الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة 1 / 2.. 7×7=94

كلمة 1 / 2.. 7×7=94

فى مثل هذه الأيام من العام الماضى كنتم تقرأون بدلا من هذا المقال اعتذارا عن المقال.



علاقتى بالمستشفيات لا تتجاوز ما أراه فى الأفلام والمسلسلات، بالإضافة لزيارات سريعة للأصدقاء والأقارب، زارتنى على حين غرة الملعونة «كورونا»، ووجدت نفسى لأول مرة أعيش نحو أسبوع  فى حجرة داخل مستشفى للعزل، بعد أن ضربنى الفيروس  بقوة، وأصبحت المواجهة  من  المنزل  غير مجدية.

الحكاية  بدأت بكحة خفيفة، قالت لى صديقتى المخرجة هالة خليل ونحن فى اجتماع تابع لأحد لجان وزارة الثقافة «كحتك مش عاجبانى»، تجاهلت المعنى تماما  الذي تشير إليه، إلا أنها أضافت «أنا تعافيت قبل أربعة أشهر من كورونا، وبقولك كحتك صعبة»، قلت مع نفسى، هو أنا مثلا الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان دائم «النحنحة»  قبل الغناء لأنه يتوجس خيفة من احتمال غياب صوته، هى ترى أن كحتى صارت نشازا، وأنا ليس حتى الآن على الأقل، مطلوبا منى الغناء.

أول خط دفاع غالبا هو الإنكار، وهو أسوأ اختيار من الممكن أن يؤدى إلى نتائج وخيمة جدا، أمضيت يومين مستندا إلى بقاء حاستى الشم والتذوق فى عز قوتهما،  وهو ثانى قرار كارثى، الفيروس  قد تسلل وبدأ رحلة الغزو بغشومية، طلب أحد الدكاترة  الأصدقاء،  إجراء تحليل دم عدة أنواع  ولم أنفذ بالإيقاع المطلوب، خسرت يومين، ثبت «كوفيد بتحليل الدم» ثم أشعة مقطعية، بدأت معركة  المضادات  الحيوية،  بينما الفيروس يوجه ضرباته القاسية، وأجريت مقطعية ثانية بعد أن قال الطبيب بضرورة نقلى إلى المستشفى  لهبوط الأوكسجين، المقطعية الثانية  أشارت  إلى صعوبة الموقف.

سمعتهم يقولون: الغرقة رقم 49، أول ما أنتظره للتفاؤل  عند الإقامة فى أحد الفنادق هو رقم  الغرفة  7  أو مشتقاته،  الرقم بعيدا تماما عن تحقيق هذا الهدف، ثانى اختبار لى فى حكاية الرقم جمعهما، «يا داهية دقي» الرقم إذن 31.

ربما فى فندق أو على مائدة عشاء  ممكن التغيير، ولكن فى العزل  ليس من حق أحد  أساسا السؤال، تسكين الإنسان فى المستشفى يتم فى ثوان  ويغلق  بعدها الباب نهائيا.

 خسرت الضربة الأولى، بعد أن نزع الرقم من قلبى  أى شىء له علاقة  بالتفاؤل.

على الفور أجريت المقطعية  الثانية  داخل الجهاز الحديدى، أصوات إيقاع مزعج، وتلمح وجها ضاحكا داخل الجهاز، لا أعرف بالضبط، ما هى الحكمة وراء كل ذلك، أكدت المقطعية  الثانية أن الضربة عنيفة، وتم زيادة جرعات الدواء المضاد لهذا المتوغل الشرس.

شعرت  بنيران الحريق، فى صدرى، ارتديت ماسك أوكسجين خوفا من تناقص الرقم عن الحد الأدنى 92،  سمعت ممرضة  كانت تعتقد أنى نائم تدعو: «ربنا يشفيك ويعافيك»، كان صوتها فى تلك اللحظة  أحلى مليون مرة من كاظم الساهر وهو يردد «سلامتك من الآه»، المقطعية الثالثة أشارت إلى أن  هناك استجابة فورية  للعلاج، وأن الأمل  اقترب،  بين كل ذلك كنت أخشى من شىء واحد، ضياع التواصل مع الدنيا خارج العزل، الهاجس سقوط «النت» وفقدان الشاحن هو الكابوس، أتابع  الأخبار بينما عشرات من  دعوات اللقاء  عبر الهواء أو للتسجيل من قناوات مصرية وعربية عن دراما رمضان، تأتى لى، أعتذر عنها كلها طبعا.

داخل العزل وكأنك فى معتقل، وعلى البعد أستمع إلى أنات المرضى، وأشعر بالضبط كأنها آلامى، الروح تسمو والجسد يئن.

أعظم تجربة فى الألم هى الشفافية، لا أتمنى الألم لأحد، حتى من يحمل بداخل قلبه كراهية شخصية لى، أتمنى ألا يتألم. عدت  لمنزلى  وبدأت معها رحلة استعادة اللياقة.

الألم يسمو بأرواحنا وهكذا تسامحت وتصالحت، وأمسكت النجوم فى يدى، وأحببت أكثر الحياة بعد أن تسامحت وسموت ونجوت، مر عام ونسيت الكثير من التفاصيل والآلام والمخاوف ولم يبق سوى أن الرقم الذي تشاءمت منه فى البداية كان يستحق منى كل الحفاوة بل تفاؤل مضاعف، عندما تذكرت أن «7×7=94»!!.