الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أول مرشحة من ذوى الهمم لمجلس نقابة طب الأسنان بالقاهرة إسراء البابلى أول طبيبة أسنان فاقدة لحاسة السمع

فى الثلاثين من عمرها، أول طبيبة أسنان من ذوى الهمم، وُلدت بصمم عميق منعها من الانسجام مع العالم كأى طفل عادى، تحدت عائلتها كل الظروف لمساعدتها على عيش حياة طبيعية، وتخلت والدتها عن مهنة الصحافة التى أحبتها وكرست حياتها لمساعدة ابنتها.



إسراء السيد البابلى.. قضت حياتها بين المدرسة ودورات التخاطب، وتخرجت فى الثانوية العامة بمجموع 94.6 فكانت أول فتاة تعانى من الصمم تلتحق بكلية طب الأسنان، مر عليها الكثير من اللحظات الصعبة أثناء دراستها التى جعلتها تفكر فى الانسحاب والتراجع؛ لكنها فضلت استكمال مسيرتها واستكمال التحدى، تخرجت فى كلية طب الأسنان وفتحت عيادتها الخاصة عام 2014 فى مدينة الشروق وحققت نجاحًا، وفى العام 2017 اختارتها الأمم المتحدة لتقديم خطبة أمام الجمعية العمومية فى يوم المرأة فى العلوم كأول متحدثة رسمية فاقدة لحاسة السمع فى الأمم المتحدة، ولاحقًا فى العام نفسه كرمها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المؤتمر الوطنى للشباب الدورة الثالثة بالإسماعيلية، وأخيرًا وليس آخرًا تقدمت بأوراق ترشيحها فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس نقابة طب الأسنان بالقاهرة التى ستنطلق 22 مارس 2022، هى الطبيبة المعجزة إسراء البابلى تتحدث فى حوار لروز اليوسف حول مسيرتها وما واجهته من صعوبات وتحديات وصولًا لنجاحها. 

تحكى إسراء السيد البابلى قصتها فتقول: أنا الابنة الأكبر لثلاثة أخوة غيرى، ولدت فى مصر بصمم عميق وعشت فيها حتى عمر 5 سنوات، وعندما حان موعد التحاقى بالتعليم لم تقبلنى المدارس فى مصر وطلبوا من عائلتى إلحاقى بالمدارس المخصصة لذوى الهمم، فرفضت عائلتى ذلك وآثرت السفر إلى مملكة البحرين لاستكمال تعليمى بشكل عادى، قضيت هناك سنوات دراستى من الصف الابتدائى وحتى الصف الثانوى بالمدارس الحكومية بمملكة البحرين، وكان ذلك حتى سن الـ18 عامًا، ثم عدت إلى مصر مرة أخرى لاستكمال تعليمى الجامعى، والتحقت بكلية طب الفم والأسنان جامعة المستقبل، وها أنا الآن أعمل كطبيبة أسنان لدىّ عيادة خاصة وأقوم بعمل الماجيستير كما أننى عضوة فى البرنامج الرئاسى، ومن سفراء مبادرة حياة كريمة، علاوة على هذا نشرت مجموعة قصصية بعنوان «من الخيال» تضم عدة قصص عن الإنسانية تُعرض فى معرض الكتاب.

 متى بدأتِ سماع الأصوات، وما هى أول الأصوات التى استمعتِ إليها؟

- السمع كان له أكثر من مرحلة فى حياتى. ففى سن 14 شهرًا كان عدد أطباء السمعيات فى مصر محدودًا وتوجهنا إلى إنجلترا أملا فى وجود حل سحرى يُعيد السمع وكان نفس الحل اللجوء إلى المعين السمعى وجلسات التخاطب، فلم تكن عملية زراعة القوقعة ذلك الوقت تجرى على الأطفال أمثالى الفاقدين لحاسة السمع منذ الولادة بـ100 إلى 110 ديسيبل أى صمم حسى عصبى بكلتا الأذنين بل فقط تُجرى على الكبار مُكتسبى اللغة، وحينها كان أول رد فعل لى لسماع الأصوات، وكنت أحب أصوات أوانى المطبخ وأقضى وقتًا طويلًا وأنا ألعب بها وأسعد بأصواتها.

وكانت المرحلة الثانية بعد زراعة القوقعة فى سن 17 عامًا، وكانت هناك مشاكل فى البرمجة الخاصة بالسماعة استمرت لمدة 10 سنوات. وفى سن الـ26 عامًا تقريبًا كان أول صوت أستمع إليه ولم أكن أعرف أن له صوتًا هو صوت سقوط الأمطار، وأيضًا صوت العصفور الذى أضع له قطع الخبز بجانب نافذة غرفتى، عندما استمعت لصوت زقزقة العصفور بكيت ثم تحول البكاء إلى حالة من الانهيار، فأنا لا أعرف إن كان صوت العصفور جميلًا أم لا؛ لكن كان لدىّ شعور أننى فعلًا لن أقول محرومة بل لم أستمتع بتلك الأصوات قبلًا.

 هل تعتقدى أن المستوى الاجتماعى الجيد لأسرتك تسبب فى توفير علاج جيد لكِ، وهل يمكن أن يكون سببًا فى ظهور عثرات فى طريق من ولدوا بحالة مشابهة لحالتك؟

- بالتأكيد المستوى المادى للأسرة يؤثر، وكذلك المستوى الاجتماعى والثقافي؛ لكن يجب أن نلتفت إلى أن تحقيق الهدف والحلم تؤثر فيه عدة عوامل. وفى حالة فقدان حاسة السمع لا بد أن تُقيم كمنظومة كاملة. أولًا المعينات السمعية وعملية زراعة القوقعة مكلفة جدًا، بدون دخل كبير للأسرة لن يتمكن فاقد حاسة السمع من شراء أهم وسيلة له وهى السماعة أو القوقعة، ورغم جهود الدولة حيث تتحمل الدولة إجراء عملية زراعة القوقعة تبع التأمين الصحى وتقديم معين سمعى كل أربع سنوات وهو جهد محل تقدير ولا تقوم به الكثير من دول المنطقة رغم ثرائها؛ إلا أن مستوى دخل الأسرة لا يزال يؤثر على الاستمرارية، فقطع الغيار مرتفعة السعر وكذلك تكاليف جلسات التخاطب والتأهيل للالتحاق بالمدارس والدروس، لهذا كل أسرة لديها فاقد لحاسة السمع تتعرض مهما كان الوضع المادى إلى ضغوط كبيرة، ويصمد ويستمر القادر ومن لديه قدرة على التحمل والاحتمال. 

 كونك متحدثة باسم ذوى الهمم فى الأمم المتحدة كيف يمكن أن تقدمى المساعدة والدعم لهم فى مثل هذه الحالة؟ 

- هناك عدد كبير من الشخصيات والجمعيات التى تقدم الدعم المادى ليستكمل أمثالى رحلتهم؛ لكن رب العالمين اختار لى طريقًا مختلفًا للدعم، فبالتحاقى بكلية طب الفم والأسنان أصبح متاحًا لأمثالى الالتحاق بكليات القمة، وبتخرجى ونجاحى وتأسيس عيادتى الخاصة واستمرارها بفضل من ربنا من 2014 حتى الآن، فتحت طريقًا لغيرى ليكون مثلى وأفضل منى برحلة أكثر يسرًا. فأنا أجد نفسى بدون ترتيب منى بل بترتيب رب العالمين أبذل جهدًا فى تحطيم كل باب موصد أمام من هم فى نفس ظروفى. 

 تحدثتِ سابقًا فى مقابلاتك عن تعرضك لألوان من التنمر حدثينا عنها؟

- جميعنا نتعرض لأشكال عدة من التنمر؛ ولكن بالنسبة لى يكون دائمًا أقسى درجات التنمر هو تسول العلم والشعور بالإذلال فى السعّى لأكون ما أريد وأحلم، فى فترة الطفولة لا أتذكر كثيرًا عن التنمر أو المعاناة بل كل ما فى ذاكرتى معلمات دائمًا ما ترتسم على وجوههن نظرات السعادة والفخر والثناء على نجاحى وتفوقى، وزميلات حتى المرحلة الثانوية كن أخوات ومازلنا على تواصل رغم تباعد المسافات؛ لكن فى نفسى وقلبى وعقلى محفور أقسى وأسوا سنوات عمرى أثناء الدراسة الجامعية وحتى الآن بمرحلة الماجيستير أحيانًا أبحث لهم عن سبب لتلك القسوة فلا أجد سوى دموع تنهمر واستعادة الذكريات المريرة مع زملاء الدفعة وبعض الأساتذة، وتصبح مثل كرة الثلج تتذكر موقفًا فتتحول كرة الثلج إلى جبل من الثلج، فأجد أن عدم تذكرها هو الأفضل وأن أعتبر ما حدث ربما عن ضعف إيمان أو ضعف إنسانى وقصور فى التربية.

إذن هل تعتبرين أن استخدام مصطلحات مثل معاق وذوى الهمم مصطلحات لائقة لوصف حالتك، أم أنها مصطلحات مجحفة تقوم بعمل إقصاء للشخص؟

- أنا ضد تصنيف البشر وأصاب بالضيق بمجرد استخدام أى مصطلح لتصنيف الآخر، فنحن جميعًا من خلق الله نفخ فينا من روحه، وجودنا مكمل للآخر، واختلافنا حكمة الخالق العظيم. لم يُصنفنا بل نحن من اختلقنا هذا التصنيف. أى مسمى وأى مصطلح يسبقه كلمة ذوى يُشْعَر معه بالإقصاء؛ فليس هناك شخص كامل وبناء على تلك القاعدة يجب أن نكتب أمام كل إنسان ذوى.

ما هو أهم ما يميزك الآن كطبيبة أسنان تعانى من مشكلة فى السمع؟

- فى تصورى أن ما يُميزنى نابع من طبيعة ظروفى. بمعنى أنى أسعى دائمًا إلى التعلم وأن أكون الأفضل مهنيًا حتى أؤكد للمجتمع أننا قادرون بشكل متساوى مع الجميع وأحيانا متميزون بشكل أفضل، متميزون كذلك بمشاعرنا التى كثيرًا لم يعبأ أحد بها، فأصبحنا أكثر لينًا ورحمة ورغبة صادقة فى ألا نجرح الآخر مقدرين معنى الألم، وأن أبذل قدر استطاعتى لكى أكون سببًا فى التخفيف عنه.

عند ظهورك بكل المقابلات لا ترغبين بالحديث عن أحلامك وما ترغبين فى تحقيقه مستقبلًا لماذا؟ 

- ليس لدىّ أحلام بل لدى أهداف، ومثل أى إنسان يمر عليه لحظات ضعف ورغبة فى تحويل حياتى إلى هدنة دائمة، وغالبًا ما يكون هذا من قسوة قلوب البشر، فالناس تُصفق وقت التكريم؛ لكن نفس الناس ونفس اليد لا تلتفت لكِ وقت المطالبة منهم بالدعم، وأقصد هنا الدعم فى توفير سبل الإتاحة لأستطيع الاستمرار والنجاح، وليس دعمًا باستثناء من واجب مكلفة به.

 إذن ماذا ستفعلين إذا وصلتِ لمنصب قيادى مثل منصب وزيرة الصحة، فما هى خططك لإفادة فاقدى السمع أو أى شخص فاقد لأى حاسة؟

- إذا وصلت إلى منصب أتمنى أن أكون قادرة على تطبيق ما يُنشده الرئيس لذوى الهمم، فى الواقع أن أجعل وجودهم طبيعيًا فى أى مكان وأن ينافسوا على أى وظيفة بقدراتهم ويُقيّموا وفقًا لها، وأن تتوفر لهم سبل الإتاحة فلا يحتاج أى شخص منهم لأخ أو صديق أو مرافق ليعيش حياة عادية، كل ما أنشده هو تغيير مفاهيم راسخة بتصنيف البشر وأتمنى أن يصبح نجاحنا وتفوقنا ليس استثناء.

 حدثينى عن خطابك فى الأمم المتحدة كيف عرفتى عنه، وما الذى طرحتيه فيه؟

- تلقيت اتصالًا من الأميرة نسرين الهاشمى تطلب منى إلقاء كلمة بالأمم المتحدة، وكانت تلك المرة الأولى التى تقف فيها فاقدة لحاسة السمع لتتحدث فى كلمة بعنوان «حتى لا نقول أحد خلفنا».

حدثينى عن لحظة التكريم من الرئاسة خصوصًا أن والدتك قالت سابقًا أنكِ كنتِ تمرى بحالة نفسية سيئة قبل التكريم فما سببها؟

- كان تكريم الرئيس أسعد يوم فى حياتى لأنه كان بعد فترة طويلة وصعبة جدًا بالجامعة، وتجاهل تام بأن حصولى على بكالوريوس طب الفم والأسنان فتح بابًا جديدًا وأملًا بدأ معى ويكتمل بشكل أفضل وأيسر لغيرى، كنت يوم التكريم وسط مجموعة غاية فى الروعة سعيدة بى ولى، كان التكريم مكافأة من رب العالمين عن سنوات من التعب والصبر واحتمال ظلم البشر، لا أعتقد أننى قادرة على وصف الشعور أن تجدى رئيس الدولة فخورًأ بكِ سعيدًا بنجاحك، متابعًا لخطواتك وأعمالك.

 أنتِ أيضًا شاركتِ فى إعلان عن باقة إرادة لبنك أبو ظبى حدثينى عن مشاركتك وكيف يمكن أن تؤثرى من خلاله فى المجتمع؟

- أنا أرى أن الوجه الإعلانى لا يشترط أن يكون فنانًا أو شخصًا كاملًا؛ لكن الأصح أن يكون مشابهًا لكل الناس، فلماذا لا يتم اختيار شخص فاقد لحاسة البصر ليكون الوجه الإعلانى لماركة نظارات شمسية؟ وكثيرًا كنت أتساءل متى ستقوم شركات معجون الأسنان باختيارى للمشاركة فى إعلان، فمثلما نتواجد فى كل بيت وكل أسرة فمن حقنا أن يكون تواجدنا على الشاشة أمرًا عاديًا. فالناس تندهش عندما تجد شخصًا فاقدًا لحاسة لا يحتاج لمساعده، ولا دعم مادى، ولا تعاطفًا. هذا حدث لأن الإعلام فى الأساس رسخ فكرة أننا ضعفاء، وإن أى نجاح لنا إعجاز وإنجاز. وهذا الأمر فى حد ذاته إدانة للمجتمع بالكامل، فالمجتمع الذى يفرض على شريحة من أولاده أنهم عبء وحياتهم قاسية وصعبة، وكل ما يعرضه صور للسخرية والتنمر والمعاناة هو مجتمع مقصر، والدتى كانت دائمًا تقول لى أنا سعيدة أنكِ حققتِ هدفك وأصبحتِ طبيبة أسنان جيدة؛ لكن سعادتى الحقيقة أنكِ رغم كل شىء كبرتِ إنسانة سوية نفسيًا تحبى لغيرك ما تحبين لنفسك.

 بعد أن قطعتِ هذه الرحلة، ما الفرق بين إسراء الصغيرة وإسراء الحالية؟ ماذا تغير فيك بعد مرور كل تلك السنوات؟

- أتمنى أن أكون قد تغيرت للأفضل. لكى أكون صادقة فقدت كثيرًا من البراءة وأصبحت أقل قدرة على تصديق الوجوه التى تضحك فى وجهي، وأقل تصديقًا لكلمات الإشادة التى لا تقترن بفعل؛ لكنى أشعر حاليًا بأن تعثر خطواتى وصعوبة الرحلة كانت لحكمة، وكأن الله كان يؤهلنى لدور لم أتصور أن أؤديه.

 بما تنصحين الشباب والبنات المصابين بنفس حالتك، وماذا تقولين لأى امرأة ترغب فى الوصول لحلمها؟

- لا أحد يحب النصائح ولا أنا قادرة على فرض تجربتى وتطبيق نجاحها وفشلها على غيرى. فقط كل ما أستطيع قوله (متديش أى حد فرصة إنه يوقفك أو يكسرك أو يرسملك حدود لقدراتك، حددى الهدف واشتغلى على تحقيقه.. عادى تفشلى وتتعلمى من الفشل، المهم إنك تقفى صامدة سعيدة بكل محاولة ومش شايفة نفسك أقل أو أدنى).