الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قانون تنظيم الخطابة.. مخاوف مشروعة

قانون تنظيم الخطابة.. مخاوف مشروعة

الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحَسنة، وهذا ما ينطبق على مشروع تعديل بعض مواد قانون تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حُكمها، والذى وافقت عليه منذ أيام من حيث المبدأ لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب برئاسة الدكتور على جمعة، لا أشك فى النوايا الطيبة لمقدمى المشروع وأتفهم غيرتهم على الدين، ولكن ومن منطلق الغيرة على الدين أيضًا لدَىّ مخاوف وملاحظات عديدة على القانون.



تنص التعديلات المقترحة على «لا يجوز لغير المعينين المتخصصين أو المرخص لهم من غير المعينين من خريجى الأزهر والعاملين به من الأئمة بالأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف والإفتاء، ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حُكمها، والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة، أو الإلكترونية». 

«ويصدر بالتصريح قرار من مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف حسب الأحوال، ولا يجوز الترخيص لغيرهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حُكمها، والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة، أو الإلكترونية».

وينص المشروع أيضًا على «يعاقب بالسجن المشدد، مدة لا تقل عن 6 أشهُر ولا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد والأماكن العامة ودور المناسبات وما فى حُكمها والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام من دون تصريح أو ترخيص أو أثناء إيقاف أو سَحب الترخيص، وكل من أبدى رأيًا مخالفًا لصحيح الدين، أو منافيًا لأصوله أو مبادئه الكلية المعتبرة، إذا ترتب على آرائه إشاعة الفتنة أو التحريض على العنف والحض عليه بين أبناء الأمة، وتضاعف فى حالة العود، وتصل للأشغال الشاقة المؤبدة».

من ناحية المبدأ ليس لدىَّ اعتراض على تنظيم إصدار الفتاوَى ومنع غير المتخصصين من الإفتاء، ولا فى قِصَر الخطابة فى المساجد على المعينين من الأزهر والأوقاف أو ممن يحصلون على ترخيص، فهو أمرٌ محمودٌ ويمنع المتطرفين وأدعياء التدين من اعتلاء المنابر وتوجيه المصلين نحو أفكارهم وتفسيراتهم الدينية البعيدة عن روح وسماحة الإسلام؛ ولكن التحسب من منع التحدث فى الشأن الدينى فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية إلا لمن يسمح لهم ويحصلون على ترخيص. ومبعث هواجسى أن كلمة الشأن الدينى مطاطة ومظلتها تغطى مساحة كبيرة قد تضع أى مناقشة تحت طائلة القانون وعقوباته الكبيرة والتى تصل إلى السجن المشدد، ومن غير المعقول أن يصبح كل كلام فى الدين ممنوعًا، وأن يغلق الباب فى وجه غير المشتغلين بالعلوم الدينية، وإذا كانت الفتوَى يجب أن تصدر من أهل الاختصاص، وكذلك ما يتصل بالعبادات والطقوس؛ فإن هناك قضايا ومجالات أخرى تخص المواطنين عمومًا، وهى الجوانب التى تتصل بعلاقة الدين بالمجتمع، وهى أمور يتناولها الباحث والمثقف والأكاديمى وبسطاء الناس؛ خصوصًا مع تطور المجتمعات وتعدد مشكلاته واختلافها من مجتمع لآخر، ما يؤدى إلى اختلاف الرؤى وتعدد الآراء وتبايُن وجهات النظر، وهذا ما يثرى المناقشات ويضىء النور ويبتكر الحلول، كما يتماسى الدين مع العلوم الاجتماعية والاقتصادية والطبية فى كثير من القضايا، وبالطبع لا يمكن لرجال الدين الإلمام بكل العلوم، وأعتقد أن الجانب الأكبر من المناقشات فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية تمس المشاكل الاجتماعية، ويؤدى تجريم الحديث فيها إلى الانغلاق التام ومنع الاجتهاد فيما يمس حياة الناس، وقد كان لإثارة بعض القضايا من قِبَل المثقفين دورٌ فى إحياء فتاوَى كانت مهملة مثل الكد والسعاية، التى قال بها شيخ الأزهر منذ أيام بعد أن أثيرت قضية عمل المرأة ومساهمتها فى مصاريف البيت وتعاونها فى تنمية ثروة زوجها؛ حيث استند الإمام الأكبر إلى فتوى مهجورة لعمر بن الخطاب (رضى الله عنه) منح فيها إحدى الزوجات نصف ثروة زوجها بعد وفاته لأنها شاركته فى العمل وتنمية تجارته، كما كان إثارة قضية ضرب الزوجات حافزًا لكى يوضح الدكتور الطيب القواعد الشرعية فى هذا الأمر، وقال إن من يتعداها يجب عقابه وأنه لا مانع من وجود قانون رادع للاعتداء البدنى، يتسع الشأن الدينى لمناحى أخرى باتساع مجالات المجتمع وتنوعه وتطوره، وعبارة الشأن الدينى الموجودة فى مشروع القانون تطرح تساؤلات عديدة، منها؛ هل تشمل الكلام عن التاريخ الإسلامى؟ وهل الحديث عن الصحابة وأفعالهم والشخصيات التاريخية يضع المتحدثين تحت طائلة القانون؟ وماذا عن الفتوحات الإسلامية ومناقشتها؟ وهل مناقشة مواقف رجال الدين والمؤسّسات الدينية يدخل ضمن التجريم أمْ لا؟ وهل يشمل القانون الدين المسيحى أمْ يقتصر على الإسلام فقط؟ وماذا لو تقدم أحد بقانون مماثل عن المسيحية؟ ما أطرحه هو هواجس ومخاوف من أن يصبح هذا القانون سيفًا مسلطا على رقاب المثقفين، ويغلق باب الاجتهاد، ويعطى الفرصة لمحامى الشهرة والحسبة لمزيد من إقامة الدعاوَى المكروهة، أتمنى أن يحظى القانون قَبْل إصداره بمناقشة مجتمعية موسعة، وعلى الأقل يجب على من تقدّموا به أن يقوموا بتعريف الشأن الدينى تعريفًا جامعًا مانعًا وأن يحددوا بدقة ما المقصود به؟.