الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف ولماذا؟ حكـــم السيسى مصـــر

كيف ولماذا؟ حكـــم السيسى مصـــر

كيف ولماذا أداتان استفهاميتان تقومان بالإجابة عن تفسيرات ربما لا تكون ظاهرة لبعضنا.. وعندما أنطلق بهذه الأسئلة لأصل للدلالات التى جاءت بسيادة المواطن (عبدالفتاح السيسى) رئيسًا لمصر وهو الذى ظل ضابطا متميزًا داخل صفوف جيشنا العظيم حتى يصل إلى ترؤس إدارة المخابرات العسكرية فـى وقت من أحلك الظروف والملابسات التى اعترت مصر؛ حيث لم يكن للواء السيسى إلا قرابة الشهر الواحد فـى هذا المنصب لتأتى أحداث ثورة 25 يناير 2011.



ومنذ هذا اليوم وهو يحمل على كتفيه عبئًا من أجل الوطن الحبيب مصر لا يعلم مداه إلا الله وحده.. وفـى هذا الكتاب نُجيب عن الجزء الأول من الاستفهام (كيف جاء السيسى لحُكم مصر؟)، ولذا فقد حملنا الغلافَ بتوصيف (الجزء الأول) لأنه يجاوب عن الأسباب والأحداث التى وضعت (السيسى) فـى دائرة الحدث متحملًا تبعات ما كان يمر به الوطن بكل جسارة وبطولة حتى صار نغمة زعيم يتغنّى بها الشعب ويتشبث برجولته وشهامته لإنقاذه، لتأتى بعد ذلك (لماذا حَكم السيسى مصر؟)، وهو ما ستكون إجابته فـى الجزء الثانى إن شاء الله، أمّا فـى هذا الجزء الأول والذى يمثله هذا الكتاب الذى بين أيدينا للإجابة عن (كيف) قام السيسى بواجبه ولم يكن معروفًا للعامّة، وما يفوق هذا الواجب بوازع رضا الله وسيادة وطنه الذى أقسَم على حمايته، ولذا كان واجبنا نحن الذين كنا على مقربة من غرف اتخاذ القرار وتوافرت لدينا المعلومات على مدار الساعة لتصير الحقيقة واضحة أمام أعيننا، عند ذلك نصير- نحن العالمين ببواطن الأمور- علينا توضيح الكيفية التى أتت بالسيسى زعيمًا، وهو ما يوضحه ويطرحه هذا الكتاب الذى يُعَد (وثيقة وطنية) بكل ما تعنى الكلمة من واقع يومياتى فـى مسرح الأحداث وغرف عمليات إدارة شئون البلاد التى كان يمثلها المجلس العسكرى ومجلس الوزراء، ولكن كيف تم لى هذا وسجّلته بكل أمانة ووطنية يحاسبنى عليها الله قبل أى شىء؟.. هذا الكتاب جزءٌ من شهادتى للتاريخ، وهو واجب أصيل لكل صحفى يتواجد فـى قلب الأحداث، وفـى 25 يناير 2011 كان قدرى يسوقنى إلى ما هو أبعد من حقيقة الحدث فـى ثلاثية (التحليل والمقارنة والاستشراف) لأعيش أحداثًا متكاملة بكل مناحيها.

فـى هذا التاريخ كنت قد تجاوزت العام الثلاثين فـى محراب المؤسّسة العسكرية كمُراسلة عسكرية عتيدة ممارسة لعملى بجدية وتحدٍّ حتى صرت مميزة فـى هذا المجال بعون الله، وفـى العام نفسه أيضًا كنت قد قاربت على العشر سنوات مندوبة لمجلتى «روزاليوسف» لمتابعة نشاط مجلس الوزراء، وكنت أقوم بالعملين بكل الإتقان معًا حتى صرت معلومة المكانة فيهما، وأذكر التواريخ لأعطى للقارئ لماذا كان لى باع فـى التواجد عن قرب لمتابعة متخذى القرار فـى هذه الأماكن التى كانت تدار الدولة من خلالها فـى أحلك ظروف قابلت بلدنا مصر مع بداية العشرينية من القرن الـ 21.

وعندما يكون الصحفى فـى ميدان معركة مجسّدة أمام عينيه يتعرض لها الوطن الحبيب يتجرد من كل شىء إلا قلمه وأوراقه وعقله، وهى أسلحته الجبارة التى لها دوران؛ الأول الدفاع (الوقتى) الذى يتزامن مع الحدث شاهرًا رأيه فـى وجه الطاغى والخائن والجبان وذى المصلحة ومع هؤلاء الانتهازية المتأسلمة فـى تبرّج ليس له مثيل فـى تاريخها الدموى إنها (الجماعة) المحظورة دومًا فـى المجتمع المصرى بكل فئاته، والغريب أنها تطلق على نفسها (جماعة الإخوان المسلمين) والإسلام برىء من كل أفعالها وسلوكياتها وتقيتها وتزييفها للحقائق، هذا الدور (الوقتى) للصحفى ليس هو كل شىء رُغم مشقته وضغوطه؛ إلا أن الدور الأهم هو (تسجيل الحدث) من أجل التاريخ والأجيال وحماية الأوطان.

البداية

1

كيف جاءت أحداث أول حُكم جديد فى مصر بالألفية الثالثة لنسترد «دولة الجمهورية» من ميليشيات «الخلافة الأممية»، ونقف عند الشخصية المحورية للحقبة التى قاربت على السنوات العشر من تاريخنا الحديث، المليئة بكشف المستور الذى كان قد بلغ عامه الثالث والثمانين فى يناير 2011م ليخرج من القُمقم مُكشرًا عن أنيابه السامة.. وتبدأ القصة يوم 18ديسمبر 2010م عندما حمَل وزير الدفاع المشير «حسين طنطاوى» ملفّا وذهب إلى الرئيس «مبارك» ليُطلعه عليه ويعتمده منه، يومها تساءلتْ الصحافة بهمسات فى أروقة مكاتبها: لماذا هذه المقابلة المصورة؟ كان التساؤل مفروضًا كون الشارع ينذر بأحداث يتوعدها الشباب والأحزاب والقوى السياسية بعد أن أسفرت نتائج انتخابات مجلس الشعب بأنها سوف تكون لنواب فصيل واحد فقط هم أبناء الحزب الوطنى والباقى (كما كنت). هذا التذمر الذى ارتبط بقرب (توريث الحكم) لجمال ابن مبارك، الذى كانت هناك مؤشرات أيضًا من الحزب الوطنى بحرق أوراق شخصيات بعينها تلقَى القبول فى الشارع، وأولهم «عمر سليمان» الذى أوعزَتْ إحدى الجهات الأمنية بتفويض من الحزب الوطنى وقتها بتعليق لافتات تطالب بترشيح اللواء «عمر سليمان»- رئيس جهاز المخابرات العامة- رئيسًا للجمهورية، وكان المقصود شيئين؛ الأول قياس مدَى القبول لذلك بشكل حقيقى حتى يمكنهم وأده، وأيضًا إثارة حفيظة الرئيس «مبارك» ضد «عمر» الذى كان يثق فيه «مبارك» ليوحوا له أنه ينافسه، وقد أطلق عليه ومعه «صفوت الشريف وفتحى سرور وعلى الدين هلال وآخرون» (الحرس القديم)؛ لأنهم رجال الأب الذى يجب التخلص منهم ليحل محلهم (الحرس الجديد) الذى يمثله «أحمد عز» ولجنة السياسات لنظام حُكم «جمال» المرتقب.. حدث هذا فى صبيحة يوم لم يعرف أحدٌ مَن الذى عَلق ملصقات ترشيح «عمر» ولا يزال «مبارك» على رأس الحُكم، بالطبع تحرك الجهاز الذى يرأسه «عمر» وعرف مَن وراءه وانتزع الملصقات وأزال الكتابة من على الجدران، وذهب «عمر» إلى قصر الرئاسة ليخبر «مبارك» بالملعوب الذى قام به رجال ابنه «جمال» ومعهم «حبيب العادلى»- وزير الداخلية- ورجال جهاز الأمن الذى يتبع وزارته، تفهّم «مبارك» الأمرَ وطيَّب خاطر «عمر» وطلب أن يكون جهازه فى حالة استنفار لما يتوعده البعضُ من القوى السياسية، كانت حتى هذا التاريخ «جماعة الإخوان» فى حالة كمون وترقُّب، بل زادت موالسة لنظام «مبارك» رُغْمَ غيظها من نتيجة الانتخابات النيابية التى أخرجتها من سياق اللعبة السياسية وممارسة دور بها.

نعود للملف الذى كان يحمله المشير «طنطاوى» للقائد الأعلى للقوات المسلحة «مبارك»، والحقيقة أن مشهد الملف يتم مرّتين كل عام فى شهرَى ديسمبر ويونيو فيما يطلق عليه (نشرة الجيش) ليناير ويوليو وما يتضمنه من حركة ترقيات وتنقلات وخروج للمعاش لضباط الجيش، وبعد عرضه على الرئيس يعود به وزير الدفاع ليوقّع عليه شئون الضباط للتنفيذ والتنسيق بين هيئات وإدارات الجيش، كلٌّ فيما يخصه، إلّا أن المشهد السياسى الذى كان ينذر بغيوم الاحتقان كان ينظر لكل نشاط رئاسى بعين الريبة والحذر من أول ديسمبر 2010م، الذى بدأ بوقيعة «عمر سليمان» وانتهى بكارثة «كنيسة القديسين» بالإسكندرية فى آخر يوم من هذا الشهر، والذى جعل «الإخوان» يصطادون فى المياه العكرة لتحمل «العادلى» إنه وراء حادثة الكنيسة؛ لأنه كان يريد الإيقاع بعمر سليمان مرّة أخرى بعد أن جدّد «مبارك» ثقته فيه وأسند إليه مهمة الحماية وتفتيح عينه لمنع حدوث فوضى يستشعرونها جميعًا، ورُغْمَ أن حماية الكنيسة كانت مهمة الداخلية؛ فإن «مبارك» حمّل الجهازين الأمنيَيْن المسئولية «أمن الدولة التابع للعادلى والأمن القومى التابع لسليمان».

وفى خضم تلك الأحداث كانت أهم جبهة متماسكة فى الوطن تعلن رفضها بشدة لنظام «التوريث»، معربين عن عدم سكوتهم فى حال حدوث ذلك، إنها المؤسّسة العسكرية بتاريخها العريق ومواقفها الوطنية التى لا تقبل المزايدة أو التدليل، وقد ذكر «طنطاوى» هذا لمبارك على استحياء ووعده «مبارك» بأن هذا التوريث لن يحدث، إلّا أن كل الشواهد تقول إن التوريث يرسّخ قدومه بقوة ويزيح كل مَن يعترض طريقه مَهما كانت التكلفة، وهذا حدث مع الجيش فى «عيد الأضحى» الذى كان فى نوفمبر 2010م ليفاجأ المشير «طنطاوى» بأن «مبارك» يخبره بأن صلاة العيد لن تكون مع الجيش كما هو معتاد على مدار عشرين عامًا، الذى تقلّد فيها «طنطاوى» قيادة الجيش.. المهم المفاجأة كانت أن الصلاة فى مسجد الشرطة الذى أقامه خصيصًا «حبيب العادلى» بإيعاز من «جمال مبارك» الذى جعل «العادلى» حليفه فى وجْه الجيش الذى يرفضه، وكان هذا الفعل بمثابة إعلان من «جمال» بأنه كرئيس مدنى لن يتخذ من مساجد الجيش مَقرًا لصلاته بالضرورة، يومها كان المشير «طنطاوى» فى غاية الغضب؛ خصوصًا بعد أن علم أن «مبارك» يعانى ضغوطًا كبيرة من ابنه وأسرته للانصياع لما يفكرون فيه من توريث. كتبتُ هذا فى مقال ونشرته فى اليوم التالى بعنوان «هل صلاة العيد تمهيد؟»، ومضمون المقال أنه تمهيد لرئيس مدنى ولكن بالتوريث ونشرته بموقع اليوم السابع.

فى أول يناير 2011م أعلنت حركة الجيش بشكل رسمى، وكان من ضمنها «اللواء عبدالفتاح السيسى ليرأس المخابرات العسكرية وتركه للمنطقة الشمالية الذى كان قائدًا لها حتى 31/12/2010م»، وبَعدها بعدة ساعات بدأت بوادر تحركات فى الشارع المصرى بواسطة بعض «الناشطين السياسيين» الذين كوّنوا ما أطلق عليه «حركة كفاية»، التى صارت بعد ذلك «إنقاذ مصر» الذى بعث من أجلها «محمد البرادعى» وافدًا من الخارج ليقود حركة الفوضى الخلاقة مع آخرين بعد تنحّى «مبارك» فى 11 فبراير 2011م فى اليوم التالى لخطابه العاطفى الذى تجاوب معه البعض، وشكّك فى مصداقيته البعض الآخر؛ خصوصًا عندما طلب مهلة لحين انتهاء مدته التى كانت تنتهى فى أكتوبر ووعد بعدم صعود ابنه «جمال» للحُكم، إلّا أن هذا لم يلقَ القبول لدى المتظاهرين فى ميدان التحرير.

كان قد سبق أن حاول «مبارك» أن يسترضى الشارع، فقام بتعيين «عمر سليمان» نائبًا له و«أحمد شفيق» رئيسًا للوزراء، إلّا أن هذا لم يشفع له، بل ما كان مقبولًا صار مرفوضًا، حتى قبل ذلك بأسبوع كانت الشرطة مرفوضة من قِبَل المتظاهرين الذين تواجدت بينهم عناصر مخابراتية أجنبية والأكثر «جبهة إنقاذ مصر» التى كان يحمل بعض أعضائها أجندات خارجية، وكانت تقوم بالتصعيد والفوضى والتخريب الذى قادته «الجماعة الإخوانية» عندما انضمت إلى المتظاهرين بإيعاز خارجى من أمريكا ولندن بأن تقود عمليات الحرق والتخريب وتفتح السجون وتشتت القائمين على الأمن وهو الجيش الذى نزل بعد انسحاب الشرطة إلّا فيما ندر من عناصرها، وفى بيان التنحى لمبارك، الذى ألقاه «عمر سليمان» كان فيه تكليف للجيش بتولى زمام الأمور فى البلاد.

ومنذ اليوم الأول لترؤُّس «السيسى» جهاز المخابرات العسكرية وجَد نفسَه مُحمّلًا بواجب وطنى جبار استلزم تنفيذ خطة الطوارئ العاجلة للدولة فى تأمين أوراقها ومستنداتها ووثائقها والقيام بهذا على عَجَل لكل ما تحويه أجهزة الدولة المعلوماتية المهمة ووضعه فى مكان آمن لا تصله يد عابث، وما يُضحك أن الغوغاء وأصحاب الملفات القذرة عندما اقتحموا مبنى أمن الدولة وقاموا بالعبث فى أدراجها أخرجوا ملفاتهم فقط، والحقيقة أنها كانت خطة «خداع» قام بها رجال الجهاز عندما سلموا كل القضايا والملفات والوثائق للمخابرات العسكرية التى قامت بتأمينها حتى قاموا بذلك وتركوا بأدراجهم صورًا من تحريات وقضايا هؤلاء المأجورين للنَيْل من وطنهم، ولكن لم يسأل أحد: لماذا لم يعثر هؤلاء الغوغاء الخائنون سوى على ملفاتهم فقط؟!