الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية قبل وبعد الإسلام: الزواج.. بين البلوغ وسن الرشد! "16"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



نزل القرآن الكريم فى مجتمع من القبائل التى تُهاجم بعضها البعض، وتقوم بالسلب والنهب وسبى النساء، وكانت المرأة وقتها سلعة يمتلكها الرجل، ولذلك انتشر بينهم أنواع من الزواج الفاسد، منها زواج الشغار، وهو بلا مهر، يزوج فيه الرجل ابنته أو أخته لرجل أخر، على أن يزوجه الأخر ابنته أو أخته.

وزواج الاستبضاع، بأن يرسل الزوج زوجته إلى رجل آخر مشهور بالقوة لتحمل منه ولدًا يأخذ صفاته، ثم ينتسب الابن للزوج، وزواج الرهط، وهو أن يعاشر مجموعة من الرجال امرأة، فإذا حملت وولدت ولدًا تنسبه إلى من تختاره منهم.

كما أنهم اعتبروا المرأة ضمن الميراث، فالابن له أن يتزوج من تزوجها أبوه، وأقارب الزوج المتوفى يرثون زوجته، ويتزوجها أحدهم باعتبارها ضمن الميراث، ولهم حق عضلها بمعنى منعها من الزواج.

ولم يكن لهم تشريع محدد للمحرمات فى الزواج، وعند الطلاق تخرج المطلقة من البيت محرومة من أى حقوق، ولا توجد عدة للمطلقة أو الأرملة، فتتزوج المطلقة الحامل أو الأرملة الحامل وينتسب ولدها إلى غير أبيه.

الزواج فى الإسلام: 

يقوم على العفة والتراضى، أما العفة فلا زواج بالزانى والزانية، ولأن هدف الزواج هو العفة فالتيسير واجب فى الزواج حتى لا يوجد مبرر للوقوع فى الزنا. 

وفى الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب يأتى الحديث عن المحصنات المؤمنات، وهو اشتراط العفة والإيمان، ليكون حلالًا الزواج بين المسلمين وأهل الكتاب، وأن يأكل بعضهم طعام بعض: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ) المائدة 5.

أما التراضى فلا يجب إرغام امرأة على الزواج حتى لا يكون الزواج باطلًا، ولا إرغام زوجة على الحياة مع زوج تريد فراقه، فإذا كان من حق الزوج الطلاق، فمن حق الزوجة الخلع بأن تفتدى نفسها منه بدفع بعض ما قدمه لها من مهر: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة 229.

 

الزواج والطلاق:

المهر فى القرآن يُسمى أجر أو صداق، والله فرضه حقًا للمرأة: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) النساء 20.

والمهر أساس فى صحة العقد: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء 24، ويمكن استثناء المهر إذا سمحت المرأة: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء 4.

وبالنسبة لزواج المملوكة فيكون بعقد، ولها الحق فى المهر، والعدة، والمعاملة الطيبة: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء 25.  والاستثناء فى الزواج بدون مهر كان للنبى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) الأحزاب 50،( يَسْتَنكِحَهَا) بمعنى يعقد عليها أو كتب الكتاب.

ومقابل هذا الاستثناء المؤقت للنبى، فقد حرم تعالى عليه بعدها الزواج على زوجاته: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الأحزاب 52. 

كما جاء تحريم الزواج ممن تزوجها الأب، إذا طلقها أو مات عنها: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) النساء 22، والنكاح هو عقد الزواج، حتى بدون الدخول بالزوجة. 

وتحريم عضل المرأة بمعنى عدم منعها من أن تتزوج من تشاء، وتحريم أن تورث ضمن الميراث، والأمر بالإحسان للزوجة حتى لو كرهها زوجها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء 19. 

أما تشريع الطلاق، فقد أكد تعالى على وجود شاهدين، وأن يكون الطلاق بدرجاته مرحلة فى التوفيق بين الزوجين قبل الانفصال التام، مع حفظ حقوق المطلقة فى المتعة والنفقة وألا تخرج من بيتها فترة العدة، وحضانة طفلها ورضاعته على نفقة الزوج، وعليها العدة للتأكد من حملها أو عدم حملها، وبعد الانفصال يكون من حقها الزواج من جديد.

أما الذين أجازوا الزواج من البنات الصغيرات، فيستندون لروايات تنسب للنبى عليه الصلاة والسلام زواجه بالسيدة عائشة وهى طفلة فى التاسعة من عمرها، وهى روايات لا يمكن الاعتماد على الأعمار أو التواريخ التى جاءت بها، فالعرب لم يكن عندهم وقتها توثيق للمواليد ولا للزواج.

 سن السيدة عائشة:

وعن زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة، نجد فى بعض الروايات أن أم المؤمنين السيدة عائشة كانت مخطوبة لمطعم بن عدى، قبل أن يخطبها النبى عليه الصلاة والسلام، وأنها ولدت قبل بدء الرسالة فى مكة بعام واحد، وتزوجت بعد عامين من الهجرة، أى كان عمرها 16 سنة حين تزوجها النبى عليه الصلاة والسلام. وفى روايات أخرى نجد أن أخت السيدة عائشة وهى السيدة أسماء كان عمرها عند الهجرة 27 عامًا، حيث توفيت السيدة أسماء فى عام 73 هجريًا عن عمر يقارب 100 عام، وكانت السيدة عائشة أصغر منها بـ 10 سنوات، أى أن عمر السيدة عائشة عند الهجرة كان 17 عامًا، وتزوجها النبى عليه الصلاة والسلام وعمرها 19 عامًا.

 شروط الزواج:

فى قوله تعالى: (وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..) الطلاق 4، فالمطلقة جعل تعالى عدتها ثلاثة أشهر حتى يتم التأكد من عدم وجود حمل، أما قوله تعالى: (وَالَّلائِى لَمْ يَحِضْنَ)، الخطاب فى الآية عن المطلقات من النساء وليس عن الفتيات الصغيرات، فالآيات التى تتحدث عن الزواج والطلاق تذكر النساء ولا تذكر الفتيات أو الأطفال.

والآية تتكلم عن النساء اللاتى فقدن الأمل فى نزول الحيض حسب معرفتهن أو بسبب مرض، أما قوله تعالى: (وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ)، فهو خاص ببعض النساء اللاتى تجاوز عمرهن الفترة الزمنية المعروفة للحيض ولم يحضن بعد هذه الفترة، ولا يعنى الطفلة التى لم يبلغ عمرها فترة الحيض، ولو كانت الطفلة هى المقصودة لجاءت الصياغة مختلفة للعبارة مثل «واللائى لم يبلغن النكاح»، بما يشابه عبارة (بَلَغُواْ النِّكَاحَ)، فالصغيرات اللاتى لم يحضن هن لم يبلغن النكاح ولا زواج لهن. 

ويوجهنا تعالى إلى شرطين للزواج هما البلوغ وسن الرشد: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا..) النساء6، الآية تدل على وجود سن معينة لبلوغ النكاح، ولا تبلغ الفتاة سن الرشد والزواج فى سن الـ6 أو الـ 9 سنوات، ولو كان الزواج جائزًا فى أى سن ما جاءت هذه العبارة (حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ).

فمن شروط الزواج أن يصل كل طرف إلى سن معينة، هى بلوغ سن النكاح فيجوز عقد الزواج له، كما أنه تعالى يخاطب أزواج النبى عليه الصلاة والسلام: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ) الأحزاب 32، فالخطاب موجه لنساء بالغات راشدات تجاوزن سن الطفولة.

وعن العقود قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ..) المائدة1، وعقد الزواج من العقود ومن شروطه الإيجاب والقبول، أى أن الزوجين يمتلكان الوعى والإدراك ببلوغهما سن الرشد للموافقة على الزواج والإقرار بمضمون العقد، ولذلك يجب أخذ موافقة المرأة فى عقد الزواج، أما الطفلة التى لم تبلغ سن النكاح، فلا يجوز الزواج منها لأنها ناقصة الأهلية، فهى لم تبلغ ولم تصبح راشدة.

ولذلك فالكلام بأنه يجوز العقد على الطفلة التى لم تحض ولم تصل إلى فترة البلوغ والرشد هو ضد أحكام كتاب الله تعالى، ومثل هذه الروايات يستخدمها أعداء الإسلام فى الإساءة للنبى عليه الصلاة والسلام كمقدمة للإساءة للقرآن الكريم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) الأحزاب 53، ولذلك ينهانا تعالى عن توجيه أى أذى لرسول الله لا فى حياته، ولا بعد وفاته.