن، أنت يا حبيبتى أجمل وأكثر صدقًا وإنسانية من كل الحاضرات، أنتِ ابنة عرفان المنيرى، وستبقين بقدرك وقيمتك ولقبك مهما تجاهلوك وأنكروك وتناسوا وجودك.

 وأجفف دموعى وأعود لقهوتى المحوجة بعطر جدتى ونسيم حنانها، وأحدق إلى صورتها على الجدار الكبير فى صدر الصالون، وأنفجر وحدى فى البكاء بنحيب موجع، أبكى رحيل جدتى رشيقة هانم، أبكى حياتى، أبكى أبى وأمى، أبكى لطفى، أبكى الجفاء الذى عشته بلا ذنب، والحرمان الذى قهرنى بلا خطيئة، والقسوة التى عصفت بأمانى ولا أستحقها، الله يرحمك يا رشيقة هانم.

تحدق إلىَّ نسوة المنيرى وضيوفهن، كراهية واستفزاز يتقافزان على وجوههن يؤكدان لى أنى لست بنتهن ولست من أهل السرايا ولا أنتمى إليها ولا إليهن، أنا الغريبة عن هذا العالم، عالم عائلة المنيرى وسرايتها الأنيقة، غضب ونفور يطلان من ملامحهن يؤكدان لى أنى كنت غريبة ومازلت غريبة، وأنى لا أستحق منهن وقت حزنى على جدتى إلا التجاهل والرفض والصمت والأدب الزائف لأولاد العائلات العريقة، لا أستحق منهن إلا الكراهية التى يمنحنها لى بمنتهى القسوة والجفاء.

وأعود لصورة جدتى وأسألها، كيف أنسى ما مر يا جدتى وهو يذكرنى ولم ينسني؟ ولمحت ابتسامة الصورة بطيبة وحنان، انسى يا عزيزة اللى فات وعيشى النهاردا، ووعدتها أن أحاول أن أنسى وأن أحاول أن أعيش، ويرتفع نحيبى أكثر وأكثر.

وآخر الليلة الحزينة الموحشة، تسللت من سرايا المنيرى باكية حزينة، ومعى روح جدتى وطيبتها، و.. الله يرحمك يا جدتى، الله يرحمك يا رشيقة هانم.

 عزبة السعداوى- 1995

أعطتنى جدتى فى لقائنا الأخير وهى على فراش الموت مفتاح الخزانة المستأجرة باسمى فى البنك الذى تعاملت معه هى وأمى طيلة حياتيهما، وشرحت لى وآخر أنفاسها يتحشرج فى صدرها، أنها وأمى استأجرتا تلك الخزانة بعد رحيل أبى، وحرصتا طيلة حياتيهما أن تدخرا لى فيها ما يحمينى من الزمن الموحش.

قالت جدتى إن هذه الخزانة هديتها هى وأمى لى فى نهاية رحلتيهما فى هذه الدنيا، وقد أوصتها أمى قبل رحيلها ألا تمنحنى مفتاح الخزانة إلا قبيل موتها، وها هو ميعاد رحيلها قد حان بعدما تلاحقت عليها نداءات أمها، وبعدما أخبرها أبى أنه أعد لها قصره العظيم فى الجنة ينتظر وصولها، وقالت وهى تحتضننى إنه قد حان الوقت لتعطينى المفتاح وتترك عالمنا وترحل.

قالت جدتى إنى كبرت ونضجت وقويت، وإنها تطمئن علىَّ فى الحياة من دونها ومن دون أمى فى حضن زوجى ورعايته، سألتها ما الذى سأجده فى الخزانة، ابتسمت وقالت إنها مليئة بالدهشة، ارتبكت ولم أفهم، ابتسمت بصعوبة ستفهمين كل شيء وقتما تفتحينها، لكن عدينى ألا تذهبى إلى البنك إلا بعد موتى، ووعدتها وأوفيت بوعدى فعلاً، فبعدما بكيتها لآخر دموعى وحزنت عليها أقصى حزنى، طلبت من عزيزة أن تصحبنى للبنك، وأخبرتها بما قالته لى جدتى قبل رحيلها، الغريب أن عزيزة لم تتحمس لذلك المشوار، وتحججت بحجج مختلفة كى لا نذهب إلى البنك، وراوغتنى وشرحت لى أنها تخشى علىَّ مما سنجده فى صندوق باندورا، ولم أفهم ولم تفسر.

وحين غادرنا البنك وأنا أحتضن الصندوق الخشبى الثقيل الذى وجدته فى قاع الخزانة تحت المصوغات وشهادات الأسهم والسندات مربوطًا بشريط ساتان أزرق، وعليه بخط أمى الرقيق قصاصة ورق مدون عليها «لا يفتح إلا بعد موتنا أنا ورشيقة هانم».

نظرت إلىَّ عزيزة نظرة قلق وخوف وهمست: إنه حقًّا صندوق باندورا.

 مقدر ومكتوب

عزيزة بنت الخولي

عزبة السعداوى - 1953

صرخت أمى الصرخة التى نعرف معناها جميعًا، فهرعت من الدار وصوت أبى يلاحقنى، همى يا صفية، لأنادى الست سعدية الداية لتسعف أمى التى يمزق صوت ألمها سكون ليل البلدة النائمة، ويفزع أشباحها ويثير غضبهم ويرعبنى.

وجع أمى يزداد وصراخها العالى يدوى صداه فى أذنى وأنا أجرى صوب بيت الست سعدية، أطرق بابها طرقات ملتاعة تعرف سببها، افتحى يا خالة، افتحى يا ست سعدية.

وفتحت الحكيمة العجوز باب دارها وهى تقبض على صرتها البيضاء الكبيرة، وخرجت تجرى وهى العجوز الهرمة أسرع منى صوب دارنا دون سؤال منها ولا جواب منى، يلا يا صفية همى، دا العيل الخامس لأمك فى عين العدو، ومش حيستنانا على ما نوصل، وتضحك، وهى تشرح لى ما لا أفهمه من أن الطفل سينزلق من بين فخذىّ أمى قبلما نصل إلى دارنا، ولا أجرؤ على سؤالها ماذا تقصد، وأجرى وتجرى وهى تتكلم وتحكى أن نفيسة أتعبت أمى وأتعبتها، تلات أيام بلياليها وهى شابطة فى بيت الولد ومش راضية تخرج للدنيا، تضحك خالتى سعدية، من كتر المناهدة أنا اللى روحى ساخت لما سمعت صوت عياطها، ثلاث أيام بلياليهم قاعدة جنب أمك أراضيها وأقول لها اصبرى، وطولى نفسك لما نفسى أنا انقطع.

تجرى خالتى سعدية صوب دارنا وأنا خلفها، وحواديتها الكثيرة كالطوفان تكفى عشر ليالٍ، البت نجية بنت حلال، أول صرخة كانت الصبح، وقبل ما الرجالة ترجع من الجامع بعد العشا كنا بنحميها ونزغرط، مستور بقى تعب أمك، وأنا قلت لها دا واد ما صدقتنيش، أصلها اوحشت قوى ومناخيرها بقت قد شونة الدرة، وحنكها وسع ولا كأنه فتحة الهويس وقت الرى، مستور تعبها وطول، يخبطها خبطتين ويسكت وناكل وننام ونقول مش جاى، وقبل ما أخرج من الدار، يخبطها فى جنبها الخبطة اللى تخلى صوتها يوصل لأبوكى فى جنينة البيه الكبير، أقلع طرحتى وأقول باسم الله واستعد أشوفه لكنه يرجع وينام، ليلتين يفرهدنا وأنا قاعدة جنب أمك نهاتى ونسايس فى الطلق وفيه، وفى الأخير أول ما خرج من بين رجليها طرطر فى وشى وحلفت على أبوكى ليكسينى جلابية جديدة حلاوة الواد اللى غرقنى من ساسى لرأسى.

أخجل مما تقوله لكنها لا تكف عن الكلام، فضلت سنين لما أشوفه أفكره باللى عمله وطبعًا يقولى مش فاكر. أسألها وما زال الطريق طويلاً، وأنا يا خالتي؟ تضحك إلا أنتِ يا صفية، وتنتبه فجأة للوقت، همى يا صفية إلا العيل اللى جاى مش حيستنانا، وعلى ما نوصل داركم حيكون شرف، ويبقى المشوار على قلة فايدة لا أجرة ولا تحلية بق، همى يا صفية.

وتسرع خالتى سعدية وأنا خلفها، أنتى بقى يا صفية سبتى كل أيام ربنا ونويتى ليلة الصيام تصحينا الليل كله، لا اتسحرنا ولا عرفنا نصوم، من بعد ما قالوا يا صيام وقبل ما نجهز السحور، نفيسة خبطت عليا وقالت الحقى يا خالتى، وطبعًا عرفت إن أمك نوت تضيع علينا السحور، والحق هى ما كدبتش خبر، صرخة ورا صرخة ونفيسة تقول الفجر حيأذن لازم تتسحرى يا خالتى، وأنا طبعًا لا ينفع أقعد على طبلية ولا ينفع آكل وأمك على صرخة واحدة، وبعدما قالوا الله أكبر، ونويت الصيام على لحم بطنى شرفتى يا حلوة قمر مقمر، سحرتينا ونستينا الصيام والدنيا كلها.

تنظر فى وجهى، أبوكى فرح بيكى قوى وقال البت قمر، فاتعازمت أمك وسط هدة حيلها، وخمست فى وشه وقالت له اكفى على الخبر ماجور، إلا العيل بيضيع بالنظرة. وخرجنا من أوضتها نقول إيه الوحاشة دى، البت وحشة ولا كأن العفريت بصم على وشها فى ليلة كحل، وأهل البلد صدقونا، لغاية ما شافتك الولية السو ضرة مرات عمك لما زارت أمك غضبانية، وقتها شهقت وخبطت على صدرها وقالت مالكوش حق تقولوا وحشة دى قمر وضحكت، وقالت قمر وأحلى من كل بنات العيلة.

أمك قاطعتها يا صفية، ومنعتها تخش داركم، لكن بعد إيه، بعد ما شربنا المر بسبب عينها الصفرا، أمك لبنها قطع وعذبتينا فى الرضاعة، ورجل أمك ما قطعتش عن الحكيمة، تسألها إزاى تفك النظرة اللى شقلبت حالك وعدمتك العافية.

تسرع خالتى سعدية، همى يا بنتى همى ألا مش حنلحق أمك، خلاص وصلنا يا خالتى، ودفعت خالتى سعدية بسرعة باب دارنا بقوة، وأزاحت أبى القلق من طريقها، دخلت على أمى وهى تقرأ الفاتحة وتدعو للنبى وآل بيته، يساعدوها وتكون ساعة تعبها منسية لا تفتكرها ولا تحس بيها، وسرعان ما ارتفع صوت أختى الصغيرة فى الدار كصرير بابنا فى ليالى المطر يخطر أبى بوصول ابنته الرابعة.

وسألت خالتى سعدية أمى عن الاسم الذى اختارته لابنتها الجميلة، وهى تحملها على ذراعيها وتؤذن فى أذنها، وتصلى على النبى من جمالها الذى لم تر مثله، همست أمى وسط تعبها بصوت مرتبك، كأنها تعرف ما ستسمعه من خالتى سعدية، عزيزة هانم، ولم تصدق الداية ما قالته أمى، وكررت سؤالها على أمى كأنها لم تفهمه فى المرة الأولى، فكررت أمى إجابتها كأن خالتى سعدية لم تفهم ما قالته، فشهقت خالتى سعدية فزعًا وخبطت على صدرها مرتين، كأنها شاهدت الحجر الكبير على ناصية حارتنا فى ليلة سوداء وقتما تحول إلى أرنب عملاق مرعب.

عزيزة هانم يا رقية؟ قولى كلام تانى لأجل ما نصلى على النبى ونسمى. أيوه عزيزة هانم يا خالتى، إيه ما نشبهش؟ هزت خالتى سعدية رأسها نفيًا، الحق ما تشبهوش، وبصراحتها المعهودة نصحت أمى، عيشى على قدك يا رقية وما تميليش بخت البت وتخلى اللى رايح واللى جاى يتمقلس عليها، صممت أمى وأقسمت برحمة أبيها وغلاوته إن الاسم الذى اختارته لبنتها الجميلة هو عزيزة هانم، ولا قوة فى الأرض حترجعها عن اللى فى رأسها، وبعدين هو أنا يعنى اللى باسمى، العيل بينزل متسمى من عند ربه وكل واحد ونصيبه.

وقد كان، وصارت أختى الصغيرة عزيزة هانم بنت رابح الخولى، شرحت أمى وقتها لخالتى سعدية وسط صراخ أختى وبكائها المتواصل ووسط إرهاقها وتعبها من علقة الموت التى أخذتها حتى أنجبت المحروسة، أنها حين شاهدت جمال عزيزة هانم وقتها نورت السرايا، ووصلت إلى البلد فى يومها الأول من كام حول يوم دخلة نفيسة، دا من زمن يا رقية لساكى فاكرة؟ أيوه فاكرة وعمرى ما نسيت، تؤكد أمى على خالتى سعدية، وتشرح لها أنها يومها ندرت لله وأهله فرخة حمراء لو منحها صبية بجمال الهانم وحسنها، وقررت لو حدث تسميها عزيزة هانم على اسم الهانم.

وعلى رأى المثل من جاور السعيد يسعد، ضحكت خالتى سعدية ساخرة من أمى وأوهامها، وهمست: إيش جاب لجاب يا رقية، إيش جاب البيه صاحب السرايا للخولى، وإيش جاب مراته بنت الأكابر لبنت رقية، وأضافت ساخرة، على العموم يا حبيبتى براحتك، واللى بيشيل قربة مخرومة بتخر على رأسه، واللى بيبص لفوق يتعب، وذبحت أمى الفرخة الحمراء، وأطعمت أولاد الشارع يوم السبوع.

وصارت أختى الصغيرة عزيزة هانم موضوعًا كبيرًا وحكاية عجيبة، بدأت وقتما ولدت ومازالت حية تتناقلها ألسنة أهل البلد فى كل وقت، ساخرين لا يصدقون أن رابح الخولى وزوجته رقية الحافيين تجرآ وسميا بنتهم اللى ما تتسماش عزيزة هانم على اسم الهانم زوجة لطفى بك صاحب السرايا والزمام كله، وصارت الحكاية حكاية كبيرة قبل أن تبدأ.