
عاطف حلمي
ع المصطبة.. «الميتافيرس» والناس اللى خارج «اليونفيرس»
الميتافيرس وما أدراك ما الميتافيرس، صرعة تكنولوجية جديدة تفتح بوابة مشرعة على مصراعيها نحو مستقبل مختلف شديد التطور.
المشكلة لدينا كشعوب العالم الثالث أننا نتعامل مع أى تكنولوجيا مستحدثة من منطلق مزدوج، شقه الأول يتباين بين التطرف الشديد فى رفضه بشكل يصل إلى حد الفوبيا المزمنة باعتبار أنه «مفيش حاجة تيجى من الغرب تسر القلب»، فى المقابل فإنه على النقيض تماماً نجد من يتعامل مع هذه التكنولوجيا بانبهار مفرط، وفى اعتقادى فإنه لا هذا ولا ذاك تصرف صحيح.
على جانب آخر, فإننا نضع بصمتنا الخاصة التى تحيد بهذه المخترعات عن هدفها الجوهرى، فبينما ـ على سبيل المثال ـ تتعامل الشعوب المتقدمة مع الإنترنت كوسيلة للتواصل وتبادل الأبحاث الجادة، نجد أن الشبكة العنكبوتية تحولت لدينا بما تحويه من وسائل تواصل وتطبيقات متعددة إلى ساحات «للهرى» غير المجدى تستنفد من أوقاتنا أثمنها فى أتفه الأمور، والأمثلة فى هذا الصدد ما أكثرها.
نعود إلى الـ«ميتافيرس»، أو Metaverse وهو مصطلح من شقين معناه بشكله البسيط «ما وراء الكون»، وهى تقنية تواصل مستقبلية فمن خلال النظارة التى يرتديها المستخدم سيتمكن من الانتقال بنفسه افتراضيًا ليكون فى مكان آخر مع أشخاص آخرين فى عالم ثلاثى الأبعاد، فيمكن عقد الاجتماعات افتراضياً داخل قاعة افتراضية بينما المشاركون كل منهم ربما يبعد مئات أو آلاف الكيلومترات عن الآخرين.
التقنية ليست بالحديثة تماماً، لكنها مزيج بين تقنيات موجودة بالفعل، أما الفكرة ذاتها فتناولتها أفلام الخيال العلمى ولعل أبرزها فيلم «افتار».
لكن السؤال، كيف نستفيد منها فى مصر؟
تخيلوا إذا استخدمنا هذه التقنية فى الترويج للمناطق السياحية والأثرية، بحيث يتجول فيها المستخدم ويرى كل تفاصيلها وهو فى مكانه، المؤكد أنها ستكون خير وسيلة ترويجية.
أما على المستوى الاقتصادى فالأمر سيكون مستقبلياً واسع المجالات، فعلى سبيل المثال يمكن لمدير أى شركة أو مصنع التجول داخل أروقة شركته أو مصنعه ليراقب سير العمل بينما يكون جالساً على أحد الشواطئ فى رحلة استجمام، أو مستلقياً على فراشه داخل غرفة نومه.
المتوقع من هذه التقنية الجديدة، حالها حال غيرها من المخترعات الجديدة، أنها ستؤدى إلى خلق وظائف ومهن جديدة، وبطبيعة الحال ستؤدى أيضاً إلى اندثار مهن أخرى تقليدية، كما ستؤدى أيضاً إلى ابتكار العشرات من التطبيقات الحياتية المعتمدة فى عملها على هذه التقنية، بل ربما ستختفى التطبيقات الحالية ومنها وسائل التواصل على شاكلة «فيسبوك» و«تويتر»، ما لم تطور هذه التطبيقات من نفسها لتواكب النقلة الجديدة.
أيضاً فإن تكنولوجيا الجيل الرابع الحالية ستصبح من الماضى، لأن الـ«ميتافيرس» ستحتاج إلى تكنولوجيا الجيل الخامس، ومن ثم ستسعى الحكومات إلى طرح تقنيات الجيل الخامس، وتحسين البنية التحتية التكنولوجية.
لكن أين نحن مما يحدث حولنا الآن؟
للإجابة عن هذا السؤال سأعود بكم إلى الماضى القريب فى الهند، فعندما تولى راجيف غاندى رئاسة الوزراء هناك، وجد أن بلاده تمتلك ثروة بشرية هائلة، لكن فئات كبيرة من شعبه فقيرة، فتفتق ذهنه عن فكرة عبقرية، تكمن عبقريتها فى بساطتها، وهى الاهتمام بصناعة البرمجيات، وهى صناعة تعتمد بشكل أساسى على العنصر البشرى، شخص يجلس أمام كمبيوتر ويبتكر برامج حوسبة جديدة، لتصبح الهند اليوم من الدول الرائدة فى مجال البرمجيات، بل وتمتلك ميزة تنافسية فى كون البرنامج الهندى يباع بأسعار تقل كثيراً عن مثيله الغربى.
لذلك، فإن توجه الدولة المصرية الحالى فى التوسع فى الكليات التكنولوجية خطوة على الطريق الصحيح، وفى السنوات المقبلة لن تصبح كليات القمة هى كليات الطب والهندسة التقليدية، بل ستكون الريادة للتعليم التكنولوجى الحديث، والشعوب التى لن تواكب هذه الطفرات التكنولوجية المتتالية فإن مصيرها سيكون خارج «اليونيفيرس».