صراع البقاء والسراب يحاكيه الجسر

فى عالم ما بعد النهاية، نهاية كوكب الأرض بسبب حرب ما دمرت البشرية، عالم من الفوضى والعجز والخوف، كلٌ يبحث عن الأمان مرة أخرى، فهناك من اشتراه مقابل عبوديته داخل مستعمرة أشبه بالسجن، وهناك من يجوب الطرقات بحثًا عنه مهما كانت المخاطر التى يواجهها، لكن الهدف واحد، وكلٌ يسوقه فكره واختياره.

 

فكرة ليست بجديدة عالميًا، ولكنها تقدم لأول مرة كعمل فنى مصرى فى مسلسل (الجسر) من تأليف وإخراج «بيتر ميمى» الذى أبدع كمخرج فى نقل حالة الفوضى والنهاية والصراع على ما تبقى من حياة، فتشاهد خلال 6 حلقات المسلسل شوارع تتصف بالوحشة وتنطق بالدمار فى كل جوانبها، وسيارات متروكة فى كل مكان بلا صاحب يغمرها التراب كأنها ماتت مع مُلّاكها وابتلع رونقها الدمار الذى حلّ بالعالم، وتُشاهد وجوه من تبقى من أناس مكسورة ضعيفة تعيش الظلم والفقر والجوع وتفتقر للحرية والإرادة، والقرار، وتكتسى بملابس مهرولة متسخة، وترى النساء بشعر أشعث وبدون ماكياج، تفاصيل تدعوك لمعايشة تلك الحياة أو بمعنى أصح اللاحياة والنهاية، صورة رسمها «بيتر ميمى» بإبداع لتتعايش مع الأحداث، وتشعر بكل ما تمر به شخصيات العمل وسط الفوضى والصراعات، تلك الشخصيات التى يعانى كل منهم صراعًا داخليًا أو خارجيًا ، فترى «نيللى كريم» فى دور «دليلة» المرأه المستبدة التى تدافع عن مستعمرتها بكل الطرق ومهما كانت الخسائر، فتكرهها مع بدء الأحداث ولا تأخذ صفها ولا ترى لأفعالها حججًا منطقية، لكن تختلف رؤيتك مع مرور الأحداث، و«عمرو سعد» فى دور «نوح» الاسم الذى يعكس محاولته النجاة بابنه بأى وسيلة وبقلب جرىء لا يخاف شيئًا ليصل به لبر الأمان - من وجهة نظره- أما الطفل «يوسف صلاح» فى دور «ناجى» فقد جسد دوره بحرفية شديدة رغم أنه وجه جديد، لكنك ستندمج معه كليًا كأنه ابنك وستحاول مساعدته كأنك بالفعل تستطيع ذلك، وأيضًا «محمد أوزو» فى دور «سامى» أتقن الشخصية وانغمس فى تجسيدها، وغيرهم من الفنانين الذين أجادوا وأضافوا لأدوارهم حتى وإن ظهروا فى مشهد أو اثنين مثل «أحمد بدير وجميل برسوم وفيدرا» فالأداء التمثيلى من أقوى عناصر مسلسل (الجسر) الذى شابه بعض السقطات من عدم إتقان الجرافيكس والمؤثرات البصرية، وأيضًا ضعف الحوار خاصة فى الحلقات الأولى منه، لكن إدماج أغنية (طير يا حمام) وسط الأحداث عزز حالة المشاهد التى تحكى المقاومة والرغبة فى التحرر بشكل جذاب، ولا يمكن أن ننفى كون مسلسل (الجسر) نقلة جديدة لنا كفن مصرى يقدم تلك النوعية من الأعمال الفنية الخاصة بنهاية العالم التى تجذب قطاعًا كبيرًا من الجمهور يبحث عنها فى المنصات الأجنبية، وبالتالى فنحن على أول سلم المنافسة.