الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية بين النقد والإساءة للإسلام: الجهاد للدفاع.. وتقرير الحرية للناس! "14"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



بين  الإساءة والنقد فرق كبير، فالإساءة تكون فى تناول السلبيات، أما النقد فيكون فى تناول الموضوع بما له من إيجابيات وما عليه من سلبيات، وفى كتابات د. كامل النجار لا يجد القارئ سوى السلبيات التى يهم بها الإسلام، كما ينتقد كل من يحاول أن يوضح حقائق الإسلام.

ويقول كامل النجار عن نفسه أنه كان مسلمًا تربى فى بيئة دينية، وأصبح عضوًا بجماعة الإخوان المسلمين فى المرحلتين الثانوية والجامعية، وبعد أن تخرج فى الجامعة طبيبًا، رحل إلى إنجلترا، فتحول إلى ملحد ينكر وجود الإله.

وقام بنشر ثلاثة كتب باللغة العربية، دراسة منهجية للإسلام، والدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق، وتأملات فى القرآن.

فى فكر كامل النجار، الإساءة هى الأمر الوحيد الذى يقوم بالتركيز عليه فى نقده للإسلام، ويرى أن العرب لم يكونوا بحاجة للإسلام ليعرفوا التوحيد، لأن اليهودية والمسيحية كانتا منتشرتين فى بلاد العرب، وكان يمكن لهما أن تكونا بديلًا ناجحًا فى نشر التوحيد بدلًا من الإسلام. 

ويركز على الجانب السياسى وارتباطه بالجهاد، ويخلط بين النظام السياسى القائم على أساس القرآن، وبين التطبيقات الخاطئة لمن تولى السلطة من بعض الحكام المسلمين.

ويرى أن الذين حاربوا المسلمين كانوا يدافعون عن أرضهم وأنفسهم، ولم يبدأ أحد بالهجوم على المسلمين، إلا فى غزوة الخندق التى قامت بها قريش ردًا على هجمات المسلمين المتكررة على قوافل قريش، وهذا الكلام غير صحيح حيث إن قريش أصرت على حرب المسلمين بدءًا بمعركة بدر وانتهاءً بفتح مكة، كما أن قريش عذبت المسلمين وحاصرتهم اقتصاديًا حين كانوا فى مكة.

ويرى أنه لم يكن فى أيام النبى مجتمعات تقتل الناس من أجل أفكارها غير المجتمع الإسلامى، وينكر أن مجتمع قريش فى الجاهلية كان يضطهد المسلمين ويقتلهم بسبب إيمانهم بالإسلام، وينكر أن الدولة الرومانية الكاثوليكية كانت تضطهد المسيحيين الأقباط الأرثوذكس بسبب اختلاف الملة، ولم يتم قتال بنى قريظة من أجل أفكارهم بل من أجل خيانتهم للعهود والمواثيق.

والصورة المشوهة التى نقلها لما حدث مع بنى قريظة، وما نقله عن الطبرى حول قصة امرأة اسمها أم قرفة من بنى فزارة قتلها زيد بن حارثة بأن ربط رجليها إلى بعيرين، ثم انطلق البعيران فى اتجاهين متضادين حتى شقاها، ونسب هذه الرواية إلى تاريخ الطبرى، والطبرى يروى هذه القصة عن الواقدى، والواقدى ضعيف فى علم الرجال كما قال عنه النووى، وانتقد العلماء الواقدى مع تصريحهم بسعة علمه، بأنه لا يحتج برواياته المتصلة فكيف بما يرسله أو يقوله بسند ضعيف.

وفى نفس القصة يروى الطبرى رواية أخرى، أن السرية التى غزت بنى فزارة كانت بقيادة أبى بكر، مخالفًا بذلك الرواية التى جعلت الغزوة بقيادة زيد بن حارثة، وهناك مصادر أخرى كالبيهقى والدارقطنى تذكر أن مقتل أم قرفة إنما كان فى عهد خلافة أبى بكر، وأنها ارتدت عن الإسلام فاستتابها فلم تتب فقتلها، وروايات أخرى تقول أنه قتلها فى الردة، فالروايات التاريخية متضاربة حول حقيقة موت أم قرفة.

الجهاد

ونجد أن مفهوم الجهاد فى القرآن الكريم من المفاهيم التى تم فهمها بشكل غير صحيح، مما يؤدى إلى دعم التصور الخاطئ عن الإسلام، وعن آيات الجهاد فى القرآن الكريم. 

لقد قرر القرآن الكريم حرية الاختيار للناس جميعًا، ولا يمكن إلغاء الكفر وجعل أهل الأرض كلهم مؤمنين: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) الرعد31، حيث تبين لنا الآية أن جدل الكفر والإيمان لا ينتهى بهداية الناس أجمعين، لكن الله شاء وتركهم أحرارًا فى اختيارهم لهذا فعلى المؤمنين أن يسلموا بوجود الكفر، وأن لا مجال لإلغائه لأنه من حق كل إنسان أن يختار الإيمان أو الكفر، ومنعنا تعالى من إكراه الناس على الإيمان: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف29. 

أما إذا تم فرض الكفر على المؤمنين واضطهادهم، أى عندما يحاول الكافر أن يلغى الآخر المؤمن يصبح القتال مشروعًا لا لإلغاء الكفر ولكن لحماية حرية الاختيار للناس فى العقيدة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) التوبة 73، ونلاحظ كيف أضاف تعالى الأمر بالجهاد فى الدنيا إلى العقاب فى الآخرة.

لقد بدأ تعالى بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، ليبين لنا أنه تعليم وليس تشريعًا، لأنه تعالى لم يقل «يا أيها الرسول»، وجمع المنافقين بالكفار، ومن السيرة النبوية نعلم أن النبى عليه الصلاة والسلام لم يتخذ بحق المنافقين أية عقوبة دنيوية، لأن العقوبات فى الإسلام على الأعمال وليست على النوايا، لأن النوايا يعلمها الله تعالى ويجزى بها أو يعاقب عليها، أما العقوبات عند الناس فهى على الأعمال.

 الخطوط الأساسية

للجهاد فى الإسلام خطوط أساسية هى محاربة الاستبداد ومحاربة إكراه الناس، لأنه يجب فى أى مجتمع أن يسمح بالحرية بدون أى إكراه.

فالجهاد فى الإسلام يكون فى سبيل الله: (فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء 74.

فالقتال لإقرار المبدأ القرآنى (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ)، هو قتال فى سبيل الله، والقتال لإكراه الناس فى الدين هو قتال فى سبيل الطاغوت: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء 76، لقد كان للنبى عليه الصلاة والسلام فى المرحلة المكية طلب واحد: «خلو بينى وبين الناس».

لقد تحمل النبى عليه الصلاة والسلام فى مكة الأذى فى سبيل الله، وكان سلاحه الصبر، وأن كل الذين أوذوا فى مكة واستشهدوا كان إيذاؤهم فى سبيل الله، فكانت مرحلة احتمال أذى مع قول الحق للحصول على اعتراف الآخر بحق الوجود وحرية الاعتقاد، وعندما حصل النبى عليه الصلاة والسلام على اعتراف الآخر فى صلح الحديبية اعتبره نصرًا.

لقد تم فهم الجهاد فهمًا لا يتفق مع القرآن، حتى قيل أن أكثر من 120 آية من آيات الجهاد تم نسخها بحجة أنها مرحلية، أى تتعلق بجهاد النبى عليه الصلاة والسلام فى بداية الدعوة، ولذلك تم نسخها بانقضاء مرحلتها، وأدى ذلك إلى الحكم على الجهاد بأنه يرتبط بالعنف والإرهاب، وما زال بعض المستشرقين يعتمدون على هذا الفهم فى النيل من الإسلام.

لقد طبق النبى عليه الصلاة والسلام أحكام آيات الجهاد، ولم نعرف عنه أنه قال بنسخ أى من هذه الآيات، فقد كتب دستور المدينة فى الصحيفة مع يهود يثرب، وعقد صلح الحديبية مع قريش، وفتح مكة، وقاتل الذين قاتلوه أو خالفوا عهودهم معه، لكنه مع ذلك كله لم يجعل من الجهاد مبررًا للعنف والإرهاب بالسيف.

 الجزية

أما عن قوله تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة 29، فإن الآية تضع شروطًا محددة للجزية تقع على البعض من الذين أوتوا الكتاب وليس كلهم وممن تنطبق عليهم المواصفات محددة، أن يبدأوا بقتال المسلمين، ثم ينتهى هذا القتال بهزيمة المعتدين بدلالة قوله تعالى: (صَاغِرُونَ)، وألا يكونوا من المؤمنين بالله ولا باليوم الآخر، وألا يحرموا ما حرم الله ورسوله من قتل وشهادة زور وفواحش.

 قواعد تشريعية

إن الأحكام فى تشريع القرآن هى أوامر فى إطار قواعد تشريعية لها غايات عامة، ومنها تشريع الجهاد فى الإسلام، ونجد أن الجهاد فى مصطلح القرآن يعنى النضال بالنفس والمال فى سبيل الله، وقد يكون ذلك بالدعوة السلمية من خلال رسالة القرآن، كما فى قوله تعالى عن القرآن: (فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبيرًا) الفرقان 52.

إن تشريعات القرآن تضع أحكامًا وأهدافًا تؤكد على السعى للسلام ومنع الاضطهاد فى الدين حتى يختار كل إنسان ما يشاء من عقيدة، ويكون مسئولًا عن اختياره أمام الله تعالى يوم القيامة، واللجوء للجهاد يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء، ثم يكون الهدف النهائى للجهاد هو تقرير الحرية للناس، حيث يكون الدين لله تعالى يحكم فيه وحده على الناس يوم القيامة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله) الأنفال39.

الإسلام دين السلام، ومع ذلك أصبح متهمًا بالتطرف والإرهاب بسبب أعمال بعض المسلمين، ويرجع ذلك إلى القراءة السطحية والفهم غير الصحيح للآيات بسبب عدم التدبر أو محاولة التفكر فى الآيات، لعدم وجود منهج موضوعى لفهم القرآن الكريم.