الثلاثاء 17 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
ع المصطبة.. التدين والتنمر

ع المصطبة.. التدين والتنمر

ظاهرة التنمر باتت ترخى بظلال قاتمة على المجتمع المصرى، الجميع يتنمر على بعضه البعض، وإن اختلفت درجات التنمر، وفى واقع الأمر فإن التنمر فى حد ذاته هو فعل إدانة من المتنمر تجاه الآخرين، ولهذه الظاهرة جذور ترتبط بظاهرة أخرى هى التدين السطحى.



فرق كبير بين التدين والإيمان، فالتدين هو الاهتمام بظاهر الأمور، بينما الإيمان يظهر من خلال الأعمال والأفعال، فلا معنى للصوم والصلاة، بينما على سبيل المثال، يستحل الموظف راتبه وهو يختلق الأساليب ويبدع فيها من أجل التهرب من واجباته الوظيفية، بل إن كسر إشارة المرور عمل يتنافى مع الإيمان.

كما نجد محل الفاكهة على سبيل المثال يصدح فيه صوت القرآن أو القداس، لكن لا يتورع صاحبه عن غش زبائنه بوضع الفاكهة الطازجة فى الواجهة وأسفل منها الفاكهة المعطوبة، باعتبار ذلك من أساليب الشطارة والفهلوة.

المؤمن يراقب أفعال نفسه ويزداد اتضاعاً كلما تعمق فى إيمانه، بينما المتدين يراقب أفعال الآخرين، لذا يتحول إلى قاضٍ يطلق أحكام الإدانة على من سواه، ولا ينظر إلى ما يرتكبه من أخطاء.

المتدين يؤمن فى قرارة نفسه أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ويصل به الأمر إلى أن يمنح هذا صكوك دخول الجنة، ويصدر حكماً على ذاك بالكفر ودخول النار، فهو يضع نفسه فى مرتبة تفوق حقيقته البشرية.

فلو افترضنا أن هناك من يعمل لدى شخص آخر، فهل يحق لى أن أحكم عليه وأحاسبه أم أن من يحاسبه صاحب هذا العمل؟ بالطبع لا يحق لى، فإذا كان الأمر كذلك فى شأن بسيط كهذا، فكيف للإنسان أن يضع نفسه مكان الخالق سبحانه وتعالى ويحاسب مخلوقًا مثله.

ومن مفارقات هذه الحالة الغريبة التى تجتاح المجتمع المصرى، أننا نجد على سبيل المثال، شخصاً يستمتع بالأعمال السينمائية والتليفزيونية، إلا أنه فى قرارة نفسه يعتبر أن أى فنان مصيره الهلاك فى جهنم، لا لشىء سوى أنه ممثل، وما أكثر التعليقات التى نراها على أى خبر عن هذا الفنان أو هذه الفنانة، والفنانات ربما الأكثر عرضة لهذه النظرة التكفيرية، ما لم يكن الفن فى حد ذاته أمرًا حرامًا لدى مثل هذه الشرائح من المتدينين.

ولأن السلوكيات السلبية مثلها مثل أى مرض ينتقل بالعدوى من خلال التفكير الجمعى للمجتمع، فإن الأمر امتد ليشمل الكثير من مناحى الحياة عبر وقائع تنمر متزايدة بشكل مخيف، فى حين أن معظم المتنمرين ما لم يكن جميعهم بهم من النقائص ما يفوق بكثير ما يصفون بهم ضحاياهم.

فى المقابل، فإن من أبرز سمات المجتمعات المتحضرة، ألا يسأل أحد شخصاً آخر عن دينه وإذا ما كان يصلى أم لا، ولا يسأله عن راتبه أو أى من خصوصيات حياته، وأذكر واقعة نشرتها إحدى الصحف السويسرية عن امرأة سويسرية كانت تؤجر بيتها فى الصيف للسياح العرب، إلا أنها اتخذت قرارها بعدم التأجير للعرب حتى لو كلفها الأمر ترك بيتها طيلة الموسم بلا مستأجرين.

السيدة السويسرية بررت موقفها بأن السياح العرب يتدخلون فى خصوصياتها ويسألونها عن دينها وإذا ما كانت تؤمن بوجود الله أم لا، كما أنهم يسألونها عن دخلها المالى، وفوق كل ذلك يتعاملون بتنمر وتعالٍ معها فعندما يطلبون منها أى شىء لا يقولون ذلك بتهذيب ولم يقل لها أحدهم «لو سمحتِ» أريد هذا الشىء أو ذاك، عملاً بنظرية «بفلوسى».

مشكلة التنمر لدينا نابعة من حالة التدين الظاهر التى تطغى على المجتمع والتى امتدت من الشأن الدينى إلى الكثير من أمورنا الحياتية اليومية، لذلك فإن مقولة أننا شعب متدين بطبعه صحيحة، لكن السؤال كم منا مؤمن حقيقى يدرك أنه ليس بأفضل من خلق الله الآخرين؟