الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الحرب الروسية الأوكرانية توقظ عملاق أوروبا النائم : ألمانيا «الجديدة» الأكبر فى إنفاقها العسكرى أوروبيًا

يعبر يوم السابع والعشرين من شهر فبراير الماضى، عن مرحلة مفصلية ونقطة تحول مهمة فى تاريخ السياسة الألمانية، قد تطوى حقبة تاريخية كاملة بتوجهاتها السياسية والاستراتيجية والأمنية المعتمدة فى البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ليشهد  الاتحاد الأوروبى ولادة ألمانيا جديدة قوية، محصنة أمنيًا ودفاعيًا ضمن منظومته الأمنية.



ففى هذا اليوم، وخلال جلسة برلمانية طارئة عُقدت فى ظل احتدام الغزو الروسى لأوكرانيا، أعلن المستشار الألمانى أولاف شولتز فى خطاب تاريخى أمام البرلمان الألمانى «البوندستاغ»، عن خطوات رأى فيها العالم تحولاً جوهريًا فى السياسة الدفاعية لألمانيا المطبقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

زيادة الإنفاق العسكرى

فقد قال شولتز، فى تلك الجلسة المخصصة لبحث الحرب فى أوكرانيا، إن بلاده ستزود أوكرانيا بألف صاروخ مضاد للدبابات و500 صاروخ أرض- جو من طراز «سيتنغر» من مخزونات القوات المسلحة الألمانية حتى تتمكن كييف من الدفاع عن نفسها فى مواجهة روسيا. 

وذلك فى تحول كبير فى السياسة الخارجية لبرلين التى كانت ترفض تقديم أسلحة لأى طرف فى مناطق الصراعات. 

كما أشار شولتز خلال الجلسة إلى أن ألمانيا ستبدأ بإنفاق 2 فى المائة من ناتجها الإجمالى على الأقل، على أمنها الدفاعي، ردًا على التصعيد العسكرى الروسى على أبواب أوروبا. بزيادة قدرها 0.6 فى المائة، أى إضافة سنوية بنحو 20 مليار يورو. 

المستشار الألمانى فاجأ الجميع أيضًا بأن برلين ستخصص من ميزانية العام الحالى 100 مليار يورو للدفاع لإعادة تسليح الجيش الهرم، وتزويده بمعدات متطورة وصيانة معداته الموجودة. لتصبح ألمانيا من بين الدول الأوروبية الأكبر فى إنفاقها العسكري، بسبب حجم اقتصادها الأكبر أوروبيًا. 

واعتبر مراقبون أن هذا التحول فى موقف برلين خروج عن المألوف فى سياسة ألمانيا العسكرية ما بعد الحرب العالمية الثانية ومنذ عام 1955، حيث سمح لها بتشكيل جيش لا يشارك بأعمال قتالية خارج ألمانيا، وطلب منها ألا تساهم فى تزويد أطراف متصارعة بالسلاح فى العالم.

 تعزيز القدرات العسكرية 

ولكن فى ظل احتدام الغزو الروسى لأوكرانيا، طرأ هذا التغيير الملحوظ  فى موقف برلين  التى اتخذت العديد من الإجراءات التى لا تنم  فقط عن تغيير الأولويات ولكن أيضًا تغيير حاد عن سياسة ألمانيا السابقة، التى حافظت حتى الغزو الروسى لأوكرانيا على ممارساتها المتمثلة فى عدم إرسال أسلحة إلى مناطق فى حالة حرب أو حيث تهدد الحرب.

بما يشير إلى أن الحرب دفعت ألمانيا إلى تغيير جوهرى فى سياستها العسكرية والأمنية. 

فى هذا التقرير نرصد أبرز الإجراءات التى اتخذتها برلين مؤخرًا، والتى بها تتخلى كأكبر قوة اقتصادية فى أوروبا عن نهج اتبعته منذ عقود يقضى بالتريث فى تعزيز قدراتها العسكرية.

 الاستثمار فى القطاع الدفاعى 

فبعد ساعات على رفع ألمانيا حظرها على تصدير الأسلحة الفتاكة إلى مناطق النزاع بإعلانها تصدير شحنات عسكرية كبيرة إلى أوكرانيا، أعلن شولتس رصد استثمارات بمئة مليار يورو فى الجيش الألمانى للعام 2022. 

وشدد على ضرورة إدراج بند الاستثمار في تعزيز قدرات الجيش الألماني فى دستور البلاد. وقال المستشار الألمانى إن بلاده ستستثمر من الآن وصاعدًا وعامًا بعد عام أكثر من اثنين فى المئة من إجمالى ناتجها المحلى فى قطاعها الدفاعي. 

ويتخطى التعهد نسبة اثنين فى المئة التى يحددها حلف شمال الأطلسى هدفًا لدوله الأعضاء للاستثمار فى القطاع الدفاعي، ويشكل قطيعة مع نهج اتبعته برلين منذ سنوات باستثمار نسبة أدنى بكثير من اثنين بالمئة فى قطاعها الدفاعي، أدى إلى تعكير العلاقات بينها وبين حلفائ

المسئولية  التاريخية 

وبرّر شولتز إعلان زيادة الإنفاق العسكرى الضخم بالمسئولية التاريخية الملقاة على كاهل أوروبا لمنع توسع الحرب، ووقف بوتين عن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وقال للنواب المصفقين له: بوتين يعرض أمن أوروبا للخطر. ومن الواضح أننا يجب أن نستثمر بشكل أكبر بكثير فى أمننا بهدف حماية حريتنا وديمقراطيتنا. وأعلن شولتز أيضًا أن ألمانيا ملتزمة بحماية الدول المنتمية لـ«الناتو»، وبأنها لذلك ستعزز انتشارها ومساعداتها العسكرية ضمن قوات الناتو فى الدول الأوروبية الشرقية. 

تغييرات جذرية

وبالرغم من التداعيات الكبيرة على الاقتصاد الالمانى بسبب العقوبات على روسيا، ومعارضة المسئولين الألمان لفكرة حظر توريدات الطاقة من روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا. لأن مثل هذه الخطوة من شأنها تهديد السلم الاجتماعى فى ألمانيا. 

إذ يدرك الألمان أنه فى حالة إن طالت الحرب  فى أوكرانيا ستكون ألمانيا أكبر الخاسرين بسبب اعتمادها على الغاز الروسى وليس لها بديل غير الإمدادات الروسية .

بالإضافة إلى أن الشركات الألمانية لديها نصيب الأسد من الاستثمارات الأجنبية في كلا الدولتين روسيا وأوكرانيا، والمليارات المستثمرة فيهما، ناهيك عن أسواقهما المستقبلة للمنتجات الألمانية.

ولكن أدى الغزو الروسى إلى إحداث تغييرات فى الأولويات، حيث اعتزمت الحكومة الألمانية، اعتبارًا من هذا العام، تخصيص مبلغ «استثنائي» بقيمة 100 مليار يورو للمساعدة فى الاستثمارات التى يحتاجها الجيش الألمانى بشدة. 

وهو ما أيدته بشدة مفوضة القوات المسلحة الألمانية فى البرلمان، إيفا هوغل، معلنة أن الجيش قد يضطر إلى التحول من التركيز على المهمات الخارجية إلى «الدفاع المحلي». واعترفت أيضًا بأن «قدرة القوات المسلحة على التقدم ليست كما ينبغي» منذ نهاية الحرب الباردة، حيث قلصت ألمانيا حجم جيشها بشكل كبير، من نحو 500 ألف شخص عندما اتحدت البلاد فى العام 1990 إلى 200 ألف فقط حاليًا. 

وبسبب الحرب أيضًا والتى يبدو أنها أثارت حماس المسئولين فى برلين، أهاب المفتش العام الألمانى، إبرهارد تسورن، الجيش الألمانى لتغييرات جذرية. 

وقال إن الحرب الهجومية الوحشية التى يشنها الرئيس الروسى بوتين على أوكرانيا خلقت واقعًا جديدًا، مشيرًا إلى خطوات جارية ومستقبلية لتعزيز الجناح الشرقى للناتو، مثل المشاركة فى وحدة قتالية فى سلوفاكيا. 

وأفاد  تسورن وهو أعلى جندى فى ألمانيا أن التشغيل الأساسى للجيش أصبح الآن ذا أهمية خاصة، مشيرًا إلى مستودعات الذخيرة والمرافق الطبية واللوجستية والقيادية، مضيفًا أنه سيُجرى تخفيض مشاركة الجيش فى المساعدة الإدارية لمكافحة كورونا بشكل كبير، حيث ستكون هناك حاجة للجنود فى المهمة الأساسية المتعلقة بالدفاع عن الوطن والتحالف، على حد تعبيره.

وأشار إلى البرنامج الذى تم إقراره مؤخرًا، لتدعيم القوات المسلحة، والذى يقدر بالمليارات، وقال: «يجب أن يكون العمود الفقرى للجيش الألمانى مجددًا قوات مسلحة كاملة التجهيز قادرة على التصرف وقادرة على قيادة قتال عالى الكثافة فى إطار الناتو والاتحاد الأوروبي»، مؤكدًا ضرورة إزالة العقبات البيروقراطية وزيادة جاهزية القوات فى المنطقة بسرعة وبشكل واضح. 

 عودة الخدمة العسكرية الإجبارية 

كما عاد الحديث عن الخدمة العسكرية تحت ظلال الحرب، حيث بدأت ألمانيا تتحسس نقاط ضعفها العسكري، وعاد النقاش مجددًا ليتركز على موضوع الخدمة العسكرية الإجبارية.

وكان لتعليق الخدمة العسكرية الإجبارية عام 2011، بعد مناقشات طويلة مثيرة للجدل، اعتبارات مالية وجيوسياسية فى ذلك الوقت. وفى ظل عدم وجود تهديد مباشر للبلاد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتوقيع حلف وارسو التحالف العسكرى للكتلة الشرقية، بدا أن التجنيد الإجبارى أصبح من الماضي. 

وساد هذا الانطباع أيضًا فى ما يتعلق بالحاجة إلى الاستثمار فى قدرات الجيش الألمانى الذى كانت التزاماته، وفق التحليل فى ذلك الوقت، تركز على المهمات الخارجية، كما كانت الحال فى أفغانستان. 

لكن الحرب فى أوكرانيا والمخاوف بشأن قدرة الجيش الألمانى على الدفاع عن البلاد وضمان التزاماته فى حلف شمال الأطلسي، أعطتها دينامية جديدة. 

ولا تختلف الآراء فى ألمانيا بشدة حول هذا الموضوع بين الحزبين الاشتراكى والمسيحى الديمقراطي. 

بل صرح أحد النواب  البارزين فى حزب المستشار أولاف شولتس فى مقابلة مع وسائل الإعلام بأن بلاده تحتاج إلى مناقشة الخدمة الإجبارية للمصلحة العامة بشكل عاجل لأن الألمان فى حاجة إلى توافق فى الآراء على مستوى المجتمع حول هذا الموضوع. 

وأضاف هذا النائب الخبير فى الشئون الأمنية، أن هذا من شأنه أن يشجع روح التضامن فى البلاد. 

ومن جانبه، تحدث نائب رئيس الاتحاد الديمقراطى المسيحي، كارستن لينيمان، إلى صحيفة «بيلد»، الصحيفة الأكثر انتشارًا فى ألمانيا إلى أنه من شأن هذه الخدمة أن تعزز قدرة المجتمع الألمانى على الصمود، من خلال توفير المهارات الاجتماعية التى يحتاج إليها بلد ما خلال الأزمات. 

كما أشار يواكيم كراوسه مدير معهد «كيل» للسياسات الأمنية خلال مقابلة مع محطة «سات.1» التليفزيونية، وهى أشهر شبكة تليفزيونية خاصة فى ألمانيا إلى أن حلف شمال الأطلسى بصدد العودة إلى استراتيجية الردع، وسيتعين على ألمانيا المشاركة لأنها أهم دولة من حيث القوات البرية، ولدينا عجز كبير. وأضاف: وأعتقد أننا على الأرجح سنضطر لإعادة الخدمة العسكرية الإجبارية.

ومع ذلك ما زالت إعادة الخدمة العسكرية الإجبارية التى تتطلب تصويت أغلبية الثلثين من البرلمان الألمانى، بعيدة عن الحصول على إجماع.